بنات وأبناء الشعب يدركون اصرار قيادات الحرب على التوغل في هذه المحرقة الجماعية اشباعاً لنهمهم في السلطة والثروة فقط.هذه قناعة جماهيرية راسخة تبدد كل مزاعم القيادات بالقتال لصالح الشعب و اصلاح الدولة . لدى غالبية الشعب كذلك إيمانٌ ثابتٌ بأنّ أقطاب الحرب وصلوا إلى حافة اللاعودة.إذ يتشبسون مصيرا حتميا ؛إما النصر أو الانتحار.
*****
واقعُنا الباعث على الحزن والقلق يشخّص أسوأ حالات الإنتهاك للقانون الانساني وأحطَّ أشكاله.فالصراعُ المسلّح المدمّر قوامهُ القواتُ المسلحة وميليشياتُها المخلّقةُ من أجل قمع حركة الجماهير .فالدولة الفاشلة لم تخفقْ فقط في حماية مواطنيها أوجلب مرتكبي الجرائم الوحشية للمحاسبة والمعاقبة . بل هي المسؤولة عن أعمال العنف الفظيعة -بل المشاركة- ضد القانون الانساني الدولي وحقوق الانسان وتدمير المؤسسات المدنية مثل المستشفيات ، الجامعات والمدارس بالإضافة إلى إعاقة وصول الإغاثة إلى المعذبين في أتون الحرب . فالدولة هي مُخلّقة الميليشيا ،حاضنتها ومربيتها . رغم هذه الحقيقة الدامغة لم يجروء أيُ مسؤولٍ على الاعتراف بها علناً و الاعتذار عنها ،دع عنك انتقاد التورط في تنشئتها.
*****
عوضا عن مكاشفة الشعب بتداعيات تلك الخطيئة يعمد قادة الجيش في محاولات بائسة -تراوح بين الاسفاف والاذلال- للاستقواء بالخارج ضد الميليشيات نفسهاصنيعة أيديهم. العديد من الهيئات التابعة للأمم المتحدة والمنطمات غير الحكومية ظلت منشغلة في حوارات غير رسمية في جنيف كما في نيو يورك على هامش الجمعية العامة للمنظمة الأممية وبعيدا عنها منذ ذلك التاريخ بمبدأ حماية السكان. لكن الفجوة لا تزال شاسعة وعميقة بين المأمول والممارس.هروب قادة الجيش إلى الخارج لم تحقيق تقدما أو مكسبا لصالح الشعب على الجبهة الداخلية أو الصعيد الخارجي.
*****
مثلُ غالبية الدول المتورطة -كحالتنا- في مستنقع عجز الدولة أو انخراطها في جرائم العنف ضد الشعب ترفض ادارتنا -شبه الحكومة-الاعتراف بارتكاب أخطاء فاضحة من أجل تأمين شعوبها ضد جرائم الحروب متباينة الأشكال عبر إجراءات وقائية . بالطبع هي تتبرأ من الإنزلاق إلى المستنقع عبر تبرير فعائلها باستخدام حقها في حماية مواطنيها. حتى في حالة صدقية هذا الزعم الباطل فالثابت في السياسة كما في الطب (الوقاية خير من العلاج). غالباً ما يكون الخيار المفضل للتبرير - مثلما هي حالتنا- اللجوء إلى مواجهة النار بالنار .بما أن (لكل فعل رد فعل مضاد )في علم السياسة كما في قوانين الفيزياء يتسع مستنقع العنف وتستفحل عذابات الشعب. جذرُ الأزمة يكمنُ في طول أمد إدارة الدولة بمنهج ارتجالي خارجَ علم السياسة وفنونها.اذ الإرتجال هو الطابع الغالب في حروب كما في سياساتها . هل فرض نظام الإنقاذ موسما زاهرا للسلام أو نعِمَ الشعبُ معه بفيء السلم ؟ذلك هو السؤل!
*****
فبينما ترتفع الأصوات المساندة للحرب الراجفةُ بالفشل محملةً أطرافاً خارجيةً مسؤوليةَ اضرام نار الحرب وإذكائها فإنها ترفض أي مبادرات خارجيةٍ من شأنها إخمادُ النار. الحالتان يشكلان وفق منطق شبه الدولة الفاشلة تدخلا خارجيا ينتهك السيادةَ الوطنية.مع أنه في الحالة الأولى - وفق توصيفها - تدخلٌ خبيث لم يتم باستئذان الدولة بينما في الثانية -حسب التوصيف المنطقي- تدخل حميد بعلمها يستهدف اجتثاث الخبيث لصالح الشعب والدولة! المسرح الدولي يقدم عروضا مفتوحة في شأن نجاح العمل الدولي المنسّق في حماية الشعوب و مؤسساتها الاقتصادية والخدمية وتأمين مساراتها الديمقراطية دون إملاءاتٍ أو شروط.لكن قيادت (شبه الدولة) لدينا لا تريد هذا التحولَ ،بل تتهيّبُ مقدماته .
*****
قطبا الاقتتال يراهنان على كسب الحرب عبر إطالة أمدها متجاهليْن مليّاً مأساة أجيال يتبعثر مستقبلها.كلاهما يدركان عدم قدرتهما على تحقيق تفوق عسكري يمكّن احدهما من انجاز نصر حاسم. لذلك غاية تكتيكاتهما تستهدف عدم السقوط تحت خط مرحلة التوازن. هذه التكتيكات يغلب عليها تأمينُ مخزونِ ترسانةٍ حربية ،نشرُ جنودٍ على على رقعة جغرافية واسعة والاستنادُ إلى ظهيرٍ خارجي ذي قدرة عسكرية أو نفوذ سياسي أو ربما الإثنتين معاً.هكذا ظلت المعارك تراوح بين قوى متكافئة في الضعف العسكري والسياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي. كلاهما يتسلحان ب(وهم القوة)وهما معاً(على حافة الإنهيار). بل الوطن بأسره . الانتصارُ في الحرب لا يتحقق بعدد ما يتم نشرُه من الجنود أو تكبيد الطرف الآخر من الضحايا أو بمخزون حجم الاسلحة ونوعيتها بل بما يتم انجازُه على الأرض من مكاسبٍ لصالح الشعب والدولة.
*****
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لصالح الشعب کما فی
إقرأ أيضاً:
دور الحرب العالمية الأولى في إسقاط الحكم العثماني .. ماذا حدث؟
كانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) نقطة تحول في تاريخ الدولة العثمانية، حيث شكلت نهايتها بداية سقوط الإمبراطورية التي حكمت مناطق شاسعة من العالم الإسلامي لعدة قرون. لم يكن دخول العثمانيين في الحرب مجرد قرار عسكري، بل كان نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية جعلت الإمبراطورية تبحث عن تحالفات تنقذها من التراجع.
العثمانيون والحرب: تحالف محفوف بالمخاطرفي أواخر عام 1914، انضمت الدولة العثمانية إلى الحرب إلى جانب دول المحور (ألمانيا والنمسا-المجر)، في مواجهة الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، وروسيا). كان الهدف من ذلك هو استعادة الأراضي التي فقدتها في البلقان والحفاظ على ما تبقى من نفوذها، لكن هذا القرار أدى إلى نتائج كارثية.
الهزائم العسكرية والاستنزاف الاقتصاديعلى مدار الحرب، تعرضت الدولة العثمانية لهزائم متتالية، أبرزها:
• معركة جاليبولي (1915-1916): حيث حاول الحلفاء السيطرة على مضيق الدردنيل، ورغم نجاح العثمانيين في التصدي للهجوم، إلا أن الخسائر البشرية والاقتصادية كانت فادحة.
• الثورة العربية الكبرى (1916): بدعم بريطاني، قاد الشريف حسين بن علي ثورة ضد العثمانيين، ما أدى إلى انهيار نفوذهم في الحجاز وبلاد الشام.
• سقوط بغداد والقدس (1917): استطاعت القوات البريطانية السيطرة على بغداد ثم القدس، مما كشف ضعف العثمانيين في مواجهة جيوش الحلفاء.
اتفاقيات ما بعد الحرب: تقسيم إرث العثمانيينمع نهاية الحرب في 1918، كانت الإمبراطورية العثمانية قد انهارت فعليًا، وتم فرض معاهدة سيفر (1920) التي قضت بتقسيم أراضيها بين الدول الأوروبية، ما أدى إلى:
• سيطرة بريطانيا على فلسطين، العراق، والأردن.
• سيطرة فرنسا على سوريا ولبنان.
• استقلال تركيا الحديثة بعد حرب الاستقلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وإلغاء السلطنة في 1922.