لجريدة عمان:
2024-09-21@20:06:49 GMT

عن إلياس خوري وعن بيروت

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

لم أصدق أن بيروت التي كنت أتخيلها انتهتْ إلا ظُهر الأحد الماضي؛ حين قرأتُ نبأ رحيل إلياس خوري على فيسبوك. حينها أدركتُ فقط أن علاقتي الشخصية ببيروت التي لم أزرها يوما لم تكن أكثر من «نوستالجيا ثقافية». هكذا تندثر بيروت المتخيلة التي اكتشفتها لغة عبر الأدب؛ وهكذا تغيب معالمها بغياب أبرز معمارييها اللغويين في ذاكرتي.

غاب إلياس خوري في توقيت خطر وقاسٍ من عمر المدينة. فلم يكد مشهد رحيله يكتمل حتى دخل لبنان بعد يومين مرحلة جديدة من الحرب، إذ أعلن الإسرائيليون فعليا عن بداية حروب الخيال العلمي مع اللبنانيين، حين فجروا أجهزة البيجر واللاسلكي في أنحاء متفرقة من لبنان، ولم تتوقف تهديداتهم عن إعادة بلد الأرز إلى العصر الحجري.

بعد كارثة المرفأ المروعة في 4 أغسطس 2020، شعر إلياس خوري بموت مدينته كما لم يشعر من قبل طيلةَ حياته فيها. موتها البطيء والثقيل بدا له أشبه بموت اللغة؛ فموت المدينة يمحو حياة سكانها كما تمحو اللغة بموتها ذاكرة من يتحدث بها، كان عليَّ إذن أن أصدق حقيقة الانهيار قبل سنوات. كان عليَّ أن أصدق بأن «بيروت مدينة العالم» لم تعد موجودة بعد انفجار مرفئها الذي منحها الدور والوجاهة حين قرر إبراهيم باشا تطويره في القرن التاسع عشر، وربما كان علي أن أصدق انهيار بيروت المتخيلة قبل الكارثة بسنوات، حينما تصاعدتْ شكوى سكانها من رائحة النفايات، لكنني آثرتُ تأجيل الحقيقة لأن إلياس خوري ما زال يكتب مقاله بانتظام في «القدس العربي». استمراره بالكتابة، كتابة الحاضر كما يقول، كان كافيا بالنسبة لي حتى أشعر بأن بيروت زمنٌ مطلق يقاوم فناءه، مهما تخلَّف المكان عن مواكبة الأحلام ومهما انهارت بُنيته.

يمكننا أن نتخيل بيروت على أنها حوار فريد بين الأدب والهندسة، أو مدينة صغيرة تتنافس على ما تبقى من مساحاتها المفتوحة أحلام المثقفين وخيالات المهندسين وطموحات رجال الأعمال والسياسيين. هنا أتذكر مشهدا بعينه لعمر أميرلاي في فيلمه «الرجل ذو النعل الذهبي»: يسلط أميرلاي عدسته «الجارحة» على رفيق الحريري وهو يتملى البحرَ والجبالَ والبيوتَ من شرفته العالية المطلة على سطوح المدينة، فيوقظه من أحلام يقظته بسؤاله: «دولة الرئيس، بيروت رح تكفيك؟» فيرد الحريري ضاحكا: «هذا سؤال ملغوم»!

بعد سنوات قليلة من انطفاء الكاميرا عن ذلك المشهد سينفجر الحريري في سيارته ببيروت. يكفي أن يقف المرء على الحفرة الهائلة التي خلَّفها الانفجار في الأرض ليدرك قوة الجريمة وإصرارها على نسف الحريري. دخلت المدينة بذلك اليوم في صدمة نفسية لم تستفق منها إلا على وقع الاغتيال التالي الذي راح ضحيته الكاتب والصحفي اللبناني سمير قصير بعد أقل من أربعة أشهر، والذي كان -للمصادفة الساخرة وحدها ربما- أحد الثلاثة الذين استعان بهم أميرلاي في فيلمه هذا برفقة إلياس خوري وفواز طرابلسي، ممن كانوا معارضين لمشروع «سوليدير» الذي تبنته حكومة الحريري لإعادة إعمار بيروت بعد الحرب الأهلية وتوقيع اتفاق الطائف.

كانت المشاريع الكبرى للمال السياسي في بيروت تكمل محو ما تركته الحرب من دليل وعبرة. وكانت مهمة الإسمنت هي محو بصمات الجريمة وتجاوزها دون التدقيق في الماضي ومحاسبة المذنبين. لذا فقد رأى إلياس خوري ورفاقه أن إعادة إعمار المدينة وفقا لمخطط سوليدير هو محو لذاكرتها وطمر للماضي المؤلم تحت الأسمنت دون معالجته: «كانت الفكرة ألّا نسمح للحرب وقَيم الرأسمال المتوحّش التي التصقت بها، عبر اتفاق الطائف وبَعده، أن تكون مهندس مدينتنا الوحيد. صحيح أنّ الحروب هي أكبر مهندس تنظيم مدني في التاريخ، لكنّ الصحيح أيضا هو أنّ البشر يعيدون هندسة ما صنعه توحّش الحروب بنكهة البُعد الإنساني الذي يدافع عن قيَم الحياة. غير أنّ محاولتنا الفاشلة كانت النذير الأوّل لمسار الخراب الروحي والمادي الذي سيجتاح وطننا الصغير».

لطالما جعلتني بيروت المتخيلة أتساءل: هل صيتُ أدبٍ ما ومكانته وشيوعه مرهون بصيت المدينة التي يُكتب فيها أو عنها؟ ألكلِ شاعر أو كاتبٍ مهم مدينة مهمة ينتمي نصه إليها؟ بتأمل عابر في تاريخ الأدب لا بد أن تستوقفنا حالات مدهشة وعظيمة لتقاطع سِير المدن بسِير أدبائها: نتذكر حلبَ أبي الطيب المتنبي وإسكندريةَ قسطنطين كفافيس وغرناطة لوركا وقاهرةَ نجيب محفوظ... أما بيروت فقد كانت الاستثناء في جغرافيا الأدب العربي منذ سبعينيات القرن الماضي، عجز سياسي يقابله تحقق ثقافي وانفتاح لا نظير له في العالم العربي. كان صغار الأدباء غير المتحققين والهاربين من القمع السياسي في بلدانهم يأتون إلى بيروت بحثا عن هامش للكتابة في صحيفة من صحفها، حالمين بأن يصبحوا نجوما كبارا، فقط لأنهم يكتبون من بيروت، وكأن المدينة قد أصبحت خِتم اعتراف أو علامة تجارية في تاريخ الأدب العربي المعاصر.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلیاس خوری

إقرأ أيضاً:

د. ممدوح حمادة: أنتمي للأدب الساخر والكوميديا السوداء وأكتب بكل صنوف الأدب

كاتب ساخر ولكنه لا يبتسم إلا قليلا، يبدع في أعماله الكوميدية على الشاشة الفضية التي قدم لها أجمل ما تم إنتاجه من أعمال فيها الكثير من الكوميديا الناقدة والرزينة والتي تعد رائدة وقيمة إبداعية مضافة، إنه الكاتب الدكتور ممدوح حمادة الذي يحمل في داخله مشروعات كثيرة في عالم الأدب والدراما وأدب الأطفال.

كاتب يعيش هاجس القلق ويكتب دون خوف، يدرك أن الكتابة فيها الكثير من السمو الإبداعي، درس الإخراج لكي يزيد من معرفته في عالم الدراما أكثر، كانت بداياته مع «عيلة ست نجوم» ثم توالت الأعمال، إلى أن وصل إلى العمل الذي لاقى استحسانا وقبولا واسعين وهو ضيعة ضايعة والخربة.

غاب عن الساحة الدرامية لسنوات ولكنه سيعود إليها من جديد، يتميز ببساطته وعفويته في الحديث، استضفناه في هذه المساحة ليتحدث عن مجمل تجربته الأدبية والدرامية.

لماذا أنت غائب عن الساحة الدرامية، متى سنراك تعود إليها؟

هي استراحة قليلا لصفاء الروح، وإن شاء الله سأعود للشاشة وقريبا جدا، لدي أكثر من عمل أحده دراما اجتماعية وفيه مسحة كوميدية، والثاني قريب من التاريخ.

قدمت عمل «ضبو الشناتي» كيف كانت ظروف العمل؟

عندما قدمت العمل كنص كان هناك رأيان واحد متحمس، والثاني رافض له، وعلى صعيد الرقابة كان شبه مرفوض، والأوضاع كانت صعبة لأني في «ضبو الشناتي» تكلمت عن كل الفئات، وللأسف عانيت كثيرا بسببه، الحلقة التي تتكلم عن المعارضة يتم اتهامي أني مع السلطة، وأنني مكلف بكتابة العمل من قبل جهات ما، اتهام بمنتهى السذاجة، والحلقات التي تتحدث عن الموالاة يقولون عنك كلام معاكس وأنني إرهابي مثلا، وهذه التهم توجه علنا على السوشال ميديا، لذا هذه الأعمال فيها صعوبة ودائما تجد فئة من الجمهور تحس أنها هي المستهدفة بكلامك، فمثلا تتكلم عن شخص متدين لكنه منافق، فتوجه إليك تهم أنك تهاجم الدين، وهناك نوع من التنمر مسيء لي، عانيت الأمرين ولكن لم أتمرغ بالوحل حتى أرد عليهم. أنا قدمت رؤية وجدانية وصادقة فيها الكثير من الواقع والكوميديا السوداء.

كيف استوحيت فكرة عمل «ضيعة ضايعة»؟

لم تكن فكرة موحدة هي قصص كتبتها من قبل كانت بعيدة عن ضيعة ضايعة، لكنني قربتها لها بالضرورة الدرامية، وأغلبها خارج المنطقة الجغرافية لضيعة ضايعة، وكنت أريد تقديمها ضمن قصص ألف شاردة وواردة لكني قدمتها كأفكار وأعمال في ضيعة ضايعة وبقعة ضوء والخربة وأعمال أخرى خارج سورية.

نجاح الأعمال التي قدمتها إلى أي مدى حملك مسؤولية أن تقدم شيئا مميزا؟

أصبحت عبئا بالنسبة، وأحاكم بسببها، لأن الآخرين يقدمون أحيانا أعمالا تافهة لكن الجمهور يستوعبها ويتفاعل معها، لكن الجمهور يطالبني بأن أكون دائما بمستوى ضيعة ضايعة أو أفضل، في الكوميديا ليس لديك معايير تعتمد عليها كي تصل للمشاهد، الذي لا يفهمك أحيانا، أو ينتظرون منك عملا على نمط ضيعة ضايعة وهذه أحد أسباب مشاكلي وتأخري في الكتابة، وأصبحت في حالة قلق، ولم يعد لدي خيارات، إما أن أقدم عملا خارقا، أو أن أكون فاشلا، النجاح أصبح الآن صعبا، لأن كل شيء أصبح يقارن بما قبله، قدمت أعمالا بعد ضيعة ضايعة كانت بالنسبة لي أحب لقلبي منه مثل الواق واق مثلا، لكنه قوبل بداية بالاستنكار، لكن بعد عرضه أكثر من مرة تفاعل معه جزء من العالم، ومنهم أناس انتقدوني في البداية ثم اعتذروا مني لاحقا، فالنجاح دائما عبئ على الشخص.

ضمن الأعمال التي قدمتها من هم الممثلون الذين شعرت أنهم يتقمصون الدور كما أنت كتبته وتشتهي أن يكون؟

في أغلب الأعمال التي قدمتها أغلب الممثلين أدوا أدوارهم بشكل متألق، مثلا في ضيعة ضايعة كانوا جميعهم نجوما وقدموا الكثير وأسهموا بنجاح الشخصية والعمل ككل.

ككاتب هل يمكن أن تصنف نفسك بأنك من كتاب الأدب الساخر؟

غالبية أعمالي قدمت فيها أدبا ينتمي في معظمه إلى الأدب الساخر، لكن هذا لا يمنع أنني أكتب بصنوف الأنواع الأخرى من الأدب، ويمكنني القول في أحيان كثيرة أن كتاباتي تنتمي للواقعية بمجملها أو لتسميات أدبية أخرى.

تابعنا لك مجموعة من القصص وأطلقت عليها مشروع كتابي، إلى أين يمتد هذا المشروع، وما فحواه؟

هذا المشروع القصصي كنت أجهزه تحت عنوان «ألف شاردة وواردة» على نمط ألف ليلة وليلة، وكان المفروض أن يحتوي على ألف قصة وقصة، ولكونه يحتاج إلى وقت طويل لإنجازه، فاتفقنا ودار النشر على إصداره على شكل مجموعات قصصية تحت عنوان «دفاتر ممدوح حمادة» لأنها كلها مكتوبة فعلا وموجودة على دفاتر قديمة كتبتها سابقا، عندي «دفتر الأباطرة» أبطاله كلهم أباطرة و«دفتر الحرب» كلها قصص وقعت في الحرب، و«دفتر الحب» قصص تتعلق بحكايا المحبين، كل كتاب تحت عنوان، وأصبح عددها ثماني دفاتر، وهو مشروع سيمتد إن شاء الله طويلا ولا يزال عندي مجموعات غير مكتملة نستطيع أن نتحدث فيها عن موضوعات أخرى مهمة من الحياة، وأتفرغ لإكمالها كي يبقى مشروع الدفاتر قائما.

لك روايتان منها رواية «جلنار» ورواية «المحطة الأخيرة»؟جلنار قدمت بطبعة ثانية وقد تحولت إلى عمل تلفزيوني اسمه «صراع الزمن» وفيها مقولة وحدة وهي «الاستماتة عند الكهولة في البحث عن الشباب»، المقولة باختصار ما فقدته بشبابك لا يمكن أن تسترده بكهولتك كعمرك وأحلامك، والأحلام والطموحات تصغر كلما كبر الشخص فمن الصعب أن تسترد شبابك في الكهولة.

أعمالك الدرامية لاقت حضورا واسعا وانتشارا كبيرا ربما أكثر من أعمالك القصصية والروائية، لماذا تفضل الكتابة الأدبية أكثر من الدراما التلفزيونية؟

بالنسبة لي كلها ينتمي إلى الكتابة وقريبة لبعضها البعض، لكن شخصيا أميل للقصة أو الرواية لأنها كاملة صناعتي، أما السيناريو فستكون فيه أيد أخرى وأحيانا يتعرض لتغيير يؤدي الفكرة كاملة فأنا أميل للكتابة الأدبية أكثر، لأن التغييرات قد تؤدي أحيانا لتغيير الفكرة التي أطرحها فليس كل طاقم العمل أمناء وأحيانا يدمرون العمل هناك غياب ضمير وأخلاق وغرور ومن الممكن أن يتم تشويه العمل، وقد حدثت معي كثيرا فيتم إضافة فكرة أو اثنين ويتم تغيير الهدف تماما، ويصبح بعكس ما كنت أهدف إليه.

هذا يعني أنك تعاني من التدخلات في نصوصك المكتوبة؟

لست أنا وحدي بل كل كاتب سيناريو يعاني منها، التدخلات تأتي بحكم وجود شركاء معك في العمل حتى لو كانت إيجابية فإنها تحد من طرح الفكرة، ناهيك عن الرقابة التي قد تمنع العمل برمته، أما في القصة فإذا منعت من الرقابة يمكنك نشرها في بلد آخر، وإذا منعت في كل البلدان يمكنك نشرها في الإنترنت، ففيها حرية أكثر، الدراما يمكن أن تتجه بهذا الاتجاه مع انتشار السوشال ميديا، لكنها ستبقى محدودة.

قدمت أعمالا باللهجة المحكية إلى أي حد يمكنك توظيف اللهجة لنجاح العمل؟

برأيي اللهجة ليس لها أي دور في نجاح العمل، بل على العكس يمكن أن تحد من انتشاره، سبب انتشار أعمالي التي فيها لهجات هي الموضوعات المطروحة، أما اللهجة فتأتي في المرتبة الثالثة بتأثيرها على انتشار العمل بعد النص والإخراج والأداء التمثيلي، فاللهجة كانت من باب التعريف باللهجة فقط، وهذا كان مشروعا طويلا لكن بسبب الحرب أصبح مستحيلا إلى أجل غير مسمى، ومن المحتمل إذا استقرت الأمور نكمل مشروع هذه الأعمال المحكية.

هناك من يقول استعمال اللهجة المحلية تؤدي إلى فهم خاطئ للعمل، ولا تخدم الدراما كما اللهجة البيضاء التي يفهمها الجميع؟الحقائق تدحض هذا لأن أكثر عمل انتشر هو عمل باللهجة المحكية على نطاق المحافظات السورية وهو مسلسل «الخربة» و«ضيعة ضايعة» هذان العملان كانا مشربين ومغرقين باللهجات المحلية، ومع ذلك حققا انتشارا واسعا، فأعتقد أن موضوع اللهجات لا يؤثر بشكل سلبي على العمل الفني.

هل أثرت دراستك للإخراج على أعمالك الدرامية؟

طبعا لكني درست الإخراج بفترة متأخرة، ومعظم أعمالي كتبتها قبل ذلك، لكني استفدت من دراستي وطورت عملي وتقنياتي لتصبح أفضل، وأصبح لدي علم وأعتمد على الدراسة الأكاديمية، عندما تتلقى التعليم تستبعد الكثير من الخطوات غير المفيدة.

هناك من يقول إن الدراما السورية تعاني من أزمة نص وهو الخاصرة الرخوة للدراما السورية، هل هذا صحيح؟كل الدراما العربية تعاني من ذلك، وربما السورية أقل تعرضا لها مقارنة بالدول الأخرى، لدينا جامعات تدرس مخرجين وممثلين لكن ليس لدينا جامعات تعليمية تدرس مادة السيناريو إلا على شكل كورسات وليس لها مفعول قوي، كما أن عدد الكتاب قليل جدا، وهناك الكثير من المتطفلين على المهنة وكلهم يعملون، حتى أن بعض شركات الإنتاج تقوم بتشغيل عديمي المواهب وتستغني عن الكتاب المحترفين من أجل التوفير، لأن الشخص عندما يبدأ بالكتابة يكون مستعدا للدفع حتى يروج عمله ويتم تصويره، فلذلك أجورهم قليلة، وأغلب المنتجين الآن ليس لديهم فكر واستراتيجية في موضوع الدراما وهم مقلدون، لدرجة أننا أصبحنا نرى رواج الأعمال التركية المدبلجة والمصورة في مواقع التصوير نفسها لكن بممثلين عرب، لذلك هناك أزمة نص، وستصبح أكثر وأسوأ لأن الاتجاه الآن نحو عملية «التتريك» يقضي تقنيا على فئة الكتاب، حيث الاتجاه إلى ورشات الكتاب، ونبذ الكاتب الفرد، وهذا لا يوجِد كاتبا، بل تقتل مواهبه. سابقا كانت لدينا كوادر بسبب تراكم الخبرة وتقديم أعمال كثيرة، فأصبح لدينا فئة مصورين وفئات مختصين بكل ما يخص الدراما، وأصبح هناك طلب على النصوص، وظهرت النصوص الجميلة، الآن غالبية عناصر العمل متطفلون على المهنة لم نعد نرى وجوها مهتمة، بالنسبة لجيلنا عندما كنا نقدم عملا كان بالنسبة لنا مشروعا وليس مجرد عمل نقدمه، ولهذا يكون متميزا وكل شخص يقدم بتخصصه ماهو مميز، ولا يعملون فقط من أجل المال، فأزمة النص سترافقنا لفترة طويلة بسبب دخول متطفلين على العمل الفني من كل الاختصاصات.

قد يفسر هذا الكلام أنكم تقفون بوجه جيل جديد يكتب ما هو مميز من باب الغيرة المهنية..؟

أتحدت بشكل عام، وهناك تفاصيل يمكن أن نعتبرها استثناء والأمر لا يخلو من المواهب، ولكن أتحدث بصراحة عن مشروع يتم فيه قتل الدراما، ومع مرور الزمن وإن استمر الوضع هكذا حتى هؤلاء الشباب سيعانون ولن نراهم، ولا أتكلم عن الأجيال الشابة بأنهم متطفلون، فهناك بعض كتاب جيلي أيضا متطفلون.

ككاتب كيف ترى واقع الدراما وما يطرح فيها بعد ١٣ سنة من الحرب؟

بشكل عام بعيدا عن الحرب يجب أن تتطور الدراما دائما، ولا يجب أن يكون هناك تكرار للموضوعات المطروحة، فإذا قدمنا عملا ونجح يجب أن نقدم عملا ينجح أكثر منه، ولا ندور حول الفكرة ذاتها، فعملية التطور والتغيير يجب أن تستمر للانهاية، خذ مثالا عندما نجح مسلسل ضيعة ضايعة، هناك من عمِل أعمالا مشابهة ولكن لم تنجح، وبعد الكارثة السورية يفترض أن نرجع بشكل أقوى من ذي قبل بالدراما.

كيف يمكن أن نعود أقوى وماهو المطلوب طرحه..؟

الدراما دائما انعكاس للواقع، فيفترض أن ندرس واقعنا، ونقدم موضوعات لها علاقة بالظرف السوري، طبعا سواء داخل سوريا أو خارجها، لأن شعبنا انقسم كثيرا، سوريون في الشتات وسوريون في الوطن، كلاهما فئات من الشعب السوري، فأصبح لدينا تنوع كبير يمكننا مثلا أن نكتب عن السوريين في ألمانيا أو النرويج أو لبنان وتركيا وغيرها أو عن حياة اللاجئين في المخيمات وكل لديه الكثير من المشاكل والنجاحات والمعاناة، وهناك الكثير مما يمكن أن يقدم بدراما مميزة.

بين الكوميديا السوداء والأدب الساخر وأعمال التهريج وغيرها من الفكاهة، ما الذي يعبر أكثر عن المشاعر؟التهريج أحد الأنواع الصعبة من الكوميديا لأنه يعتمد على حركات الجسم، فكل نوع له ظرفه وله مقوماته، مثلا إذا كتبنا الكوميديا السوداء في بلد مثل ألمانيا أو غيرها من دول أوروبا لديها رخاء في الظرف الحالي لا يمكن أن تقدم هذا النوع فيها، يمكن أن تقدم كوميديا سياسية وتنتقد الأحزاب مثلا ويكون المرح هو الهدف الأساسي للكوميديا، بينما مثلا في الاتحاد السوفييتي كان هناك سلطة مستبدة ولم يكن كل شيء متوفر فتجد أسماء مثل زوشينكا وبتروف قدموا كوميديا ساخرة من السلطة، فكان هناك ظرف ملائم ومهمة الكاتب أن يشير إلى هذه الموضوعات، وللسخرية أيضا تصنيفات مثل الهجاء والتهكم وغيرها، فالظرف والحالة ووضع الجمهور المتلقي يحدد نوع الكوميديا التي يتقبلها، مثلا الكوميديا الناقدة في سورية لا معنى لها، بسبب الوضع، وبحاجة إلى كوميديا تضرب في العمق، فبعد أن نتجاوز مرحلة الترفيه والفكاهة هناك مرحلة النقد الذي يدعو إلى الإصلاح، بعدها مرحلة التحريض على تغيير وكراهية الفساد، وهناك نقد هدفه تدميري، فموضوع النقد مستويات تفرضها الظروف.

شاركت في بقعة ضوء هل يمكن أن تعيد تجربتها؟

طبعا أحب كتابة اللوحات، ولدي عمل قادم عبارة عن لوحات ولا أعرف متى يرى النور وبانتظار أن تتبناه شركة إنتاج.

هل هناك مخرج معين يستهويك وتشعر أنه الأقدر على تجسيد نصوصك؟

تعاملت مع عدد من المخرجين، هناك اثنين استمرت تجربتي معهما، أولهم هشام شربجي عملنا سبعة أعمال مشتركة وبعدها فرقتنا الظروف، ففي الدراما إذا اختل توقيتك مع الشخص الآخر فمن الصعب أن يعود، أنا أبدأ عملا وهو ينهي عملا، التجربة الأميز كانت مع ليث حجو أغلب أعمالنا نالت أصداء جيدة وانتشارا واسعا مثل ضيعة ضايعة الخربة ضبو الشناتي والواق واق، فالمخرج الذي تنجح معه يصبح شريكك.

من الذي يطلب الآخر؟

أنا وليث حجو أصدقاء نتفق على تقديم العمل شفهيا، فأقدم له العمل وهو يقدمه للشركة، لأني لست موجودا على الساحة، بينما هو لديه علاقات وتواصل مع الشركات المنتجة، وهكذا نتفق دون تكلف.

هل تكتب تحت الطلب؟

لا..أنا اكتب على مدار ٢٤ ساعة باليوم، لكن إن كنت تقصد يتم تكليفي بالكتابة، فنعم، هناك نوع من البرامج والدراما لا تكوّن فكرتك، مثلا أنا قدمت عددا من الأعمال وبرامج الكرتون على شكل تكليف، لأنها برامج للأطفال وتحتاج لجهد كبير وحجم واسع من المعلومات مثل برنامج «مدينة المعلومات» فيه تخصصات كثيرة والفكرة مطروحة من الشركة وأنا قمت بالكتابة، وقدمت برنامجا آخر اسمه «بيتي العربي» مدينة المعلومات، وكتبت تحت الطلب كليلة ودمنة، وأتمنى أن يُطلب مني هكذا أعمال حيث كتبت كليلة ودمنة بكل ما عندي من شغف وإبهار.

مالذي أخذك للكتابة للأطفال؟

أنا أكتب قصصا ومسرحيات للأطفال منذ زمن بعيد، صحيح أن العمل متعب قليلا لأنك لا تستطيع أن تحتال على الطفل، فهو يواجهك بكل صراحة، ويحتاج معاملة خاصة، لدي قرب من موضوع الأطفال بناء على دراستي، فموضوع الضحك عندهم يكون حسب الفئة العمرية، بالبداية يكون بصريا، مثلا تصور له شخصا يتزحلق بموزة فيضحك كثيرا، بعدها يبدأ يشعر بالمتعة نحو الاكتشاف والمعلومات بالطريقة التي تقدمها، بعضها كوميدي وبعضها غنائي، حيث أقوم بتوظيف المعلومات ضمن القالب المطلوب والمناسب، هناك فقرات درامية تعمل على الكوميديا وهي مستخدمة كثيرا في برامج الأطفال.

هل كتبت للمسرح؟

كتبت مسرحيتين واحدة للأطفال بعنوان «صانع الفراء» ومسرحية للكبار «الجلاد المتقاعد» وهي مسرحية فيها طرح سياسي، وبين يدي مشروع مسرح غنائي لا أعلم إذا كنت سأنجزه.

هل تطعمك الكتابة خبزا؟

قطعا الكتابة الأدبية لا تطعم خبزا عندنا، فهناك الكثير من الكتاب وخاصة الشباب هم من يدفعون ثمن طباعة كتبهم، وأنا شخصيا لا أستفيد ماديا من كتابة الأدب ربما آخذ الشيء القليل، ولكن الأجور في السيناريو أفضل، فكتابة عمل تلفزيوني تعتاش من خلاله لمدة سنة وأنت مرتاح، لكن المشكلة أن المستفيد من هذه الميزة هم الكتاب الذين يكتبون كل يوم سيناريو لا أكثر، ولكن أنت كصاحب مشروع إذا عملت عملا وفشل ستحتاج إلى سنتين حتى تخرج من الصدمة، وتكون قد صرفت كل ما عندك حتى تستكمل حياتك، حتى تكمل حياتك بكرامة.

إلى أي حد يعيش الكاتب مع القلق؟

القلق دائما يأتيك من عدة مصادر، الإنسان الذي لا يعمل في المجال الإبداعي لا يعرف معاناة الفشل، ولا يعرف ردود الأفعال، أحيانا يكون الكاتب ناجح ولا يسلم من الأذى والتعليقات السلبية ولا الانتقادات، وأحيانا يتناول موضوعا ويتمنى لو أنه لم يكتبه، لكن خلال الكتابة كان يراها بمنظور آخر، هذا يسمى القلق الإبداعي، من لا يقلق لا يبدع.

والخوف..؟

الكاتب يجب ألا يخاف في طرح أي موضوع إذا كان يريد أن تكون له مكانة مميزة في عالم الأدب مهما كان الموضوع حساس، وهو شرط من شروط تطور العمل الإبداعي ووصوله إلى الناس وتحقيق أهدافه.

ككاتب كوميديا، هل أنت سعيد؟

كان هناك طبيب نفسي روسي جاءه مريض يشعر بالاكتئاب فكتب له في الورقة اقرأ «زوشنكه» وهو كاتب ساخر، فكتب على الورقة أنا زوشنكه، فطبعا معظم الكتاب الساخرين يكون وضعهم في الحياة مختلف، بعضهم مروا بمعاناة، وأنا لا أعتبر نفسي سعيدا لأني قضيت عمري مشردا، وكان حلمي أن أعيش في البلد، وهذا التناقض يسبب لي حالة من عدم السعادة، توفيت والدتي وثلاثة من إخوتي وأنا غائب عنهم، عندما خرجت كان عمر أخي عشر سنوات، والآن أصبح جدا، ولا أعرف أبناءه، يتملكني شقاء كبير والكاتب الكوميدي غالبا ليس سعيدا، على الأقل من ضمن الذين أعرفهم لا أحد منهم سعيد.

اللهجة المحكية تسهم في انتشار الأعمال الدرامية والنجاح يتعلق بالموضوعات المطروحة

مشروعي الأدبي

مستمر .. وسأعود للدراما قريبا

من أعماله:

1- عيلة ست نجوم

2- عيلة سبع نجوم

3- عيلة ثمان نجوم

5- صراع الزمن

6- قانون ولكن -

7- بقعة ضوء 2 في عدة أجزاء

12- عالمكشوف

13 - شو هالحكي (الأردن)

14- مبروك

15- مرزوق على جميع الجبهات

16- مدرسة الأستاذ بهجت (الأردن)

17- مدينة المعلومات جزأين

19- بيتي العربي (برنامج أطفال)

20- كليلة ودمنة (مسلسل كرتوني).21- كليلة ودمنة (فلم)

22- ضيعة ضايعة

24- الخربة

25 - ضبو الشناتي

26 - أهل الغرام خماسية يا جارة الوادي

27 - مشاريع صغيرة

28- الواق واق

مقالات مشابهة

  • إلياس حنا: غارات إسرائيل العنيفة على لبنان تخدم إستراتيجيات نتنياهو
  • حزب الله يعلن مقتل قائد عسكري آخر بالإضافة إلى عدد من المقاتلين بصفوفه في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت بيروت 
  • عودة النشاط الثقافي بمركز الحرية للإبداع بالإسكندرية من خلال ندوة "باب خوخة"
  • من هو إبراهيم عقيل التي تم تصفيته في قلب بيروت أثناء اجتماع سري تحت الأرض؟
  • د. ممدوح حمادة: أنتمي للأدب الساخر والكوميديا السوداء وأكتب بكل صنوف الأدب
  • من هو إبراهيم عقيل من حزب الله التي أعلنت إسرائيل استهدافه في بيروت؟
  • "ثقافة مطروح" تواصل الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.. صور
  • “خوري” تطّلع على عمليات “إيريني” والتحديات التي تواجهها
  • أمير المدينة المنورة: الخطاب الملكي يؤكد على الخطوات الثابتة التي قادت إلى تحقيق الكثير من المنجزات والمستهدفات