يعدُّ مفهوم الثورة من أكثر المفاهيم السياسية والاجتماعية استخداماً وتواتراً وحضوراً وأهمية وتشويقاً في الفكر السياسي والاجتماعي في تاريخ المجتمعات الإنسانية، وما زال هذا المفهوم يثير جدلا واسعا بين المفكرين والباحثين في ما يتعلق بدلالاته وإسقاطاته، ومن المعروف أن جوهر أي ثورة هو رفض شامل لكل أشكال الظلم والإذلال والعبودية والقهر التي تقع على المواطنين أو الشعب من قبل سلطة فاسدة ظالمة أو محتل أجنبي .
وفي هذه المساحة نقدم قراءة موجزة للثورات اليمنية، وهي جزء من دراسة للعبد الفقير لم تنشر بعد .
1_ ” ثورة ” 1948
في 17 فبراير عام 1948، أغتيل الإمام يحيى حميد الدين، في كمين بمنطقة حزيز شمال العاصمة صنعاء، وأعلنت ” الثورة الدستورية ” وتم تتويج عبدالله الوزير إماما ملكا على اليمن .
ما أسميت بالثورة، كان أبرز قيادتها من خارج اليمن، إذ تولى الجزائري، الفضيل الورتلاني ذو التوجهات الإخوانية، الخطة السياسية، فيما تولى العراقي جمال جميل الخطة العسكرية، و تولى علي ناصر القردعي تنفيذ عملية الاغتيال .
ما حدث عام 1948، لم يكن ثورة، وهو في الحقيقة أقل من انقلاب، بالنظر إلى هوية الأطراف الرئيسية المشاركة فيه، ودوافعهم التي اتضح أنها تستهدف تغيير طبقة الحكم وليس تغيير أوضاع الشعب .
ونظرا لعدم توفر شروط الثورة، لم يتجاوز عمر مملكة عبدالله الوزير شهرها الأول، و هلل الشعب بأكمله لإعدام قادة الانقلاب ” الذين اغتالوا الإمام المسن الذي تجاوز الثمانين عاما ” وبويع نجله أحمد ملكا على اليمن .
2 _ ثورة 1955
وتسمى أيضا “حركة 55” قادها أحد ضباط الجيش الملكي في مدينة تعز، عاصمة الإمام أحمد بن حميدالدين، وجرى خلالها محاصرة قصر الإمام من قبل عدد من الجنود والضباط بقيادة أحمد الثلايا، و أجبر الإمام على التنازل بالعرش لأخيه عبدالله .
أما عن الخلفيات والدوافع الحقيقية لهذه “الثورة” – والتي غابت عن المناهج المدرسية، وكتب المؤرخين الرسميين – فتعود إلى رفض قائد الجيش ” الثلايا ” رغبة الإمام في معاقبة بعض الجنود الذين ارتكبوا انتهاكات ضد أهالي قرية في الحوبان تعز .
انحاز الإمام أحمد للمواطنين، بينما انحاز الثلايا للجنود واستغل الخلاف العائلي في القصر بين الإمام أحمد وأخيه عبدالله، الذي لم يهنأ بصعود العرش. واستعاد الإمام أحمد عرشه في غضون ساعات ..أعدم قادة الانقلاب وعلى رأسهم الثلايا و عبدالله شقيق الإمام أحمد، ويمكن العودة إلى ما كتبه الأديب والشاعر الكبير عبدالله البردّوني حول حركة 55 في كتابه، “اليمن الجمهوري” .
3_ ثورة 26 سبتمبر 1962
كان الإمام خصماً “عاقلا” للسعودية وحليفا حكيما واعيا لمصر، كان حذرا ومتوازنا في سياساته الخارجية، ولم يكن تابعا لهذا أو لذاك، ولم تكن هذه السياسة تروق لعبدالناصر الذي كان يبحث عن ورقة يستخدمها ضد خصومه وأعدائه في الرياض ولندن، وكانت اليمن التي يحكمها الإمام أحمد مسرحا ملائما لمواجهة الطرفين، السعودية في الشمال وبريطانيا في جنوب اليمن المحتلة .
لم يكن الإمام أحمد خصما لمصر أو لناصر، بل حليفا قوميا، وعاشقا للوحدة العربية، وكانت المملكة المتوكلية اليمنية ثالث اثنين إلى جانب مصر وسوريا في الكيان الذي عرف باسم “الجمهورية العربية المتحدة ” .
لكن عبدالناصر كان يدرك أن الإمام، ملك اليمن، لن يسمح أن تكون بلده مسرحا لحروب الآخرين، ولذلك، كان خيار عبدالناصر التخلص من الإمام، و نقل السلطة إلى أشخاص موالين يديرهم كما يشاء .
حدّد المصريون ساعة الصفر، وأعلنت ” السورة “، وفي حين كانت الثورة في يومها الأول، كانت السفن المصرية المحملة بآلاف الجنود قد قطعت نصف المسافة في طريقها إلى الحديدة .
بعد بضع سنوات، ترك المصريون الجمهورية في اليمن يتيمة، فكفلتها الجارة السعودية، وحتى الآن، ترفض السعودية التخلي عن وصايتها على اليمن “الجمهوري” .
4 ـ 14اكتوبر 1963
السلطتان في الشمال والجنوب شاركتا في تزوير التاريخ النضالي والسياسي لليمنيين، واتفقتا على أن يكون الرابع عشر من أكتوبر 1963، هو اليوم الذي بدأ فيه الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني .
هذا التزوير فيه إساءة للشعب اليمني في الجنوب والشمال، فأي شعب هذا الذي يسكت على احتلال بلده، وينتظر قرناً وربع القرن قبل أن يحمل بندقيته لمواجهة المحتل ؟! .
الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني بدأ منذ اقتراب السفن البريطانية من شواطئ عدن عام 1928، واستمرت المواجهة على موجات وفترات، تارة يقودها سلاطين الجنوب، وأخرى يقودها أئمة الشمال. لكن الأوضاع السائدة حينها كانت لصالح المحتل، القوة الأكبر في العالم، ومع ذلك لم يتوقف نضال اليمنيين شمالا وجنوبا ضد الاحتلال .
أرادت سلطة الجمهورية في الشمال أن تمحو كل إيجابيات العهد الملكي، وزج مؤرخوها بالاحتلال والأئمة في سلة واحدة .
وبالمثل، السلطة التي تولت زمام الحكم في الجنوب بعد رحيل المحتل، أرادت محو كل نضالات الأشخاص والمكونات خارج إطار ” الجبهة القومية ” .
5_ 21 فبراير
كانت ثورة 21 فبراير 2011 في اليمن، واحدة من ثورات الربيع العربي، وكانت قوى الغرب ترقبها بحذر وقلق، لأنها تعرف جيدا أن نجاح الثورات الشعبية في المنطقة العربية سوف يخلق بيئة معادية للمصالح الاقتصادية الغربية من جهة، ويشكل خطراً استراتيجياً على مستقبل العائلات والأنظمة الحاكمة في المنطقة من جهة أخرى .
هذا ما دفع الجميع إلى إفشال تلك الثورات أو على الأقل التحكم بأهدافها والضغط باتجاه انحرافها عن مسارها للتخفيف من آثارها ولقطع الطريق أمام أية فرصة لتحرر هذه البلدان والشعوب من التخلف التاريخي والتخلص من الأنظمة الديكتاتورية التي تقف حجر عثرة أمام أي تطور حقيقي للبلدان العربية .
بعد ثلاث سنوات من ثورة 21 فبراير، رأى اليمنيون ” طربوش الأتراك ” يستعيد موقعه في ثكنات العُرضي عند باب اليمن بالعاصمة، وفي عدن، تستعيد الملكة فيكتوريا مكانها من جديد في حديقة التواهي، بينما تحكم الشقيقة الكبرى قبضتها ممسكة بزمام ” المبادرة ” في اليمن .
و تساءل الناس بدهشة: ما الذي فعله الثوار الشباب في 2011 : ثورة تغيير، أم استعادة ضبط المصنع .
ولذلك، جاءت ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014، التي تحل اليوم ذكراها العاشرة.. وسيكون لنا فيها قراءة أخرى إن شاء الله .
aassayed@gmail.com
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي يسلط الضوء على القاذفة الشبحية B-2 ونوع الذخائر التي استهدفت تحصينات الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)
سلط معهد أمريكي الضوء على أهمية نشر القاذفة الشبحية B-2في اليمن ونوعية حجم الذخائر التي قصفت أهدافا محصنة لجماعة الحوثي في البلاد وكيف يمكن لها أن تساعد في تعزيز الرسائل الأميركية إلى إيران.
وقال "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في تحليل ترجم أبرز مضمونه "الموقع بوست" إن "الأهمية الاستراتيجية لضربة دقيقة على اليمن باستخدام زوج من الأصول الوطنية الأميركية بقيمة 2.2 مليار دولار أميركي توضح التزام واشنطن القوي بمكافحة التهديدات للأمن الدولي".
وأشار إلى الطائرة B-2 تتمتع بعدد من السمات المحددة التي تؤكد على أهمية نشرها في اليمن. لافتا إلى أن التصميم المتقدم في التخفي والقدرة على البقاء يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استهداف وتدمير الطائرة B-2، مما يسمح للقاذفة باختراق المجال الجوي المحمي بشدة وتوجيه ضربات دقيقة على أهداف محصنة.
وتطرق التحليل إلى الأسلحة الموجهة بدقة التي يمكن أن تحملها الطائرة B-2 لهذا النوع من المهام وقال: قنبلتان خارقتان للذخائر الضخمة من طراز GBU-57A/B، يبلغ وزن كل منهما 13.6 طن، وقادرة على اختراق 60 قدمًا من الخرسانة المسلحة أو 200 قدم من الأرض؛ وقنبلتان من طراز GBU-28/B أو GBU-37/B بوزن 2.2 طن، قادرتان على اختراق أكثر من 20 قدمًا من الخرسانة المسلحة أو 100 قدم من الأرض؛ أوما يصل إلى ستة عشر قنبلة من طراز GBU-31 بوزن 907 كجم، كل منها قادرة على اختراق أكثر من 6 أقدام من الخرسانة المسلحة.
وتشير التقارير إلى أن القاذفات المستخدمة في مهمة اليمن استخدمت قنابل اختراقية من طراز GBU-31 فقط، وهو ما كان ينبغي أن يكون سلاحاً مناسباً نظراً للطبيعة غير المتينة للكهوف الجيرية والرملية حول صنعاء وصعدة التي يستخدمها الحوثيون لتخزين الأسلحة. كما تفيد التقارير بأن نحو عشرين قنبلة اختراقية فقط في الخدمة، مما يجعلها أصولاً ثمينة للغاية في مخزون B-2.
وأكد التحليل أنه لا يوجد أي دولة أخرى في العالم لديها ما يعادل بشكل مباشر مزيج B-2 من التخفي والمدى والقدرة على الحمولة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد دولة تقترب في دعم مثل هذا الأصل لوجستيًا على مثل هذه المسافات الكبيرة.
وقال "يبدو أن الطائرة المشاركة في الضربة على اليمن انطلقت من قاعدة وايتمان الجوية في ميسوري. يبلغ مدى B-2 غير المزود بالوقود حوالي 11000 كيلومتر، واعتمادًا على الطريق، فإن اليمن ستكون رحلة حوالي 14000 كيلومتر في كل اتجاه.
وتابع المعهد الأمريكي "كانت هناك حاجة إلى عمليات إعادة تزويد بالوقود جواً متعددة حتى تصل الرحلة إلى وجهتها وتعود إلى الوطن. أيضًا، في حين أن المجال الجوي اليمني ليس محميًا بشكل كبير، فإن استخدام B-2 لا يزال يتطلب مستوى معينًا من السرية لحماية الإجراءات التشغيلية".