البوابة نيوز:
2024-11-23@02:23:10 GMT

لماذا لا يمنع الله الشر ويقضي عليه؟

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ينتابنا قدر كبيرمن الغضب والحنق تجاه الحكَّام – سواء داخل منطقتنا العربية أوخارجها – الذين يشاهدون ما يحدث من مجازر مفزعة وإبادة بشعة للحجر والشجر والبشر داخل قطاع غزة؛ ولا يحركوا ساكنً، هذا المشهد الذي يُدمي القلب يجعلنا نتساءل:

لماذا يقف الحكَّام – هنا وهناك – موقفًا متخاذلًا دون ردع إسرائيل، ومعاقبتها على جرائمها؛ وإجبارها على التوقف عن ارتكاب تلك الجرائم؟!

لماذا يقف من بيدهم الحل والعقد – في بلادنا وسائر بلاد الدنيا – موقف المتفرج رغم امتلاك بعضهم وسائل القوة والردع، ويكتفون بمشاهدة ما يحدث؛ وهم جلوس على مقاعدهم الوَثِيرَة؛ داخل قصورهم الفخمة؟!

حين نتأمل تلك المواقف السلبية والمتخاذلة تجاه ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية؛ تنتابنا دهشة بالغة تصل إلى حد الصدمة، ويذهب بنا الظن إلى درجة الاعتقاد بتآمر بعض هؤلاء الحكَّام مع إسرائيل وتواطؤهم معها؛ كما تفعل الولايات المتحدة مثلًا.

تقرع الرأس مجموعة من علامات الاستفهام الكبيرة التي تحتاج إجابات دقيقة؛ علامات استفهام وتساؤلات تصيب العقل بالدوار!!.. من أمثلة هذه التساؤلات:

إن كثيرًا من البشر – أو بعضهم على الأقل – يقف موقف المتفرج العاجز عن فعل شيء لإيقاف الجرائم الوحشية التي يقترفها جيش الاحتلال الصهيوني ضد شعب غزة الأعزل.. لكن الله سبحانه وتعالي الذي يمتلك قدرة مطلقة وخيرًا مجردًا، الله القادر الرحيم؛ الذي في وسعه أن يقول للشيء كن فيكون، والذي تسع رحمته السموات والأرض.. لماذا لا يمنع هذا الكم الهائل من الشرور والجرائم التي تُرْتَكب في فلسطين؟! هل هو رحيم؛ ولكنه غير قادر على منع هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها؟!.. أم أنه قادر ولكنه لا يأبه بما يحدث؟! أم أنه أقرب ما يكون لإله أرسطو الذي وُصِفَ بأنه «المحرك الأول الذي لا يتحرك»؟!.. أم أنه يتحلى بتلك الصفات التي وصف بها بعض الفلاسفة الوجوديين الإله؟!.. إذ قالوا إن الإله هو كالنسر الضخم الذي قذف أفراخه من وراء ظهره، ثم انطلق لا يلوي على شيء!!.. إن بعض الوجوديين ذهب إلى أن الإله ألقى بالإنسان في هذا الكون الشاسع؛ وتركه يواجه مصيره بنفسه في هذا العالَم الذي تسوده لا مبالاة عمياء غليظة القلب.

ويتساءل المرء لماذا لم يرسل المولى سبحانه وتعالي على هؤلاء الصهاينة المجرمين الظلمة طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل؟!

هذه التساؤلات وغيرها تندرج في مجال البحث الفلسفي تحت اسم «مشكلة الشر». إن هذه المشكلة هى واحدة من أكثر المشكلات خلودًا في الفلسفة.

إن الإيمان بوجود إله قوي وقادر ورحيم؛ هوالأساس الذي تستند إليه «مشكلة الشر»، ولذلك تتعلق هذه المشكلة بالأديان السماوية، أما الأديان الوضعية كالبوذية والزرادشتية وغيرهما، فلا وجود لهذه المشكلة هناك، لأن تلك الأديان قالت بوجود إلهين: إله للخير وإله للشر؛ وبذلك انتفت المشكلة. إن «مشكلة الشر» تنطوي على «مفارقة» Paradox، أي تنطوي على الشيء ونقيضه. إذ تضعنا أمام أمرين أحلاهما مُرٌ:

إما أن الله باستطاعته منع الشر والقضاء عليه؛ لكنه لا يريد أن يفعل ذلك. وإما أنه أراد منع الشر والقضاء عليه؛ لكنه لا يستطع ذلك.

في الحالة الأولى: هل يمكننا القول بأنه رحيم؟

وفي الحالة الثانية: هل يمكننا القول بأنه قادر؟

إذا كان قادرًا ورحيمًا؛ إذا كان ذلك كذلك؛ فلماذا إذن يوجد الشر في العالَم؟

هنا تكمن المفارقة، وتتضح المشكلة، وهى مشكلة لها تاريخ طويل في مجال الفلسفة، فقد حاول كثير من الفلاسفة وضع أساس منطقي لمشكلة الشر. وكان «أبيقور» هو أول من أثار هذه المسألة في القرن الرابع قبل الميلاد، وصاغها على النحو الآتي:

إما أن الإله يريد القضاء على الشر، ولكنه لا يستطيع، وإما أنه يستطيع لكنه لا يريد، وإما أنه لا يريد ولا يستطيع، وإما أنه يريد ويستطيع. وهذا الاحتمال الأخير هو الوحيد – في رأي «أبيقور» – الذي يتناسب مع طبيعة الآلهة. كما سخَّر القديس «أوغسطين» كثيرًا من جهده الفلسفي قبل ما يزيد على ألف وخمسمائة عام لحل هذه المشكلة.

وفي القرون التي تلت «أوغسطين» بذل كل مفكر من المفكرين البارزين بعض جهده لصياغة هذه المشكلة ومحاولة حلها.

علامات استفهام كبيرة وكثيرة إذن يحتاج تأملها لقدر أكبر من الروية والتدبر، ذلك لأن التأمل العميق للشر والكم المروع من الآلام والأوجاع الناجمة عن وجوده؛ لا تقتضي بالضرورة عدم الإيمان بوجود إله عادل ورحيم وقادر على كل شئ.

لقد حاول بعض المفكرين فض «مشكلة الشر» وحلها بالقول: إن رفع الشر عن الدنيا يقتضي إلغاء حرية الإنسان في الاختيار، لأن رفع الشر عن العالَم يتعارض مع وجود «الحرية الإنسانية». منح الله الإنسان إرادة حرة تمكنه من أن يفعل خيرًا أو شرًّا؛ وفقًا لما يتخذه من قرارات، ومن ثمَّ فإن رفع الشر يعني نزع حرية الإنسان في ارتكاب الشرور؛ ويصير ملاكًا. إننا إذا أردنا أن نعقد مقارنةً بين عالَم يخلو من الشر، ويُحْرَم الإنسان فيه من ممارسة حريته؛ وعالَم يمتلك الإنسان فيه إرادة حرة، فلا ريب أن العالَم الذي تعلو فيه قيمة الحرية سيكون هو الأفضل. إن وجود الشر في العالَم؛ على الرغم من أنه أمر مزعج وكريه فإنه أفضل من عالَم خالي من الشر وتغيب فيه حرية الإرادة الإنسانية، عالَم لا يُسْمَح فيه للإنسان إلا بالسير في إتجاه واحد لا يملك له تغييرًا.

عالمنا إذن هو الأفضل من بين كل العوالم الممكنة – على حد تعبير الفيلسوف الألماني ليبنتس – ليس لأنه خاليًا من المعاناة، بل لتواصل الحرية الإنسانية فيه. وإذا عدنا للحديث عن العدوان الصهيوني الوحشي على الشعب الفلسطيني، والذي يمثل ذروة الشر، فإن حرية الإنسان الفلسطيني في مقاومة هذا العدوان والصمود في وجهه – رغم فداحة الخسائر وفظاعة المجازر – وتكبيد ذلك العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وتعرية وجهه القبيح بوصفه كيانًا دخيلًا وغاصبًا؛ فإن هذه الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني في التصدي والصمود في وجه العدوان تمثل قمة الخير. هذه هى الإرادة الحرة للشعوب المناضلة التي تتجسد إرادة الله الخيرة من خلالها.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الخير الشر الشجر البشر حریة الإنسان هذه المشکلة الإنسان فی وإما أنه العال م ما یحدث

إقرأ أيضاً:

لماذا نتنياهو مستعد لقبول وقف إطلاق النار مع حزب الله دون حماس؟

رغم أن إسرائيل قضت على كل كبار قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تقريبا، وأن الحاجة ملحة لتأمين إطلاق سراح المحتجزين لديها، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاؤه يظلون رافضين لأي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، في الوقت الذي تكتسب فيه الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال في لبنان زخما كبيرا.

وكتب عمير تيبون -في عموده بصحيفة هآرتس- أن المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين متفائل بإمكانية التوصل لاتفاق بإنهاء حرب إسرائيل في الشمالية خلال أيام، وتنفيذه قبل مغادرة الرئيس جو بايدن للبيت الأبيض، وقد أعرب الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن دعمه لذلك بعد أن وعد الناخبين الأميركيين من أصل لبناني قبل الانتخابات بأنه سيجلب السلام إلى وطنهم.

ويبدو أن نتنياهو وشركاءه في الائتلاف اليميني المتطرف على استعداد للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في الشمال، استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701، كما أن دفع ترامب للتوصل إلى اتفاق ربما يكون له تأثير على نتنياهو الذي يخشى إزعاج الرئيس القادم بإطالة أمد حرب تعهد ترامب بإنهائها.

غير أن السؤال يبقى لماذا يُظهر نتنياهو وحلفاؤه مرونة نسبية في التفاوض على وقف إطلاق النار في لبنان، ويرفضون فعل الشيء نفسه فيما يتعلق بغزة؟ والحقيقة -كما يقول الكاتب- هي أنه لا أحد في إسرائيل يعتقد أن اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله يعني أن الجماعة القوية لم تعد تشكل تهديدا للمواطنين الإسرائيليين، رغم تكبدها خسائر فادحة في الأشهر الأخيرة، بعد عملية أجهزة النداء المتفجرة وسلسلة الاغتيالات التي طالت كبار قياداتها.

ومع ذلك يواصل الحزب إطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل يوميا، وقد نجح في ضرب عمق إسرائيل والتغلب على أنظمة دفاعها الجوي، وسوف يظل قادرا على القيام بكل بذلك بعد وقف إطلاق النار، كما أنه سوف يظل لاعبا مهما وقويا في الساحة السياسية اللبنانية، ولن يتمكن أحد في إسرائيل من الادعاء بأنه قد تم القضاء عليه.

أما وقف إطلاق النار في غزة واستعادة حوالي مائة محتجز إسرائيلي فيها، فتعد نوعا من التجديف بالنسبة لنتنياهو وحلفائه، مع أن المنطق الذي يوجه المفاوضات في لبنان ينطبق على غزة بنفس القدر، حيث أصيب عدو إسرائيل بالشلل والضعف ولكنه لم يدمر بالكامل، والآن حان الوقت لإنهاء القتال وتجنب المزيد من الخسائر.

ولذلك تنتابنا -كما يقول عمير تيبون- شكوك في أن السبب وراء التفرقة بين مساري لبنان وغزة هو رغبة أقصى اليمين الإسرائيلي في بناء المستوطنات في القطاع، وخاصة في جزئه الشمالي الذي تحاول إسرائيل منذ شهرين إخلاءه من جميع المدنيين الفلسطينيين، والنتيجة المؤسفة هي أن يبقى القتال في غزة مستمرا وحياة المحتجزين فيها معرضة لخطر شديد ومباشر.

مقالات مشابهة

  • نيويورك تايمز: ما الذي يمنع اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وإيران؟
  • من هو الصحابي الذي جبر الله خاطره من فوق سبع سماوات؟.. تعرف عليه
  • قصة صحابي اهتز لوفاته عرش الرحمن.. بكى عليه النبي حتى ابتلت لحيته
  • كيفية إحسان الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام
  • مفتاح الجنة: عبادة بسيطة تقربك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • محمود فتح الله يوجه رسالة لـ حسام حسن: عليه تقليل التصريحات بعد المباريات
  • لماذا نتنياهو مستعد لقبول وقف إطلاق النار مع حزب الله دون حماس؟
  • الرجل الذي اشترى كل شيء.. ابن سلمان وانتهاكات الصندوق السيادي السعودي
  • الرجل الذي اشترى كل شيء.. hبن سلمان وانتهاكات الصندوق السيادي السعودي
  • الرجل الذي اشترى كل شيء.. بن سلمان وانتهاكات الصندوق السيادي السعودي