سواليف:
2024-09-21@14:36:30 GMT

التاريخ معلم

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

#التاريخ_معلم

د. #هاشم_غرايبه

مما ذكره البروفيسور الي-هـودي “موشيه شارون” في محاضرة له بجامعة بن غوريون، انه لا يعتبر حروب الجيوش الإسلامية حروبا احتلالية كباقي حروب الأمم الأخرى، بل كانت تحريرا وإعادة الأمور الى نصابها لأن الدين الإلهي يعني الإسلام، وهو الأصل في الدين الذي دعا إليه كل الأنبياء منذ نوح، ولم يُعرّف أي نبي الدين بغير مسمى (الإسلام).


يستند أستاذ التاريخ في رأيه ذاك الى دليلين: آيات القرآن الكريم كونه الكتاب السماوي الوحيد غير المحرّف، وإلى الاستنتاج المنطقي التالي: بما أنه من الثابت أن موسى وعيسى عليهما السلام لم يدعوا الى الي-هـودية ولا الى المسيحية، فإلى أي دين كانا يدعوان إذاً ياترى!؟.. وهل يعقل أن يخالفا دعوة جدهم ابراهيم عليه السلام الذي سمى أتباعه بالمسلمين ولم يسمهم الإبراهيميين!؟.
كثيرا ما نقرأ كتابات لموتورين حاقدين على الأمة، أو لمن في قلوبهم مرض، اعتادوا ترديد مقولات المستشرقين المتحيزين من مزيفي التاريخ الإسلامي، يصفون الفتوحات الإسلامية بالحروب الإستعمارية، ويجعلونها شبيهة بحروب الإمبراطوريات الإستحواذية، وأنها كانت بهدف استرقاق الروميات الشقراوات، وجمع الجزية، وليست لنشر العقيدة وهداية البشر.
ولأن التاريخ خير شاهداً، وأصدق دليلاً، فقد تركزت جهودهم على تزوير التاريخ وتحوير الأحداث وفق هواهم، ولتحقيق مبتغاهم.
ربما كان تأثير دس المستشرقين سيبقى مقتصرا على سمّاعي أقوالهم من مواطنيهم الغربيين، ليؤجج أحقادهم، والقلة من الحاقدين ممن هم بين ظهراني الأمة، لولا أن المتطوعين الواهمين اللحاق بركب الغرب ممن يدعون أنفسهم بالعلمانيين، يتبرعون لترجمة كتاباتهم لأجل نشر أباطيلهم على أنها الحقيقة وأن التاريخ الإسلامي مزور ويجب تعديله وفق رواياتهم.
إذا ما سلمنا بأنه لا شيء يكتبه بشر في الغرب والشرق يكون محايدا، سواء كانوا مسلمين أم كفارا، الكتاب الوحيد مطلق الصحة ويعتبر مرجعا معياريا للحقيقةهو كتاب الله، وكل ما عداه خاضع للميول والأهواء، وإن بدرجات متفاوتة، لذا فليس من وسيلة للتحكيم في صحة الروايات التاريخية التي لم يرد بها نص قرآني سوى أمرين: الأول: المنطق والمعقولية، والثاني: توافق الروايات المختلفة المصادر.
سأورد تاليا نبذة من التاريخ الذي تطابقت كل الروايات حوله، متعلقة بمعركة “ملاذكرد”، للتدليل على حجم التلاعب بتاريخنا المجيد، وكيف أنه حين الحديث عن تاريخ الإسلام، يقوم المزورون بإخفاء النقاط المضيئة والتركيز على الأحداث السلبية.
حدثت هذه المعركة في عام 1071 م، بين الدولة السلجوقية برئاسة السلطان “ألب أرسلان” والإمبراطورية البيزنطية برئاسة الإمبراطور رومانوس الرابع.
كلنت الدولة السلجوقية تفرض سلطانها في آسيا الصغرى، لكنها تتعرض الى استفزازات واعتداءات من قبل ارمينيا وجورجيا، مما حدا بالسلطان للقيام بهجمات تأديبية، مما أثار غضب “رومانوس” فجهز جيشا ضخما قوامه مائتي ألف مقاتل من الروم والروس والأرمن والخزر والفرنجة والبلغاريين بهدف مهاجمة المسلمين في القلب من الدولة أي مكة، واجتثاث دينهم نهائيا.
أدرك ألب أرسلان حرج موقفه، فهو أمام جيش بالغ الضخامة كثير العتاد، في حين أن قواته لا تتجاوز عشرين ألفًاً، فحاول بداية مهاجمة مقدمة جيش الروم، ليحقق له ذلك التفاوض لابرام الصلح والهدنة، لكن امبراطور الروم رفض.
عندها توجه السلطان إلى جنوده يشعل في نفوسهم روح الجهاد وحب الاستشهاد، ووقف فقيه السلطان وإمامه أبو نصر البخاري يقول للسلطان مقوِّيًا من عزمه: إنك تقاتل عن دينٍ وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال، في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة.
وفعلا صلّى بهم الإمام الجمعة، وخطب خطبة مؤثرة، أبكت السلطان، فبكى الناس لبكائه، ولبس البياض وقال: إن قتلت فهذا كفني، وهذا هو سر اعتياد السلاطين العثمانيون أن يجعلوا كفنهم عمامة يلبسونها دائما.
ولما أوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده، بدأ المعركة، وسريعا ما هزم طالبو الشهادة طالبي الدنيا، وأسر “رومانوس”، فسأله السلطان المسلم: ما كنت تفعل بي لو كنت مكانك؟ فقال: كل قبيح، فرد عليه: أما أنا فأطلق سراحك، فما جئنا لننتقم بل لنشر الهدى والصلاح.
هكذا يفعل المسلم حين يقاتل، يعلم أنه ما انتصر إلا لأن الله معه، لذا فهو يحافظ على عهده مع الله.

مقالات ذات صلة حكومة لا تكفيها مهلة 100 يوم 2024/09/21

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: التاريخ معلم هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

النبي (صلى الله عليه وسلم) معلمًا ومربيًا

كان رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) نعم القدوة لأمته وللإنسانية جمعاء ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (الأحزاب : 21)، وكانت حياته (صلى الله عليه وسلم) ترجمة حقيقية لأخلاق وقيم القرآن الكريم، فعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ (رضي الله عنها) , فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ «(رواه أحمد).
ولنأخذ بعض النماذج من سيرته (صلى الله عليه وسلم) في الدعوة إلى الله (عز وجل) معلما ومربيا بالحكمة والموعظة الحسنة ، منها :
١- ما كان منه (صلى الله عليه وسلم) عندما قام أعرابي حديث عهد بالإسلام فبال في المسجد وهمَّ به بعض الحاضرين ، فَقَالَ لَهُمْ سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ« (متفق عليه) .
٢- عن أبي أمامة (رضي الله عنه) قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ, مَهْ, فَقَالَ: «ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا», قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟« قَالَ : لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ» قَالَ : «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟« قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ« قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟« قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ : «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ«، قَالَ : «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟« قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟« قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ« قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ« (مسند أحمد), فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
٣- عن معاوية بن الحكم السلمي (رضي الله عنه) قال : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ؛ فَوَاللَّهِ : مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» (صحيح مسلم) .
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم القدوة، ونعم المعلم، ونعم المربي، وما أحوجنا إلى التأسيّ به واتباع هديه وسنته صلى الله عليه وسلم.

الأستاذ بجامعة الأزهر
وعضو مجمع البحوث الإسلامية

مقالات مشابهة

  • إمام الحرم: الحفاظ على التوحيد مقصد الحياة الأعلى
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. الإنسانية رحم نحن نصلها وهم يقطعونها
  • الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أصل الدين ومنارة الإسلام
  • الشئون الإسلامية: اجتزاء كلمة شيخ الأزهر باحتفالية المولد النبوي يعكس التربص به
  • النبي (صلى الله عليه وسلم) معلمًا ومربيًا
  • التفاصيل الكاملة لبيان اجتماع مجلس الوزراء برئاسة جلالة السلطان
  • جلالة السلطان يعبر عن ارتياحه لانخفاض الدين العام
  • جلالة السلطان يوجّه التهنئة إلى الطلبة والمعلمين والأكاديميين
  • فضل دعاء الأم ومكانتها في الإسلام