ما إن تُذكر كلمة "الشر" حتى تستدعى المخيلة كل ما هو سيئ وقبيح ومؤلم ومرعب انتهاءً برسم صورة لرمز الشر؛ أى "الشيطان أو إبليس أو لوسيفير أو بلعزبول أو عزازيل" أو أيًا ما كان يُطلق عليه فى الحضارات القديمة أو الأديان حيث بدأت البذرة الخبيثة لما نطلق عليه الشر.
قبل ظهور الأديان السماوية نجد أن الشر ورموزه حاضرة فى كل الحضارات القديمة على مدار التاريخ الإنسانى باختلاف أشكالها، فيطالعنا رمز الشر الفرعونى المتمثل فى الإله ست الذى قتل أخاه أوزوريس، وكذلك نجد رمز الشر الإله موت عند الفينيقيين، أما حضارات الأزتيك والمايا والهند والصين مثلًا فقد تمثل الشر لديها فى وجود آلهة متعددة يدور بينها وبين آلهة الخير الصراع المحتدم ما يلقى بظله على الإنسان الذى يختار مصيره فيما بينها، فيما تم اختزال فكرة الشر فى وجود إله واحد فقط للشر فى مواجهة إله الخير، أو الظلام فى مواجهة النور، فى حضارات دول آسيا بشكل خاص.
بالنسبة للديانات السماوية فنجد الشر فى التوراة ليست له بداية محددة، بل نقرأ عن «شياطين» من جند الإله «يهوه»، يرسلهم لتنفيذ مهام الإهلاك بحق المغضوب عليهم، كذلك يرسل أرواحًا شريرة تُسَلّط على مَن يخطئ فى حق الإله فتتلبسه وتصيبه بالجنون، من أبرزهم «عزازيل»، وهو شيطان عظيم الشأن عالى المكانة إلى حد أنه يقتسم مع «يهوه» قربان الخطيئة الذى يغسل بدمه خطايا الشعب اليهودى.
بينما يعزى الشر فى المسيحية إلى جوانب السلوك البشرى المخالفة للوصايا العشر والتى تمثل خرق أوامر الرب، فالمخلوقات بطبيعتها بما فيها الشيطان ليست شرًا، بل إنه ينتج عن سوء استخدام وتوجيه الحرية، فالشر لا يكمن فى الشىء نفسه لأن كل ما هو مخلوق من الله ليس شرًا إنما يتمثل الشر فى موقفنا تجاه هذا الشىء، وبالتالى يكون الإنسان سبب الشر لنفسه وللآخرين.
أما القرآن فيروى لنا عن إبليس، ذلك المخلوق النارى الذى كان أشد المخلوقات طاعة لله، والذى أدى به غروره وخيلاؤه اللذان واجه بهما الأمر الإلهى «اسجد» إلى عصيان الخالق ومن ثم غضبه عليه وإخراجه من النعيم ولعنه إلى الأبد، فتوعد الإنسان بأنه لن يعدم وسيلة لإغوائه حتى يلقى الهلاك، حينها فقط بدأت قصة الشر ولن تنتهى حتى قيام الساعة.
إذن، فوجود الشر مقرون بوجود الإنسان، وما يعتبره البعض معضلة فلسفية تناقض فكرة الإله الرحيم، يعتبره البعض الآخر -الأستاذ عباس العقاد مثلًا- فاتحة خير، إذ لم يكن للإنسان معرفة قيمة الخير إلا بمقاساته ألوان الشر بصوره المتعددة ولم يكن قادرًا على أن يفرق بينهما، فوجود الشر متمثلًا فى إبليس وضع آدم أمام أعظم اختبار وهى حمل الأمانة - "الحرية" - التى أبت الجبال أن تحملها، كى يعبد الله بإرادته المحضة، ومناط الحكمة الإلهية بأن يبلغ مخلوقه الطينى هذا - الإنسان - أعلى مراتب النورانية الإيمانية التى لم تبلغها الملائكة المطبوعة على الطاعة، فسبحان الخالق الحكيم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خارج السرب الحضارات القديمة الشر فى
إقرأ أيضاً:
إفطارهم في الجنة.. مصطفى عبيد شهيد المفرقعات الذى فدى الوطن بحياته
في يوم عادي، بدأ الرائد مصطفى عبيد الأزهرى يومه كأي يوم آخر، لا يعلم أن لحظات قليلة ستكتب له مكانًا خالدًا في ذاكرة الوطن.
ابن قرية جزيرة الأحرار في القليوبية، خبير المفرقعات في مديرية أمن القاهرة، حمل على عاتقه مهمة كانت شديدة الخطورة، لكنه لم يتردد لحظة في مواجهتها.
ودع زوجته وأطفاله "لارا" و"يوسف"، وعاد إلى عمله الذي كان يتطلب الشجاعة والصبر في مواجهة الموت بشكل يومي، ولكن لم يكن يدرك أن الموت سيأتيه في لحظة كان فيها يواجه خطرًا أكبر.
التقطت زوجته الهاتف، لتطمئن عليه في الساعات الأولى من عمله، فأوصته قائلة: "خلى بالك من نفسك، وربنا يحفظك"، وكان رده مفعمًا بالطمأنينة: "سيبها على الله، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". وها هي ابنته الصغيرة "لارا" التي طلبت منه بألم، "إنت وحشتني أوى يابابا"، فأجابها قائلاً: "هاخلص شغل ياحبيبتى وهاجى على طول"، وكأن الوداع كان أمرًا عابرًا في حياته، ولكن القدر كان يخبئ له شيئًا أكبر.
في تلك اللحظات، جاء البلاغ الذي سيغير كل شيء، بلاغ عن حقيبة مملوءة بالعبوات الناسفة في منطقة أبو سيفين بعزبة الهجانة.
أسرع مصطفى مع زملائه إلى المكان، لكن قلبه المملوء بالشجاعة دفعه ليكون في مقدمة الصفوف، بدأ التعامل مع العبوات الناسفة، وبينما هو في اللحظات الحاسمة، انفجرت إحدى العبوات، لتسجل اللحظة المأساوية سقوطه شهيدًا غارقًا في دمائه، مقدّمًا روحه فداءً لوطنه.
لم يكن مصطفى عبيد مجرد ضابط في الشرطة، بل كان مثالًا للتضحية والشجاعة.
هو ابن أسرة عظيمة؛ فوالده اللواء أركان حرب بالمعاش عبيد الأزهرى وجده أحد شهداء القوات المسلحة في العدوان الثلاثي.
أهالي جزيرة الأحرار ودعوا مصطفى في جنازته وسط هتافات "لا إله إلا الله، الشهيد حبيب الله"، بينما أطلقت سيدات القرية الزغاريد، وكأنهن يودعن بطلًا ترك بصمة في تاريخ الوطن.
الرائد مصطفى عبيد، لم يكن مجرد شهيد في 2019، بل كان رمزًا للإيمان بأن الوطن لا يُحفظ إلا بتضحيات من مثل هذه الأرواح الطاهرة.
مشاركة