عبداللطيف السيد.. “راعي النوب” الذي قاد معظم المعارك جنوبي اليمن
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
قُتل “عبداللطيف السيد” بعملية إرهابية تبناها تنظيم القاعدة يوم الخميس 10 أغسطس/آب في محافظة أبين جنوبي اليمن المنطقة التي ارتبط اسمه بها لينهي قرابة عقد ونصف من حضور اسمه في المعارك جنوب وشرقي البلاد.
قُتل السيد بانفجار عبوة ناسفة استهدفت موكبه في مديرية مودية في “أبين” وهو يقود عملية عسكرية ضد تنظيم القاعدة الإرهابي -الذي تبنى الهجوم- منذ خمسة أيام حيث قام المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات بإعادته إلى منصبه كقائد للحزام الأمني بعد أن فشل القائد السابق وقادة ألوية المجلس في أبين في تحقيق اختراق ضد تنظيم القاعدة في “وادي عومران” أو ما يعرف ب”وادي الموت” بأبين وعدم قدرة الحزام الأمني على التفاهم مع القبائل في المحافظة-حسب ما أفادت مصادر لـ”يمن مونيتور” في المحافظة.
كان “السيد” حصيفاً قادراً على التفاهم مع القبائل والمكونات حتى تلك التي تخالفه في التوجه والآراء- كما أشار شيخ قبلي في “أبين” ارتبط عدة مرات بلقاءات مع “السيد” خاصة بين 2012 و2015 تحدث لـ”يمن مونيتور”.
وشيع جثمانه مع ثلاثة من مرافقيه في منطقة “باتيس” في أبين، عقب صلاة مغرب يوم الخميس، لم تقم له جنازة رسمية ولم تطلق الأعيرة النارية لوفاته.
فما هي قصته؟
تنظيم القاعدة الانتماء والمواجهة
في 2011 عندما سيطر تنظيم أنصار الشريعة -الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب- على محافظة أبين، برز اسم “عبداللطيف السيد” كقائد في التنظيم في منطقة “جعار” مركز مديرية “خنفر”، سرعان بدأت الخلافات بين “السيد” وقادة التنظيم الأخرين.
وقال مصدر مطلع على تحركاته: اختلف السيد مع التنظيم حول سرقة البنوك، ومحلات الصرافة، وأعمال النهب، شعر عبداللطيف أن ذلك لا يحقق انتقاماً للمظالم من الحكومة اليمنية.
في مقابلة عام 2013 قال السيد إنه أيد تنظيم القاعدة بسبب المظالم التي لحقته من الحكومة “حيث ظل ملاحق ظلماً من السلطات طوال خمس سنوات -2005/2011-” لكن بعد عدة أشهر من تأييد للقاعدة “صعقت من كمية الشر عندهم ومن وتعطشهم لسفك الدماء، واجهتهم ولم يعجبهم كلامي”.
بحلول نهاية عام 2011 كان عبداللطيف السيد خارج تنظيم القاعدة، وانضم للقبائل التي تقاتل التنظيم في “جعار”. في 2012 عينه الرئيس اليمني آنذاك عبدربه منصور هادي “قائداً للجان الشعبية في محافظة أبين لمواجهة تنظيم القاعدة”.
ساندت اللجان الشعبية التي قادها “السيد” القوات العسكرية اليمنية التي قادها القائد العسكري البارز اللواء الركن سالم قطن -قائد المنطقة العسكرية الجنوبية- وتمكن حتى منتصف 2012 من تحرير محافظة أبين من تنظيم القاعدة، ليستشهد “قطن” بتفجير انتحاري حزام ناسف استهدف سيارته صباح يوم 18 يونيو 2012م أثناء مروره في المنصورة بمدينة عدن.
ومع انسحاب تنظيم القاعدة على وقع عمليات الجيش في أبين، تدخلت اللجان الشعبية لإرساء النظام وحماية المصالح العامة في تلك المناطق، على أمل أن يكون هذا ترتيبا مؤقتا حتى تعود الحكومة لاستئناف المسؤولية. لكن ذلك لم يحدث، حيث استمرت اللجان الشعبية بالعمل كمسؤولة عن النظام، واستمر غياب الشرطة والمحاكم أو أنها لم تقم بدورها.
وتقول ندوى الدوسري الباحثة المتخصصة باليمن: فشلت حكومة هادي في دعم اللجان الشعبية وهو ما أدى إلى عودة أنصار الشريعة.
الحوثيون والقاعدة والحزام الأمني
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014، امتلك تنظيم القاعدة دعاية مناسبة للوصول إلى القبائل التي تخشى المد الطائفي. قاتل السيد الحوثيين والقاعدة، وعقب تحرير مناطق شاسعة من أبين من جماعة الحوثيين بدأ تنظيم القاعدة في العودة.
بعد فرار الرئيس اليمني إلى عدن في 2015 انتقل عبداللطيف السيد إلى عدن للمساعدة في ردع الحوثيين الذين تمددوا سريعاً، اجتاح الحوثيون المدينة بعد أن غادرت اللجان الشعبية المدينة إلى أبين، شعر “هادي” بالخذلان وفقدان الثقة. خاصة بعد اتهام اللجان الشعبية للحكومة بعدم تقديم الدعم اللازم لمواجهة الحوثيين. اُتهم السيد بتسليم شقيق هادي “القائد العسكري ناصر منصور”.
بقي السيد واللجان في جعار وزنجبار التي لم يدخلها الحوثيون. اُتهم السيد بعقد حلف مع الحوثيين لا يدخل مناطقهم مقابل أن تتجنب اللجان الشعبية الدخول في معارك مع الجماعة المسلحة. ثارت خلافات بين عبداللطيف السيد والرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي. استغلت أبوظبي حالة الجمود في علاقة الرجلين لتقوم بتعيينه قائداً لقوات الحزام الأمني في محافظة أبين. كما جندته إلى جانب قادة اللجان الشعبية الأخرى، وكسبته في إيجاد حضور في أبين مسقط رأس هادي في وقت كانت خلافات أبوظبي مع هادي في بدايتها.
على الرغم من علاقة عبداللطيف السيد مع أبوظبي إلا أنه كان حريصاً على عدم إرسال عائلته وأقاربه إلى الإمارات كما فعل معظم قادة المجلس الانتقالي الجنوبي، على الرغم من مشاركته ضمن قوات المجلس الانتقالي ضد القوات الحكومية اليمنية في شبوة وأبين عام 2019م.
في مقابلة مطلع 2023 قال عبداللطيف السيد إنه حريص على إصلاح أي انتهاك يرتكبه أفراده، حريص على عدم إثارة النزاعات في أبين. لكنه واجه اتهامات بتعذيب معتقلين سياسيين وتصفية جرحى في مستشفى الرازي عام 2019م.
توترت علاقته مع الإمارات كما توترت مع المجلس الانتقالي الجنوبي، جرى تخفيض رتبته إلى قائد للحزام الأمني في واحدة من المديريات في أبين معتمداً على الضرائب والدعم الإماراتي لتسيير قوته حتى استدعائه لقيادة قوات الحزام الأمني قبل مقتله بأسبوع.
محاولات الاغتيال
عقب اغتيال سالم قطن، بدأ تنظيم القاعدة شن هجمات ضد المؤسسات الحكومية وشيوخ القبائل وقادة اللجان الشعبية. كانت أولى محاولات الاغتيال البارزة التي تعرض لها “عبداللطيف السيد” في أغسطس/آب عندما فجر انتحاري نفسه في مخيم عزاء لعائلة “السيد” خلف التفجير قرابة 80 بين قتيل وجريح، وقُتل شقيقه وعدد من أفراد العائلة، وأصيب خلالها السيد بجروح فقد خلالها إحدى عينيه.
وتقول ندوى الدوسري: بحلول عام 2014 ، نجا السيد من 7 محاولات اغتيال وعانى من إصابات منهكة. فقد 3 من أشقائه وعدد من أقاربه في هجمات أنصار الشريعة.
وأضافت الدوسري: كان عبداللطيف السيد رجلاً يتمتع بشجاعة ملحوظة. جلبت قيادته فرصًا ظلت للأسف غير مستغلة. بالنسبة لي، كان صديقًا فقدته وسأفتقده كثيرًا. أشعر بالراحة لأن إرثه سيعيش ويلهم الآخرين لتنفيذ رؤيته.
ظهر عبداللطيف السيد مجدداً في 2017م أمام تنظيم القاعدة، في نوفمبر/تشرين الثاني تعرض السيد لمحاولة اغتيال بزراعة عبوات ناسفة استهدفت موكبه، وتكررت المحاولات بين 2019-2020، كان أخر محاولة اغتيال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قُتل في الهجوم قائد حراسته- حسب ما أفاد مصدر أمني في أبين.
النهاية
في 2012 عقب محاولة اغتيال ظهر عبداللطيف السيد متوعداً تنظيم القاعدة، وقال إنه إما ينتهي التنظيم أو يُقتل وهو يحاول ذلك.
في 2013 قال السيد في مقابلة صحافية إنه بخروج تنظيم القاعدة وتسلم الحكومة اليمنية عملها في محافظة أبين سيعود إلى قريته ليكون “راعي نوب” كما كان قبل قيادته اللجان الشعبية.
قُتل راعي النوب، وسيبقى ما ارتكبه وقام به محل جدل، بين قائد شعبوي باحث عن المال والشهرة أو قائد قاتل تنظيم القاعدة، أو الأمرين معاً.
يمن مونيتور12 أغسطس، 2023 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام ثلاثية فيرمينو تمنح الأهلي الفوز في افتتاح الدوري السعودي مقالات ذات صلة ثلاثية فيرمينو تمنح الأهلي الفوز في افتتاح الدوري السعودي 11 أغسطس، 2023 واشنطن ترحب بتفريغ خزان “صافر” النفطي قبالة سواحل اليمن 11 أغسطس، 2023 الخطر لم ينتهِ بعد.. الأمم المتحدة تعلن انتهاء أزمة ناقلة النفط المتهالكة “صافر” 11 أغسطس، 2023 إيران تعلن بدء الإفراج عن أموالها المجمدة ضمن الاتفاق مع واشنطن 11 أغسطس، 2023 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محلية الأمم المتحدة تؤكد إفراج تنظيم القاعدة باليمن عن خمسة من موظفيها 11 أغسطس، 2023 الأخبار الرئيسية عبداللطيف السيد.. “راعي النوب” الذي قاد معظم المعارك جنوبي اليمن 12 أغسطس، 2023 واشنطن ترحب بتفريغ خزان “صافر” النفطي قبالة سواحل اليمن 11 أغسطس، 2023 الخطر لم ينتهِ بعد.. الأمم المتحدة تعلن انتهاء أزمة ناقلة النفط المتهالكة “صافر” 11 أغسطس، 2023 الأمم المتحدة تؤكد إفراج تنظيم القاعدة باليمن عن خمسة من موظفيها 11 أغسطس، 2023 الحكومة اليمنية تعلن اليوم استكمال تفريغ خزان صافر النفطي 11 أغسطس، 2023 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 اخترنا لكم واشنطن ترحب بتفريغ خزان “صافر” النفطي قبالة سواحل اليمن 11 أغسطس، 2023 الخطر لم ينتهِ بعد.. الأمم المتحدة تعلن انتهاء أزمة ناقلة النفط المتهالكة “صافر” 11 أغسطس، 2023 الأمم المتحدة تؤكد إفراج تنظيم القاعدة باليمن عن خمسة من موظفيها 11 أغسطس، 2023 الحكومة اليمنية تعلن اليوم استكمال تفريغ خزان صافر النفطي 11 أغسطس، 2023 بنغلادش تعلن الإفراج عن أحد مواطنيها المختطف لدى القاعدة باليمن 10 أغسطس، 2023 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 23 ℃ 28º - 20º 30% 1.29 كيلومتر/ساعة 28℃ السبت 25℃ الأحد 25℃ الأثنين 26℃ الثلاثاء 26℃ الأربعاء تصفح إيضاً عبداللطيف السيد.. “راعي النوب” الذي قاد معظم المعارك جنوبي اليمن 12 أغسطس، 2023 ثلاثية فيرمينو تمنح الأهلي الفوز في افتتاح الدوري السعودي 11 أغسطس، 2023 الأقسام غير مصنف 24٬146 أخبار محلية 24٬029 الأخبار الرئيسية 11٬514 اخترنا لكم 6٬246 عربي ودولي 5٬436 كتابات خاصة 1٬972 رياضة 1٬941 كأس العالم 2022 71 اقتصاد 1٬880 منوعات 1٬743 مجتمع 1٬704 صحافة 1٬431 تراجم وتحليلات 1٬405 آراء ومواقف 1٬380 تقارير 1٬357 حقوق وحريات 1٬154 ميديا 1٬143 فكر وثقافة 805 تفاعل 733 فنون 442 الأرصاد 120 بورتريه 59 صورة وخبر 19 كاريكاتير 15 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل © حقوق النشر 2023، جميع الحقوق محفوظة | يمن مونيتورفيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 أكثر المقالات تعليقاً 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 19 يوليو، 2022 تامر حسني يثير جدل المصريين وسخرية اليمنيين.. هل توجد دور سينما في اليمن! 15 ديسمبر، 2021 الأمم المتحدة: نشعر بخيبة أمل إزاء استمرا الحوثي في اعتقال اثنين من موظفينا 20 ديسمبر، 2020 الحوثيون يرفضون عرضاً لنقل “توأم سيامي” إلى خارج اليمن 30 مايو، 2023 الأرصاد اليمني يدعو المواطنين إلى عدم استخدام الأجهزة الإلكترونية أثناء العواصف الرعدية 5 يوليو، 2021 السعودية تعلق على البيان الإماراتي المندد باتفاق أوبك أخر التعليقات diva
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
عبدالله منير التميميمش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
Tarek El Noamanyتحليل رائع موقع ديفا اكسبرت الطبي...
عاصم أبو الخير[أذلة البترول العربى] . . المملكة العربية السعودية قوة عربية...
نصر طه علي شمسانمعي محل عطور. فيـ صنعاٵ...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: المجلس الانتقالی عبداللطیف السید الحکومة الیمنیة فی محافظة أبین تنظیم القاعدة الأمم المتحدة جنوبی الیمن فی الیمن فی أبین
إقرأ أيضاً:
اليمن يصعِّد في “يافا” ويرفع الجهوزية لأي تصعيد
يمانيون../
في قلب المأساة الفلسطينية في غزة حيث تتراكم الأوجاع فوق جراح لم تندمل، يتضح مدى تواطؤ العالم في شرعنة وحشية العدو الإسرائيلي، الذي يعيث فساداً في الأرواح والممتلكات دون أدنى مراعاة للإنسانية. فبين صرخات الأطفال النائمين وأمهاتٍ يحتضن أطفالهن الرضع، يشير الواقع المأساوي إلى حقيقة مؤلمة: الموت هنا لا يميز بين براءة الطفولة وحب الأم. الأحياء يجتمعون على الهرب من صواريخ المحتل، ليجدوا أنفسهم في مواجهة قذائف جديدة في العراء، لتبقى جثث الفلسطينيين المتناثرة بمرمى الإهمال، طعاماً للكلاب الضالة.
ومع استمرار القصف العشوائي، يطال الأذى المستشفيات التي تعاني تحت وطأة الضغوط، حيث تتحول سيارات الإسعاف إلى أهداف، والطواقم الطبية تُستهدف في محاولة واضحة لإبادة معالم الحياة. ورغم صدور مذكرة اعتقال دولية بحق بعض مجرمي الحرب الإسرائيليين، يبدو أن الكيان الإسرائيلي مُمعن في جرائمه، مدعوماً بتأييد أمريكا المطلق وتحدٍ صارخ للقرارات الدولية التي فقدت معناها في وجه القوة.
بطائق أمريكية للتعارف
في هذا السياق وفي الوقت الذي يصر فيه البيت الأبيض على دعم المجازر الإسرائيلية بكل الوسائل، يسارع أحد القادة العرب لتبني الرواية الإسرائيلية وموجها اللوم لـ”إسرائيل” عبْر وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن، ويذهب هذا القائد العربي -في الكواليس- إلى ما هو أبعد من توجيه اللوم، حيث أكد على ضرورة “هزيمة حماس”، مسرّاً لبلينكن: “لن نقول ذلك علناً، لكننا ندعم هزيمة حماس، ويجب على “إسرائيل” هزيمة حماس”.
يحكي القصةَ الكاتب الأمريكي بوب وود ورد في كتابه “الحرب” مضيفا: “وهناك قائد عربي آخر تتبّع خطواتِ القائد الناصح ولكن بالتأكيد لبلينكن: “لا أحتاج إلى حماس بعد الآن، لا أريد عقبات مع أمريكا”. مشيرا إلى أن ذلك جاء على هيئة تأكيد من هذا القائد خلال استقباله توجيهات صريحة حملها بلينكن عن الإدارة الأمريكية مفادها أن “هناك أمرين باسم الرئيس بايدن: أنتم تتعاملون مع حماس بخصوص الرهائن، ونحن نقدّر أهمية وجود قناة للتفاوض”. وأوضح بلينكن في نهاية لقائه به “عندما ينتهي هذا، لا يمكن أن يستمر الوضع كالمعتاد مع حماس. هذا غير مقبول”. في المقابل، لم يكن أمام ذلك القائد العربي من بد إلا أن يؤكد: “أفهم ولن يحدث ذلك. سنبقي القناة مفتوحة الآن لأنكم تجدونها مفيدة. علاقتنا مع أمريكا مهمة جدًا”.
الحوار يكشف عمق الانصياع والولاء الذي يتمتع به هؤلاء القادة للسياسات الأمريكية، حيث يتحولون إلى أدوات لتنفيذ رغباتها. وعلى الرغم من محاولات بعضهم لترويج صورة إيجابية عن موقفهم، إلا أن الواقع يُظهر أنهم يمهدون الطريق للاحتلال ويعمقون معاناة الفلسطينيين.
تصفية القضية الفلسطينية
مع اتساع الفجوة بين القادة الرسميين وإرادة القواعد الشعبية العربية، يظل السؤال عن موقف الأمة العربية ومتى ستستيقظ من غفوتها، يطرق أبواب تلك الإدارات العربية خصوصا التي تُعد نفسها بحذر -من خلال التفاهمات مع الكيان الصهيوني- لتخاطر بفقدان شرعيتها في نظر شعوبها التي تحتج وتُظهر تأييدها للمقاومة بكل أشكالها.
وفي صباح يوم جديد، يقول الكاتب الأمريكي وود ورد- في ذات المصدر- إنه شهد لقاءً جمع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بوزير خارجية إحدى الدول العربية التي تفضل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، خلال هذا اللقاء أكد الوزير العربي لبلينكن أنه “كان ينبغي على ‘…’ أن يعرف أفضل من ذلك. لقد أخبره الجميع بعدم التعامل مع حماس، وكنا جميعاً إلى جانبه في هذا التحذير”. مضيفاً: “حماس هي جماعة الإخوان المسلمين”.
الفزع الحقيقي
في سياق متصل، وفي الوقت الذي تبحث فيه شعوب المنطقة عن إجابة عن السؤال المحير: متى ستستيقظ الأمة العربية من سباتها؟ متى سيتحرك الضمير العربي ليواجه بشاعة الجرائم الصهيونية المرتكبة في غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية؟ وفيما يتضح أن البقاء على الهامش ليس خيارا، فالمقاومة في غزة تستحق الوقوف معها، والتضامن الحقيقي يجب أن يكون بمستوى المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون، تظهر على السطح تساؤلات خطيرة تتعارض مع موقف قوى الإسناد لدعم غزة، كمثل: هل يُعَدُّ إسناد غزة إرهابا؟
هذا السؤال، على الرغم من أنه قد يبدو عابرا بالنسبة للبعض، إلا أن الإجابة عنه تُظهر الفزع الحقيقي، خصوصا عندما تأتي من أحزاب تدّعي أنها تحمل صبغة إسلامية. بل، وتبدو الفاجعة أكبر حين يأتي الجواب من حزب يمني كان يُعَدُّ -حتى وقت قريب- من كبار المستثمرين في قضايا الجهاد لتحرير المقدسات.
قبل انكشاف الأصول المرجعية لذلك المزيج المتناقض من الأفكار والممارسات المستندة إلى السلفية، والانفتاح، والإسلام السياسي، والإخوانية، والدعشنة، وطالبان، وهو ما روج له هذا الحزب في الأوساط اليمنية لعشرات السنين. الحزب نفسه أصبح اليوم يكشف النقاب عن أصول هذا اللفيف المسمى بـ”التجمع” بأنه يتبع إرادة القوى الأمريكية والبريطانية والفرنسية، بل ويظهر وكأنه أحد مخرجات ما يُسمى “الجامعة الإسلامية الكبرى” في “تل أبيب”.
ولماذا لا يكون كذلك؟ خصوصا، وقد أصبح بلا قناع، أداة رخيصة تعمل في فلك أمريكا، يرى ما تراه ويفعل ما تأمره، معبراً بكل حرص عن سلامة سفن الكيان المحتل. وبجل تصرفاته التي تسير وفق ما يملى عليه، يصرخ الخائن العرادة -وهو أحد قيادات هذه الحزب- قائلاً: “أمريكا لم تدمر بلدنا بما فيه الكفاية”!، متوسلاً منها مزيدا من الغارات والدمار. نعم، هذا هو “العرادة” الذي لم يتورع في وصف قصف أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل” لموانئ بلده بـ “الضربات الناعمة”، في الوقت الذي يتغنى فيه على الجانب الآخر من البلد -وأعنى المحافظات اليمنية التي ترضخ تحت الاحتلال السعو-اماراتي- بالوطنية!!!.
هذا النفاق المكشوف والولاء الواضح للصهيونية لا يعكس خيانة فردية فحسب، بل يُنبئ عن سياسة عمالة ممنهجة امتدت من “سلطان العرادة” مرورا بـ”عيدروس الزبيدي”، لتعبر عن خيانة عظمى صار لها مشرعون يرددون ذات النداء: “المزيد من الحروب”!، كالخائن “طارق عفاش” الذي لم يكن أقل مرتبة من رفيقيه في مجلس الخيانة، المشكل بتوافق سعو-إماراتي ومباركة صهيو-أمريكية وبريطانية، حيث تعهد بتأمين سفن الكيان الصهيوني.
هذه الدمى المصطنعة والمملوكة كعلامات تجارية حصرية على أربابها، أعلنت أنها على أتم الاستعداد لتقديم العون المطلق للأمريكان والإسرائيليين والبريطانيين في ما يخططون له من توجيه الضربات القاسية بالقوات المسلحة اليمنية قيادة صنعاء. وبالتالي ستبقى تتحرك وفق برامج صانعيها، ولن تمثل اليمن على أي حال.
صنعاء ماضية في دعمها لغزة
في المقابل، ووسط كل هذا الظلام، يَبرُز الموقف اليمني صوتاً استثنائياً في معركة الكرامة. رغم الحصار والعدوان المستمر على اليمن، يواصل اليمنيون -بقيادة صنعاء- تأكيدهم على إسناد فلسطين غير آبهين بالتحديات أو التهديدات. وبرغم المتغيرات، فإن صنعاء ماضية في دعمها لمظلومية الشعب الفلسطيني، في رسالة واضحة أن فلسطين ستبقى بوصلة الأحرار في اليمن مهما تخاذل الآخرون.
في الوقت ذاته، تتزايد التحركات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية والبريطانية في المنطقة، حيث يبدو أن واشنطن ولندن تسعيان لتعزيز نفوذهما في اليمن، مع التركيز على تعطيل أي دور يمكن أن تقدمه صنعاء لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة. زيارة السفير الأمريكي ستيفن فاجن إلى قيادات المرتزقة اليمنيين، تزامنا مع زيارة قائد القيادة الوسطى الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا للمنطقة، تكشف عن تصعيد دبلوماسي وعسكري يهدف إلى إعادة ترتيب أوراق الحرب في اليمن وتحويلها إلى ساحة مواجهة تخدم المصالح الإسرائيلية.
لم تكن زيارات السفير الأمريكي إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المرتزقة مجرد لقاءات بروتوكولية بقدر ما تحمل في طياتها رسائل واضحة لصنعاء. حيث تركزت اللقاءات المتكررة مع قيادات المرتزقة على إعادة إحياء الجبهات الداخلية ضد “أنصار الله”، في محاولة لتشتيت الجهود اليمنية التي باتت تشكل تهديدا فعليا للهيمنة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ولتقويض أي دعم عسكري أو لوجستي تقدمه صنعاء لفلسطين.
خلال لقاءاته الأخيرة، أشار السفير الأمريكي فاجن بشكل مباشر إلى “ضرورة العمل على مواجهة التهديدات الحوثية”، ووصف عمليات صنعاء الأخيرة في البحر الأحمر بأنها “تعطيل للأمن الدولي”.
هذا الخطاب يتماهى مع التوجهات الإسرائيلية التي تطالب الولايات المتحدة بمزيد من الضغط على صنعاء، وصولا إلى توجيه ضربات عسكرية مباشرة. وهو ما بات يحدث منذ عملية إسناد اليمن للمقاومة الفلسطينية ضمن معركة طوفان الأقصى. وقد تبادلت أمريكا وبريطانيا الأدوار في قصف المدن اليمنية، كما حدث في الحديدة وصنعاء وصعدة، حيث قاربت الغارات الأمريكية والبريطانية على اليمن ٨٠٠ غارة منذ أكتوبر 2023م.
الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة الوسطى الأمريكية -المعروف بدوره في إدارة العمليات العسكرية الأمريكية في “الشرق الأوسط”- التقى بمسؤولين في السعودية والإمارات لمناقشة “تعزيز التنسيق الأمني”، مع تركيز خاص على الملف اليمني.
ووفقا لتقارير إعلامية، فإن كوريلا ناقش سيناريوهاتٍ لتصعيد المواجهة مع صنعاء، بما في ذلك توفير دعم عسكري واستخباراتي مباشر للمرتزقة، والتنسيق مع “إسرائيل” لضمان تحييد الدور اليمني عن دعم المقاومة الفلسطينية. هذه التحركات تكشف عن مساعٍ أمريكية لإشعال حرب إقليمية تستهدف اليمن تحت ذريعة ما تسميه “مواجهة التهديد الحوثي”، بينما الهدف الحقيقي يتمثل في تأمين المصالح الإسرائيلية، خاصة في البحر الأحمر والممرات البحرية الاستراتيجية.
“إسرائيل” تطالب بدعم غربي عاجل
مع تصاعد الدعم اليمني لغزة، خرجت أصوات صهيونية تطالب بتوجيه ضربة عسكرية “قاضية” ضد “أنصار الله”. التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، ركزت على ضرورة “تحييد الحوثيين” بشكل كامل، تزامنت مع تحركات عسكرية أمريكية وبريطانية في المنطقة.
“إسرائيل” -التي تخشى من تطور القدرات العسكرية اليمنية- ترى في صنعاء تهديدا استراتيجيا طويل المدى، خاصة مع إعلان يمني عن استعداد اليمن لتوسيع نطاق العمليات العسكرية إذا استمرت الجرائم الصهيونية في غزة. وقد نفذت تهديداته بضرب عمق الكيان بأربعة صواريخ خلال أيام أدت لإصابة 30 مستوطنا صهيونيا.
الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي استهدفت أهدافا إسرائيلية خلال الأيام الماضية كانت مؤشرا على القدرات المتطورة التي تمتلكها اليمن، ما دفع “إسرائيل” للمطالبة بدعم غربي عاجل لتجنب سيناريوهات أكثر تعقيدا.
تحضيرات أمريكية واسعة
وفي ظل التحركات الأمريكية والبريطانية المدعومة بالتصعيد الإسرائيلي، يجتمع المرتزقة في الرياض للمرة الثانية خلال أقل من شهر، وسط تحضيرات أمريكية واسعة تحمل إشارات واضحة لحرب إقليمية قد تندلع في أي لحظة. ولكن يظل السؤال الأهم: إلى أين ستصل هذه الحرب؟ خصوصا وأن التصعيد يأتي في وقت تشير فيه التقارير إلى نية واشنطن ولندن تعزيز الدعم العسكري للمرتزقة، بما في ذلك تسليم معدات وأسلحة متطورة.
اللافت في هذا السياق، أن التصعيد والصمود، يُظهران المشهد اليمني كمسرح لتطورات قد تعيد تشكيل المنطقة ، ولكن على العكس تماما لمسار ما رسم له أمريكيا وإسرائيليا في ما أسمي بخارطة “الشرق الأوسط الجديد”.
رغم التصعيد المستمر، تؤكد صنعاء أن أي تحرك أمريكي أو إسرائيلي أو بريطاني -سواء كان مباشرا أم عبر وكلائهم- لن يمر دون رد. إذ يمتلك اليمن أوراق ضغط كثيرة، تشمل التطور التقني العسكري في صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي بالقرب من المصالح الغربية. ما يعني أن التصعيد ضد اليمن قد يدفع الأخيرة إلى إغلاق الممرات البحرية الاستراتيجية، ما يُلحِق خسائر كبيرة بالمصالح الغربية.
تحفة الخاتمة
تتجلى إرادة اليمن القوية في مواجهة العدوان رغم التحديات الجسيمة التي يواجهها اليمن. إذ تؤكد القوات المسلحة من خلال مواقفها أن اليمن لن يكون ساحة مفتوحة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية. وفي ظل استمرار العدوان على غزة، يبرز دعم صنعاء للمقاومة الفلسطينية كونه دليلاً على مبدئية موقفها، في وقت يختار فيه كثير من الأنظمة العربية التخلي عن مسؤولياتها.
تشير المؤشرات إلى تصاعد التوتر في المنطقة، ما ينبئ بأيام حاسمة قد تفصلنا عن مستجدات كبيرة. إن مستقبل اليمن والمنطقة يظل ضمن دائرة اهتمام العالم، في ظل صراع يتجاوز القضايا التقليدية ليصل إلى مسألة الكرامة والمبادئ.
من مواقف القيادة في صنعاء، يتضح أن الاستعدادات تكتسب زخماً كبيراً، حيث أكد قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أن الجهوزية في أعلى مستوياتها، وأننا حاضرون لمواجهة أي عدو سواء أمريكا أو بريطانيا أو أي جهة أخرى، كما أكد أنه تم تجنيد أكثر من 600 ألف مقاتل خلال معركة طوفان الأقصى فقط. هذه التأكيدات لا تترك مجالاً للشك في استعداد اليمن لمواجهة أي تهديد، مع وعي تام بألاعيب الأعداء المتربصين.
وفي الوقت الذي تكون فيه الأعين مشدودة نحو الرياض، تأتي الرسائل واضحة بأن التحركات تُراقَب بدقة وأن اليد على الزناد. وتبقى النصيحة التي لا تنقطع من صنعاء هي ضرورة التقدم في خارطة الطريق، وترجيح المصالح المشتركة لشعوب المنطقة، مع التحذير من الانجراف وراء التحريض الأمريكي. فبعد عشرة أعوام من العدوان، تظل الدروس حاضرة، مُنبّهة من مغبة التمسك بسياسات لا تخدم سوى مصالح القوى الاستعمارية.
بكل ثقة، يؤكد اليمن أن النصر قريب، مستعداً لمواجهة أي نكوص قد يحدث من الرياض عن التفاهمات، ما قد يُحدث تغييرات جذرية تصب في مصلحة الشعب اليمني.
موقع أنصار الله