في اليوم العالمي للسلام.. مصر تبرز دورها الريادي في استتباب السلام إقليميا وعالميا
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
تحيي مصر اليوم، جنباً إلى جنب مع منظمة الأمم المتحدة، اليوم العالمي للسلام، لتطالب من خلاله باضطلاع المجتمع الدولى بمسئولياته لإنهاء الحروب الجارية وتعزيز عمليات السلام اللازمة طبقاً لقواعد القانون الدولى القائمة وتفعيلاً لمبادئ ومقاصد المنظمة العالمية.
لقد كانت مصر في طليعة الدول المساهمة في إحلال السلام عالمياً، بدءاً من دورها كمؤسس للأمم المتحدة، ولتجمعات الجنوب العالمى، وعلى رأسها حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ77 المطالبة بنظام دولى منصف، عادل، يحترم القانون الدولى ويحقق التطلعات التنموية لشعوب العالم أجمع، وهى الضمانة الأوثق لصيانة السلم والأمن الدوليين.
إن هذا الدور الرائد في جهود إحلال السلام امتد أيضاً إلى جميع الأزمات في الدول المجاورة، وعلى رأسها ليبيا والسودان والصومال من خلال الحفاظ على المؤسسات الوطنية في دول الجوار وتمكينها من أداء المسئولية المنوطة بها لخدمة لشعوبها وتحقيقاً لتطلعاتها. ولا تقتصر مساهمة مصر على المشاركة النشطة في جميع محادثات السلام ذات الصلة، وإنما تقوم كذلك بتسخير كافة قدراتها في دعم تلك الدول الشقيقة المجاورة لتجاوز محنتها الحالية واستعادة السلام والاستقرار المنشودين.
أما على الصعيد المفاهيمى، فقد كانت مصر رائدة في طرح رؤية لتحقيق السلام عالمياً، إذ كانت أول من طالب بمقاربة شاملة لبنية السلم والأمن الأممية، بمكونات صنع، وحفظ، واستدامة السلام، وذلك إبان عضويتها الأخيرة في مجلس الأمن عامي ٢٠١٦/٢٠١٧ ليتجاوز تعامل المجتمع الدولى التناول الجزئى الضيق للأزمات الدولية، وعلى نحو ما ساهمت به مصر في إقامة بنية السلم والأمن الأفريقية بتلك الأركان الثلاثة. كذلك لم تبخل مصر بأفكارها في طرح رؤية شاملة متسقة عن الحوكمة العالمية، إذ استضافت منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة في يوليو الماضي استعدادًا لقمة المستقبل، بعنوان "أفريقيا في عالم متغير: إعادة تصور الحوكمة العالمية من أجل السلام والتنمية". وتناولت استنتاجات المنتدى أولويات التعددية، والحوكمة العالمية، وأجندة الوقاية العالمية والسلام المستدام، والترابط بين السلام والأمن والتنمية، ومستقبل عمليات السلام في أفريقيا، ودور الشباب من خلال التعليم لبناء السلام. وفى سياق مُكمل، تشارك مصر في المجموعة الاستشارية لصندوق بناء السلام.
وتعمل مصر على تكامل المنظومة الأممية والأفريقية لصيانة السلم والأمن الدوليين، من خلال عضويتها الحالية بمجلس السلم والأمن الأفريقي والاجتماعات التي سيعقدها تحت رئاسة مصر مع مجلس الأمن الأممى، جنباً إلى جنب مع تكامل دور مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الصراعات، الذي تستضيفه مصر، مع لجنة وصندوق بناء السلام الأممى، بما يعظم من الموارد المتاحة ويحقق التناغم والتنسيق المطلوبين.
ولم يقتصر دور مصر في ربط الجهود الإقليمية بالأممية على النطاق الأفريقي، فقد قامت مصر خلال رئاستها الأخيرة لمجلس الأمن في ٢٠١٦ بمبادرة لعقد أول اجتماع مشترك مع مجلس جامعة الدول العربية بمقرها في القاهرة بعد سنوات طويلة من إنشاء المنظمتين، ليستكمل ذلك التشاور بين أمانتى المنظمتين.
وعلى صعيد بناء القدرات، فقد أسست مصر مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام في عام ١٩٩٤، بهدف المساهمة الفعالة في تدريب وتأهيل الكوادر المصرية والعربية والأفريقية والفرانكفونية، سواء العسكرية أو الشرطية أو المدنية في مجال حفظ السلام الذى كانت مصر، ولا تزال، رائدة فيه وهو ما ستحتفل به مجدداً في اليوم العالمى لحفظة السلام في ٢٩ مايو المقبل.
أخيراً وليس آخراً، يتم الاحتفال هذا العام تحت عنوان " زرع ثقافة السلام"، إذ تؤكد مصر -في هذا اليوم العالمي الذي تتصادف ذكراه مع مرور ربع قرن على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة عمل ثقافة السلام، -على أهمية الدور الذي تضطلع به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في بناء حصون السلام في عقول البشر، وهو الدور الذي بات اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضي. ولقد كانت مصر من أوائل الدول المشاركة في تأسيس هذه المنظمة الدولية الهامة، وأولتها اهتماماً كبيراً من خلال مشاركتها النشطة في مجالسها ولجانها المختلفة، اقتناعاً منها بأن نشر السلام وتعزيز القيم الإنسانية لا يمكن أن يأتي دون توظيف التربية والعلم والثقافة والاتصال والمعلومات لتعزيز التعاون والاحترام المتبادل بين كافة شعوب العالم دون تفرقة. وفى هذا السياق، فقد رشحت مصر الدكتور خالد العناني لمنصب مدير عام منظمة "اليونسكو" في الانتخابات المقرر عقدها العام المقبل، إذ تعول كثيراً على شركائها وأصدقائها للحصول على التأييد لهذا الترشيح المصري، الذي تم اعتماده عربياً وأفريقياً على مستوى القمة.
وختاماً، وبمناسبة اليوم العالمى للسلام، تتعهد مصر مجدداً بمواصلة إسهامها الريادى في تحقيق تلك المقاصد الأممية على مختلف الأصعدة، إيماناً منها بأهدافها النبيلة واضطلاعاً من جانبها بمسئولياتها الأصيلة. وتذكر مصر بمبادرتها إقليمياً، إذن كانت أول من فتح الباب أمام عملية السلام في الشرق الأوسط بأكمله، الذى يتحقق بتلبية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وسائر حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، من خلال إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ولا تزال مصر تقوم بدورها الريادى لتحقيق السلام المنشود من خلال إسهامها الأصيل في الوساطة لإنهاء العدوان على غزة، إذ تشدد مصر مجدداً، بمناسبة يوم السلام العالمى، على الوقف الفورى لإطلاق النار في غزة ونفاذ المساعدات الإنسانية كاملة وإعادة الإعمار الفورية وتحقيق التسوية الشاملة بإحلال السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مصر الأمم المتحدة اليوم العالمي للسلام يوم السلام العالمي السلم والأمن بناء السلام السلام فی کانت مصر من خلال مصر فی
إقرأ أيضاً:
ما الذي تفتقده صحافتنا اليوم؟
د. يوسف الشامسي **
لربما يُوحي طرح السؤال بهذه الصيغة أني بصدد تقييم مُفصَّل للموضوع بناءً على تصوُّر معياري حول الصحافة ودورها، وبالتالي يمكن تحديد المفقود بالتعرّض للموجود؛ لكن الاستماع لأصوات الصحفيين والمختصّين بالشأن الإعلامي اليوم قد يجعلني أعيد التساؤل السالف ذكره بتساؤل لا يخلو من مفارقة ساخرة بلسان ذوي الشأن أنفسهم: ما الذي لم تعُد تفتقده صحافتنا اليوم؟!
أزعمُ أنَّ النقاش في هذا السياق لا يستدعي بحثًا وتحليلا معمقًا؛ بل مجرد الاستماع لذوي الاختصاص من جهة ووجود إرادة حقيقية من قبل الجهات المسؤولة من الجهة الأخرى كفيل بإعادة إنعاش هذا القطاع ليتبوأ دوره المؤمل في العلاقة بين المجتمع والسياسة، وسأكتفي باختزال الإجابة في مفقودَيْن اثنيْن جديرَيْنِ بدفع صحافتنا المحلية لمسارها المنشود، وأجزم أن أغلب المهتمين بهذا الحقل يجمعون على هذين المطلبين: مزيدًا من الحماية القانونية والتمكين، ومزيدًا من الدعم المادي والتحفيز.
تُعد الصحافة أداة حيوية لتعزيز الحوكمة، والتماسك الاجتماعي، والمشاركة العامة، وتمكين الفئات الأقل حظًا في المجتمع، ولئن كانت مهمة الصحافة وجوهرها "نقل الحقيقة"، فإن ذلك لن يتأتى إلّا عبر بوابة الحرية، في مناخٍ ضامن لأمن الصحفي وأحقيّته في الوصول للمعلومة الصحيحة والتحقق منها، لذلك وقبل كل شيء، صحافتنا بحاجة إلى قوانين تدعم الشفافية والتمكين لاستقصاء المعلومات ومراقبة الجهات المُرتبطة بمصالح المواطنين. وغياب قانون حق الحصول على المعلومات هو حكم على الصحافة بالبقاء تحت وصاية الجهات الرسمية وغير الرسمية لتزويدها بالمعلومة، وبالتالي تضعف جودة التغطية الإعلامية وتغيب التنافسية بين المؤسسات الصحفية، ناهيك عن المخاطر القانونية التي قد تورِّط الصحفي جراء نشره معلومة ما دون إذن من الجهات الرسمية نتيجة لغياب قانون ينظّم له ذلك الحق. ورغم إقرار قانون الإعلام الصادر قبل أشهر- والذي ما يزال يثير تساؤلات المختصين- بهذا الحق في مادته الثالثة، إلّا أنه يظل قاصرًا عن منح الصلاحيات الكاملة للصحفي لينطلق بحرية في ميدانه. ولعلَّه من الجدير أن أشير هنا لجهود مجلس الشورى وطرحه لمقترح مشروع قانون حق الحصول على المعلومات قبل قرابة عقد من الزمن؛ ولكن لا أدري إذا ما سقط المقترح خلال دورته التشريعية آنذاك، أو أنه ما يزال يراوح مكانه في أروقة المجلس.
ولسنا بحاجة للوقوف كثيرًا حول أهمية هذا القانون؛ إذ يكفي أنه يعمل بمبدأ تعزيز الثقة وحُسن الظن في القائم على الرسالة الإعلامية، عكس تلك القوانين التي تحدّه بالعقوبات وتُكرِّس مبدأ سوء الظن في الصحفي، فيقبع يستظهر النصوص القانونية خوفًا من الوقوع في شيء من المحظورات، ويتجنب- من ثمّ- تغطية القضايا التي قد تشغل الرأي العام هروبًا من كل ما قد يأتيه بتبعات ومساءلة.
اليوم.. ثلاثة أرباع دول العالم تبنَّت قانون الحصول على المعلومات، 50% من هذه الدول أقرّت القانون فقط خلال العشر سنوات الماضية، لذلك لا ينبغي أن نتأخر كثيرًا عن الركب، خصوصًا وأن مثل هذه القوانين ذات تأثير مباشر على الأداء في مختلف المؤشرات الدولية. فليس بغريب أن نجد أغلب دول المنطقة العربية اليوم- وللأسف- مُصنَّفة في مراتب مُتدنية في مؤشرات حرية التعبير والصحافة العالمية، كتقرير "مراسلون بلا حدود"، و"بيت الحرية"، وغيرها. هنالك بالطبع من يُشكِّك في نزاهة هذه المؤشرات ويعيب مثل هذه التقارير الدولية بحُجة أنها ذات نزعة غربية تُحابي دول "المركز" في تقييمها وتُهمِّش "الهامش"، وهذا جزئيًا لا يُمكن إنكاره؛ كما لا يصحّ قبوله بالمُطلق؛ فبعض المؤسسات إذا ما تقدمت في أحد المؤشرات الدولية أذاعت بذلك في كل محفل، وإن تراجعت في التصنيفات انتقدتْ التقارير ورمتها بالتحيز وما شاءت من التّهم!
وللإنصاف، علينا أن نتساءل: هل صحافتنا اليوم أفضل حالًا مما كانت عليه قبل عقدين أو ثلاثة عقود؟ هل فعلًا نستحق ترتيبًا أفضل؟ وهل توجد مؤشرات وطنية أو إقليمية لنعتمدها فيما يخص حرية الصحافة في بلداننا؟ هل تقدّمنا فيها؟ وهل يعتدّ بها لدى المكتب الوطني للتنافسية؟ هذه التساؤلات ضرورية قبل انتقاد التقارير "الغربية" خاصة بعدما أضحت هذه المؤشرات الدولية شريطًا متريًا بخارطة مستقبل عمان لقياس مدى تقدمنا في مستهدفات رؤية "عُمان 2040".
وتفتقد المؤسسات الصحفية اليوم للدعم المادي، وهذا ما ليس يخفى على المهتمين، فضلًا عن العاملين بهذا القطاع، فأغلب المؤسسات الصحفية قائمة على الدعم الحكومي والإعلانات، واليوم وفق تعبير رئيس جمعية الصحفيين العُمانية، فإن أغلب الصحف الخاصة "تحتضر"، وبالتالي سيفقد المجال العام منابر ضرورية وُضِعَت لتُسهم في تحريك المناخ الثقافي والسياسي وذلك بخلق تعدُّدية في الآراء عند معالجة قضايا الشأن العام.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنَّ الكثير من العاملين في هذا القطاع يشكون ضعف المُحفِّزات المادية للبقاء فيه، ناهيك عن غياب النظرة التكاملية بين المُخرجات وسوق العمل. وعلى المعنيين بسياسات هذا القطاع دراسة هذه القضية بشفافية والتساؤل: ما تأثير غياب الدعم المادي المُستدام على جودة المحتوى الصحفي واستقلاليته؟ وإلى أي مدى يعكس سوق العمل احتياجاته الفعلية في عدد الخريجين الجدد من كليات الإعلام والصحافة بالسلطنة؟ وما السياسات التي يُمكن أن تُعتمد للحد من الفجوة بين المخرجات الإعلامية وسوق العمل؟ أيضًا كيف يمكن مُعالجة الفجوة بين الجنسين في فرص العمل داخل المؤسسات الصحفية؟ وأخيرًا هل هناك تجارب ناجحة في دول أخرى يمكن الاستفادة منها لدعم المؤسسات الصحفية الخاصة؟
هذه التحديات لربما باتت مصيرية وستتطلب إصلاحات جذرية إن تأخرنا في مُعالجتها؛ فبدون بيئة قانونية داعمة، وتمكين اقتصادي يحفظ للمؤسسات الصحفية استقلالها واستدامتها، سيظل هذا القطاع يُعاني من التراجع والقيود.
إنَّ تعزيز حرية الوصول إلى المعلومات، وزيادة التحفيز والدعم للمؤسسات الصحفية الخاصة، أصبحا من الضرورات لضمان دور الصحافة في تحقيق أهداف التنمية وتعزيز الحوكمة. فهل سنشهد تحركًا جادًا لإعادة إنعاش هذا القطاع وتمكينه، أم ستظل هذه المطالب مجرد أصوات في مهب الريح؟
** أكاديمي بقسم الاتصال الجماهيري- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في نزوى