صحيفة الاتحاد:
2025-02-23@02:56:17 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: المشاكلة والاختلاف

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

استلهم فكرة المشاكلة والاختلاف من مقولات لعبد القاهر الجرجاني حيث طرح فكرة (الاختلاف والائتلاف)، والجرجاني يشير إلى الاختلاف التي يفضي إلى ائتلاف شارحاً بذلك حال المجازات في تحول القول اللغوي من حال إلى حال في الدلالات وتداخل المعاني، بينما تحيل مقولتي إلى أن الماضي بتراثه وثرائه يظل كامناً في وجداننا وفي عقولنا وله سلطةٌ على تفكيرنا، ولكن العقل البشري قادرٌ على تحقيق منجزٍ يتجاوز الماضي ويحقق رؤى مستقبلية وقيماً إبداعية، فنحن مثلاً نرث اللغة من أسلافنا ونعيد ألفاظهم ومجازاتهم حين نتعلم اللغة منذ صغرنا وبدايات تكويننا الفردي، ولكن يحدث دوماً أن يبرز بعض أفراد منا فيطمحون لإنتاج مجازات إبداعية لم ينجزها سابقوهم وهؤلاء هم المبدعون، ومن هنا فالمبدع يتماثل مع سابقيه في أمور وهذا جانب تقليدي، ويختلف عنهم في أمور وهذا هو الجانب الإبداعي، وفي منتوج كل مبدع عظيم هناك نصوصٌ ماضوية لا حصر لها يمكننا كشفها وتلمسها لأنها موجودةٌ في ذواكرنا كلنا، وبجانبها قيم لغوية إبداعية تخص المبدع ذاته، وهي من خلاصات فكره وذهنيته الحية، وعادةً يكون جانب المشاكلة أكبر من جانب الاختلاف، لأن الفرد لا يمكنه أن يختلف اختلافاً كلياً عن موروثات عظيمة تكونت على مدى قرون، ولكن القضية تأتي من حيث قال ابن قتيبة (يحكم على الرجل من جيده وإن قل)، وهنا تأتي معادلة المشاكلة والاختلاف، وبمقدار ما نختلف عن غيرنا في أمر من الأمور يكون تفردنا، وبمقدار توافقنا مع غيرنا يكون تشاكلنا معهم، فنكرر غيرنا ونختلف عنهم في الوقت ذاته، والتميز يكون بما نجيده وإن قلّ.

وهذا يقودنا لحال القراءة وعلاقتها مع الإبداع، بما أن القراءة هي استحضارٌ للماضي بينما الإبداع هو تحرر من الماضي.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: أبو الطيب/ أبو محسد د. عبدالله الغذامي يكتب: المرايا

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

سباق الإعمار في ليبيا.. مبهج ولكن!

جيد أن يتحول إشباع رغبة تعظيم النفوذ والوصول للسلطة من استخدام القوة وإشعال الحروب إلى إبهار الناس وكسب المؤيدين عبر مشاريع "الإعمار" والاحتفالات وإطلاق الألعاب النارية ابتهاجا بها، وجميل أن تشهد البلاد تنفيذ مشروعات غربا وشرقا، ويحل البناء والتشييد محل الهدم والدمار، وإني لا أجد غضاضة في أن يكون لبنغازي ملعب حديث أو في طرابلس طريق دائري ثالث طويل، بل هما إضافة، ولكن!

ينبغي أن لا يجرنا الابتهاج بالمشروعات الجديدة بعيدا عن التقدير الصائب للأمور والفهم الصحيح لعملية التنمية الشاملة، وسيكون نوعا من التضليل الإصرار على إطلاق مسمى الإعمار على ما نراه من مشروعات.

ينبغي أن يقوم الإعمار على أرضية صلبة مستقرة، وأن يتأسس وفق منهجية صحيحة، فالإعمار له شروطه ومرتكزاته، ولك أن تكتب أخي القارئ عبارة "مفهوم الإعمار" في محرك البحث "غوغل" لتطلع على بعض ما أعنيه، فالإعمار مقاربة لها أسسها وغاياتها، لا تنفك عن التخطيط السليم المقترن بدراسات معمقة تأخذ في الاعتبار المعطيات الجغرافية والديمغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التاريخية بمدلولها الواسع والإيجابي.

الإعمار مقاربة لها أسسها وغاياتها، لا تنفك عن التخطيط السليم المقترن بدراسات معمقة تأخذ في الاعتبار المعطيات الجغرافية والديمغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التاريخية بمدلولها الواسع والإيجابي.الاتجاه غير المطمئن في ما نشهده من مشروعات تنموية هو أنه لا يقع ضمن تحول شامل يأخذ في الاعتبار كل الإشكاليات القائمة والتحديات الحاضرة، وأنه يتحرك بدوافع تعلو فيها السياسة على المصلحة العامة، أو يختلطان بشكل لا يحقق المرجو في نهاية المطاف.

هناك قرى وأحياء في بعض مناطق الجنوب، على سبيل المثال، تفتقر إلى أبسط أساسيات العيش وتواجه ظروفا حياتية بائسة، لكنها خارج دائرة الاهتمام، والسبب ليس فقط أمني أو لوجستي، بل أيضا لأنها  تتطلب جهدا ووقتا في مقابل مردود قليل بالحساب السياسي، ذلك أن الجنوب لا يمثل في ميزان التنافس ثقلا كما يمثل الغرب والشرق، والتمييز يظهر حتى بين مدن الغرب والشرق، فما تحظى به المدن الكبرى لا يتوفر لتلك الأقل في عدد السكان والوزن السياسي والاقتصادي.

ويظهر على تنفيذ المشروعات الاستعجال كما تغيب اشتراطات مهمة في التعاقدات الأمر الذي ينتهي بها إلى نتائج غير إيجابية على صعيد التكلفة والجودة، دع عنك الفساد الذي يعشش عندما تتعطل أو تتعثر الدورة الصحيحة للتعاقد والتنفيذ والتقويم.

هناك أيضا مشكلة الاستنساخ الأعمى والانغماس في البهرج على حساب المضون، والاحتفاء بالمظهر أكثر من الغاية والهدف، وهي آفة لن تتسبب في هدر الاموال فحسب، بل تفسد العقول وتجعلها أسيرة ما تراه حولها من تكلف زائد وترف مفسد.

إن من أخطر ما يواجه البلدان التي مرت بفترات تخلف على مستوى الإدارة العامة، وواجهت ازمات سياسية وأمنية كشفت عوار التخلف، أنها تُدفع إلى مسارات بعيدة عن المأسسة والمؤسساتية، وما نراه من توجهات قائمة يؤكد هذا الافتراض، ولو أن مشروعات وبرامج وطنية كبرى من مثل الدستور ونظام الحكم والمؤسسات الفاعلة وسيادة القانون ومجابهة الفساد والإصلاح الاقتصادي القائم على رؤية استراتيجية وتطوير قطاعي التعليم والصحة لقيت احتفاء واهتماما من المسؤولين وكانت مطلبا أساسيا يتحرك لأجله الجموع، لتحقق الإعمار بمفهومه الصحيح، وما يقلقني أننا بالترتيب الخاطئ للمسارات والغفلة عن الأولويات نكون كمن يبني على "شفا جرف هار"، قد يأتي على ما أنجز في أول هزة لا سامح الله.

إننا مجتمع عانى من الحرمان وعايش أوقاتا وظروفا صعبة جدا ومُورس عليه التجهيل وتزييف الوعي فانحرفت عنده المفاهيم، وعندما تضيف إلى ما سبق سلوك طابور المتعاقبين على كرسي السلطة الذين يفسدون ولا يصلحون وياخذون ولا يعطون ينتهي الحال بالمواطن إلى تقديس المسؤول الذي يقدم له خدمة أو يحقق له مصلحة أو تنفذ على يديه بعض المشروعات، وهي من المترض حقوق ملزم من تولى أمرهم بها، لا يقابلها بالضرورة مدح ولا تهليل.

الاتجاه غير المطمئن في ما نشهده من مشروعات تنموية هو أنه لا يقع ضمن تحول شامل يأخذ في الاعتبار كل الإشكاليات القائمة والتحديات الحاضرة، وأنه يتحرك بدوافع تعلو فيها السياسة على المصلحة العامة، أو يختلطان بشكل لا يحقق المرجو في نهاية المطاف.الإعمار الحقيقي يهتم بالإنسان باعتباره مرتكز التغيير وأداة التطوير ومحرك الإصلاح، ويلاحظ المتابع المدقق أن عقول وتفكير المعنيين بمشروعات التنفيذية مرتهنة إلى "الأسمنت والحديد" ومظاهر التجميل المكملة، ولم استمع إلى حديث رصين عن قيمة الإنسان في التنمية والإعمار، وطرح جاد عن سمات وخصائص العنصر البشري الفعال، التي يفتقرها إليها شريحة واسعة من الليبيين، وكيفية غرسها فيهم عبر خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، وهذا كافي للحكم بأننا مانزال تائهون عن الإعمار.

فلنفرح بملاعب القدم والطرق والكباري وغيرها من مشاريع البناء، لكن لا نتوقف عندها لتكون بالنسبة لنا هي معيار التقدم والازدهار، ولنبتهج بالزينة والأفراح، على أن لا تكون نهاية المطاف عندنا، ولنعي أنه ما لم تستقم القاطرة على سكة البناء المؤسسي بمفهومه الواسع والدقيق، ويكون المواطن الليبي الواعي والمسؤول والمدرب والمبادر هوي الغاية الأولى في مشروعاتنا وبرامجنا فنحن لا نسير في خط مستقيم صوب الاستقرار والإعمار.

مقالات مشابهة

  • د. عبدالله درف المحامي يكتب: التعديلات الدستورية المفترى عليها
  • فرج عبدالله: تمكين القطاع الخاص لزيادة الناتج المحلي أولوية لدى الدولة
  • الشهري: الصوت السعودي المصري مؤثر.. والفلسطينيون مطالبون بالوحدة
  • أخبار الفن.. قصة هروب حمادة هلال ووالده من الشرطة.. عمر الشناوي عاطل بالوراثة
  • سباق الإعمار في ليبيا.. مبهج ولكن!
  • ما أوجه التشابه والاختلاف في عملية تسليم الأسرى السابعة عن سابقاتها؟
  • هل يمكن أن يكون الصندل عملا فنيّا؟ بيركنستوك تقول نعم ولكن محكمة ألمانية ترى غير ذلك
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: الوعي والتجييش
  • أوجه التشابه والاختلاف بين جرائم سفاحي المعمورة والتجمع والجيزة والغربية
  • أفكار إبداعية للمستقبل.. تفاصيل اليوم الثاني بالمنتدى السعودي للإعلام