لجريدة عمان:
2024-09-21@20:08:03 GMT

حلمي التوني مداح الريشة والألوان

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

حلمي التوني مداح الريشة والألوان

(1)

منذ رحيله في السابع من سبتمبر الجاري، وظروف ومناسبات عدة ومتعاقبة حالت دون الكتابة اللائقة عنه، الكتابة اللائقة بتوديعه ورحيله عن عالمنا، بعد تسعة عقود عامرة بالفن الجميل والألوان المبهجة والتفاعل الحي النابض مع أحداث العصر والمصر، والبشر والحياة كلها.

أتحدث عن الفنان الكبير والقدير حلمي التوني (1934-2024) أشهر رسامي البورتريه وأحد أكبر فناني ومصممي الغلاف (غلاف الكتب) وواحد ممن أثروا الحركة الفنية والتشكيلية في مصر والعالم العربي على مدى ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن.

تجربة مذهلة بكل معاني الكلمة؛ ثراء وخصوبة وغزارة متناهية وعمل دؤوب حتى اللحظة الأخيرة من حياته!

كان حلمي التوني مثالًا حيًّا على الفنان الذكي اللماح صاحب المواهب والقدرات الخاصة؛ وأيضًا صاحب "إدارة" ممتازة لهذه المواهب والقدرات، جعلته يتصدر المشهد الفني والإبداعي التشكيلي، ويتربع على الصدارة منفردًا لما يزيد على نصف قرن.

ولعلي أتفق مع دعوة الصديق والكاتب القدير يسري الفخراني بضرورة تصدي باحث أو مجموعة باحثين لإنجاز دراسة تحليلية شاملة لهذه التجربة الفنية الأصيلة؛ خصوصا أن حلمي التوني في تجربته الإبداعية قد ارتقى باهتمام لافت بالموتيفات المصرية الشعبية الأصيلة، وكان رائده في ذلك -فيما أظن- أن الغوص في المحلية وإدراك كنه وخصوصية هذه الثقافة وملامحها الفريدة هي مفتاح الترقي والوصول إلى "العالمية" بالمعنى الإنساني العام..

نجيب محفوظ فعل هذا، وماركيز، ومو يان، وغيرهم على مدار التاريخ، كل مبدع عبقري وأصيل استقى من منابع ثقافته المحلية الأصيلة، واستطاع أن يعيد تشكيلها وتوظيفها واستلهامها ليبدع فنًّا أصيلًا مرتبطًا بجذوره العميقة، وفي الوقت نفسه، يخاطب أي إنسان ينتمي لأي ثقافة كانت، وفي أي بقعة جغرافية مهما نأت.. هكذا يكون "الفن الأصيل"، وهكذا يعيش الفنان طويلا وكثيرا، وهكذا تكون السيرة أطول من العمر!

(2)

مجرد حضور الاسم مجردا هكذا "حلمي التوني" -عندي- يعني شهود حقبة ذهبية رائعة من البهجة البصرية والمتعة الفنية الخالصة!

"حلمي التوني" عندي.. يعني أزهى فترة وأجمل فترة كنت أتابع فيها سلسلة (روايات الهلال) في الثمانينيات والتسعينيات فقط من أجل أغلفة حلمي التوني المبهجة الساحرة العامرة بالألوان والخطوط، رسوماته تميزها فورا وأغلفته تشدك وتجذبك مهما حاولت أن تتغافل عنها أو "تطنشها"!

مثلما كانت أغلفة جمال قطب الباذخة لأكبر الكتاب والمبدعين المصريين والعرب هي العتبة البصرية الأولى لي ولجيلي كله للتعلق بجمال الغلاف وتصميمه والتوقف عنده لذاته، كانت أغلفة حلمي التوني تمثل مدرسة أخرى مختلفة تماما، فيها الألوان الفاقعة والزاهية وفيها الحركة وفيها الموتيف الشعبي والخطوط البارزة الثقيلة ورغم ذلك كله، ومهما تنوعت وتشابكت وتداخلت وغزرت فأنت أمام بصمةٍ واحدة وتوقيع لا يُزور عنوانه "حلمي التوني"!

"حلمي التوني".. يعني ذخيرة فنية ومنجم ألوان وثقافة تشكيلية مذهلة، وآخر من احتفظ بجماهيرية المعارض الفنية وثقافة تذوق اللوحات واقتنائها واحترام قيمتها.

(3)

وكان من حظي أنني التقيتُه في السنوات العشر الأخيرة مرات معدودة للغاية، في مناسبات خاصة بالشروق التي عمل مستشارا فنيا لها أكثر من نصف عمره، وربطته صداقة فريدة من نوعها بمؤسسها وصاحبها ورئيس مجلس إدارتها حتى رحيله.. هذه المرات التي تعد على أصابع اليد الواحدة كانت رائعة وكافية جدا بالنسبة لي، ودالة على قيمة هذه الشخصية الاستثنائية، وحضورها الإنساني الفذ والمذهل، فضلا على أناقة التعبير وأناقة الحديث والكتابة وطبعا أناقة الرسم والتلوين!

ولا أنسى حين صدر كتابي «شغف القراءة» في يناير من عام 2019 وأحدث غلاف الكتاب الذي صممه صديقي الفنان الرائع كريم آدم، أحدث ضجة كبيرة واستقبل بتظاهرة رائعة من الحفاوة والترحيب، وشغل الناس لفترة طويلة جدا، وحاز عنه كريم جائزة أفضل تصميم غلاف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أرسل لي حينها الفنان حلمي التوني رسالة رائعة يثني فيها على الغلاف وكتب يقول بنصه "هذا غلاف صنايعي".

ولم تكن المرة الوحيدة التي يبدي فيها رأيا أو يعلق فنيا (أو ثقافيا) على عمل أو تصميم أو رسم صفحة في جريدة.. إلخ، كان متابعا ممتازا ومدهشا في دقته وملاحظاته.

وأذكر أنه بفضل ملاحظة له على رسم إحدى الصفحات بصحيفة مصرية سيارة رأى أنها غير مريحة بصريا تماما للقارئ أن اتخذ رئيس التحرير آنذاك قرارا بإعادة توزيع المواد على الصفحة والأخذ بملاحظة الأستاذ حلمي التوني، وإعادة رسمها بما يحقق الراحة البصرية والقراءة المتأنية الخالية من بذل الجهد البصري أو إرهاق العصب البصري كما كتب آنذاك رحمه الله.

(4)

من الخصائص الملازمة لأعمال حلمي التوني (لوحاته، أغلفته، تصميماته الفنية.. إلخ) ما يمكن أن نسميه "إحساس البهجة" الملازم لتلقي هذه الأعمال.. لا أزعم بحال أنني ناقد تشكيلي ولا أملك من الأدوات ما يسعفني في التحليل والنظر ولكني فقط أقرأ هذه الأعمال من منطلق تذوقي بحت ومحبة للجمال واسترشاد بآراء وخبرات كبار النقاد الفنيين الأكثر قدرة على قراءة وفهم وتحليل هذه الأعمال فضلا على تبسيط وتقريب تذوقها من الناس وإشاعة الجمال بين أكبر قطاع ممكن في المجتمع.

حلمي التوني، فيما أظن، ورغم نخبوية ظاهرة وأرستقراطية قد يراها البعض في تنظيم معارضه والجمهور الذي يتلقى هذه الأعمال خاصة في السنوات العشر الأخيرة من حياته، يمثل الفنان الجماهيري ذائع الصيت والانتشار بصورة لم يحققها من قبله إلا فنانون معدودون للغاية (بيكار، جمال قطب، مصطفى حسين.. إلخ)

أتصور أن العامل الرئيسي في هذه "الشعبية" و"الجماهيرية" هي صفة البهجة الملازمة للوحاته وأعماله، التي يفسرها الناقد والأكاديمي المعروف الدكتور وليد الخشاب، في مقاله الممتاز عن حلمي التوني، حسب رؤيته، بأن هذه "البهجة" التي تشع من أعمال التوني، والجماهيرية العريضة التي تتمتع بها لوحاته وأغلفة كتبه، وكتب التلوين التي صممها، وكذلك أعماله الكاريكاتيرية، لا ترتبط فقط باستخدامه لموتيفاتٍ فولكلورية تغطي طبقات عديدة من تاريخ المصريين البصري.. بل أيضًا لأنه يعيد صياغة تلك الموتيفات بخطوط مبسطة صريحة وقوية وبألوان حارة زاهية وبراقة؛ مثل الأحمر، وزاهية مريحة مثل الأخضر.. ويرى الخشاب أنه كثيرًا ما يرتبط الأحمر عند التوني بالأنوثة الفاتنة أو الصارخة.. بينما يرتبط الأخضر عنده بالراحة والخير والأمومة، أي -في الحالين- بتصوير النساء.

ويخلص الخشاب من هذا التحليل الدقيق لخطوط وألوان التوني وموتيفاته الفولكلورية المتميزة إلى وصف فن التوني بأنه "شديد المصرية" وبأنه فن بوب يقترب من المبدأ البصري لعالم فنانين أمريكيين مثل آندي وارهول. لكن هذا -بالتحديد- هو ما يجعل فن التوني حاضرًا ومعاصرًا؛ لأنه فن يقف على قدمين، واحدة تستند إلى "التراث"، والثانية تقف على أرض "حداثة" معاصرة و"معولمة"، لكن بطابع مصري خاص.

هكذا مرة أخرى يحقق التوني المعادلة التي لا أظن يوجد أحد يختلف على مدى دقتها واعتبارها واحدة من القوانين الإبداعية العابرة للأزمان "المحلية هي الطريق الأصيل للعالمية الإنسانية"، أو هذا ما أظنه!

(5)

في الأخير.. فقد مثّل حلمي التوني نموذج "الفنان" المعتد بفنه وتجربته وتاريخه في أبهى حلة وشكل؛ أناقة وسلوكًا وحضورًا وترفعًا، ابتسامة وتواضعا وتحببا وظرفا.. كان يدرك تمامًا أنه صاحب العالم الفريد، واللوحات المدهشة، والأغلفة المميزة الرائعة التي تعرف فور رؤيتها من رسمها، حتى لو لم تشاهد توقيعه عليها!

هذه "البساطة الممتنعة"، كما يسميها صديقي الناقد الكبير محمود عبد الشكور، تقف خلفها عين محبة مثقفة، وتلك الخطوط العاشقة تلخص حياة ثرية، ومعرفة حقيقية للحياة المصرية، وناسها، ومفرداتها الشعبية..

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حلمی التونی هذه الأعمال

إقرأ أيضاً:

عبدالباسط حمودة يكشف سبب عمله مداحًا للرسول

كشف الفنان عبدالباسط حمودة خلال لقائه مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامج “معكم” المذاع عبر قناة ON:عن العديد من أسرار حياته وبداياته الفنية وحقيقة عمله مداحا للرسول.

وكشف حمودة الكواليس وراء الرحلة الطويلة التي خاضها منذ بدايته في السبعينات وحصوله على أجر لا يذكر حتى وصوله إلى أعلى مراحل الأغنية الشعبية ليصبح الأب الروحي لها حتى أنه أطلق عليه الكثيرون حكمدار الأغنية الشعبية.

وعن بدايته الفنية ولقائه بمحمد عبد المطلب قال : "محمد عبدالمطلب ساعدني في البداية كتير، وقالي أنت هتشتغل معايا في المحل، وجابلي هدوم وقالي هخليك تغني وهتبقى ناجح".

وأضاف:"عشت أيام صعبة في البداية، وكان زميل الكفاح أحمد عدوية، وكنا بناخد في اليوم ربع جنيه أو نص جنيه في 9 ساعات شغل وكنت بدعي ربنا إني أكون نجم ".

عبد الباسط حمودة : اشتغلت مداح الرسول

وعن عمله مع والده في مدح الرسول قال:" حالتنا كانت صعبة أنا وأبويا وإخواتي كنا نايمين في أوضة، وأبويا كان مداح للرسول وأنا وإخواتي مداحين معاه".

"وعن الصعوبة التي مر بها خلال الرحلة الفنية الطويلة قال: "أنا عشت الحياة بحلوها ومرها، أنا وأحمد عدوية وكتكوت الأمير وعبد اللطيف التلباني وماهر العطار، وشوفنا أصعب أيام في حياتنا".

وأضاف: "كنا ندخل الفرح البلدي بتاع الناس الأبهة، والناس الشعبية الأصيلة ولاد البلد، ونغني من الساعة 9 بالليل لحد الساعة 6 الصبح، ومن حلاوة الفرح ممكن نغني للساعة 8 صباحا".

مقالات مشابهة

  • في ذكرى وفاته.. أسرار من حياة خليل مرسي بطل مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"
  • تامر فرج: كنت سأتزوج إليسا وأنا أكثر وسامة من أحمد حلمي
  • تامر فرج: أنا أوسم من أحمد حلمي.. وكنت أتزوج إليسا في هذه المرحلة
  • تامر فرج: أنا أوسم من أحمد حلمي
  • في ذكرى ميلاده.. "تعرف على أبزر أعمال خليل مرسي الفنية"
  • عبدالباسط حمودة: بفكر أعمل مدح للنبي الفترة الجاية (فيديو)
  • عبدالباسط حمودة يكشف سبب عمله مداحًا للرسول
  • دياموند عبود بعد تكريمها عن فيلم «القضية 23»: أتحمس تجاه الأعمال الفنية الإنسانية
  • رشا عبد العال: حريصون على إزالة المعوقات الضريبية التي تواجه الشركات اليابانية المستثمرة بمصر