رواية "الأشوس الذي حلَّقت أحلامه مثل طائرة مسيَّرة" للأستاذ عبد العزيز بركه ساكن، تعد إضافة جديدة لمسيرة هذا الكاتب التي تشغل الأوساط الأدبية والفكرية باستمرار. مثل كل عمل يطرحه بركه ساكن، الرواية جاءت محملة بالتحديات الجريئة والأسئلة الكبيرة عن الإنسان والمجتمع والحرب والسياسة، لكنها أثارت جدلاً واسعاً حول توقيتها ومضمونها.


النقد الأدبي والنص
إن قراءة الرواية من منظور نقدي يتطلب النظر إلى أكثر من مستوى في النص. فالرواية ليست مجرد عمل روائي يحكي قصة شخصيات تعيش في بيئة معينة، بل هي على الأرجح تمثل موقفًا سياسيًا واجتماعيًا متشابكًا. الكاتب، كما هو معلوم، يسخر أدواته الفنية لطرح رؤيته للعالم، ولا يمكن فصل مواقفه الشخصية والسياسية عن أعماله الأدبية.
السياق السياسي للرواية
بركه ساكن، كما يُفهم من الرواية، يقف ضد الحرب بشكل واضح. ويمكن القول إنه يحاول أن يقدم تحليلاً عميقًا للمآسي التي تحدث في السودان، ويستخدم "الأشوس" كرمز للسياسيين الفاسدين والقيادات العسكرية التي تتلاعب بمصائر الشعوب. وهذا ما يطرح تساؤلاً كبيراً: هل يمكن للكاتب أن يعبر عن مواقفه السياسية من خلال الأدب في وقت تكون فيه الأوضاع مشتعلة؟ أم أن هذا يشكل خطراً على مصداقية الفن ذاته؟ النقاد الذين يرون أن الرواية جاءت كتقرير عاجل عن حرب لم تنتهِ بعد ربما لديهم نقطة مهمة: هل العمل مكتملاً أم مجرد تحليل متسرع للوضع الراهن؟
الرمزية في النص
الرمزية في الرواية، وبخاصة رمزية "الأشوس" و"ديك زلُّوط"، تحمل دلالات اجتماعية وسياسية عميقة. الديك زلُّوط، على سبيل المثال، لا يمثل مجرد حيوان في البيئة السودانية، بل يرمز إلى الشخصيات المتهورة والقيادات الفاشلة التي تسند طرحها قيم أنسانية التي تسعى وراء مصالحها على حساب الشعب. هذا الاستخدام الذكي للرمزية هو ما يجعل أسلوب بركه ساكن مميزًا، لكنه أيضاً قد يكون صعب الفهم بالنسبة لبعض القراء الذين قد يرونه تعقيداً غير مبرر.
التحليل الاجتماعي والبيئي
ما يميز روايات بركه ساكن هو تلك القدرة على نقل التباينات الاجتماعية والاقتصادية بين مختلف فئات المجتمع السوداني. يظهر هذا بشكل واضح في تصويره لمعاناة الطبقات الفقيرة، مثل مشهد "مريم بنت منصور" التي تعاني من قوانين النظام العام. هذه القدرة على تصوير الواقع السوداني بصورة واقعية قد تجعل من النص وثيقة اجتماعية بقدر ما هو عمل أدبي، لكن يبقى السؤال حول ما إذا كان هذا الوضوح والتشريح المباشر يخدم الفن الروائي أو يحوله إلى خطاب اجتماعي مباشر.
التوقيت والموقف الأخلاقي
كثير من النقاد يعيبون على بركه ساكن إصدار هذه الرواية في وقت لم تنتهِ فيه الحرب بعد. السؤال هنا يدور حول مسؤولية الكاتب: هل يجب أن ينتظر الكاتب انتهاء الصراعات حتى يقدم رؤيته؟ أم أن على الكاتب أن يكون صوتًا للحقيقة في خضم الفوضى؟ من الواضح أن بركه ساكن اختار الموقف الثاني، وهذه شجاعة أدبية لا يمكن إنكارها. لكنه أيضاً أثار سخط البعض الذين يرون أن الرواية جاءت في توقيت غير مناسب وأنها قد تزيد من الاستقطاب في المجتمع.
"الأشوس الذي حلَّقت أحلامه مثل طائرة مسيَّرة" عمل معقد يستحق التفكر فيه بعناية. ربما لن يتفق الجميع مع مواقف بركه ساكن أو أسلوبه، لكن لا يمكن إنكار أن الرواية تمثل جزءًا مهمًا من مسيرة هذا الكاتب الذي يسعى دائمًا إلى تحدي القوالب الجاهزة وتقديم رؤية نقدية للمجتمع والسياسة. النص مليء بالرموز والمعاني التي تحتاج إلى قراءة عميقة، وربما يكون هذا جزءًا من سحره. في النهاية، يظل "الأشوس" عملًا جدليًا، وقد يكون هذا هو بالضبط ما أراد بركه ساكن تحقيقه: إثارة النقاش والجدل حول الأوضاع الراهنة وقيمة الأدب في زمن الحرب.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بركة يلعب ورقة تمطيط انتخاب اللجنة التنفيذية للتفاوض بأريحية حول التعديل الحكومي

زنقة 20 ا الرباط

أكد مصدر مطلع من داخل حزب الاستقلال لموقع Rue20، أن الأمين للحزب نزار بركة سيهم بالدخول وحيدا لـ”الدخول السياسي” الذي يتزامن مع نهاية السنة الثالثة من ولايتها الانتدابية للحكومة بدون لجنة تنفيذية، هذه الأخيرة التي طال “تعيينها” أو “انتخابها” لأشهر بمبرر التشاور مع التنظيمات وهياكل الحزب لاختيار الأسماء والكفاءات.

وأوضح المصدر، أن الأمين العام للحزب يضع نصب عينيه عملية إعادة انتخاب أو تجديد الثقة في منصب رئيس مجلس المستشارين كمحدد رئيسي لوضع أسماء معينة داخل اللجنة التنفيذية، بالإضافة إلى ترك مصير تشكيل اللجنة التنفيذية إلى مابعد افتتاح البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر القادم؛ عكس ما تم الترويج له بأنها ستتشكل في نهاية شهر شتنبر الجاري الذي لم تتبقى سوى أيام على نهايته بدون وجود مؤشرات قوية على انعقاد المجلس الوطني للمصادقة على لائحة اللجنة التنفيذية.

وأشار المصدر ذاته إلى أن هذا “التمطيط” سيفسح للأمين العام للحزب الحضور وحيدا باجتماع زعماء الأغلبية المفترض عقده قبل الدخول السياسي الجديد في الأيام القادمة، وستمكنه في حال إقرار تعديل حكومي من التفاوض بأريحية على الأسماء المقترحة للإستوزار.

وتابع المصدر، أن عملية توسيع المشاورات مع الهياكل والتنظيمات مكنت الأمين العام لحزب الإستقلال نزار بركة من امتلاك العديد من “أوراق اللعب” لاختيار أسماء وإقصاء أخرى من اللجنة التنفيذية، وفسحت له المجال لإضعاف التيارات المتنافسة معه حول “السيطرة” على اللجنة التنفيذية.

وأبرز المصدر ذاته، أنه “من بين أوراق اللعب الإضافية التي يملكها الأمين العام هي ورقة “المناصب الإدارية” داخل الحزب التي تدر على أصحابها تعويضات مالية من بينها منصب رئيس مجلس إدارة شركة الرسالة، ومنصب مدير المقر المركزي للحزب، ومنصب المفتش العام، بالإضافة إلى منصب رئيس المجلس الوطني الذي تكون مهام نضالية بدون تعويض مالي”.

وفي سياق متصل، كشف المصدر، أن الأمين العام يدفع بقوة لتثبيت أسماء تنتسب لرابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، ورابطة المهندسين الاستقلاليي نداخل اللجنة التنفيذية خصوصا أن بعضها يلقى دعما من طرف نزاربركة بحكم الصداقات التي تجمعه مع أطرها الذين غالبيتهم من رجال الأعمال.

ورجح المصدر، أن لائحة أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة لحزب الاستقلال قد تحمل مفاجئات في تركيبتها مما سيتسبب في حالة من الغضب في صفوف بعض القيادات والنواب البرلمانيين.

مقالات مشابهة

  • وفاة الكاتب الصحفي السوداني الفاتح جبرا
  • خبير استراتيجي: الحرب مع حزب الله «عنقودية» والخسائر التي لحقت به غير مؤثرة
  • بركة ساكن: رتبتان عسكريتان مختلفتان لنفس الأشوس!!
  • بركة يحذر من مواقع التواصل على خلفية أحداث الفنيدق
  • محافظ المنوفية: رفع 40 طن مخلفات وتطهير ترع بمركزي بركة السبع وقويسنا
  • بركة يلعب ورقة تمطيط انتخاب اللجنة التنفيذية للتفاوض بأريحية حول التعديل الحكومي
  • إسرائيل بين غطرسة القوة ونتائج الطوفان.. قراءة في كتاب
  • في خريف عمره بايدن يريد حلا لمشكلة السودان المستعصية التي أعيت الطبيب المداويا
  • نزار بركة: اللجنة التنفيذية ستخلو من الأسماء التي تحوم حولها الشبهات