صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-26@10:58:46 GMT

عن الطيب صالح

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

عن الطيب صالح

 

عن الطيب صالح

عمار علي حسن

تعرفت على الأديب السوداني الكبير الطيب صالح من صديق سوداني، سكن معى في السنة الجامعية الأولى غرفة بالمدينة الجامعية، وكان اسمه «على» من «واد مدني» يدرس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.

في هذا العام كانت رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» تُحدث دوياً هائلاً في الجامعة وخارجها، إثر اعتراض بعض طلاب التيار السياسي الإسلامي على تدريسها، بدعوى أنها تحوى «مشاهد جنسية» مع أن مؤلفها لم ينزع إلى «الإيروتيكا» إنما كان يوظف هذه الغريزة الطبيعية فنيًا، وبشكل بارع.

جذبتنى الرواية الساحرة، وأخذتنى من كل الذين حولى، حتى إننى لم أشعر بهذا النشال الذى مد يده ليسرق نقودى الشحيحة حين كنت ألتهم سطورها واقفاً في أوتوبيس مزدحم، وهى واقعة لم أنسها، حتى إننى حين حصلت على جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابى مرتين، في القصة والرواية، قلت لأصدقائى السودانيين، إن الجائزة تعويض عما فقدته، وهى مزحة بالطبع، إذ لا توجد مقارنة بين ما سرقه النشال، وما منحته لى هيئة الجائزة من مكافأة.

قرأت مع الأيام أعمال الطيب صالح كاملة، واستمعت إليه وهو يقول إن روايته «عرس الزين» أفضل في نظره من «موسم الهجرة إلى الشمال» لكن الأخيرة هى التى منحته شهرة، وهى التى ترجمت إلى لغات عدة، وكتبت عنها أطروحات علمية وكتب ودراسات غزيرة وعميقة، فرآها الناس «بيضة الديك»، أو ذروة أعمال الرجل، قليلة العدد، رفيعة القيمة.

بهذه الروح تلقيت كتاب الناقد والباحث السودانى ناصر السيد نور «الهوية السردية.. مقاربة نقدية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال»، الصادر مؤخراً عن دار «رامينا» ويعالج عبر سطوره زاوية مهمة في هذه الرواية، ويقدم رؤية نقدية كتبها بوعى ومحبة حول موضوع الهوية بعناصرها الدينية والعرقية والجهوية، الذى يمثل مركز الرواية، أو مقولتها الأساسية.

يبدأ نور، وهو كاتب وناقد ومترجم سودانى حاز أيضاً جائزة الطيب صالح في مجال الترجمة، بتعريف للهوية، ثم مفهوم الهوية الثقافية، وكيف تتجلى في الأعمال السردية، وبعدها يخصص فصلاً عن رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» متعاملاً معها كحالة أو شخص أو ظاهرة، فيعرض سيرتها، من حيث موضوعها أو حكايتها وكذلك شخصياتها، والدراسات التى كتبت عنها، ثم سيرة مؤلفها.

وفي الفصل الثالث والأخير يتناول ما يسميها «الهوية السردية»، ويجلى تفاعلها مع الهوية التاريخية، وبعض الهويات الفرعية التى تعرضها الرواية، مثل هوية المرأة، وهوية المكان، وهوية الزمان والاسترجاع، لتصل إلى الفكرة الأكثر أهمية، والتى كانت أحد الأسباب المهمة لذيوع هذه الرواية، وهى العلاقة بين الشرق والغرب،ليست رواية الطيب صالح هذه هى الأولى التى تعالج هذه العلاقة، فقد سبقه توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق» ويحيى حقى في «قنديل أم هاشم»، وبعده هناك أيضاً رواية «الحى اللاتينى» لسهيل إدريس، و«أصوات» لسليمان فياض، وغيرها، لكن هذا الموضوع هو ما أعطى كل هذه الأعمال أهمية، ومنها «موسم الهجرة إلى الشمال» التى كشفت جذور هذه العلاقة، التي تمت هندستها فيما بعد تحت عنوان «صراع الحضارات».

لا يتعامل نور مع هذه الرواية بوصفها فقط نصاً أدبياً حاملاً للمتعة والتذوق اللفظى، إنما أيضاً هى رؤية معرفية، يلزم استعمال مناهج واقترابات عديدة في سبيل سبر أغوارها، منها النقد الأدبى، وتحليل الخطاب، والدراسات الثقافية، بانفتاحها على التاريخ والاجتماع والسياسة وعلم النفس، آخذاً نفسه بجدية وصرامة في البحث والتحليل، وقد آل على نفسه أن يفعل ذلك حين قال في مقدمة الدراسة إن الرواية بتوغلها العميق في المعانى الإنسانية، وإثارتها أسئلة حول علاقة الشرق بالغرب، والمكانة التى احتلتها عالمياً «تضع الناقد أمام تحد يستدعى وعياً نقدياً وإلماماً معرفياً في موازاة قيمة النص السردى».

يستجيب الناقد لهذا التحدى بالاطلاع على عدد من المراجع حول قضية الهوية خصوصاً، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، يظهر في المسرد الذى أورده في نهاية كتابه، ويظهر فيه كيف استفاد من هذه الكتب في تحليله، ومن الأعمال النقدية في سبر أغوار النص.ينتهى نور، الذى سبق له أن ألف أربعة كتب نقدية، اثنين بالعربية واثنين بالإنجليزية، إلى أن «موسم الهجرة إلى الشمال» امتلكت بصيرة نافذة في التنبؤ بصدام الحضارات، وكيف سيغزو أهل الجنوب أوروبا عبر العلاقات العاطفية بين رجال أفريقيا ونساء أوروبا، وهو ما يأتى على لسان بطلها «مصطفي سعيد» صراحة حين يقول إنه سيغزو أوروبا بعضوه الذكرى.

ويرى الناقد أن رواية الطيب صالح هذه لم تعالج الهوية بوصفها ظاهرة اجتماعية، أو محاججة فلسفية، أو موقفاً أيديولوجياً، بطريقة مباشرة كما تطرحها وتفرض الخطابات تفسيرها، بل تمثلتها الرواية ضمن سرد فنى بازخ.

فالطيب صالح، في الحقيقة، لم يكن معنياً ولا متوقعاً، وقت كتابته الرواية، كل هذه التصورات والدراسات التى تسحب النص، عبر التفسير والتأويل، إلى الجدل هو القضايا الكبرى، ومنها الهوية، وهنا تولد مهمة النقاد، مثل ناصر السيد نور، الذى نظر إلى الرواية من زاوية مختلفة، وأنجز هذا الكتاب المهم.

 

الوسومالطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال ناصر السيد النور

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال

إقرأ أيضاً:

لإحياء الهوية البيئية ببورسعيد.. إطلاق مبادرة زراعة 1859شجرة بونسيانا

 أطلقت جمعية بورسعيد التاريخية برئاسة اللواء أيمن جبر، مبادرة متميزة لزراعة 1859 شجرة بونسيانا في عدد من المواقع الحيوية بمحافظة بورسعيد ومدينة بورفؤاد.

ضواحي بورسعيد يواصل حملات غلق محال الخردة ومطاردة نباشين القمامةخلال العطلات ..منطقة أسواق بورسعيد تشهد إقبالٱ كبيراً من المواطنينإزالة مغسلة في حملة إشغالات بتعاونيات زهور بورسعيد | صورنائب يطالب بزيادة أسرة العناية المركزة في مستشفيات بورسعيدمختار عيسى دياب حمدان مديرا لأوقاف بورسعيد خلفاً لـ جمال عوادالذهب الأصفر يزين جنوب بورسعيد وسط فرحة المزارعين بموسم الحصادحبشي يتابع أعمال تطوير ورفع كفاءة كورنيش بورسعيدمحافظ بورسعيد: نبذل كافة الجهود لإنجاح منظومة النظافة العامةضربات متواصلة للأسواق العشوائية بمحيط مديرية تعليم بورسعيد بالضواحىلفوزها بالمركز الرابع على العالم للبوتشيا للتحدي.. رئيس جامعة بورسعيد يهنئ الطالبة رحمة هشام

تأتي المبادرة في إطار جهود محافظة بورسعيد لاستعادة ملامحها التراثية وتعزيز الوعي البيئي، و تحت رعاية اللواء أ . ح محب حبشي محافظ بورسعيد

لإحياء التراث والهوية البيئية ببورسعيد إطلاق مبادرة 1859شجرة بونسيانا

وتحمل المبادرة طابعًا رمزيًا، حيث تم اختيار عدد الأشجار ليواكب عام تأسيس مدينة بورسعيد في 1859، بالتزامن مع حفر قناة السويس، وهو العام الذي بدأت فيه زراعة أشجار البونسيانا الشهيرة بالمدينة.

وشملت أولى مراحل التنفيذ زراعة 50 شجرة في عدة مواقع من بينها محيط مسجد السلام، وفندق هلنان، ورصيف ميناء الصيد، وميدان بيتزابينو، وكذلك محيط المسجد الكبير بمدينة بورفؤاد، وذلك بمشاركة سمر الموافي رئيس حي الشرق، والدكتور إسلام بهنساوي رئيس مدينة بورفؤاد.

ويأتي هذا المشروع البيئي والتاريخي استمرارًا لدور الجمعية في خدمة المجتمع، حيث حصلت مؤخرًا على المركز الثالث في فئة المبادرات غير الهادفة للربح ضمن المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، إلى جانب جائزة هيئة اليونسكو العالمية، تقديرًا لإسهاماتها في تعزيز الوعي البيئي والحفاظ على التراث الثقافي والبيئي.

طباعة شارك بورسعيد محافظة بورسعيد محافظ بورسعيد أخبار محافظة بورسعيد جمعية بورسعيد للتراث

مقالات مشابهة

  • لإحياء الهوية البيئية ببورسعيد.. إطلاق مبادرة زراعة 1859شجرة بونسيانا
  • لم يكن عندها ذرة احترافية.. أحمد الطيب يهاجم إدارة الزمالك بسبب زيزو
  • أفضل فريق.. أحمد الطيب يتغزل في بيراميدز قبل مباراة أورلاندو
  • «الهوية وشؤون الأجانب» بدبي تعقد ملتقى «صُنّاع ريادة الأعمال»
  • في أثر فرانسيس دينق: سؤال الهوية بين النهر والمجلس
  • اليوم.. الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر 2025
  • ليوم.. الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر 2025
  • صاحب القلب الطيب.. هنا شيحة تنعى الإعلامي صبحي عطري
  • تجديد وبدل مفقود أو تالف.. خطوات خدمات بطاقة الهوية عبر "أبشر"
  • الهوية العُمانية في الميادين الدبلوماسية