تكتيك جديد.. كيف يُفهَم كلام السيد نصر الله عن الضربة غير المسبوقة؟!
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
في خطابه الأول بعد التفجيرات غير المسبوقة التي استهدفت أجهزة الاتصال، أو ما سمّاها بـ"مجزرتي الثلاثاء والأربعاء"، وقبل الغارة على الضاحية الجنوبية بالامس والتي ادت الى استشهاد قادة كبار ابرزهم قائد "قوات الرضوان" ابراهيم عقيل، اختار الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله أن يعتمد "تكتيكًا جديدًا" في التعامل مع العدو الإسرائيلي، يقوم على تبنّي "الأوجه الخفية" للمعركة، من خلال عدم الإفصاح عمّا يخطّط له الحزب على صعيد الرد، سواء من حيث التوقيت أو الشكل أو المضمون، محتفظًا بهذه التفاصيل لما وصفها بـ"أضيق دائرة في أنفسنا".
هذه الخلاصة جاءت بعد "تقييم" قدّمه السيد نصر الله للضربة التي تعرّضت لها المقاومة هذا الأسبوع، حيث كان حريصًا على تسمية الأمور بأسمائها، من دون التقليل من وقع ما جرى، حيث وصفه صراحة بالعدوان الكبير وغير المسبوق في تاريخ المقاومة وفي تاريخ لبنان، مقرًّا في الوقت نفسه بالتفوّق التكنولوجي للعدو بفضل الدعم الغربي الذي يحظى به، وإن حرص في الوقت نفسه على طمأنة الجمهور، بأنّ هذه الضربة "لم ولن تُسقِطنا".
على العكس من ذلك، أكد نصر الله أنّ المقاومة ستستفيد من الضربة التي تعرّضت لها، والتي وصفها بـ"الثقيلة والدامية"، لتصبح "أقوى وأشدّ صلابة وعزمًا وعودًا وقدرة على مواجهة كل الاحتمالات والمخاطر"، مشدّدًا على أنّ ما حصل "لن يمسّ بنيتنا وإرادتنا وعزمنا وتماسكنا وجهوزيتنا"، وقبل كلّ ذلك "الحضور في الجبهات"، فكيف تُقرَأ رسائل الخطاب بصورة عامة، وأبعد منها، كيف يُفهَم "التكتيك الجديد" بخصوص الردّ المرتقب؟!
"ثبات على الموقف"
خلافًا لما ذهب إليه بعض المحسوبين على "حزب الله" في الأيام القليلة الماضية، من محاولات للتقليل من شأن الضربة الإسرائيلية، وإن عن حسن نيّة، للتأكيد أنّ المقاومة لن تتأثّر بما جرى، يسجّل العارفون ضمن نقاط القوة، "شجاعة" الإقرار بأنّ ما جرى ليس عاديًا ولا عابرًا، حيث تحدّث نصرالله بصراحة عن "حجم" هذه الضربة غير المسبوقة، وهو ما ترجم أيضًا بنبرته الحزينة والغاضبة، وهي عوامل تُحسَب له بحسب ما يقول العارفون، من باب الشفافية.
لكن بالتوازي مع هذه الصراحة في التعامل مع الحدث، يتوقف العارفون عند أهمية رسائل "الطمأنة" التي حرص السيد نصر الله على توجيهها للقاصي والداني في سياق الخطاب، من باب التأكيد على أنّ المقاومة ستستمرّ، وأن ما جرى سيزيدها قوة ومتانة، وبالتالي فهو لن يضعفها ولن يربكها كما أراد العدو، علمًا أنّ هذا الكلام بالتحديد جاء منسجمًا بشكل أو بآخر مع الإصرار على استكمال عمليات "إسناد غزة" في الميدان في اليوم التالي لـ"مجزرة البيجر".
وتتناغم هذه الرسائل أيضًا مع "الثبات" الذي ظهر في الخطاب على المواقف والأدبيّات التي اعتمدها "حزب الله" منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، يوم فتح جبهة الجنوب إسنادًا للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي أراد القول إنّها لن تتغيّر بعد الضربة الأخيرة، وفي ذلك "إجهاض" للأهداف الأساسية من تفجيرات أجهزة الاتصال، وتحديدًا في ما يتعلق بأنّ العمليات في الجبهة ستتواصل طالما أنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مستمرّ.
"تكتيك جديد"
بعيدًا عن هذه الرسائل ومضامينها، ليس خافيًا على أحد أنّ خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" كان مُنتظَرًا لحسم "سيناريوهات" المرحلة المقبلة، في ظلّ تكهّنات ووجهات نظر متباينة، علمًا أنّ هناك من يقول إنّ العدو الإسرائيلي الذي يرفع الأسقف إلى الأعلى، كان ينتظر ردًا فوريًا وعالي السقف من الحزب، سواء في الميدان، أو على مستوى خطاب نصر الله، ليستخدمه "ذريعة" للمضيّ قدمًا في مخطّطاته الحربية ضدّ لبنان، بعد تصاعد لهجة التهديدات.
استنادًا إلى ذلك، يمكن فهم "التكتيك الجديد" الذي اعتمده السيد نصر الله في سياق المواجهة أيضًا، حيث كان الرجل واضحًا في رسم "معادلات" المرحلة ردًا على التهويل الذي تعاظم في الأيام الأخيرة بشأن حرب شاملة يمكن أن يذهب إليها الإسرائيليون تحت عنوان "إعادة المستوطنين بأمان"، فجاء الردّ بأنّ مثل هذا السيناريو لن يسمح بإعادة المستوطنين، بل على العكس من ذلك قد يزيد نسبة التهجير، ويبعد فرصة العودة الآمنة للمستوطنين.
وفي حين كان لافتًا استخدام السيد نصر الله لتعبير "افعلوا ما شئتم" كجزء من الردع أيضًا، باعتبار أنّ المقاومة جاهزة للمواجهة، حتى لو قرّر العدوّ الإسرائيلي الذهاب إلى الحرب، ما يعني أنّ ما حصل لن يؤثّر على المعادلات السابقة لجهة أنّ المقاومة لا تريد الحرب، لكنها جاهزة لخوضها إذا ما فُرِضت عليها، تبقى النقطة الأهمّ في الخطاب، ما يرتبط بالغموض الذي غلّف الرد به، رغم التأكيد على أنّ "القصاص العادل" آتٍ عاجلاً أم آجلاً.
باختصار، أراد السيد نصر الله في خطابه الأخير أن يقول كلامًا مختلفًا عن كلّ ما سبق، وبما معناه: نعم، تعرّضنا لضربة قوية ومؤلمة وغير مسبوقة، لكن الحرب ليست جولة واحدة، وهذه ليست النهاية، ونحن جاهزون لكلّ السيناريوهات والاحتمالات. لكنّ ما لم يقله في الخطاب هو تحديدًا ما كان ينتظره، ما يعيد خلط الأوراق، فهل يمضي العدو قدمًا في مخططاته،كما فعل في الضاحية الجنوبية بالامس أم أنّ انتظار الردّ سيكون عنوان المرحلة المقبلة، مرّة أخرى؟! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: السید نصر الله حزب الله ما جرى
إقرأ أيضاً:
الجزائر و"الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟
يبدو المشهد سرياليا، لكن، تبدو معه الجزائر أكثر انسجام مع نفسها من السابق، لا شعارات مصطنعة، لا تقرير المصير، حيث غدت وبدون « مساحيق تجميل » من الدول التي تحتل الريادة في العالم في القفز على الواقع والتاريخ والجغرافيا والجوار، حكامها يعيشون حالة « انكار »غير مسبوقة، « صار الجار »متعهد جمهوريات »مثل متعهد الحفلات »،يهوى خلق « دويلات/جهوريات »، لماذا يحاول هؤلاء قادة الجيش بهذا الحماس والتهور أحيانا كثيرة خلق » دويلات صغيرة »، وكأنهم لا يدركون خطورة و استحالة ذلك .
لربما عقدة التاريخ، إذ يحاول « حكام الجارة » أن يتخلصوا من هذه العقدة من خلال خلق « كيانات مصطنعة » بدون تاريخ أو هوية، لكنهم، في كل مرة يخطئون التقدير، أو يجهلون التاريخ، فالريف المغربي باختصار جزء لا يتجزأ من تراب الأمة المغربية، الأمر لا يحتاج إلى برهان أو ترافع، هم يدفعون المغاربة لذلك، أو على الأرجح عقدة الجغرافيا، إذ يجازفون من خلال الاعتقاد أن الأمم والشعوب تقاس بالإقليم أو الأرض وإن كانت بقعة صغيرة لبناء وحدات سكنية، وهي سردية خاطئة. فالتاريخ عبارة عن جغرافيا متحركة، والجغرافيا تاريخ ساكن.
ورغم ما قيل ويقال، يظل « الجار العسكري » وفيا لعقيدته العدائية ومذهبه الشوفيني، ونزعته الاصطدامية، وهو بالمناسبة يصطدم حتى مع نفسه دون كلل أو ملل، صراعات ودسائس داخلية لا تتوقف، شعب رغم الإمكانات الهائلة يعيش وضعا مزريا، طقوس إقالة للجنرالات مستمرة عبر الزمن، في كل ساعة ويوم وأسبوع وشهر، سجون مليئة بمن كان يحكم بالأمس القريب، حرب الكل ضد الكل، مقولة طوماس هوبز غالبا يطبقها حرفيا قادة أو من يحكمون عنوة الجار اليوم.
بعيدا عن هذا التوصيف، فالسردية الجديدة للجار العسكري، محورها الريف المغربي، فبعدما فشل في خلق » إمارة صحراوية » في الجنوب المغربي، يحاول اليوم، وبقليل من الحيلة وكثيرا من الغباء أن يصطنع » إمارة ريفية ». وتعود أطوار الحكاية، إلى السبت الماضي 23 نونبر 2024، حيث بثت قصاصات الإعلام الدعائي للجار مفادها استضافة الجزائر العاصمة للدورة الأولى لما سمي ب » مؤتمر يوم الريف »، ومن أجل إضفاء الطابع الاحتفالي على هذه » المسرحية »، تمت دعوة مسؤولين من جنوب إفريقيا والموزمبيق وبرلمانيين وزعماء جزائريين والبوليساريو.
أطوار الحكاية، تعود إلى سنوات غير بعيدة، كرنولوجيا الأحداث موثقة وبسياقات تؤكد أن هذا النظام فقد البوصلة، وبات يخبط عشواء، إذ حاول أن يركب على حراك الحسيمة سنة 2017 وفشل في ذلك، رغم أن السياق في تلك الفترة يفند ادعاءاته وسرديته المؤسسة للعداء(الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، والكركرات)، كما، عمل الحاكم العسكري للجار، على توظيف واستغلال بعض الأشخاص الذين يوجد مثلهم في كل مكان وفي كل الأوطان وهم أقلية صغيرة بغية تأسيس ما يسمى « الحزب الوطني الريفي » وفتح مكتب(تمثيلية) له في الجزائر، والذهاب بل القفز بعيدا في هذا المضمار، من خلال إحياء الذكرى 60 لوفاة عبد الكريم الخطابي، ليتجاوز مضمار السباق بشكل ملفت ومنفلت، عندما احتفل رفقة هذه القلة القليلة بالذكرى المائة لتأسيس » جمهورية الريف ».
لقد توقف الزمن « بالحاكم العسكري »، ولا يزال يعيش على أنقاض الماضي، عندما كانت الجمهوريات عنوان العصرنة والتحديث، أيام الخمسينات والستينات من القرن الماضي، إلا أن هذا الحاكم، رغم سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وأفول نجم الجمهوريات، ولو أنها أصبحت اليوم مجرد » جمهوريات عسكرية » مترامية الأطراف على الأرقعة العربية.
وبعيدا عن تفاصيل تلك الحقبة التي يختزلها المشهد والواقع الحاليين، ما الذي يحاول أن يقوله « الحاكم العسكري » لدى الجار بهذا التصرف الذي قد يستحي المرء من توصيفه بشكل أدق، وعند استدعاء الأحداث ومحاولة فهم السياقات وتركيب الصورة، قد لا يخرج هذا المسلك الجديد عن فرضيتين أساسيتين مع استبعاد دافع العداء، لاسيما وأنه متأصل في شريان وعقل هذا الحاكم ومن يدور في فلكه.
الأولى، بلا شك يحاول، هذا الحاكم العسكري الجزائري، أن يفتح جبهة جديدة بعدما أيقن أن ملف الصحراء قد حسم بشكل كبير في ظل الزخم الدولي، إذ باتت ورقة انفصال إقليم الصحراء ورقة خاسرة، صار هذا الملف منلفتا، فلم تعد روسيا ولا فرنسا ولا أمريكا ولا اسبانيا بنفس حماس الأمس، الماضي الجميل قد ولى، صارت الأوراق مبعثرة، وضع دولي معقد لا يخدم أطروحة الانفصال مثل الأمس، خسرت معه الجزائر كل شيء، لكنها ربحت مخيمات مليئة بالبؤس واليأس، ووضع مشتعل قابل للانفجار في أية لحظة.
أما الفرضية الثانية، فقد لا تخرج عن الإطار التكتيكي، إذ يستبق الحاكم العسكري الزمن من أجل إيجاد أوراق تفاوضية جديدة لتقوية موقعه من خلال محاولة تدويل ملف الريف بذرائع ومسميات مختلفة، سيما وأن المغرب تسلم وثائق مهمة من فرنسا تؤكد أحقيته على الأقاليم الشرقية التي اقتطعها الاستعمار منه، فهو يدرك أنه خرج أو في طور الخروج من رقعة الشطرنج، يحاول أن يعود من بعيد من خلال توظيف ورقة الريف. مجيء ترامب والارشيف الفرنسي، عاملان غالبا دفعا هذا الحاكم العسكري إلى المضي قدما في سياساته العدائية.
ختاما، يبدو أن عملية جر المغرب إلى الحرب وصلت إلى نهايتها ومنتهاها، سيناريو يظل قائم أكثر من الأمس، سيما وأن قواعد الاشتباك تغيرت بشكل كبير، فالصورة أوضح، إذ كل المؤشرات تؤكد أن الحاكم العسكري دخل مرحلة « الانهيار » عن جدارة واستحقاق، وضع قد يدفعه إلى تجاوز سقف التوقعات بل وحتى الحماقات.