في خطابه الأول بعد التفجيرات غير المسبوقة التي استهدفت أجهزة الاتصال، أو ما سمّاها بـ"مجزرتي الثلاثاء والأربعاء"، وقبل الغارة على الضاحية الجنوبية بالامس والتي ادت الى استشهاد قادة كبار ابرزهم قائد "قوات الرضوان" ابراهيم عقيل، اختار الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله أن يعتمد "تكتيكًا جديدًا" في التعامل مع العدو الإسرائيلي، يقوم على تبنّي "الأوجه الخفية" للمعركة، من خلال عدم الإفصاح عمّا يخطّط له الحزب على صعيد الرد، سواء من حيث التوقيت أو الشكل أو المضمون، محتفظًا بهذه التفاصيل لما وصفها بـ"أضيق دائرة في أنفسنا".


 
هذه الخلاصة جاءت بعد "تقييم" قدّمه السيد نصر الله للضربة التي تعرّضت لها المقاومة هذا الأسبوع، حيث كان حريصًا على تسمية الأمور بأسمائها، من دون التقليل من وقع ما جرى، حيث وصفه صراحة بالعدوان الكبير وغير المسبوق في تاريخ المقاومة وفي تاريخ لبنان، مقرًّا في الوقت نفسه بالتفوّق التكنولوجي للعدو بفضل الدعم الغربي الذي يحظى به، وإن حرص في الوقت نفسه على طمأنة الجمهور، بأنّ هذه الضربة "لم ولن تُسقِطنا".
 
على العكس من ذلك، أكد نصر الله أنّ المقاومة ستستفيد من الضربة التي تعرّضت لها، والتي وصفها بـ"الثقيلة والدامية"، لتصبح "أقوى وأشدّ صلابة وعزمًا وعودًا وقدرة على مواجهة كل الاحتمالات والمخاطر"، مشدّدًا على أنّ ما حصل "لن يمسّ بنيتنا وإرادتنا وعزمنا وتماسكنا وجهوزيتنا"، وقبل كلّ ذلك "الحضور في الجبهات"، فكيف تُقرَأ رسائل الخطاب بصورة عامة، وأبعد منها، كيف يُفهَم "التكتيك الجديد" بخصوص الردّ المرتقب؟!
 
"ثبات على الموقف"
 
خلافًا لما ذهب إليه بعض المحسوبين على "حزب الله" في الأيام القليلة الماضية، من محاولات للتقليل من شأن الضربة الإسرائيلية، وإن عن حسن نيّة، للتأكيد أنّ المقاومة لن تتأثّر بما جرى، يسجّل العارفون ضمن نقاط القوة، "شجاعة" الإقرار بأنّ ما جرى ليس عاديًا ولا عابرًا، حيث تحدّث نصرالله بصراحة عن "حجم" هذه الضربة غير المسبوقة، وهو ما ترجم أيضًا بنبرته الحزينة والغاضبة، وهي عوامل تُحسَب له بحسب ما يقول العارفون، من باب الشفافية.
 
لكن بالتوازي مع هذه الصراحة في التعامل مع الحدث، يتوقف العارفون عند أهمية رسائل "الطمأنة" التي حرص السيد نصر الله على توجيهها للقاصي والداني في سياق الخطاب، من باب التأكيد على أنّ المقاومة ستستمرّ، وأن ما جرى سيزيدها قوة ومتانة، وبالتالي فهو لن يضعفها ولن يربكها كما أراد العدو، علمًا أنّ هذا الكلام بالتحديد جاء منسجمًا بشكل أو بآخر مع الإصرار على استكمال عمليات "إسناد غزة" في الميدان في اليوم التالي لـ"مجزرة البيجر".
 
وتتناغم هذه الرسائل أيضًا مع "الثبات" الذي ظهر في الخطاب على المواقف والأدبيّات التي اعتمدها "حزب الله" منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، يوم فتح جبهة الجنوب إسنادًا للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي أراد القول إنّها لن تتغيّر بعد الضربة الأخيرة، وفي ذلك "إجهاض" للأهداف الأساسية من تفجيرات أجهزة الاتصال، وتحديدًا في ما يتعلق بأنّ العمليات في الجبهة ستتواصل طالما أنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مستمرّ.
 
"تكتيك جديد"
 
بعيدًا عن هذه الرسائل ومضامينها، ليس خافيًا على أحد أنّ خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" كان مُنتظَرًا لحسم "سيناريوهات" المرحلة المقبلة، في ظلّ تكهّنات ووجهات نظر متباينة، علمًا أنّ هناك من يقول إنّ العدو الإسرائيلي الذي يرفع الأسقف إلى الأعلى، كان ينتظر ردًا فوريًا وعالي السقف من الحزب، سواء في الميدان، أو على مستوى خطاب نصر الله، ليستخدمه "ذريعة" للمضيّ قدمًا في مخطّطاته الحربية ضدّ لبنان، بعد تصاعد لهجة التهديدات.
 
استنادًا إلى ذلك، يمكن فهم "التكتيك الجديد" الذي اعتمده السيد نصر الله في سياق المواجهة أيضًا، حيث كان الرجل واضحًا في رسم "معادلات" المرحلة ردًا على التهويل الذي تعاظم في الأيام الأخيرة بشأن حرب شاملة يمكن أن يذهب إليها الإسرائيليون تحت عنوان "إعادة المستوطنين بأمان"، فجاء الردّ بأنّ مثل هذا السيناريو لن يسمح بإعادة المستوطنين، بل على العكس من ذلك قد يزيد نسبة التهجير، ويبعد فرصة العودة الآمنة للمستوطنين.
 
وفي حين كان لافتًا استخدام السيد نصر الله لتعبير "افعلوا ما شئتم" كجزء من الردع أيضًا، باعتبار أنّ المقاومة جاهزة للمواجهة، حتى لو قرّر العدوّ الإسرائيلي الذهاب إلى الحرب، ما يعني أنّ ما حصل لن يؤثّر على المعادلات السابقة لجهة أنّ المقاومة لا تريد الحرب، لكنها جاهزة لخوضها إذا ما فُرِضت عليها، تبقى النقطة الأهمّ في الخطاب، ما يرتبط بالغموض الذي غلّف الرد به، رغم التأكيد على أنّ "القصاص العادل" آتٍ عاجلاً أم آجلاً.
 
باختصار، أراد السيد نصر الله في خطابه الأخير أن يقول كلامًا مختلفًا عن كلّ ما سبق، وبما معناه: نعم، تعرّضنا لضربة قوية ومؤلمة وغير مسبوقة، لكن الحرب ليست جولة واحدة، وهذه ليست النهاية، ونحن جاهزون لكلّ السيناريوهات والاحتمالات. لكنّ ما لم يقله في الخطاب هو تحديدًا ما كان ينتظره، ما يعيد خلط الأوراق، فهل يمضي العدو قدمًا في مخططاته،كما فعل في الضاحية الجنوبية بالامس أم أنّ انتظار الردّ سيكون عنوان المرحلة المقبلة، مرّة أخرى؟! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: السید نصر الله حزب الله ما جرى

إقرأ أيضاً:

تحليل إسرائيلي: هجمات الحوثيين على تل أبيب تكتيك لضمان البقاء في مشهد جيوسياسي متغير (ترجمة خاصة)

قال "مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية" إن هجمات جماعة الحوثي على إسرائيل وتهديدات الملاحة في البحر الأحمر تكتيك لضمان البقاء في مشهد جيوسياسي متغير.

 

وأضاف المركز في تحليل ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن عدوان الحوثيين تجاه إسرائيل لا يتعلق بالأيديولوجية بقدر ما يتعلق بالتمركز ــ وهو أداء متقن مصمم لتأمين البقاء في مشهد جيوسياسي متغير. وهو في جوهره طريقة الحوثيين في القول: "نحن هنا، ولنا أهمية".

 

وتابع "في دوامة الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، حيث تتداخل الإيديولوجية والبراغماتية في كثير من الأحيان في مشهد متعدد التناقضات، فإن العدوان الأخير للحوثيين على إسرائيل يتطلب فحصًا أكثر دقة".

 

 وحسب مركز القدس فإنه للوهلة الأولى، تبدو ضرباتهم ضد الدولة اليهودية وكأنها عمل آخر من أعمال التعصب المتشدد، ولفتة واجبة من الولاء لرعاتهم الإيرانيين. ومع ذلك، إذا حفرنا تحت السطح، فستظهر لعبة أكثر إثارة للاهتمام، وأجرؤ على القول إنها مكيافيلية - محاولة محسوبة للبقاء في حين يترنح النظام الإيراني على أرجل غير ثابتة على نحو متزايد.

 

وأردف "لفهم استراتيجية الحوثيين الغريبة، يجب على المرء أن يدخل متاهة السياسة القبلية التي تحكم جزءًا كبيرًا من اليمن والمنطقة الأوسع نطاقًا. في مثل هذه المجتمعات، لا تعد القوة مجرد سلاح؛ بل هي عملة المصداقية.

 

وأكد المركز العبري أن استعراضات القوة، مهما بدت متهورة، تشكل جزءاً من أداء أعظم ــ تمهيداً للمفاوضات. والحوثيون، الذين يقبعون على سقالة غير مؤكدة من الدعم الإيراني، لا يهاجمون إسرائيل والولايات المتحدة فحسب؛ بل إنهم يجعلون من قدرتهم على الصمود مشهداً استعراضياً، وإعلاناً صريحاً للعالم بأنهم قوة تستحق الحساب.

 

وقال "لكن هنا تكمن المشكلة: فهم لا يدعون إلى حرب شاملة، كما قد يخشى البعض. بل إن هذه رقصة محسوبة على حافة الكارثة، وهي مناورة مصممة لتأمين مقعد على الطاولة قبل توقف الموسيقى. ومن خلال استهداف أعداء بعيدين جغرافياً مثل إسرائيل والولايات المتحدة، يثبت الحوثيون في الوقت نفسه مدى نفوذهم ويتجنبون نوع الانتقام الفوري الذي قد يتبع الهجوم على قوى إقليمية أقرب وأكثر استثماراً مثل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة.

 

وزاد "ليس سراً أن الحوثيين مدينون إلى حد كبير برعاية طهران. لقد كانت الأسلحة الإيرانية والتدريب والتوجيه الإيديولوجي لا غنى عنها لجهودهم الحربية. ومع ذلك، وكما هي الحال مع كل التحالفات المماثلة في هذه المنطقة المضطربة، فإن العلاقة هي في جوهرها معاملاتية. وعلى الرغم من إعلاناتهم الصاخبة عن التضامن، فإن الحوثيين ليسوا أيديولوجيين أعمى. ولا يمتد ولاءهم لإيران إلا بقدر ما يتعلق بمصالحهم".

 

وقال "ولا بد من القول إن هذه المصالح بدأت تتباعد. فالنظام الإيراني ليس كما كان في السابق. ففي ظل العقوبات المشلولة، والاضطرابات الداخلية، وحملة لا هوادة فيها من العزلة الدولية، تتضاءل قدرة طهران على دعم وكلائها. وبالنسبة للحوثيين، فإن هذا تطور مقلق للغاية".

 

حماقة

 

وأكد مركز القدس أن فقدان رعاية إيران سيكون أشبه بفقدان الأسد لأسنانه: قد يظل الزئير فخوراً، لكن اللدغة ذهبت".

 

وطبقا للتحليل فإن التاريخ الحديث يذكرنا بما قد ينتظرهم. فقد شاهدوا بشار الأسد متمسكا بالسلطة في سوريا، وهو دمية ضعيفة يعتمد بقاؤها على صدقة الرعاة الخارجيين، ولا تزال أراضيها ممزقة بسبب تمردات مثل هيئة تحرير الشام. والحوثيون، الذين ليسوا غرباء عن الطموح، عازمون على تجنب مصير مماثل. فما هي استراتيجيتهم؟ اتخاذ خطوة جريئة الآن، في حين لا يزال الضوء في أيديهم.

 

من منظور غربي، وفق التحليل قد يبدو استهداف الحوثيين لإسرائيل قمة الحماقة. فلماذا استفزاز دولة تتمتع بمثل هذه القوة العسكرية الهائلة، وخاصة دولة ليس لها تورط مباشر في الحرب الأهلية المتاهة في اليمن؟ ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الأمر من خلال عدسة المنطق القبلي، فإن هذه الخطوة تبدأ في اكتساب نوع غريب من المعنى.

 

"في الثقافة القبلية في اليمن، لا يتم إظهار القوة بهدوء. فالإيماءات الكبرى ــ سواء كانت جريئة أو متهورة على ما يبدو ــ هي شريان الحياة لرأس المال السياسي. من خلال استهداف إسرائيل وإصدار التهديدات ضد الولايات المتحدة، يلعب الحوثيون على الجمهور، ويستعرضون عضلاتهم بطريقة تتردد صداها مع جمهورهم المحلي والإقليمي. إنها خطوة مصممة لتلميع سمعتهم كمحاربين مع تجنب التهديد الوجودي المباشر الذي يشكله عدو أكثر قربًا" وفق التحليل.

 

بالنسبة للحوثيين، يرى مركز القدس أن إسرائيل والولايات المتحدة تعملان كخصوم مثاليين: أقوياء ولكن بعيدين، رمزيين ولكن بعيدين. إن ضربهم يسمح للحوثيين بإظهار القوة دون دعوة النوع من الأعمال الانتقامية المدمرة التي قد تلي الهجوم على المملكة العربية السعودية، التي تمتد مصالحها الراسخة في اليمن إلى أبعد من ذلك بكثير.

 

النهاية: البقاء من خلال التفاوض

 

ما هو الهدف النهائي للحوثيين إذن؟ يقول التحليل إنه بالتأكيد ليس تدمير إسرائيل، وهي فكرة خيالية حتى في خطابهم المتضخم. ولا هو الولاء الأعمى لطهران، التي يعرفون أن ثرواتها قد تتعثر قريبًا. لا، إن طموح الحوثيين أكثر واقعية: تأمين بقائهم، وإذا كانت الحظوظ في صالحهم، اكتساب الاعتراف الدولي والشرعية.

 

وزاد "إن استراتيجيتهم هي استراتيجية جريئة محسوبة. فمن خلال إظهار قدرتهم على تحدي حتى أقوى الأعداء، يأملون في إجبار المحاورين المحتملين على التفاوض. والرسالة واضحة: إن الحوثيين ليسوا مجرد عصابة من المتمردين؛ إنهم قوة يجب حسابها، وأي محاولة لتهميشهم ستكون لها تكلفة باهظة".

 

يتابع "في هذا، فإنهم يستحضرون تقليداً عريقاً من التفاوض القبلي. والقوة، كما يعرف أي زعيم قبلي مخضرم، لا تتعلق فقط بكسب المعارك؛ بل تتعلق أيضاً بفرض الاحترام، والذي بمجرد اكتسابه يفتح الباب للحوار. ومن خلال استهداف إسرائيل والولايات المتحدة، فإن الحوثيين لا يدعون إلى الصراع فحسب؛ بل إنهم يضعون الأساس للحصول على مقعد على طاولة المفاوضات".

 

وعلاوة على ذلك، فإن تصرفات الحوثيين تخاطر بتنفير الحلفاء المحتملين. ومن خلال الانحياز بشكل وثيق للغاية إلى أجندة طهران ــ أو الظهور بمظهر المتهور في عدوانهم ــ فقد يجدون أنفسهم أكثر عزلة على الساحة العالمية، يقول التحليل.

 

يعود مركز القدس ليقول "لكن في نظرهم، فإن المكافآت تفوق المخاطر إلى حد كبير. فالاعتراف بهم، والاستقلال، والحفاظ على قيادتهم هي جوائز تستحق السعي وراءها، حتى لو كان الطريق محفوفاً بالمخاطر.

 

وأكد أن عدوانهم تجاه إسرائيل لا يتعلق بالأيديولوجية بقدر ما يتعلق بالتمركز ــ وهو أداء متقن مصمم لتأمين البقاء في مشهد جيوسياسي متغير. وهو في جوهره طريقة الحوثيين في القول: "نحن هنا، ولنا أهمية".

 

خلص مركز القدس إلى القول إن "رفض هذا باعتباره حماقة يعني تجاهل النقطة الأساسية تماما. ففي الشرق الأوسط، كما هو الحال في أفضل الأعمال الدرامية، غالبا ما تكون الخطوط الفاصلة بين الجنون والمنهج غير واضحة إلى حد كبير. والحوثيون، على الرغم من كل تهديداتهم، يلعبون دورهم بعين ماهرة إلى المستقبل".


مقالات مشابهة

  • الضربة القاضية.. حزب الله يوجه رسالة حاسمة لإسرائيل
  • الأمين العام لحزب الله: نشكر العراق على الدعم الذي قدمه إلى لبنان
  • تحليل إسرائيلي: هجمات الحوثيين على تل أبيب تكتيك لضمان البقاء في مشهد جيوسياسي متغير (ترجمة خاصة)
  • ليلة قرآنية في مسجد السيد عبد الرحيم.. قنا تحتفل بذكرى الإسراء والمعراج
  • محافظ الغربية يشهد الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج من مسجد السيد البدوى
  • كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد (نص + فيديو)
  • السيد القائد: المشروع الأمريكي سقط في اليمن والمشروع القرآني هو النموذج المفيد لبقية الأمة
  • كلام لافت من الموسوي لأهل الجنوب.. ماذا قال؟
  • اليوم التالي في غزة بين نرجسية الاحتلال وداعميه وقوة الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة!
  • محاسنُ الشَّريعة العِلمُ الذي سَكَت لما نَطَق