الساعة النووية.. أدق 100 ألف مرة من الذرية وقد تكشف أسرار الكون
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
استطاع باحثو معهد "جاي آي إل إيه" البحثي التابع لجامعة كولورادو بولدر الأميركية تحديد المكونات المطلوبة لبناء الساعة الأكثر دقة على الإطلاق، وذلك يعني خطوة أولية مهمة جدا لاقت كثيرا من الترحيب في أوساط الفيزياء بالعالم.
وفي بحثهم المنشور يوم الخامس من سبتمبر/أيلول بدورية نيتشر، حدد الفيزيائيون تردد الضوء المطلوب من أجل استثارة نواة عنصر الثوريوم 229 كي تنتقل إلى مستوى طاقة أعلى.
ويتوقع علماء الفيزياء أن هذا الابتكار سيسهم في إجراء مزيد من الأبحاث الدقيقة المتعلقة بفيزياء الجسيمات، واكتشاف أغوار المادة المظلمة.
حساب الوقت على مر التاريختطورت الساعات عبر الزمن مرات عدة، فاستخدم المصريون القدماء واليونانيون والرومان وسائل شديدة البساطة من أجل التعرف إلى الوقت، وتمثلت هذه الوسائل في الساعات الشمسية (عمود مثبت في الأرض يتغير مكان ظله على مدار اليوم)، تليها الساعات المائية المتطورة (ساعة تتكون من إناء أو إنائين مملوئين بالماء بكل منهما ثقب يمرر الماء، ويمثل مرور كمية من الماء مرور الوقت).
وفي القرن السابع عشر، خلال مطلع عام 1657 تحديدًا، طوّر العالم كرستيان هيوجنز أول نموذج للساعة البندولية، وهي تتكون من "وزن" يتحرك يمينًا ويسارًا مربوطًا بترس معدني، وتعني حركة الترس مرور ثانية واحدة.
لاحقًا ظهرت الساعة الميكانيكية، وتعمل بطريقة عمل ساعة البندول، إلا أن العلماء استبدلوا البندول الطويل بملف معدني صغير قادر على الانقباض والارتخاء، مُحرّكًا الترس.
وأخيرًا ظهرت ساعة الكوارتز، وهي مادة مميزة تنتج الكهرباء عند تعرضها للضغط، وتهتز حينما نمدّها بالكهرباء، تعمل الساعة حينما تصدر البطارية كهرباء مسببة اهتزاز مادة الكوارتز التي تنطلق منها نبضات كهربائية تستطيع أجهزة الترانزستور قياسها.
ولأن هذه الساعة قد تتأثر دقتها بعوامل عديدة، اتجه العلماء إلى تطوير الساعة الذرية، المشابهة في مفهومها لساعة الكوارتز.
وبدلًا من الكوارتز، يستخدم العلماء عنصر السيزيوم، وبدلًا من البطارية مصدر الطاقة يوجد مصدر لإشعاع الميكروويف، وهو الإشعاع المستخدم في تسخين الطعام بأجهزة "الميكروويف" المنزلية.
ويحدد العلماء مقدار الثانية لا عن طريق الاهتزازات كما كان الحال سابقًا، إنما عن طريق رصد انتقال الإلكترونات التي تدور حول نواة السيزيوم من مستوى طاقة منخفض إلى مستوى أعلى.
الساعة النوويةلكن الساعة النووية تعمل بشكل مختلف، وإذ يتكون أي عنصر من ذرة، داخلها في النواة تقع البروتونات والنيوترونات، فحينما تتعرض النواة لقدر من الطاقة، تنتقل هذه البروتونات والنيوترونات إلى حالة طاقة مختلفة، مثلما هو الحال حينما نأكل السكريات، فنستمد الطاقة التي نستغلها في الحركة على مدار اليوم.
وفي حديثه إلى الجزيرة نت، أشار شوانكون تشانج -الباحث الرئيس بالدراسة- إلى أن الساعة النووية "تعتمد على تغير حالة الطاقة الخاصة بالبروتونات والنيوترونات الموجودة داخل النواة، بدلًا من انتقال الإلكترونات إلى المدار الأعلى طاقة".
ويوضح تشانج أن "الفارق الأساسي بين الساعتين النووية والذرية لا ينبغي اختزاله في الدقة؛ إذ يتطلب الحصول على ساعة نووية فائقة الدقة سنوات من التجارب، حينئذ ستتفوق هذه الساعة على نظيرتها الذرية بمراحل".
من ناحية أخرى، شرح الباحث أهم مميزات الساعة النووية الجديدة، وأولها هو الاعتماد على جزئيات وتفاعلات مختلفة عن تلك الخاصة بكيفية عمل الساعة الذرية، ويُمكن استخدام الساعتين معًا في الأبحاث الفيزيائية من أجل الحصول على نتائج دقيقة.
ويرى تشانج أن الساعتين النووية والذرية ستسهمان في اختبار صحة الثوابت الفيزيائية التي طالما اعتمد العلماء عليها طويلًا، مثل سرعة الضوء، وثابت الجاذبية، وذلك سيفيد في إجابة السؤال عن هذه الثوابت: هل هي ثابتة حقا؟
كذلك فإن ارتفاع معدل استقرار الساعة النووية مقارنة بكل الساعات المصنوعة سابقًا، نتيجة عدم تأثرها بعوامل البيئة الخارجية، مثل المجالات المغناطيسية، يعني زيادة فاعليتها. ويُمكن وضع النواة الخاصة بالساعة في أجسام صلبة، وهذا يعني إمكانية استخدامها خارج المعامل البحثية بلا مشكلة.
تواصلت الجزيرة نت مع الدكتور مصطفى بهران، الأستاذ الزائر في قسم الفيزياء بجامعة كارلتون الكندية، لتقييم مدة فاعلية الساعة الجديدة، فأوضح أن "الساعة الذرية تستمد الطاقة من ليزر الضوء المرئي، بينما تستمد الساعة النووية الطاقة من ليزر الأشعة فوق البنفسجية الأعلى طاقة وترددًا".
وأضاف بهران أن "الساعة الذرية تخطئ بمقدار ثانية واحدة كل مليار مليار ثانية، أما الساعة النووية التي هي قيد التطوير فتخطئ بالمعدل نفسه كل 100 ألف مليار مليار ثانية"، ولا يعتقد بهران أن هذه التقنية الحديثة لقياس الوقت ستسهم مباشرة في حياة البشر، لكنها بالتأكيد ستسهم في فهم أعمق للكون من حولنا.
ويقترح بعض الفيزيائيين أن المادة المظلمة هي مادة ذات كتلة خفيفة جدا تؤثر تأثيرًا بسيطًا في بعض الثوابت الفيزيائية، مثل شدة القوة المغناطيسية. تساعد الساعة النووية ومن قبلها الساعة الذرية في رصد هذه التغيرات الطفيفة.
ويتفق تشانج مع هذا الرأي، فالطاقة المظلمة -طبقًا لتعريفه- تمثل "مجالات اهتزازية"، وهذه المجالات تؤثر بطريقة معينة في الإلكترونات، وتؤثر بطريقة مختلفة في النواة.
ويضيف قائلا "إذا أردنا دراسة المادة المظلمة يمكننا الاستعانة بكل من الساعة الذرية وتلك النووية، فكل ساعة منهما عند تعرضها لتلك المادة سيصدر منها اختلافات في مستوى الطاقة، سواء على مستوى الإلكترونات، أو على مستوى الذرة".
جدير بالذكر أن الساعات الذرية الحالية نظرًا لمستوى دقتها تستخدم في تكنولوجيا الاتصالات، مثل أنظمة تحديد الموقع "جي بي إس"، والاتصالات بين الأقمار الصناعية، وكذلك الاتصال بين سفن الفضاء وكوكب الأرض، وكلها مجالات يُمكن أن تدعم اكتشاف أعماق الفضاء البعيد.
وسيعمل تشانج وفريقه خلال المرحلة القادمة على مزيد من التجارب الخاصة بالساعة النووية لاختبار مدى تأثرها بالعوامل الخارجية، وضمان حُسن سير العمليات داخلها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الساعة النوویة الساعة الذریة
إقرأ أيضاً:
“جيمس ويب” يكتشف مجرة ميتة في الكون المبكر
#سواليف
ساعد #تلسكوب ” #جيمس_ويب ” في اكتشاف #مجرة ماتت مبكرا، حيث توقفت عن تشكيل #النجوم في وقت أبكر بكثير مما توقعه العلماء، وهذا ما يتعارض مع النماذج النظرية الحالية لتطور #المجرات.
ورصد الباحثون في إطار برنامج RUBIES وباستخدام تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي #مجرة_مبكرة توقفت عن تشكيل #النجوم في وقت أبكر بكثير مما توقعه العلماء. وفي الكون المبكر كانت المجرة النموذجية مشغولة بتحويل الغاز من الوسط بين المجري إلى نجوم، مما زاد كتلتها وعزز تكوين النجوم. لكن المجرات لا تنمو إلى ما لا نهاية بسبب توقف عملية تكوين النجوم. ويوجد في الكون الحالي نحو نصف المجرات المرصودة توقفت بالفعل عن تشكيل النجوم. وهذه المجرات أكثر احمرارا لأنها لم تعد تحتوي على نجوم زرقاء شابة ساطعة، بل تحتوي على نجوم حمراء قديمة وصغيرة فقط.
وتمكن علماء الفلك باستخدام تقنية التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء من تأكيد وجود مجرات ضخمة توقفت فيها عملية تكوين النجوم في الكون المبكر، أي بعد مرور 1.2 مليار سنة من الانفجار العظيم، الأمر الذي يتعارض مع النظريات العلمية الحالية التي تفيد بأن مثل هذه الأجرام السماوية يجب أن تتشكل على مدى فترة طويلة.
مقالات ذات صلةوقالت أندريا ويبل المشاركة في الدراسة: “إن هذا يعني أن المجرات الضخمة الخامدة في المليار سنة الأولى من عمر الكون كانت أكثر شيوعا بمقدار 100 مرة مما توقعته النماذج الفلكية، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى مراجعة العوامل الرئيسية في النماذج النظرية، مثل تأثير الرياح النجمية أو النوى المجرية النشطة على عمليات تكوين النجوم.”
وأضافت أن الحجم الصغير لمجرة RUBIES-UDS-QG-z7، أي حوالي 650 سنة ضوئية، يشير إلى كثافة عالية للكتلة النجمية، وهي مماثلة للكثافات المُراقَبة في المجرات الهادئة القريبة.
وقالت آنا دي غراف الباحثة الرئيسية في برنامج RUBIES إن اكتشاف هذه المجرة يقدم أول أدلة قوية على أن مراكز بعض المجرات الإهليلجية الضخمة الحديثة ربما وُجدت منذ مئات ملايين السنين الأولى من عمر الكون”.