سودانايل:
2025-02-23@03:46:27 GMT

جدل “العدالة الانتقالية” في السودان

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

تثير الحرب الدائرة في السودان حاليًا كثيرًا من الأسئلة وتفتح باب احتمالات كثيرة قد تحدث، وفيما يتم بذل جهود كثيرة لوضع نهاية لهذه الحرب، ينخرط فيها سياسيون وعسكريون وناشطون في العمل العام، فإنّ المناقشات تدور أيضًا حول ما يجب القيام به بعد وقف الحرب وكيف سيتم التعامل مع كثير من الملفات.

جدل
يؤرق سؤال العدالة وكيفية تحقيقها أذهان الكثيرين مع تزايد الانتهاكات وجرائم الحرب، خاصة وأنّ التجارب السياسية في تاريخ السودان الحديث لم تعرف أي تجربة ناجحة في تحقيق العدالة بمعناها الشامل، وكان الشعار المطبّق بعد كل تغيير سياسي كبير هو "عفا الله عما سلف"، فينفذ القادة الكبار بجرائمهم بدون محاسبة.



لهذا اتجهت أنظار كثير من القادة السياسيين والقانونيين والمهتمين بقضايا العدالة إلى تجارب العدالة الانتقالية في كثير من دول العالم لدراستها والاستفادة منها في حالة الانتقال المفترض بعد الحرب. وبالمقابل، فإنّ هناك بعض الأصوات المتشككة في تجارب العدالة الانتقالية ومدى مناسبتها للتجربة السودانية، قد يمضون للقول إنها محاولة للهروب من العدالة الحقيقية.

طبيعة الجرائم والانتهاكات في ظل النظم الديكتاتورية والحروب تعجز العدالة التقليدية عن ملاحقتها ومعالجة آثارها
العدالة الانتقالية (Transitional justice)، هو مفهوم يشير إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي تقوم بتطبيقها الدول المختلفة من أجل معالجة ما ورثته من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات، خاصة الأمنية والعسكرية والعدلية.

وهنا لا بد من توضيح أنّ العدالة الانتقالية تختلف عن العدالة التقليدية في كونها تُعنى بالفترات الانتقالية مثل: الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلّح إلى حالة السلم، أو الانتقال من حكم سياسي تسلطي إلى حالة الحكم الديمقراطي، أو التحرر من احتلال أجنبي باستعادة أو تأسيس حكم محلي، وكل هذه المراحل تواكبها في العادة بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية وسعي لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات الخطيرة.

الداعي الأساسي لاستدعاء تجارب العدالة الانتقالية هو أنّ طبيعة الجرائم والانتهاكات المرتكبة في ظل النظم الديكتاتورية والحروب، مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإخفاء القسري، تعجز العدالة التقليدية عن ملاحقتها ومعالجة آثارها.

الذاكرة السودانية

في بداية الألفينات نشطت بعض المنظمات الحقوقية والناشطين في المجتمع المدني السوداني لاستدعاء تجارب العدالة الانتقالية في كثير من دول العالم الثالث، من جنوب أفريقيا والمغرب، سيراليون، رواندا، كولومبيا، إلى شيلي والأرجنتين ومحاولة خلق نموذج سوداني ينهي حالة الإفلات من العقاب التي شكلت طابع كل الفترات الانتقالية في السودان.

وتصاعد طرح قضية العدالة الانتقالية مع قرب الوصول لاتفاق سلام شامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تقاتل في الجنوب، ثم تم تضمينها في وثائق الفترة الانتقالية بعد توقيع اتفاق السلام الشامل في يناير 2005، لكن مضت تلك السنوات في الصراع والشقاق بين طرفي الاتفاق، ولم تنفّذ كل شعارات المرحلة حتى انتهى الأمر بانفصال الجنوب.

استمر النشاط الحقوقي بعد ذلك وأفرز خبراء سودانيين بارزين، حتى على المستوى الدولي، في مجال العدالة الانتقالية، أمثال الدكتور أمين مكي مدني وكمال الجزولي والدكتور محمد عبد السلام وغيرهم.

وانفتحت النقاشات خلال السنوات الاخيرة من حكومة الإنقاذ (1989-2019) ثم بعد الثورة الشعبية التي أنهت نظام البشير، وتم تضمين العدالة الانتقالية في كل مواثيق الفترة الانتقالية، وفي مرحلة لاحقة تم تشكيل "مفوضية العدالة الانتقالية" لكنها وقعت أسيرة خلافات وتصوّرات مختلفة حول دورها، فلم تنجز شيئًا حتى وقع الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.

بعد توقيع الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022 بين خكومة البرهان والقوى السياسية، تمت مناقشة موضوع العدالة الانتقالية في مؤتمر موسّع، شارك فيه خبراء سودانيون وأجانب، وممثلو أسر ضحايا الحروب والانتهاكات، وانتهى إلى إعلان من 16 مادة.

لو فلت المجرمون ومرتكبو الانتهاكات هذه المرّة أيضًا فلن يمكن الادعاء بأنّ هذه ستكون آخر الحروب
وتتضمن بنود إعلان المبادئ الصادر عن مؤتمر العدالة الانتقالية: إنشاء مفوضية مستقلة للعدالة الانتقالية بسلطات واسعة، وإصدار قانون للعدالة الانتقالية بمشاركة أصحاب المصلحة كافة، واعتراف الدولة بانتهاكات الماضي “الجسيمة” لحقوق الإنسان والاعتذار عنها رسميًا، لكن اندلعت الحرب في أبريل 2023 وعطلت كل شيء.

حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتُكبت خلال حرب السودان الجارية الآن، أعاد طرح قضية العدالة بقوة، فلو فلت المجرمون ومرتكبو الانتهاكات هذه المرّة أيضًا، مثلما حدث في فترات سابقة، فلن يمكن الادعاء، أو مجرد الإيحاء، بأنّ هذه ستكون آخر الحروب.

من الافضل أن يفتح السودانيون هذا الملف الآن، ليكونوا حين تحين ساعة الانتقال جاهزين بنموذج للعدالة قادر على تجاوز جرائم الماضي وجراحاته، وعلى طمأنة من تبقى من أهل السودان بأنّ الحق لا يضيع، وأنّ دولة الظلم لها نهاية وأنّ كل مجرم سيلقى حسابًا عسيرًا.

(خاص "عروبة 22")  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة فی کثیر من

إقرأ أيضاً:

“بي بي سي” تسحب فيلما وثائقيا عن أطفال غزة.. فما السبب؟

#سواليف

سحبت هيئة الإذاعة البريطانية ” #بي_بي_سي” فيلمها الوثائقي عن تأثير #الحرب في #غزة على #الأطفال بذريعة أن الراوي هو نجل أحد مسؤولي حركة حماس.

وقالت المؤسسة، في بيان، إنها سحبت الفيلم من منصة “آي بليير”، بعد أن تبين أن الراوي الرئيسي عبد الله (14 عاما) نجل أيمن اليازوري، نائب وزير الزراعة في حكومة حماس.

وأشار البيان إلى أن الشركة المنتجة للفيلم الوثائقي لم تكن على علم بهذا الوضع مسبقا.

مقالات ذات صلة أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم اليوم 2025/02/22

ولفت بيان “بي بي سي” إلى أن الفيلم الذي يحمل اسم “غزة: كيف تنجو في محور الحرب”، لن يكون متاحا على المنصة حتى اكتمال عملية التحقق.

من جانبها، لم تدل شركة “هويو فيلمز” المنتجة للفيلم الوثائقي بأي بيان حول الموضوع، حسب وكالة الأناضول.

أما وزيرة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية ليزا ناندي، فقالت -في بيان صحفي- إنها ستناقش القضية مع “بي بي سي”، مشيرة إلى ضرورة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بكيفية اختيار الأشخاص المدرجين في الفيلم، على حد قولها.

مقالات مشابهة

  • رئيس الجمهورية “هذه هي الجزائر التي نحبها ويحبها جميع الجزائريين.. جزائر رفع التحديات”
  • في ورشة ويامو: تجارة الذهب وبعض البنوك ساهم في إستمرار الحرب بالسودان وسيناريوهان تستبعد تحقيق العدالة
  • رئيس بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق: السودان يتمزق أمامنا وإنضمام خبير لفريقي لوقف تدفق الاسلحة
  • “بي بي سي” تسحب فيلما وثائقيا عن أطفال غزة.. فما السبب؟
  • العدالة الانتقالية (2/2)
  • قرعة دوري أبطال أفريقيا تذكر الأهلي بعقدة “أم درمان”
  • تخريمات و تبريمات على هامش إجتماع نيروبي “التأسيسي”
  • “اللواء البراشي” يحسم الجدل ويوجه بتوقيف رجل المرور الذي ظهر في الفيديو المثير واحالته للتحقيق وانفاذ العدالة فورًا
  • الإعلامي “سليمان السالم”: المنتدى السعودي للإعلام فرصة لاكتشاف أحدث الابتكارات والتقنيات التي تشكل مستقبل الإعلام (خاص)
  • “غزة ليست للبيع”.. أوروبا تنتفض ضد خطة التهجير التي يتبناها ترامب