د.مصطفي ثابت يكتب: “طفل ذكي ولكن مشتت: كيف نساعد أطفالنا على تنمية المهارات التنفيذية لمواجهة الحياة”
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
تخيل أنك ترى طفلك القادر على فهم الرياضيات بسرعة أو تعلم لغة جديدة بسهولة، غير قادر على ترتيب غرفته أو إنهاء واجباته المدرسية في الوقت المحدد. هذا التناقض يسبب إحباطًا كبيرًا للآباء، فهم يرون في أطفالهم إمكانيات ذهنية رائعة، لكنهم لا يستطيعون توظيف تلك الإمكانيات في حياتهم اليومية. هنا يكمن دور ما يسمى بـ “المهارات التنفيذية”، التي قد يفتقر إليها بعض الأطفال، وهو ما يتناوله كتاب “ذكي ولكن مشتت” بالتفصيل، مقدّمًا حلولًا عملية لمساعدة الآباء في تنمية هذه المهارات لدى أطفالهم.
المهارات التنفيذية هي تلك القدرات العقلية التي تمكننا من التحكم في سلوكنا واتخاذ قرارات مدروسة، وهي تشمل التخطيط، التنظيم، السيطرة على الانفعالات، وإدارة الوقت. هذه المهارات تعتمد على الجزء الأمامي من الدماغ، وهي التي تسمح لنا بإنجاز المهام اليومية بكفاءة. لكن عندما يفتقر الطفل إلى هذه المهارات، فإن الأمور التي تبدو بسيطة مثل إنهاء الواجبات أو ترتيب الغرفة تتحول إلى تحديات كبيرة.
يقدم الكتاب مثالًا لطفل يمتلك ذاكرة ممتازة في استيعاب معلومات دراسية معقدة، لكنه عندما يُطلب منه القيام بمهمة يومية بسيطة، مثل تنظيم حقيبته المدرسية، يجد نفسه عاجزًا عن إكمالها. هذا النوع من الأطفال يحتاج إلى تطوير مهارات التفكير والتنظيم حتى يتمكن من استخدام ذكائه الفطري في الحياة اليومية. على سبيل المثال، قد يحتاج الطفل إلى تعلم كيفية تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة ومحددة، والالتزام بجدول زمني لتحقيقها.
الكاتب يوضح أن هذه المهارات يمكن تقسيمها إلى مهارات عقلية مثل الذاكرة العاملة، التي تساعد الطفل على الاحتفاظ بالمعلومات أثناء تنفيذ مهمة، والتخطيط والتنظيم، التي تمكنه من ترتيب أفكاره والبدء بمهام معقدة. بالإضافة إلى مهارات سلوكية مثل كبح ردود الفعل العفوية، حيث يُصبح الطفل قادرًا على التفكير قبل التصرف، والسيطرة على الانفعالات، التي تسمح له بالتحكم في مشاعره في المواقف المثيرة للضغط.
من الأمثلة الأخرى التي يستعرضها الكتاب، حالة طفل لا يستطيع السيطرة على انفعالاته عندما يخسر في لعبة فيديو. في هذه الحالة، يُنصح بتدريبه تدريجيًا على التحكم في غضبه من خلال تعريضه لمواقف مشابهة تحت إشراف الأهل، مثل إعطائه مهام صغيرة تتطلب منه الحفاظ على الهدوء. بمرور الوقت، يتعلم الطفل كيفية التعامل مع التوتر وتجنب التصرفات الاندفاعية.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الآباء هو أن الأطفال غالبًا لا يدركون مدى تأثير ضعف المهارات التنفيذية على حياتهم اليومية. هنا يكمن الصراع المستمر بين الأهل والطفل. فقد يشعر الطفل بأن ردة فعل الأهل على تصرفاته مبالغ فيها، في حين يرى الأهل أن المشكلة أكبر مما يتخيل الطفل. على سبيل المثال، قد يرى الأهل أن عدم إنهاء الطفل لواجباته المدرسية مسألة تستدعي توبيخه، بينما يشعر الطفل بأنه قام بعمل كافٍ ولا يرى فائدة من الاستمرار. هذا التباين في الفهم يؤدي إلى تفاقم المشكلات المنزلية.
الكاتب يشدد على أهمية الحوار بين الأهل وأطفالهم لفهم نقاط الضعف والقوة لدى كل طرف. إذا كان أحد الأبوين يعاني هو الآخر من ضعف في المهارات التنظيمية، فقد يواجه صعوبة في مساعدة طفله، مما يضيف المزيد من التوتر إلى العلاقة. وقد يعكس هذا على الطفل الشعور بالإحباط المستمر دون وجود حلول عملية، مما يجعل الأجواء في المنزل مشحونة وتؤثر سلبًا على تطور الطفل.
عندما يتعلق الأمر بوضع خطط لتحسين هذه المهارات، يقدم الكتاب نصائح واضحة لإشراك الطفل في هذه العملية. إشراك الطفل في وضع الخطة يجعله يشعر بالمسؤولية ويزيد من احتمالية نجاح الخطة. على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو تحسين إدارة الوقت، يمكن وضع جدول زمني بسيط يتضمن أوقات الاستراحة والدراسة معًا، ويمكن للطفل أن يشارك في تحديد تلك الأوقات بناءً على راحته. إذا رفض الطفل المشاركة في التخطيط، يمكن استخدام أسلوب التفاوض أو تقديم محفزات معينة تشجعه على الالتزام.
من المتوقع أن تظهر عقبات خلال تنفيذ الخطة. على سبيل المثال، قد يجد الطفل صعوبة في الالتزام بالجدول الزمني في البداية، وقد يكون من الضروري تعديل الخطة بناءً على هذه العقبات. إذا كانت المشكلة تتعلق بالقدرة على كبح رد الفعل العفوي، يمكن أن يتدرب الطفل على مواجهات متدرجة مع المواقف المثيرة التي تستفز ردود فعله، ومع مرور الوقت، يتعلم كيفية التفكير قبل التصرف.
إذا لم تؤدِ الخطة الموضوعة إلى نتائج ملموسة، فقد يكون هناك خطأ في خطوة معينة. في هذه الحالة، ينصح الكتاب بإعادة تقييم الوضع وتحديد المشكلة بدقة. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يعاني من عدم الانتباه في وقت معين من اليوم أو في مواقف معينة، يجب على الأهل توجيه تركيزهم نحو هذا الوقت أو الموقف بدلًا من التعميم.
في بعض الحالات، قد لا تكون الخطط المنزلية كافية، وقد يكون من الضروري طلب المساعدة من اختصاصي نفسي أو اجتماعي. ينصح الكتاب بالبحث عن مختصين يمتلكون خبرة في تدريب الآباء والأطفال معًا، بدلًا من الاعتماد على استراتيجيات تقليدية مثل الاسترخاء فقط. يشير الكتاب إلى أن المختص سيعمل مع الأهل لتحديد إذا ما كانت البيئة المحيطة تؤثر على سلوك الطفل وكيفية تعديل تلك البيئة.
في بعض الأحيان، قد يلجأ الاختصاصي إلى استخدام اختبارات معينة لتحديد ما إذا كان الطفل يعاني من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو اضطراب نقص الانتباه. وإذا كانت هناك حاجة للعلاج الدوائي، يشير الكتاب إلى أن استخدام العقاقير الطبية قد يكون مفيدًا، خاصة إذا كانت هذه المشكلات تؤثر على قدرة الطفل على تكوين صداقات أو تحقيق النجاح الدراسي. يخشى بعض الآباء من استخدام الأدوية، لكن الكتاب يؤكد أن دمج العلاج الدوائي مع المعالجات السلوكية يمكن أن يقلل من الجرعات المطلوبة ويحقق نتائج أفضل.
في النهاية، يوضح الكتاب أن النجاح في تطوير المهارات التنفيذية للأطفال يمكن أن يضمن لهم مواجهة تحديات المراهقة بشكل أفضل. فمع اكتساب هذه المهارات، يصبح الطفل قادرًا على اتخاذ قرارات مستقلة، وتحمل المسؤولية، والتكيف مع ضغوط الحياة. ومع أن عملية تنمية هذه المهارات تتطلب جهدًا كبيرًا من الأهل في مرحلة الطفولة، إلا أن نتائجها تكون حاسمة في تمهيد الطريق لمستقبل أفضل لأطفالهم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: تنمية مهارات الأطفال تنمية قدرات الأطفال مصطفى ثابت مصطفى ثابت الفجر على سبیل المثال هذه المهارات قد یکون إذا کان
إقرأ أيضاً:
بحضور عبدالله السناوي.. معرض الكتاب يناقش "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"|صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في إطار فعاليات الدورة الـ 56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، شهدت قاعة "فكر وإبداع" في بلازا 1، ندوة متميزة لمناقشة كتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" للكاتب الصحفي محمود عوض، والذي صدر عن سلسلة "كتاب أخبار اليوم" في طبعته الخامسة، يقدم رؤية جديدة للسيدة أم كلثوم، ويكشف تفاصيل غير معروفة عن حياتها و مسيرتها الفنية والشخصية، وشارك في الندوة: شقيق الكاتب، طه عوض، والكاتب الصحفي عبد الله السناوي، فيما أدار الندوة الروائي و القاص الدكتور شريف صالح.
في بداية الندوة، أعرب الدكتور شريف صالح، عن سعادته بالحضور لمناقشة الكتاب، مؤكدًا أن هذا الحدث يأتي في سياق الاحتفاء بذكرى مرور خمسين عامًا على وفاة الفنانة الراحلة أم كلثوم، التي لا تزال حاضرة في وجدان العالم بأسره.، وأوضح أن الكتاب يمثل أيضًا تكريمًا للكاتب الصحفي الكبير محمود عوض، الذي قدم صورة إنسانية جديدة عن أم كلثوم.
وأشار صالح، إلى أنه رغم مرور نصف قرن على رحيل أم كلثوم، إلا أن صوتها و أغانيها ما زالت تُلهب القلوب وتغني للأجيال الجديدة، وذكر صالح أنه شخصيًا كان متيمًا بأم كلثوم منذ سن الـ13، حيث كان يستمع إلى أغانيها ويشعر بأن هناك "قصة بين اثنين يحبان بعضهما البعض"، مؤكّدًا أن أغانيها كانت تأسر قلبه من صغره.
وأوضح أيضًا أن لديه رواية عن أم كلثوم بعنوان "مجانين أم كلثوم"، والتي صدرت حديثًا ضمن إصدارات معرض الكتاب، وأكد في حديثه عن الكتاب، أن محمود عوض ينتمي إلى مدرسة "أخبار اليوم"، ويعد من الصحفيين الوطنيين الكبار، وأن فكرة الكتاب نشأت عندما كانت أم كلثوم صديقة مقربة من الصحفي الراحل مصطفى أمين، حيث طلبت منه أن يكتب سيرتها الذاتية، وعندما اعتذر مصطفى أمين، أشار لها إلى محمود عوض كبديل، ليكتب سيرتها بشكل موضوعي وعميق، وقد جاء الكتاب بأسلوب سهل وعفوي، ويُعد منصفًا للفنانة الراحلة، كما خصص عوض فصلاً مهمًا لتوثيق البيئة والعصر الذي نشأت فيه أم كلثوم، مما أضاف بُعدًا تاريخيًا واجتماعيًا للكتاب.
من جانبه، تحدث الكاتب الصحفي عبد الله السناوي عن سعادته لحضور مناقشة الكتاب، مؤكدًا أن عنوان الكتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" يثير العديد من الأسئلة حول جوانب جديدة يتناولها الكاتب محمود عوض، وذكر السناوي أن الكتاب يحمل جوانب مثيرة ومتنوعة، وأنه ينجح في المزج بين رأي الكاتب الشخصي والشهادات الحية من أم كلثوم، مما أضفى على الكتاب طابعًا فريدًاد وأضاف السناوي أن لغة الكتاب "سلسة جدًا" ويعكس أسلوب الكاتب الشبيه بالسيناريو، ما يتيح للقارئ أن يعيش التجربة بشكل سينمائي.
وأشاد السناوي، بالنزعة الفنية لدى محمود عوض، كونه فنانًا يكتب عن فنانة، قائلًا: "في الحقيقة هو يتغزل فيها لأنه أمام ظاهرة فريدة ويريد إعطائها حقها"، واختتم السناوي حديثه بالتأكيد على أهمية أن يظل الفيلم الذي يتناول سيرة أم كلثوم بعيدًا عن "النميمة"، وأن يركز على القضية الرئيسة التي تجسدها شخصيتها.
ومن جانبه، تحدث طه عوض، شقيق الكاتب محمود عوض، عن سعادته لمناقشة الكتاب في معرض الكتاب، مؤكدًا أن الكتاب لا يقتصر على دراسة الفن الذي قدمته أم كلثوم، بل يتناول شخصيتها بشكل أعمق، مُبرزًا صلابتها وقدرتها على التكيف في مسيرتها الفنية.
وأشار إلى أن الكتاب يسلط الضوء على أم كلثوم كرمز للمرأة المصرية في كافة جوانب حياتها، كما تطرق عوض، إلى التحديات التي واجهها في إعادة طباعة أعمال شقيقه الراحل، موضحًا أن الجو العام لم يكن داعمًا لهذا النوع من الإصدارات في فترة من الفترات، ومع ذلك، قرر التنازل عن حقوقه في سبيل نشر كتب محمود عوض لمنح القارئ الاستفادة من أعماله القيمة.