هنا صيدلية الإسعاف .. طوابير الألم للبحث عن الدواء
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
حكايات المرضى على أرصفة وسط البلد فى انتظار العلاجالأنسولين وأدوية القلب والضغط والأورام والجلطات اهم النواقص
مع استمرار أزمة نقص الأدوية، يتجلى مشهد مأساوى يجسد جانبا من قصص الألم والمعاناة اليومية لملايين المرضى بحثا عن الدواء الذى ينبغى أن يكون حقا أساسيا لكل مريض، ولكنه صار حلما بعيد المنال يتطلب تحقيقه صراعاً مريراً فى طوابير طويلة تتخطى كل حدود الصبر، أمام صيدلية الإسعاف، حيث تتجمع مشاهد إنسانية تفجع القلوب وتدمى العيون، لصفوف المرضى المتراصين لساعات طوال تحت أشعة الشمس الحارقة متحدين آلامهم فى معركتهم بائسة للحصول على جرعة دواء.
صيدلية الإسعاف التى كانت فى السابق مجرد نقطة توزيع الدواء بشكل طارئ لجميع محافظات مصر، تحولت اليوم إلى ساحة معركة يومية بسبب نقص الأدوية وغياب أنوع متعددة منها، حيث يتزاحم المواطنون من مختلف أنحاء مصر فى طوابير طويلة، بحثاً عن أدوية أساسية لم يعد يمكن الحصول عليها من أى مكان آخر!
ومع بزوغ الفجر، يبدأ المشهد الكئيب بتدفق مئات المرضى، على أمل الحصول على أدوية قد تكون فارقة فى البقاء لحياتهم.. وكل واحد من صفوف المنتظرين مأساة متكاملة..
«منال محمد» واحدة من المترددين على الصيدلية تبكى مؤكدة أنها تأتى كل يوم من محافظة المنوفية، للحصول على علاج لمرض الأورام.. وتقول: أقف أمام صيدلية الإسعاف منذ الصباح الباكر، حيث الكل يصرخ من الألم ومن خوف عدم الحصول على الدواء.
وتضيف: «نقص الأدوية يسبب حالة من الذعر والإحباط بين المرضى، الذين يشعرون بالمرارة تجاه نظام صحى يبدو أنه فقد الاتصال بالواقع الاليم للمرضى.
فى وسط هذا الوضع الكارثى، تبرز صيدلية الإسعاف كرمز للأزمة الصحية التى لا تجد من يلتفت إلى ما تشهده يوميا من توافد مئات المرضى الباحثين عن دواء، ولا يهتم بحالة الإهمال التى يعانى منها المرضى، فمشهد الازدحام ونقص الأدوية المتوالى يوميا منذ شهور خلق مأساة أكبر من مجرد أزمة نقص دواء، وزرع حالة من فقدان الأمل لدى ملايين المرضى الذين يتوافد منهم أعداد كبيرة إلى صيدلية الإسعاف كملاذ أخير للحصول على الأدوية الغائبة عن صيدليات مصر.
المرضى المتراصون فى صفوف متعرجة أمام صيدلية الإسعاف يبحثون عن قائمة من الأدوية فى مقدمتها دواء الأنسولين والعقاقير الخاصة بمرض السكر وأدوية مرضى القلب المزمن وجميع انواع الفوارات الخاصة بالأملاح وحصوات الكلى، وعلاج مرضى الأورام، وعلاج الجلطات، وعلاج مرضى الضغط.
وقال عدد كبير من المرضي: تحملنا زيادة أسعار الأدوية التى تخطت اكثر من 100%، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، فنواقص الأدوية أكبر بكثير من الأدوية الموجودة وفى السوق السوداء تخطى أسعار النواقص أكثر من 400% من أسعارها فى الصيدليات، فى غياب دور المسئولين على توفير العلاج فى جميع أنحاء الجمهورية.
وسط أحد طوابير صيدلية الإسعاف تقف «عبير» التى تعانى من مرض السكرى المزمن وفشلت فى الحصول على زجاجة واحدة من دواء الأنسولين رغم أنها بحثت عنه فى جميع صيدليات محافظة القليوبية، فتوجهت إلى صناديق زكاة المساجد التى تجمع الأدوية للمرضى غير القادرين لكنها لم تجد أى نوع من الأنسولين، ولم يعد أمامها سوى ترك المرض ينهش جسدها أو البحث عن بديل للأنسولين، وبالفعل وجدت عقاقير بديلة، فلما تناولتها اشتد عيها المرض أكثر وأكثر، ما اجبرها على التوجه إلى صيدلية الاسعاف،على أمل أن تفوز بحقنة أنسولين واحدة.
وتقول «عبير»: «قضيت ساعات فى الطابور تحت حرارة الحارقة، وكأننى فى سباق مع الزمن، وكل أمنيتى أن أعود إلى المنزل مع الدواء الذى يمكن أن يحفظ حياتى ويخفف عنى آلامى»..
وتضيف: «الانتظار أمام صيدلية الإسعاف ليس مجرد وقت ضائع، بل هو دهر من القلق والتوتر الذى يعصف بصحتى أكثر من المرض نفسه، وكل ذلك فى غياب تام للمسئولين».
وعلى رصيف صيدلية الاسعاف يجلس «إبراهيم»، والد لطفلين فى مراحل التعليم المختلفة، يروى قصته مع الانتظار للحصول على دواء خاص لعلاج الأورام السرطانية، مؤكداً وجوده «كل يوم أمام صيدلية الاسعاف على أمل أن يجد الدواء، ولكن غالبًا ما يعود بخيبة أمل، ويقول «كثيرا ما أرى فى عيون أطفالى سؤالا عن سبب قلقى، ولا أستطيع أن أشرح لهم أن حياتى تعتمد على بضع حبات من الدواء التى أبحث عنها فى طوابير لا تنتهى ووسط صرخات المرضى التى تزداد يوما تلو الآخر».
أضاف: الآثار النفسية لنقص الأدوية تضيف عبئًا إضافيًا على معاناة آلام المرضى، ويشعر المرضى بالمرارة لعجز النظام الصحى عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، ما يجعل معاناتهم تتجاوز حدود المرض الجسدى إلى آلام نفسية عميقة، فأزمة نقص الأدوية تكشف عن بعد إنسانى مؤلم، للإهمال الصحى، يجسد فيها المرضى صورة حية لمرارة النقص والإهمال، فالأدوية لم تعد مجرد وسيلة لعلاج الأمراض، بل أصبحت رمزًا للأمل المفقود فى نظام يعانى من ضعف شديد فى الاستجابة للاحتياجات الطبية للمواطنين، مع كل لحظة يمر بها المرضى فى الطوابير، يتساقط الأمل مثل أوراق الشجر فى فصل الخريف، تاركا خلفه صرخات إنسانية تدعو إلى التعاطف والتحرك الفورى، من كل مسئولى قطاع الصحة فى مصر.
وتحكى «خلود إسماعيل» مأساتها على رصيف صيدلية الإسعاف، فتقول «طفت على كل الصيدليات فى محافظة الجيزة، بحثا عن علاج تنشيط عضلة القلب لابنتى، فلم أسمع من جميع الصيدليات سوى جملة واحدة وهى «مش موجود ومتلفيش عليه» والكل نصحنى بالذهاب إلى صيدلية الإسعاف لوجود كافة أنواع الأدوية بها، ولكنى فوجئت أنه غير موجود أيضا فى صيدلية الاسعاف، مشيرة إلى أن هذا هو العلاج الوحيد، الذى يحسن من صحة طفلتها ويعزز قدرة عضلة القلب، ويساعد على تحسن حالتها الصحية.
سوق سوداء
فى قلب أزمة نقص الأدوية المتفاقمة، تبرز السوق السوداء للأدوية كمعركة غير معلنة، تتصارع فيها معاناة المرضى مع جشع تجار الأدوية فى ظل النقص المستمر للأدوية الاساسية، ما يجعل المرضى مضطرين للتعامل مع تجارة غير قانونية تتاجر بآلامهم وآمالهم فى الحياة.
أميمة إبراهيم 51 عاماً من سكان الطلبية، تعانى من مرض كلوى مزمن، وتصف رحلتها الصعبة مع السوق السوداء فتقول «كنت أذهب إلى الصيدليات الكبرى، للحصول على دواء خاص بتنشيط الكلى، بعد خضوعى لعدة عمليات جراحية، ولكن الأدوية الأساسية التى أحتاجها لم تكن متوفرة، فاضطررت للبحث فى السوق السوداء بسبب نقص الأدوية، ووجدت الأدوية بأسعار خيالية تتخطى السعر الأساسى 400% ودفعت أضعاف ما كنت أدفعه، ولكن لم يكن لدى خيار آخر سوى الالم أو الشراء من السوق السوداء».
سعيد الملاح رجل ستينى جاء من صعيد مصر إلى صيدلية الإسعاف، بحثا عن دواء لمرض السرطان.. ويقول لم أعد قادرا على شراء الأدوية الشهرية بشكل مستمر، خاصة بعدما اختفى أكثر من 80% منها، فلم أتمكن من العثور عليها فى الصيدليات، وكان علىّ اللجوء إلى تجار أدوية السوق السوداء، للحصول على ما أحتاجه من دواء لتخفيف ألامى حيث استغل التجار الأزمة فرفعوا أسعار جميع الأسعار، ولم يراعوا الظروف المعيشية الخاصة بالمرضى، فشعرت بالإحباط لأننى كنت أدفع مبالغ طائلة مقابل أدوية قد تكون منتهية الصلاحية أو غير فعالة، ولكنى اتعلق بأمل تخفيف آلام السرطان الذى تسرى فى جسدى.
وتابع « اضطررت لبيع بعض ممتلكاتى للقدرة على شراء الأدوية من السوق السوداء والآن لم يعد لدى شىء أبيعه فقطعت مئات الكيلو مترات من الصعيد إلى القاهرة على أمل أن أجد الدواء الذى ابحث عنه فى صيدلية الإسعاف».
أحمد حامد من سكان الجيزة، يعانى من عدة أمراض مزمنة، يروى معاناته فيقول «دفعنا أموالاً طائلة للحصول على شراء الأدوية من السوق السوداء، وفى النهاية لم أكن متأكدا من جودتها، ولأسف كلما تزداد الأزمة سوءاً، يزداد جشع تجار السوق السوداء للادوية الطبية، نحن نعيش فى حالة من الرعب الدائم من عدم حصولنا على العلاج الصحيح، ومع ذلك أذهب إلى السوق السوداء، ولا أعلم إذا كانت الأدوية التى أشتريها فعالة أم لا، والتجار لا يهتمون بصحتى، بل يهتمون فقط بجنى الأرباح، وأشعر بالقلق كلما أخذت دواء، لأننى لا أضمن جودته ورغم ذلك اضطر لدفع مبلغ يفوق قدرتى المالية، فلم يعد أمامى خيار آخر، وهذا الجشع يجعل الحياة أكثر صعوبة على المرضى طالما لم يستجب مسئول واحد لصرخات المرضى الباحثين على دواء يساعدهم على استكمال الحياة».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أزمة نقص الأدوية صيدلية الإسعاف محافظة المنوفية سوق سوداء صیدلیة الاسعاف السوق السوداء نقص الأدویة إلى صیدلیة للحصول على على أمل لم یعد
إقرأ أيضاً:
ما قصة القفاز الأسود في يد مورغان فريمان في حفل الأوسكار؟
الولايات المتحدة – أثار الممثل الأسطوري مورغان فريمان اهتماما واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار 2025، بعد أن ظهر وهو يرتدي قفازا أسود اللون في يده اليسرى.
ورغم أن فريمان، البالغ من العمر 87 عاما، ظل ممسكا بيديه خلف ظهره خلال معظم ظهوره التلفزيوني، أثناء تقديمه تحية مؤثرة لصديقه القديم وزميله في التمثيل، جين هاكمان، الذي توفي في ظروف غامضة الشهر الماضي، لاحظ بعض المتابعين بدقة ارتداءه قفازا أسود على يده اليسرى، ما أثار تساؤلات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي.
وكشف فريمان في السابق عن معاناته من مرض “فيبروميالغيا” أو الألم العضلي الليفي المتفشي (Fibromyalgia)، وهو حالة صحية مزمنة تسبب آلاما شديدة في العضلات والمفاصل، ولا يوجد لها علاج حتى الآن. ويعود سبب إصابته بهذا المرض إلى تلف الأعصاب الذي تعرض له بعد حادث سيارة خطير وقع عام 2008 بالقرب من منزله في تشارلستون، ميسيسيبي. وقد تطلب الأمر إنقاذه من قبل فرق الطوارئ ونقله جوا إلى المستشفى.
وأفادت التقارير أن فريمان، الذي كان يبلغ من العمر 71 عاما وقت الحادث، قضى أربعة أيام في المستشفى بسبب إصابته بكسر في الذراع والمرفق. وفي مقابلة مع مجلة “إسكوير” عام 2012، كشف فريمان أن الحادث تسبب أيضا في شلل يده، ما أدى إلى آلام مبرحة تمتد من يده إلى ذراعه.
ما هو مرض “فيبروميالغيا”؟
ما يزال السبب الدقيق للإصابة بمرض “فيبروميالغيا” غير معروف، لكن يعتقد أنه مرتبط بإشارات دماغية غير طبيعية تغير طريقة نقل الأعصاب لإشارات الألم في الجسم.
وتشمل أعراض المرض زيادة حساسية الألم، وتصلب العضلات، والإرهاق، وصعوبة التركيز، بالإضافة إلى تقلبات المزاج. ولا يوجد علاج نهائي للمرض، لكن الخدمات الصحية توصي بمزيج من التمارين الرياضية، والعلاجات النفسية، والأدوية المستخدمة عادة لعلاج القلق والاكتئاب.
وفي عام 2010، تحدث فريمان عن ارتدائه قفازا ضاغطا للمساعدة في تحسين تدفق الدم في يده. وقال لمجلة “بيبول”: “لقد عانيت من تلف الأعصاب ولم تتحسن حالتي. لا أستطيع تحريك يدي. إذا لم تحرك يدك، ستتورم”.
وقد ظهر فريمان مرتديا القفاز في عدة مناسبات، منها تقديمه لجوائز الأوسكار عام 2023 إلى جانب الممثلة مارغوت روبي، وكذلك في دوره الأخير في مسلسل Special Ops: Lioness من إنتاج Paramount+.
ووفقا للخبراء الصحيين فإن أعراض”الفيبروميالغيا” تبدأ غالبا بعد وقوع حادث كالإصابة الجسدية أو الجراحة أو العدوى أو الإجهاد النفسي الشديد. وفي حالات أخرى، تتزايد الأعراض تدريجيا بمرور الوقت دون أي سبب محفز.
والنساء هن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة مقارنة بالرجال. كما يعاني العديد من المصابين بـ”الفيبروميالغيا” من صداع التوتر، واضطرابات المفصل الصدغي الفكي، ومتلازمة القولون المتهيج، والقلق، والاكتئاب.
ويمكن أن تختلف أعراض “فيبروميالغيا” بمرور الوقت، وقد تتحسن فجأة عندما تنظم الإشارات الدماغية نفسها. ومع ذلك، يمكن أن تتفاقم الحالة بنفس السرعة، ما يجعلها أكثر إعاقة.
وتقول الطبيبة العامة فيليبا كاي: “نعلم أن الفيبروميالغيا حالة متقلبة، ما يعني أن معظم المرضى سيعانون من تقلبات في الأعراض. وفي الواقع، أحد علامات المرض هو أن الأعراض قابلة للتغير، يمكن أن تتحسن أو تتفاقم فجأة. ورغم عدم وجود علاج، فإن الألم قد يختفي لفترات طويلة لدى الكثير من المرضى”.
وتضيف الدكتورة كاي أن هناك العديد من الطرق التي يمكن للمرضى اتباعها لإدارة المرض، بما في ذلك برامج التمارين الرياضية والعلاج السلوكي المعرفي.
ورغم التحديات الصحية التي يواجهها مورغان فريمان، إلا أنه يواصل إبهار الجمهور بأدائه المميز وحضوره القوي.
المصدر: ديلي ميل