نجوم في سماء الفن التشكيلي البحريني

نتناول في هذا المقال، بعض الأسماء الفنية في سماء التشكيل البحريني، لنحقق واجبًا إنسانيًا علينا باتجاه الفنان المبدع الذي يستحق أن نسلط بعض الأضاءات المتواضعة عليه وعلى ما يقدم من فن راقي لخدمة المجتمع المتحضر، وهي من الحقوق المهمة التي يجب أن يتعرف عليها الشباب وكبار السن من الجمهور الواعي بأهمية الأنشطة الثقافية، وهي كذلك فرصة متواضعة لمحبي الفن لنريهم ما يشهده الفن من تطور وحركة.

بالإضافة لذلك، هي محاولة متواضعة جدًا لتعويض دور التلفزيون الغائب منذ سنوات، فيما يتعلق بالبرامج المتعلقة بالفن التشكيلي البحريني أو العالمي، كما يغيب عنه المسرح الهادف، وكل ما يقدمه للمشاهد أخبار سريعة لبعض المعارض في يوم الافتتاح الرسمي فقط ولا يتابع يوميات المعرض التي من خلالها يستطيع أن يقدم مادة فنية متنوعة مع إخراج بسيط، علمًا أن في الأونة الأخيرة كثرة المعارض الفنية، وهي بشرى خير لعودة حركة النهضة للفنون التشكيلية في المملكة، ومن الملاحظ أن الجمهورغالبًا يكون متواجدًا في يوم الافتتاح، وللأسف الشديد تشعر من خلال الأجواء والأحاديث أنه متشوق لمعرفة أخبار الفنانين المتواجدين أكثر من أهمية الأعمال الفنية في المعارض! والآن، لنعرض لبعض الأسماء الفنية في سماء التشكيلي البحريني.
جابر حسن وتطويع النحاس إن الموهبة هي إحدى النقاط الأساسية في استمرارية إنتاج الفنون الابداعية، وهي تولد مع الإنسان وتثير حساسيته باتجاه فن ما، وهي المعين الواسع المتعدد الذي يمد الوعي عند الفنان بكل أفكارالخيال والابتكار. وفناننا، الفنان جابر حسن، حظي ببيئة فنية زاخرة، فهو الشقيق الأصغر للفنانين المعروفين السيد فيصل والسيد جواد اللذان أسهما بكل إخلاص في رعاية وصقل موهبته الخلاقة منذ الطفولة، حيث اكتسبته المعرفة الفنية نحو التجديد، ما جعلته يتقوى وتتسع أفاقه بالتدريب والتنمية الثقافية التي واكبت ودعمت دراسته الجامعية للفن التشكيلي في جمهورية مصر العربية. وهو اليوم فنان معاصراستطاع أن يستلهم مواضيع التراث بأسلوب حديث يستهدف الاستساغة والقبول والانسجام ولفت النظر من قبل الجمهور، وذلك عبر تقنية خاصة تحقق قوة التعبير الجمالي، وقد انفرد الفنان جابر في عمله بين الفنانين بالعمل على خامة النحاس وكذلك بتنوع إنتاجه الفني، فأحيانًا يعمل في مجال النحت على مادة الرخام، وتارة يجنح نحو اللوحات التصويرية (رسم)، ولكن لسنوات طويلة كانت معظم أعماله التي يقدمها وعرف بها من خامة النحاس الصلبة التي تستغرق الوقت الكبير والجهد المتواصل والتحلي بالصبر وتحمل الصوت الناتج من الطرق عليها، وهو من ما تتطلبه طبيعة الخامة التي يطوعها من أجل خلق و إنجاز تحفة فنية متميزة، ترتكز على القياس وميزان العلاقة الداخلية وقوة ثوابت المعرفة للتكوين السهل الممتنع، إذا صح التعبير، وهو الأساس لمعيار الشكل والمضمون. وللحقيقة هناك غياب البعد الثالث التكويني المهم للعمل إذا كان لغرض أن يكون نصبًا ميدانيًا وفق قانون النظر من جميع الجوانب للمساحة الحسابية وأبعادها في حركة التطورالسريع المتراكم للرؤية الفكر التجريدي المعاصر.
الغسرة.. بين الأصالة والمعاصرة إن من أصعب المواضيع الفنية التي تحتاج إلى قدرة إبداعية يتقبلها المثقفين والفنانين هي الاتجاه نحو الخوض في حركة التجديد للموروث الحضاري بطريقة غير تقليدية، لخلق الارتباط الذي لا بد أن يحمل أصالة التعبير الحسي الجمالي لواقع الحياة عبر تحقيق المعادلة الصعبة في تعميق عملية ما هو ماضٍ ومعاصر في تلقائية تتعامل مع محتوى الأفكار والمضامين، ولا سيما الخصوصية التي تمثل البعد الثقافي ومخزون التجربة الطويلة. لذلك استطاعت الفنانة إيمان الغسرة أن تبحر في الفن التشكيلي بكل اقتدار، لتقتنص لحظة التأمل الفكري وتضع أمامها جاذبية الرؤية المتميزة للمتلقي في مساحة الزمن للوصول للفهم عبر ذرات تأثيرية بصورة بدائية لها رونقها التاريخي من خلال أساسيات العمل الفني، وأهمها الخط واللون والنور والظل والعمق والسطح والزوايا والنتؤات البارزة والانخفاضات، كل ذلك في مساحة مليئة بالخلق والإبداع، ما يؤكد تكريس الوقت الكافي والمطلوب من حياتها اليومية للعمل الذؤوب المفعم بالنشاط في لحظة التشكيل بخامة الطين الطبيعي وقطع الخشب لجداريتها الخزفية ذات الايقاع الحركي واللوني، وفق العناصر التعبيرية للشخوص التاريخية والبيئة الغنية بالإنتاج المعيشي الوافر والهام.
الموسوي.. الأحياء القديمة بأسلوب غير رتيب إن التركيز ينصب عند الفنان صلاح الموسوي على الانطباع الذي تصنعه رؤية ما وراء الطبيعة، وهي ليست مجرد عملية تقليد للطبيعة، بل هي البحث عن المعنى والهدف الأساسي لجماليات المدرسة الانطباعية التي تثير في النفس الكثير من المعاني والأحاسيس والانفعال لدى الفنان، ولا سيما عندما يكون قريبًا من الحدث أو الموضوع الذي تتولد المشاعر بصدده لتخلق حالة العطاء الفكري في تحديد مجال النظرة الفنية، عبر تجسيد التجربة التشيكلية التي تتجلى فيها براعته من خلال الضربات اللونية المتداخلة وتأثيرها على الظل والنور وتماسك توزيع الكتل المعمارية غير المستقرة في مكانها بحس رائع في توازن المنظور، ما ملّك لوحاته سحرًا شاعريًا مشرقًا للأحياء البحرينية القديمة ذات الواجهات الزخرفية الجصية والخشبية على الأبواب الرائعة وعبقها الأصيل في جذور الماضي، والتي تشعرنا بالوداعة والاستقرار عندما ننظر إليها ونتأمل صورتها العامة التي نتمنى أن نحافظ عليها من الزحف المعماري المستورد، بما يتناسب مع العصر الحديث. وقد تناول هذا الموضوع الكثير من الفنانين التقليديين منذ سنوات طويلة، ولكن بأسلوب واقعي رتيب لا يمتلك توافق الروح العميقة التي تميز بها الموسوي، حيث استخدم دلالية اللون لتوفق رؤيته في التعبير عن فن العمارة الخليجية المتوارثه في جماليات تؤكد ذاته وكيانه، وتوحي لنا بلمسات شاعرية في نبض المدينة وعمق التاريخ.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية