نقص الأدوية.. الخطر المحدق بحياة الجرحى والمرضى في غزة
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
تسند أم جاد العلمي «34» عاما ظهرها بيدها وهي تقف قرب النقطة الميدانية التابعة لأحد مخيمات النزوح العشوائية بمدينة خان يونس وسط قطاع غزة..العلمي نازحة من حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، وهي أم لأربعة أطفال تنتظر خامسهم بعد أقل من شهرين. تقول: «نصبتُ خيمتي في منطقة قريبة كي يتسنى لي الوصول السريع للنقطة في حال الطوارئ، لأنني أعاني من مغص كلوي منذ بداية الحرب».
تشتكي بسبب تلوث المياه الذي أدى إلى تدهور حالتها الصحية في ظل الأوضاع الصحية المتردية في مستشفيات المنطقة، قائلةً: «لولا الأطباء هنا لكان حالنا صعبًا للغاية، ورغم نقص الإمدادات الطبية، والعلاجات، إلا أنهم لا يتوانون لحظة في تقديم النصائح والإرشادات، وتوفير العلاج المناسب، لكن المشكلة الكبيرة التي تواجهني هي عدم توفر الأدوية داخل المستشفى، وعندما أذهب لشراء الأدوية من الصيدلية تكون غير متوفرة وإن توفرت يكون سعرها غاليا».
وفي منطقة النصيرات بوسط قطاع غزة، يقول سائد صلاح، الذي حضر للمراجعة جراء إصابته بحساسية الجلد التي أصابته بسبب حرارة الخيمة التي نصبها على أنقاض بيته المدمر قبل شهر: «لم يقصر الأطباء والممرضون هنا لحظة. استقبلني الطبيب، وقدم لي الإرشادات اللازمة، والمراهم المطلوبة، رغم أنها لم تكن متوفرة، كتب لي بديلًا عنها، وأخرى مكملة لها، وطلب مني المراجعة بتاريخ اليوم».
يخبرني صلاح عن تحسن كبير في جلده، بفضل إرشادات الطبيب الذي تابع حالته، ويستدرك: «لكن الشفاء التام سيكون صعبًا طالما أنا مستمر في العيش بخيمة، أُدرك ذلك تمامًا».
أما عن معاناة الحصول على العلاج فقال «قضيت يومين كاملين في البحث عن الأدوية ولكن دون جدوى، فالصيدليات أصبحت شبه خالية من الأدوية بسبب منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية في ظل إغلاق معبر رفح البري، بعد معاناة تمكنت من الحصول على العلاج في إحدى الصيدليات ولكن بأسعار مضاعفة».
أما الحاجة لطيفة حسن التي تعاني من الأمراض المزمنة وتتابع الضغط والسكر في النقطة الطبية التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بمنطقة الصبرة، بمدينة غزة، فقالت: «منذ أيام وأنا أنتظر وصول علاج السكر والضغط، لا أعلم كيف سيكون حالي إذا لم أحصل على العلاج، لم يحدث أن انقطعت عن تناوله منذ أكثر من عشر سنوات، لكنني اليوم ومنذ ثلاثة أشهر وأنا أعاني من صعوبة الحصول عليه بسبب شح توفر الأدوية في قطاع غزة وتحديدًا في غزة وشمالها».
بدوره تحدث الدكتور مجدي أبو رحمة عن المعيقات التي تعرقل تقديم الخدمات الصحية، فأشار إلى «عدم توفر الأمان في مناطق العمل بسبب القصف العشوائي، وفقدان الكثير من الأدوية في السوق المحلي بسبب قصف المصانع والشركات المصنعة للأدوية، وصعوبة إدخالها من الخارج بسبب إغلاق المعابر، بالإضافة لعدم توفر الكهرباء والمياه الصالحة للاستخدام الآدمي».
كما تطرق لصعوبات تتعلق بالتنقل بين مكان الإقامة ومكان العمل للموظفين والمراجعين، كإحدى التحديات المهمة، وذلك بسبب تدمير معظم الشوارع والمرافق العامة، بسبب القصف والاجتياحات البرية والتجريف، مشددًا على أن الطواقم ستستمر في تقديم الخدمة رغم كل تلك المعوقات.
في هذا السياق، وجهت لجنة الطوارئ المركزية نداء عاجلا تطالب فيه بالسماح بدخول مواد النظافة الشخصية للقطاع في ظل الضغوط الدولية الشديدة التي أجبرت الحكومة الإسرائيلية على السماح للقطاع الخاص بإدخال بعض المواد الغذائية إلى قطاع غزة في بيان قالت فيه: «ما زالت الحكومة الإسرائيلية تمارس إجراءات تجعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة من خلال منع دخول سلع أساسية أخرى مثل الأدوية ومواد النظافة الشخصية. في ظل هذه الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها سكان غزة، تطلق لجنة الطوارئ المركزية للغرف التجارية الصناعية الزراعية في قطاع غزة نداءً عاجلا للمجتمع الدولي للتدخل الفوري والسماح بدخول هذه المواد الضرورية لإنقاذ حياة السكان والحفاظ على صحتهم وكرامتهم».
وأكدت اللجنة على استعدادها التام للتعاون مع جميع الجهات المحلية والدولية لتنسيق الجهود وتوفير الدعم اللازم للسكان. كما جددت دعوتها إلى وضع خطة عاجلة لتخفيف الأزمة الإنسانية وتحسين الظروف المعيشية في قطاع غزة، من خلال تسهيل دخول المواد الأساسية من خلال القطاع الخاص وكذلك ضمان استمرارية تدفق المساعدات الإنسانية، لاسيما لمناطق محافظتي غزة وشمال غزة.
إن دخول مواد النظافة الشخصية ليس فقط مسألة إنسانية عاجلة، بل هو ضرورة ملحة للحفاظ على صحة وكرامة سكان قطاع غزة.
إن هذه الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني تتطلب من كافة أطياف العالم التدخل العاجل لوقفها والضغط السريع والفوري لتزويد الدفاع المدني والمشافي العاملة في قطاع غزة بالمعدات الطبية والأدوية الضرورية من أجل إسعاف الجرحى المستهدفين من قبل العدو الإسرائيلي.
د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تكرر سيناريو الضفة..(البلاد) تدق ناقوس الخطر.. غزة تحت سكين الاحتلال.. تقسيمٌ واستيطان
البلاد – رام الله
في مشهد متسارع لا يحمل سوى نُذر الكارثة، تتعرض غزة لعدوان مزدوج، لا يقتصر على قصف وتدمير ممنهج، بل يمتد إلى مخطط واضح لتقسيم جغرافي واستيطان مباشر على الأرض، بينما تغرق المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى في جمود قاتل، في ظل اشتراطات إسرائيلية تُقارب الشروط التعجيزية.
فقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن استمرار جيش الاحتلال في تنفيذ عمليات عسكرية عالية الكثافة داخل قطاع غزة، مستخدمًا معدات هندسية ضخمة لتجريف شوارع وتدمير أحياء بأكملها بطريقة ممنهجة. وفي تطور لافت، أشار موقع “واللا” العبري إلى أن الجيش يستعد لإطلاق مناورة عسكرية كبرى تهدف إلى تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، عبر شريط يفصل شمال القطاع عن جنوبه، ضمن خطة تمتد إلى إنشاء مراكز توزيع مساعدات غذائية تديرها شركات أمريكية مدنية، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية خطيرة تهدف إلى تقويض سلطة حماس وإضعاف بنيتها الشعبية.
الخطة، التي وصفها الموقع بأنها من “أضخم العمليات العسكرية”، ستستلزم وفق المعلومات المنشورة، تجنيدًا واسعًا لقوات الاحتياط وتحريك وحدات نظامية من جبهات أخرى، لتأمين السيطرة على المناطق المستهدفة. حتى اللحظة، تسيطر القوات الإسرائيلية على ما يُقارب 40% من مساحة القطاع، بعدما نفذت نحو 1300 غارة وهجوم، وسيطرت على محاور رئيسية شمالًا وفي رفح جنوبًا، بما يشمل مناطق مكتظة مثل حي الدرج وحي التفاح.
وفي موازاة الاجتياح العسكري، تتقدم على الأرض حركة استيطانية إسرائيلية باتجاه قطاع غزة، لأول مرة منذ انسحاب 2005. فقد كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن نحو 30 عائلة إسرائيلية تعيش حاليًا في مواقع مؤقتة شرق القطاع، فيما سجّلت 800 عائلة أخرى أسماءها للانتقال إلى 6 مستوطنات محتملة داخل غزة، بدفع من حركة “ناحالا” الاستيطانية المتطرفة.
وقد نُظِّم احتفال رمزي بعيد الفصح اليهودي في خيام نُصبت قرب السياج الفاصل شرق غزة، تمامًا كما فعل المستوطنون سابقًا في الخليل عام 1968 وكيدوميم عام 1975، حين استغلوا الطقوس الدينية لبناء أمر واقع استيطاني دائم. اليوم، تقول أربيل زاك، إحدى أبرز قيادات “ناحالا”، إن نحو 80 بؤرة استيطانية أُنشئت في الضفة الغربية منذ بداية الحرب، وإن غزة ستكون “الجبهة التالية”.
في هذا السياق، افادت وسائل إعلام إسرائيلية، أن تل أبيب لن توقف الحرب على غزة قبل تحقيق أربعة شروط أساسية: إطلاق سراح جميع الأسرى، إنهاء حكم حماس، نزع سلاح غزة بالكامل، وإبعاد قادة الحركة إلى الخارج. وهي شروط رفضتها حماس بشدة، مؤكدة أن إطلاق الأسرى مرهون بوقف الحرب أولًا، وبصفقة شاملة تتضمن انسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة.
وسط هذه الوقائع المتسارعة، يبدو أن غزة لم تعد تواجه فقط آلة حرب تقليدية، بل مشروعًا متكاملًا لإعادة رسم خريطتها بالسلاح والمستوطنات والابتزاز السياسي، ما يجعل ما تبقى من القطاع على حافة التفكك الكامل والانهيار الجغرافي والديموغرافي في آن.