لماذا لا يمنع الله الشر ويقضي عليه؟
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ينتابنا قدر كبيرمن الغضب والحنق تجاه الحكَّام – سواء داخل منطقتنا العربية أوخارجها – الذين يشاهدون ما يحدث من مجازر مفزعة وإبادة بشعة للحجر والشجر والبشر داخل قطاع غزة؛ ولا يحركوا ساكنً، هذا المشهد الذي يُدمي القلب يجعلنا نتساءل:
لماذا يقف الحكَّام – هنا وهناك – موقفًا متخاذلًا دون ردع إسرائيل، ومعاقبتها على جرائمها؛ وإجبارها على التوقف عن ارتكاب تلك الجرائم؟!
لماذا يقف من بيدهم الحل والعقد – في بلادنا وسائر بلاد الدنيا – موقف المتفرج رغم امتلاك بعضهم وسائل القوة والردع، ويكتفون بمشاهدة ما يحدث؛ وهم جلوس على مقاعدهم الوَثِيرَة؛ داخل قصورهم الفخمة؟!
حين نتأمل تلك المواقف السلبية والمتخاذلة تجاه ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية؛ تنتابنا دهشة بالغة تصل إلى حد الصدمة، ويذهب بنا الظن إلى درجة الاعتقاد بتآمر بعض هؤلاء الحكَّام مع إسرائيل وتواطؤهم معها؛ كما تفعل الولايات المتحدة مثلًا.
تقرع الرأس مجموعة من علامات الاستفهام الكبيرة التي تحتاج إجابات دقيقة؛ علامات استفهام وتساؤلات تصيب العقل بالدوار!!.. من أمثلة هذه التساؤلات:
إن كثيرًا من البشر – أو بعضهم على الأقل – يقف موقف المتفرج العاجز عن فعل شيء لإيقاف الجرائم الوحشية التي يقترفها جيش الاحتلال الصهيوني ضد شعب غزة الأعزل.. لكن الله سبحانه وتعالي الذي يمتلك قدرة مطلقة وخيرًا مجردًا، الله القادر الرحيم؛ الذي في وسعه أن يقول للشيء كن فيكون، والذي تسع رحمته السموات والأرض.. لماذا لا يمنع هذا الكم الهائل من الشرور والجرائم التي تُرْتَكب في فلسطين؟! هل هو رحيم؛ ولكنه غير قادر على منع هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها؟!.. أم أنه قادر ولكنه لا يأبه بما يحدث؟! أم أنه أقرب ما يكون لإله أرسطو الذي وُصِفَ بأنه «المحرك الأول الذي لا يتحرك»؟!.. أم أنه يتحلى بتلك الصفات التي وصف بها بعض الفلاسفة الوجوديين الإله؟!.. إذ قالوا إن الإله هو كالنسر الضخم الذي قذف أفراخه من وراء ظهره، ثم انطلق لا يلوي على شيء!!.. إن بعض الوجوديين ذهب إلى أن الإله ألقى بالإنسان في هذا الكون الشاسع؛ وتركه يواجه مصيره بنفسه في هذا العالَم الذي تسوده لا مبالاة عمياء غليظة القلب.
ويتساءل المرء لماذا لم يرسل المولى سبحانه وتعالي على هؤلاء الصهاينة المجرمين الظلمة طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل؟!
هذه التساؤلات وغيرها تندرج في مجال البحث الفلسفي تحت اسم «مشكلة الشر». إن هذه المشكلة هى واحدة من أكثر المشكلات خلودًا في الفلسفة.
إن الإيمان بوجود إله قوي وقادر ورحيم؛ هوالأساس الذي تستند إليه «مشكلة الشر»، ولذلك تتعلق هذه المشكلة بالأديان السماوية، أما الأديان الوضعية كالبوذية والزرادشتية وغيرهما، فلا وجود لهذه المشكلة هناك، لأن تلك الأديان قالت بوجود إلهين: إله للخير وإله للشر؛ وبذلك انتفت المشكلة. إن «مشكلة الشر» تنطوي على «مفارقة» Paradox، أي تنطوي على الشيء ونقيضه. إذ تضعنا أمام أمرين أحلاهما مُرٌ:
إما أن الله باستطاعته منع الشر والقضاء عليه؛ لكنه لا يريد أن يفعل ذلك. وإما أنه أراد منع الشر والقضاء عليه؛ لكنه لا يستطع ذلك.
في الحالة الأولى: هل يمكننا القول بأنه رحيم؟
وفي الحالة الثانية: هل يمكننا القول بأنه قادر؟
إذا كان قادرًا ورحيمًا؛ إذا كان ذلك كذلك؛ فلماذا إذن يوجد الشر في العالَم؟
هنا تكمن المفارقة، وتتضح المشكلة، وهى مشكلة لها تاريخ طويل في مجال الفلسفة، فقد حاول كثير من الفلاسفة وضع أساس منطقي لمشكلة الشر. وكان «أبيقور» هو أول من أثار هذه المسألة في القرن الرابع قبل الميلاد، وصاغها على النحو الآتي:
إما أن الإله يريد القضاء على الشر، ولكنه لا يستطيع، وإما أنه يستطيع لكنه لا يريد، وإما أنه لا يريد ولا يستطيع، وإما أنه يريد ويستطيع. وهذا الاحتمال الأخير هو الوحيد – في رأي «أبيقور» – الذي يتناسب مع طبيعة الآلهة. كما سخَّر القديس «أوغسطين» كثيرًا من جهده الفلسفي قبل ما يزيد على ألف وخمسمائة عام لحل هذه المشكلة.
وفي القرون التي تلت «أوغسطين» بذل كل مفكر من المفكرين البارزين بعض جهده لصياغة هذه المشكلة ومحاولة حلها.
علامات استفهام كبيرة وكثيرة إذن يحتاج تأملها لقدر أكبر من الروية والتدبر، ذلك لأن التأمل العميق للشر والكم المروع من الآلام والأوجاع الناجمة عن وجوده؛ لا تقتضي بالضرورة عدم الإيمان بوجود إله عادل ورحيم وقادر على كل شئ.
لقد حاول بعض المفكرين فض «مشكلة الشر» وحلها بالقول: إن رفع الشر عن الدنيا يقتضي إلغاء حرية الإنسان في الاختيار، لأن رفع الشر عن العالَم يتعارض مع وجود «الحرية الإنسانية». منح الله الإنسان إرادة حرة تمكنه من أن يفعل خيرًا أو شرًّا؛ وفقًا لما يتخذه من قرارات، ومن ثمَّ فإن رفع الشر يعني نزع حرية الإنسان في ارتكاب الشرور؛ ويصير ملاكًا. إننا إذا أردنا أن نعقد مقارنةً بين عالَم يخلو من الشر، ويُحْرَم الإنسان فيه من ممارسة حريته؛ وعالَم يمتلك الإنسان فيه إرادة حرة، فلا ريب أن العالَم الذي تعلو فيه قيمة الحرية سيكون هو الأفضل. إن وجود الشر في العالَم؛ على الرغم من أنه أمر مزعج وكريه فإنه أفضل من عالَم خالي من الشر وتغيب فيه حرية الإرادة الإنسانية، عالَم لا يُسْمَح فيه للإنسان إلا بالسير في إتجاه واحد لا يملك له تغييرًا.
عالمنا إذن هو الأفضل من بين كل العوالم الممكنة – على حد تعبير الفيلسوف الألماني ليبنتس – ليس لأنه خاليًا من المعاناة، بل لتواصل الحرية الإنسانية فيه. وإذا عدنا للحديث عن العدوان الصهيوني الوحشي على الشعب الفلسطيني، والذي يمثل ذروة الشر، فإن حرية الإنسان الفلسطيني في مقاومة هذا العدوان والصمود في وجهه – رغم فداحة الخسائر وفظاعة المجازر – وتكبيد ذلك العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وتعرية وجهه القبيح بوصفه كيانًا دخيلًا وغاصبًا؛ فإن هذه الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني في التصدي والصمود في وجه العدوان تمثل قمة الخير. هذه هى الإرادة الحرة للشعوب المناضلة التي تتجسد إرادة الله الخيرة من خلالها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الخير الشر الشجر البشر حریة الإنسان هذه المشکلة الإنسان فی وإما أنه العال م ما یحدث
إقرأ أيضاً:
خاطرة
#خاطرة
د. #هاشم_غرايبه
الحمد لله أولا وأخيرا على نعمه، ما ظهر منها وما خفي علينا، وأهم تلك النعم وأجلها شأنا هي أنه هدانا الى الإيمان.
الشجرة في الطبيعة تثمر نوعا واحدا من الثمر يكون عادة طيبا نافعا، لكن الإيمان ان تجذر في قلب الإنسان انبت شجرة وفيرة الإثمار متنوعة الثمرات، ولكل نوع طعم ونفع مختلف، لكن مصيبة غير المؤمن أنه لا يعرف هذه الحقيقة، فهو يعتقد أن الإيمان مجرد معتقد ميتافيزيقي، وترفا فكريا ابتدعه الإنسان ليعزي به نفسه، وأعمى قلبه الكبر والغرور، فأخفى عنه أن الإيمان أعلى قيمة من العقل ذاته، بدليل أن الله أوجد العقل أساسا أداة للوصول الى الإيمان، لذلك فالعقل مُسعد للإنسان إن أوصله للإيمان، لكنه إن عجز عن ذلك فلن يعدو أن يكون أداة نافعة لتحقيق متطلبات الإنسان المعيشية، لكن تبقى هذه المتطلبات قاصرة عن إحلال السكينة في النفس.
من ثمرات الإيمان التي تنفع الإنسان في حياته الدنيا قبل الآخرة ثلاث: الصبر عند الشدائد، والطمأنينة عند الابتلاء، واللجوء الى العلاج الوحيد الذي يحقق السكينة للنفس .. وهو الذكر.
هذه الثمرات الثلاث كانت خير عون لي دائما، لكنني عرفت قيمتها بحق، ومدى نفعها خلال الأسبوع المنصرم الذي اضطررت فيه لدخول غرفة العناية الحثيثة، لاجراءات طبية في القلب.
عندما يجد الإنسان نفسه ملزما بالاستلقاء أياما، مربوطا الى أجهزة تراقب أداء أجهزته الحيوية، مستسلما لكل تعليمات الأطباء وإجراءات الممرضين، ليس في يده إلا الصبر.
هنا تنجلي للمؤمن ثمرات هذه الشجرة، فمن كان رعاها في أيام يسره، يجد ثمارها يانعة أيام الضيق.
وعندها ينتفع بهذه الثمار التي لا تنتجها الأشجار المادية.
عندما تعلم أنك في رعاية أيد أمينة تطمئن، فتصبر على المعاناة، ولكن عندما تكون طبيبا وتعرف حدود إمكانيات الطب، وأنه مع التقدم والتطور في التقنيات، فما زال هنالك كثير من الأمور البسيطة يعجز الطب عنه، لذلك لا تقنع التطمينات الا البعيدين عن مهنة الطب.
عندها لا يصبر إلا من يأمل بالفرج، لذلك فغير المؤمن يكون جزوعا، لأنه يعتقد أن الأمور مسألة حظ، فزوال الشدة يراها مجرد احتمالية، خاضعة احصائيا لتقديرات نسبة النجاح، لكن المؤمن يوقن أن هنالك إلها رحيما هو وحده من يقرر النجاح والفشل، وهو قطعا أرأف به من كل محبيه، وهو القادر الذي يقدر الأحداث، لذلك فلا تخضع قراراته للصدف ولا تحدد نتائجها احصائيات، هنالك يتميز المؤمن بالطمأنينة بدل الجزع، فيفرغ الله عليه صبرا، والذي هو فترة الانتظار الى أن يتحقق وعد الله الذي لا يخلف وعده: “إن مع العسر يسرا”، أي أن اليسر حاضر مقرر منذ أن قدر الله العسر، وما عليه الا الانتظار لحين حلول موعده، وهذه الفترة يقدرها الله حسب ابتلائه، والمؤمن يعلم أن شدة الابتلاء هي تأهيل للترقية، كامتحانات الترفيع، مرتبطة بمقدار علو الدرجة عند الله، بدليل أن الأنبياء كانوا الأشد بلاء.
صحيح أن الانتظار مع المعاناة مرهق، لذلك أوجد الله الذكر ليستعين به المؤمن، ووسيلة ناجحة للصبر.
دائما ما كنت أجد في الذكر النتيجة المأمولة، وحتى في أبسط الأشياء، مثل الانتظار عند الإشارة الضوئية، إو في انتظار الدور في المعاملات والإجراءات، أو في المطارات ..الخ.
الذكر ليس كما يصوره البعض بأنه وصفات محددة لتحقيق نتائج محددة، كأن تقرأ آية معينة، أو تردد أدعية أو اذكارا معينة كذا مرة فتدخل الجنة، ووصفة أخرى ترفعك من الفقر الى الغنى، وأخرى تشفيك من المرض الفلاني.. الخ.
بل هو بكل بساطة أن تردد الكلمات الأربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وليس مهما عدد المرات، بل مجرد تمثلك لمعانيها، وما التكرار الا لإبقاء النفس منشغلة بها عما سواها.
عندما يقول المرء سبحان الله فهو ينزهه عن الصفات التي هي في ذهنه مرتبطة بالصفات البشرية، وعندما يحمده فهو يقر له بالامتنان على نعمائه التي ما فطن لها إلا عندما حجبها الله عنه مؤقتا، لذا يبوء الى المنعم بذنبه ويوطن نفسه على تدارك ما فاته، وهذا ما يطمأن نفسه الى قرب استعادته لما فقده.
وعندما يوحد الله فذلك اطمئنان الى أنه يستعين بالأعلى سلطة في الكون.
وعندما يكبر الله فهو يكون قد أكمل متطلبات التوحيد بالإقرار بأن الله أكبر من كل شيء، ولا مبطل لمشيئته.