عربي21:
2025-01-31@03:27:11 GMT

عن أولويات العهدة الثانية للرئيس عبد المجيد تبون

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

كما كان متوقعا فاز الرئيس / المترشح عبد المجيد تبون بعهدة ثانية لرئاسة الجزائر في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم ٧ أيلول / سبتمبر٢٠٢٤، الانتخابات التي أقر المجلس الدستوري نتائجها يوم السبت ١٤ سبتمبر ٢٠٢٤ بعد مد و جزر. فما هي أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من رئاسيات سبتمبر ٢٠٢٤؟ وما هي أولويات العهدة الثانية لرئاسة السيد عبد المجيد تبون؟

تعد الانتخابات الرئاسية من بين أهم المحطات في المسيرة السياسية للدول، لذا تنتهز الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والمثقفون ومختلف مكونات المجتمع المدني لحظة الانتخابات لتكثيف أنشطتها للتعبيرعن مواقفها السياسية ومساءلة المترشحين عن برامجهم وتصوراتهم المستقبلية.



في الجزائر الأمر يختلف كليا فباستثناء بعض اللافتات أو التجمعات او تجمهر بعضهم عند التمثيليات الولائية للمترشحين  فلاشيء كان يوحي بإقامة انتخابات رئاسية، إذ لم يسبق رئاسيات ٢٠٢٤ أي حوار أو نقاش سياسي حر بل إن جل الأحزاب السياسية التزمت الصم بما في ذلك الأحزاب الداعمة  للمترشح عبد المجيد تبون، فالنقابات كانت بدورها شبه غائة، أما المثقفون فلا صوت ولا وجود لهم، أما وسائل الإعلام العمومية فانفردت بإنتاج خطاب أحادي لا يعبر عن الواقع الجزائري وتحدياته. فالانتخابات الرئاسية بدلا من أن تكون فرصة لخلق حوار جزائري ـ جزائري حول مستقبل البلاد أنتجت الصمت. لتفتقر بذلك الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤ إلى العامل الأساسي الذي أوجدها والمتمثل في المنافسة والنقاش السياسي.

رغم حرص الدولة ومؤسساتها وبعض الأحزاب على إقناع الجزائريين بأهمية المشاركة في رئاسيات ٢٠٢٤، إلا أن الجزائريين قاطعوا مجددا هذه الانتخابات: مهما تضاربت الأرقام حول مستويات مشاركة الجزائريين في الرئاسيات الأخير، إلا أن الملايين من الجزائريين قاطعوا رئاسيات ٧ سبتمبر.في ظل هذا التصحر السياسي برز أثناء الحملة الانتخابية فاعلان: الفاعل الأول مؤسساتي وبرز من خلال وجود السيد عبد القادر بن قرينية (رئيس حركة البناء الوطني) كداعم للمترشح عبد المجيد تبون.. أما الفاعل الثاني فقد تمثل في آراء الشارع الجزائري التي تم التعبير عنها من خلال بث العديد من المقاطع العفوية والساخرة للجزائريين عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وشملت هذه المقاطع مواضع متعددة تشكل الانتخابات الرئاسية واحدة منها.

ورغم حرص الدولة ومؤسساتها وبعض الأحزاب على إقناع الجزائريين بأهمية المشاركة في رئاسيات ٢٠٢٤، إلا أن الجزائريين قاطعوا مجددا هذه الانتخابات: مهما تضاربت الأرقام حول مستويات مشاركة الجزائريين في الرئاسيات الأخير، إلا أن  الملايين من الجزائريين قاطعوا رئاسيات ٧ سبتمبر.

مما لاشك فيه أن المشاركة الشعبية الواسعة هي أحد مؤشرات نجاح كل الانتخابات ولاسيما الرئاسية منها، مما يعطي شرعية وشعبية أكبر للفائزين، لكن جلب المواطنين للمشاركة في الانتخابات لا يرتبط بقرار إداري فوقي بل إنه خيار إرادي يجمع بين خيارات المواطنين وقناعاتهم السياسية بجدوى أصواتهم. يضاف إلى ذلك فإن إنجاح الانتخابات لا يتوقف على توفير الإمكانيات المادية وتكثيف النداءات قبيل الانتخابات فحسب بل إنه يرتبط أكثر بتوفير الظروف السياسية المناسبة التي تسبق الانتخابات.

ولعل ما ساهم كذلك في عدم مشاركة الجزائريين في رئاسيات ٢٠٢٤ هو بؤس المشهد السياسي الذي قدمه بن قرينة الذي أوكلت له مهام تنشيط الحملة الانتخابية للمترشح عبد المجيد تبون: بن قرينية الذي افتقرت حملة مساندته لأساسيات الحملات الانتخابية عجز في معظم الحالات على امتصاص غضب الجزائريين، بل زاد من حدة غضبهم ليزيد أداؤه من تذمر الجزائريين تجاه كل ما هو سياسي بل ورسمي كذلك. 

بعد أداء الرئيس عبد المجيد تبون اليمين الدستورية هذا الأسبوع فما هي أولويات عهدته  الثانية التي تمتد لغاية ٢٠٢٩؟

يتبع تقليديا انتخاب الرئيس أو إعادة انتخابه بالدعوة إلى إعادة تشكيل الجهاز التنفيذي إيذانا بانطلاق مرحلة جديدة.. في الحالة الجزائرية لا يمكن اعتبار تكليف رئيس الوزراء الحالي أو تكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل حكومة جديدة بأولوية العهدة الثانية، بل إن أولويات المرحلة المقبلة تشمل شقين أساسين السياسي والاجتماعي.

تعد ضرورة مراجعة طبيعة العمل السياسي أولى أولويات المرحلة المقبلة، لأن المرحلة المقبلة لا يمكنها أن تتحمل تداعيات الاستمرار على منهج المرحلة التي مضت.. ولعل من بين أهم مرتكزات هذه المراجعة ضرورة الابتعاد عن إنكار وتجاهل الحقيقة في الخطاب السياسي لأن إنكار الحقيقة لا يمثل الحل بل إن الحل يكمن في مواجهة الواقع وتحدياته لأن إنكار الأزمة لا يزيدها إلا تعقيدا.

ويشترط في الشق السياسي على المستوى الداخلي ضرورة إحداث قطيعة في طبيعة الممارسات المؤسساتية والفردية التي تحكم العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين لا يمكن إنجاح أي سياسة تنموية أو عمل مؤسساتي في ظل العلاقات الراهنة التي تربط الجزائريين بمختلف مؤسساته، هذه العلاقة غير السوية التي أضرت بمصداقية ونزاهة مؤسسات الدولة تعيق دون شك المسيرة التنموية للجزائر. ومن أجل التوجه نحو بناء علاقات  سليمة بين المواطنين ومؤسسات الدولة لا بد من إرادة سياسية تعمل على تطهير مؤسسات الدولة في كل القطاعات الحكومية ولاسيما في القطاعات الحيوية كالعدالة والسكن والعمل والصحة... من مختلف الممارسات الضارة.

ولا تقتصر الأولويات السياسية على البعد المحلي بل تشمل كذلك البعد الخارجي من خلال الدعوة إلى إحداث مراجعات في السياسة الخارجية للجزائر، سواء على الصعيد المغاربي / العربي الإفريقي أوالدولي، دون التركيز على محور واحد أو علاقات ثنائية معينة. المراجعات التي من شأنها أن تخفف من حدة التوترات مع الجوار القريب والبعيد وتساهم في فتح صفحات جديدة في العلاقات الخارجية للجزائر.

إن الموقع الاستراتيجي للجزائر يفرض عليها أكثر من جيرانها أن تبادر من أجل بناء علاقات خارجية جديدة بغية التحكم في المخاطر والتحديات الخارجية التي تحيط بدول المنطقة (المغرب العربي / العالم العربي والجوار الإفريقي) وذلك لوجود تحديات إقليمية متعددة، هذه التحديات تتطلب حلولا إقليمية التي لا يمكن إيجادها دوما من خلال الاستعانة بالبعيد بل إنها تولد من رحم مجتمعات المنطقة حصرا.إن الموقع الاستراتيجي للجزائر يفرض عليها أكثر من جيرانها أن تبادر من أجل بناء علاقات خارجية جديدة بغية التحكم في المخاطر والتحديات الخارجية التي تحيط بدول المنطقة (المغرب العربي / العالم العربي والجوار الإفريقي) وذلك لوجود تحديات إقليمية متعددة، هذه التحديات تتطلب حلولا إقليمية التي لا يمكن إيجادها دوما من خلال الاستعانة بالبعيد بل إنها تولد من رحم مجتمعات المنطقة حصرا.

أما الشق الثاني من أولويات العهدة الثانية والذي لا يقل أهمية عن الشق السياسي فإنه يتعلق بالجانب الاجتماعي/الاقتصادي والمرتبط بتحسين الظروف المعيشية اليومية للجزائريين ولا سيما العمل على رفع قدراتهم الشرائية من أجل تحقيق العيش الكريم واللائق لغالبية الجزائريين.

إن ارتفاع الأسعار يوما بعد يوم أنهك الأسر الجزائرية ذات الدخل المحدود والمتوسط خاصة مع صعوبة تحقيقها لمداخيل تؤهلها لتلبية احتياجاته، أوضاع اقتصادية دفعت الأسر الجزائرية إلى التورط في الديون مما أفضى إلى تكريس الفقر بالمجتمع.

مما لا شك فيه أن الدولة حاولت من خلال تدابير مختلفة مثل منحة البطالة التي استفاد منها مئات الآلاف من الجزائريين تخفيف الأعباء الاقتصادية عن الأسر لكن هذا يبدو غير كاف لتامين مداخيل شهرية للأسر والتي تسمح لها بحفظ ماء الوجه.

ولا يمكن فصل رفع القدرة الشرائية عن توفير فرص عمل جديدة للباحثين عن العمل من مختلف الفئات لأن آليات الدعم وإن تنوعت لا يمكنها أن تكون البديل عن خلق فرص عمل دائمة توفر رواتب تغطي احتياجات الجزائريين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجزائر الانتخابات أولويات سياسة الجزائر انتخابات سياسة رأي أولويات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات الرئاسیة عبد المجید تبون رئاسیات ٢٠٢٤ لا یمکن من خلال من أجل إلا أن

إقرأ أيضاً:

قرن من الزمان وغياب القرار والإختيار فيما يتعلق بالنظام السياسي في السودان

قرن كامل من الزمان قد مر على نشر أفكار ماكس فيبر و فكرته عن مفهوم تفسير ديناميكية المجتمع الحديث و ترسيخ فكرة الدولة الحديثة و هو عندما يتحدث عن الدولة الحديثة يتخطى الدولة الشمولية في إنتقاده للشيوعية و يتخطى الملكيات التقليدية و يؤسس لمجتمع في إطار الدولة الحديثة و يعني بها مفهوم الدولة في الفكر الليبرالي حيث تصبح مفاهيم الفكر الليبرالي ليست نظم حكم فحسب بل أن الليبرالية قد أصبحت بديلا للفكر الديني.
و نقول مثل هذا القول و نكرره لأن أكبر مفكري السودان ما زالوا في إلتباس مقيم و يظنون أن الدولة يمكن أن تكون شمولية كما يظن الشموليين من كل شاكلة و لون في السودان أو تكون دولة عسكرية يقودها جيش كما يظن المتحمسون في دفاعهم عن حرب الجيش الكيزاني مع صنيعته الدعم السريع و هذا كله بسبب ضعف الفكر و غياب مناهجه في السودان.
و حيرة النخب السودانية و عجزها عن إتخاذ قرارها و إختيارها فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي يفسر ظاهرة المجتمع البشري أي عجزها عن إختيار النظام الليبرالي سببه كامن في صميم الثقافة التقليدية العربية الإسلامية التي تهيمن على أفق النخب السودانية وللأسف هي مجرورة وراء قاطرة الفكر و كساده في العالم العربي و الإسلامي التقليدي و قد إنتبه لها كثر من مفكري العرب و علماء الإجتماع في العالم العربي و قدموا فكر ممتاز يصلح لكسر الطوق للفكر التقليدي و الشب عنه.
و نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي في نقده الحضاري لحالة المجتمع العربي و هو أسير الأبوية المستحدثة وهي تحاول الترقيع في فكر يتحدث عن الحداثة و الأصالة و غيرها من تهويمات التلفيق و التوفيق الكاذب و قد ظهرت في السودان في أتباع المرشد الكيزاني و الامام الانصاري و أتباع الختم و حتى في أفكار أتباع النسخة المتكلسة من الشيوعية السودانية في علمانية محابية للأديان كنتاج لحوار حول الدولة المدنية و كلها أفكار رازحة تحت ثقل الأبوية المستحدثة التي تحدث عنها هشام شرابي و هي تكشف لثام النخب السودانية و تجعلهم يصتفون في صفوف أزمة المثقفون العرب و الغرب كما تحدث عنها هشام شرابي في أزمة المثقف العربي و عجزه الدائم عن مواجهة التحدي و التغلب عليه.
هشام شرابي عندما يتحدث عن الأبوية المستحدثة و هي قبول النخب العربية بوجه من وجوه الحداثة إلا أنهم يريدونه وفقا لعقل الحيرة و الإستحالة نتاج سطوة سلطة الأب و ميراث التسلط و أكبر حاضنة لها هو الفكر الديني التقليدي و بايمانه التقليدي و بايمانه التقديسي و التبجيلي و هذا هو مكمن الضعف و كعب أخيل النخب السودانية و هي أسيرة الفكر الديني و لهذا ضاعت فرصة القرار و الإختيار لنظام حكم ليبرالي يصبح بديلا للفكر الديني و هذا هو سبب فشل النخب و إفشالهم لثورة ديسمبر و شعارها الجبار حرية سلام و عدالة.
مع هشام شرابي يمكننا أن نذكر أيضا عالم الإجتماع التونسي الطاهر لبيب و هو يكاد يكون قد حاول معالجة ظلال الأبوية المستحدثة التي تحدث عنها هشام شرابي و لكن بفكر قدمه في محاولته لإعادة إكتشاف أفكار قرامشي و المضحك أن الطاهر لبيب وصل لما وصل إليه هشام شرابي بأن النخب العربية وصلت لطريق مسدود حيث أصبح المثقف العضوي في العالم العربي و الإسلامي التقليدي يمثله أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب وحل الفكر الديني و كذلك يمثله أتباع الأيديولوجيات المتحجرة كأتباع نسخة الشيوعية المتحجرة وهذا قمة الإنحطاط الفكري.
و ربما يكون كل ذلك نتاج إنحطاط تمر به الشعوب العربية الإسلامية التقليدية بسبب عجزها عن إعمال القطيعة مع التراث الديني المؤدلج في وقت كان ينبغي أن يكون فيه المثقف العضوي من الطلائع الذين يحققون طموح الطبقات الصاعدة و الأجيال الصاعدة و هؤلاء لا يحقق طموحهم غير الفكر الليبرالي و عليه في عصرنا الراهن لا يكون المثقف العضوي غير المفكر الليبرالي الذي يؤمن ببناء مجتمع وفقا لقدرات عقلنا البشري في فراقه للفكر اللاهوتي و فراقه لكل فكر ميتافيزيقي.
و بالتالي لا يكون المثقف العضوي إلا من ضمن من يؤسسون لمجتمع حديث بفكر ليبرالي يكون فيه الفكر الليبرالي بديلا للفكر للدين أي بإختصار في مجتمعنا الحديث أن المثقف العضوي هو من يخطط لتحقيق مجتمع ليبرالي ينتصر للفرد و العقل و الحرية و يخرج أفراد المجتمع من سطوة الأبوية المستحدثة نتاج الفكر الديني التقليدي و سطوة أتباعه و لا يهمهم غير شهوة السلطة و سطوة الإستبداد كما يفعل الكيزان في السودان من قبل ما يزيد على الثلاثة عقود و عليه يصبح دور المثقف العضوي في كفاحه ضد أتباع وحل الفكر الديني بأن يكون ليبرالي الفكر منتصر للحياة و في مواجهة دائمة و بوعي متقد ضد الكيزان العدميين أعداء الإشراق و الوضوح و أذيالهم.
للتوضيح مسألة القرار و الإختيار للفكر الليبرالي هو العمود الفقري لفكر ريموند أرون في مطلع الثلاثينيات من القرن المنصرم حيث كانت أوروبا تعيش في أزمة العلوم الأوروبية و ريموند أرون كان في إختلاف فكري كبير مع أساتذته في فرنسا و أغلبهم كانوا تحت تأثير فكر الوضعية المنطقية لأوجست كونت و ماركس في وثوقياتها و حتمياتها و يقينياتها بعكس فكر علماء الإجتماع الألمان الذين قد تأثر بفكرهم ريموند أرون و قد وصل لفكرة النقد المعرفي و قد تخلص من أثر فلسفة التاريخ التقليدية منذ أيام سيطرة الفكر الارسطوإفلاطوني مرور بالفكر المسيحي و آخره في الفلسفة المثالية الالمانية و قد بلغت منتهاها في كل من الماركسية و الهيغلية.
و عليه تصبح فلسفة التاريخ الحديثة متخطية لفكرة اليد الخفية و الفكر المطلق و أن الفكر الميتافيزيقي لم يعد أفقا فلسفيا يتيح للفلسفة أن تقدم عبره مشاريعها الفلسفية و بالتالي تصبح أفكار النيوكانطية أفق الفكر الفلسفي الجديد و يصبح إختيار الديمقراطية الليبرالية متاحا و ممكن و رفض النظم الشمولية من نازية و فاشية و شيوعية واجب أخلاقي به يصبح فكر النظم الشمولية فكر عابر و مؤقت في زمن الشرط الإنساني حيث يستطيع الإنسان إعادة خلق المجتمع البشري وفقا لقدرات عقلنا البشري و بعيدا عن اللاهوت و الميتافيزيقيا.
لذلك نجد ريموند أرون قد فضل و إستحسن فكر ماكس فيبر و دلتاى و جورج زيمل و إدموند هوسرل على فكر دور كهايم و فكر أوجست كونت و فكر ماركس و بسبب فكر ريموند أرون الذي أتى به من الفلاسفة الألمان و علماء إجتماعهم إنعتقت فرنسا من فكر فلسفة التاريخ التقليدية و هذا ما ينتظر ساحة فكرنا السوداني لكي تلحق بمواكب البشرية و خاصة أوروبا و قد أصبحت تمثل مختصر تاريخ البشرية في زمن قد أصبح و لأول مرة أن تاريخ البشرية تاريخ واحد في ظل قيام الثورة الصناعية.
و هذا ما فطن إليه نهرو في الهند و نجده قد فعل فيما يتعلق بالفكر نفس خطوات ريموند أرون في فرنسا فيما يتعلق بالقرار و الإختيار و قد أختار الفكر الديمقراطي و رفض نهرو الشيوعية كنظام شمولي بغيض و أختار للهند أن تكون هند ديمقراطية علمانية تقنية و عندما سئل لماذا رفض الشيوعية للهند؟ رد نهرو على سائليه أنه قد قراء رأس المال لماركس حيث يزعم عباقرة الرجال بأنهم قد قراؤه و في حقيقة الأمر لم يقرؤه أما هو فقد قراءه و لم يجد فيه ما يجعله أن يكون ماركسيا.
رد نهرو على سائليه يكاد يكون قد قال نفس كلام ريموند أرون عن كتاب رأس المال لماركس حيث قال أنه قراءه خلال ثلاثة عقود و لم يجد فيه ما يجعله أن يكون ماركسيا و لهذا وصف ريموند أرون في فرنسا بأنه المثقف غير المنخدع بماركسية ماركس و عليه إن إختيار نهرو للديمقراطية و العلمانية و التقنية للهند و رفضه للشيوعية يجعله مثقف عضوي لأنه قد حقق طموح الطبقات الصاعدة في الهند من خلال فكر ليبرالي يؤمن بقيم الجمهورية و أقنع به المهاتما غاندي الذي كان يحلم بعودة الهند التقليدية.
في ختام هذا المقال يجب العودة لفكرة القرار و الإختيار للنظام السياسي في فكر ريموند أرون و هو بالمناسبة مؤرخ غير تقليدي و إقتصادي و فيلسوف و عالم إجتماع فرنسي ساعدته معرفته بالنظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي بأن يلاحظ كيف تكون لحظات إنقلاب الزمان و كيف إنتهت فيها فلسفة التاريخ التقليدية و كيف بداءت بعدها فلسفة التاريخ الحديثة منتصرة للفكر الليبرالي في تأسيسه لفكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد.
و عليه كان ريموند أرون مدركا لنهاية الليبرالية التقليدية و مدرك لبداية الليبرالية الحديثة لذلك لم ينخدع بأفكار الوضعية لأوجست كونت عندما أسسها على فكرة مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و لم ينخدع بأفكار ماركس و قد حاول دراسة المجتمع عبر نمط الإنتاج الرأسمالي أما فكره أي فكر ريموند أرون الذي إعتمد عليه في مسألة القرار و الإختيار فيقوم على فكرة المجتمع و الديمقراطية في فكر توكفيل و هذا ما جعله يأتي بأفكار توكفيل عن الديمقراطية الليبرالية من قلب النسيان و يحارب بها أفكار كل من ماركس و أفكار أوجست كونت كحتميات و وثوقيات و يقينيات.
أما فضاء فكره و فيض علومه فقد جعل لها فضاء تلتقي فيه الديمقراطية و الفلسفة و علم الإجتماع لكي يخرج منها بفكرة الشرط الإنساني و لا تمثله غير الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية لتجسيد فكرة العيش المشترك وفقا لمعادلة الحرية و العدالة في تجسيدها لفكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و لا تكون بغير العلاقة المباشرة بين الفرد و الدولة في مفهوم الدولة الحديثة التي لا تحقق إلا عبر الفكر الليبرالي.
و عليه نقول للنخب السودانية أن مسألة القرار و الإختيار للنظام السياسي مهمة و قد وضحناها في كيف أختار نهرو الديمقراطية و العلمانية و التقنية للهند و قد أصبحت الهند اليوم من أكبر الديمقراطيات و عليه نقول لكم أن شعار ثورة ديسمبر المجيدة حرية سلام و عدالة لا يمكن تحقيقه بغير إتخاذ قرار يختار الديمقراطية الليبرالية للسودان و العلمانية كما أختار نهرو للهند الديمقراطية و العلمانية و التقنية و العلوم الحديثة.

taheromer86@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • الصحفيين والإعلاميين: خلال لقاء محافظ الدقهلية كلنا خلف الرئيس في جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي
  • انعقاد الجولة الثانية من المشاورات السياسية السعودية – السويدية
  • انعقاد الجولة الثانية من المشاورات السياسية "السعودية-السويدية"
  • فعالية في حلب إحياءً للذكرى الثانية عشر لمجزرة نهر قويق التي ارتكبها النظام البائد
  • أولويات سوريا وأحمد الشرع رئيسًا .. ماذا تضمن خطاب النصر بشأن المرحلة الانتقالية؟
  • للمرة الأولى.. سوريا تشارك في مسابقة الدورة الثانية لألعاب الرياضيات التي ‏تقيمها الألكسو‏
  • انطلاق معارض أهلا رمضان.. الغرف التجارية: توفير السلع وأسعارها ضمن أولويات الدولة
  • الحكيم: الحكومات المحلية تمثل خط الصد الأول للنظام السياسي
  • خوري: الانتخابات هي الطريق نحو استقرار ليبيا وتوحيد المؤسسات
  • قرن من الزمان وغياب القرار والإختيار فيما يتعلق بالنظام السياسي في السودان