كيف تؤثر العوامل النفسية والاجتماعية داخل الأسرة على زيادة معدلات التطرف؟
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
التطرف الديني والجنسي ظاهرتان معقدتان تتفاعل فيهما مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك العوامل النفسية والاجتماعية، إذ تؤثر هذه العوامل بشكل كبير على تشكيل الهويات الفردية والجماعية، وتساهم في تكوين الأفكار والمعتقدات التي قد تدفع بعض الأفراد إلى تبني مواقف متطرفة، لذا أطلقت «الوطن» 3 حملات توعوية لتعزيز الهوية الوطنية والدينية والاجتماعية، تحت شعار «مجتمع صحي آمن.
الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ علم الاجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان يقول في حديثه لـ«الوطن» إنّ البيئة المحيطة بالطفل في مرحلة التنشئة من أكبر العوامل التي تؤثر على سلوكه من حيث الاعتدال أو الوسطية أو التطرف، كما أنّ ذات الطفل إذا جرى تغذيتها بأساليب غير جيدة وقُدمت لها نماذج مهزوزة وغير واضحة تتسم بالعدوانية أو الرغبة في تدمير المجتمع، يتسبب ذلك في أن تتجه معظم الحالات إلى جوانب متطرفة، في حين أنّ هناك نسبة بسيطة من الأفراد تسلك السلوك الملائم للمجتمع، إلا أنّ البعض الذي ينشأ في أسر ليس لها انتماء للمجتمع وتميل إلى العنف وارتكاب سلوكيات غير سليمة، ينشأ برؤية تجد في الانحراف والتطرف وسيلة للدفاع عن نفسه وهويته.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع أنّ معظم الأسر تتجه إلى الخير والدفاع عن الوطن وحمايته، استنادًا إلى قول الرسول صلّ الله عليه وسلم: «الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين»، وهو ما يعني أنّ الخير دائمًا موجود، إلا أنّه في الجهة المقابلة يوجد الشيطان الذي ينزغ إلى النفس التي تفتقر إلى أسس التربية، وتتمثل سلوكيات الشيطان عادة في التربية غير الجيدة والقدوة غير المناسبة والبرامج التي لا تلائم طبيعة النشأ، وهو ما يلعب دورًا في تدمير الشخصية وتحويلها من شخصية نقية إلى هدّامة ومزيفة.
وبحسب الدكتور دينا مصطفى استشاري الصحة النفسية، فإنّ التطرف الجنسي يأتي من التنشئة الاجتماعية التي يكون لها دورًا كبيرًا في تكوين شخصية الطفل، والتي قد تظهر مثلًا في المجتمعات الفقيرة التي تتمثل في مشاركة الأسرة والأطفال لغرفة واحدة ما يجعل الأطفال يتدارك بعض المشاهد التي لا تناسب طبيعة سنه، ما يتسبب في انحراف ميوله، فضلًا عن انعدام الرقابة على الطفل الذي قد يتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي يؤثر على تكوين شخصيته، بالإضافة إلى إهمال الوالدين مراقبة المحتوى الذي يشاهده الطفل فـ تجعله يتطرق إلى مشاهد غير لائقة تصل به في بعض الأحيان إلى التطرف الجنسي.
وترى استشاري الصحة النفسية أنّ القسوة الزائدة من الوالدين قد تكون أحد العوامل التي تجعله يصل إلى حد التطرف، خاصة وأنّه يلجأ إلى أي شخص يقدم له الدعم النفسي الذي افتقده داخل أسرته، وهو ما يجعله عرضة للاستغلال الجنسي.
وينشأ التطرف الديني عادة بسبب رب الأسرة الذي أحيانًا ما يسلك طريقًا منحرفًا للدين مثل التيارات الدينية المختلفة التي يلهث ورائها البعض، وهو ما يجعل الطفل ينشأ بنفس الطريقة التي نشأ عليها والده، ما يجعله يتعرض أيضًا للابتزاز والاستغلال تحت مسمى الدين ويتجه إلى بعض المعتقدات المتطرفة والمنحرفة التي تبتعد تمامًا عن صحيح الدين، تقول الدكتورة دينا مصطفى: «أوقات بيوصل أنّه بيضحك على الشباب باسم الدين وينضموا لجماعات إرهابية، فـ لو أنا مزرعتش في ابني وهو صغير أسس سليمة وإن الدين وسطي وإني بيحكمني القرآن والسنة والعادات والتقاليد، هيوصل لمرحلة خطر مش هقدر أسيطر عليه لما يكبر».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سلوك الطفل التطرف الديني التطرف الوطني التطرف وهو ما
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني