الشاعر حسن أبوكدوك.. رجلٌ إنتظرَ الموتَ طويلا
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
كان يضع كرسيه على ناصية منزل والده الذي يشرِف على ثلاثة شوارع. في ذلك الحي الذي يحمل إسم جده (حي أبوكدوك العريق بأمدرمان) يرقُبُ المارة بحذر خوف أن يختلط به أحد. فقد اعتزل الناس بعد أن أدرك جوهر الحياة بحس شاعر قادر على أن ينفذ ببصيرته لماوراء الواقع. بعد أن تداعت في داخله - بحكم خيبات الساسة والسياسة - عوالمٌ شادها من الشعر المنثور.
لم تساوره منذ انعزالته تلك المجيدة مغريات الحياة، فعاش على هامشها طائعاً مختاراً يتحين أوان الرحيل الذي كان يستعجله بلهفةٍ لا تَني تنظر للحياة تلك النظرة الغامضة التي تحمل في طياتها الأبعاد اللانهائية لإستواء الوجود والعدم.
فقد عاش أبوكدوك الحياة كميت، ومات كأروع ما تكون الحياة عندما يمضي الإنسان وليس في قلبه مضغة سوداء تجاه أحد.
ولا في كفيه بقعة دم من شرايين أحد.
ولم تثقل ما بين جنبيه مظلمة بحق أحد.
فكان موته شاعرياً بقدر ما كانت حياته شاعرية، ملؤها النكتة اللمّاحة التي عادة ما يبدأها بقوله:(واحد صاحبنا شيوعي .... ) ثم يفضح الواقع بطرفة تبرز فيها المفارقة ما بين الكائن والمأمول..
خرج أبوكدوك ملوحاً بيده المعروقة بأن غاية ما كان يرتجيه قد تحقق، وأن جلسته على الناصية قد كفته بأن يرى بعينه التلسكوبية كل تلك المخازي التي دعته للعزلة وهو بَعْد وافرُ الدفق الشعري، مترعٌ بالإبداع قادر على العطاء لعله يجد في عالمه الآخر، عالماً آخراً أروع مما أبدعه خياله المَثَّال.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
صدور "القوافي" المتخصّصة بالشعر الفصيح
صدر العدد 66 من مجلة "القوافي" الشهرية؛ المتخصصة بالشعر الفصيح ونقده والتي تحتفي بالمواضيع ذات الصلة به بلاغةً ولغةً وتراثاً، كما تحتفي بالشعراء من مختلف العصور.
استهلت القوافي عددها الجديد بعنوان "القصيدة العربية وملامحها الأولى" وذُكر فيها : تستند القصيدة العربية إلى تاريخ طويل من التراكم الإبداعي والأدبي، الذي منحها الكثير من الثراء والمعرفة، وجعلها وثيقةً ومرجعاً يحمل في ثناياه الكثير من الأحداث والقصص التي وصلتنا منذ عصر الجاهلية؛ وهو العصر الذي تشكّلت فيه الملامح الأولى لتلك القصيدة. تلك الملامح التي أصبحت أكثر وضوحاً، فيما بعد، لدى الدارسين والمهتمّين بالشعر العربي، لا سيما مع وقوف الكثير من النقّاد والباحثين عند أدوات القصيدة العربية وهيكلتها في العصر الجاهلي.
وفي باب إطلالة تم الحديث عن معمار القصيدة في العصر الجاهلي، بمقال كتبه الدكتور محمد الحوراني.
أما باب "آفاق" فتناول "مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته 21"، وكتبته الدكتورة حنين عمر، كما اشتملت المجلة على حوار مع الشاعر المصري أحمد بخيت، وحاوره الشاعر الإعلامي عبدالرزاق الربيعي.
وعرضت الإعلامية عبير يونس، خلال استطلاع، رأي مجموعة من الشعراء والنقاد، حول موضوع "خاتمة القصيدة"، وفي "مدن القصيدة" كتب الشاعر رابح فلاح، عن مدينة "باتنة الجزائرية"، وفي باب "حوار" حاورت الدكتورة جيهان إلياس، الشاعر الدكتور خليفة بن عربي.
أما فقرات "أصداء المعاني" فتنوعت بين بدائع البلاغة، ومقتطفات من دعابات الشعراء، و"قالوا في..."، وكتبها الإعلامي فواز الشعار.
وتناول الإعلامي أحمد حميدان، في باب "مقال" إلى معلقة الشاعر زهير بن أبي سلمى.
وفي خاتمة العدد كتب مدير التحرير الشاعر محمد عبدالله البريكي مقال، "واحدٌ في الحضور"، وجاء فيه: "فالشعرُ ليس هو المَزْهريَّةَ في شكلِها، بلْ هو الوَرْدُ حينَ تُنَسِّقهُ فاعِلُنْ فاعِلاتُنْ، وأخْرى، لِيَبْقى على كُلِّ مِنْبرِ شِعْرٍ هو الطَّيْرَ يألَفُ كلَّ الفنونِ، ولكنّهُ واحدٌ في الحُضور.