عربي21:
2024-09-20@17:25:05 GMT

هل انتصر تصحيح المسار في تونس؟

تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT

عندما أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد أمام مجلس الأمن القومي عن "إجراءات" 25 تموز/ يوليو 2021 باعتبارها تفعيلا للفصل 80 من الدستور التونسي، حرص الخطاب الرسمي وهوامشُه في الموالاة الحزبية والنقابية والمدنية على شرعنة "تصحيح المسار"؛ باعتباره ضرورة "إنقاذية" مؤقتة هدفها "عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال".

وبحكم التأويل "ما فوق الدستوري" للفصل الثمانين من الدستور (حل الحكومة، تجميد عمل مجلس النواب ورفع الحصانة عن أعضائه، الجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، العمل بالمراسيم دون وجود أي سلطات رقابية على سلطة الرئيس.. الخ)، وبحكم غياب المحكمة الدستورية وكذلك بحكم قابلية جل الأجسام الوسيطة للتدجين والاحتواء، استطاع الرئيس التونسي أن يجعل من حالة الاستثناء مرحلة انتقاليةً بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة، كما استطاع إعادة هندسة أغلب الحقول المجتمعية من خلال ضرب كل الأجسام الوسيطة والسيطرة على جميع السلطات، وكذلك بحلّ أغلب الهيئات الدستورية وتحويل أهم المنظمات والهيئات غير الدستورية إلى أجسام وظيفية في خدمة النظام.

لا شك عندنا في أن "تصحيح المسار" لم يكن لينجح دون دعم نشط من الدولة العميقة ومن القوى الإقليمية المشكّلة لمحور التطبيع والثورات المضادة، أي لم يكن لينجح لولا التقاء مصالح عدة أطراف محلية وخارجية في مطلب إنهاء الربيع العربي وإجهاض التجربة الديمقراطية الهشة. فرغم هشاشة الديمقراطية التونسية وعدم وجود أي نية لتصدير "النموذج التونسي"، فإن الثورة التونسية قد مثلت تجربة ملهمة، أي تجربة خطرة على اللوبي العسكري في "الجارة الكبرى"، نجاح الرئيس -إلى حدود هذه اللحظة- في مدّ سلطة المنظومة القديمة (الشوكة) بشرعية جديدة (تصحيح المسار) لا يعكس فقط قوته الذاتية أو قوة داعميه في أجهزة الدولة الصلبة وخارجها، بقدر ما يعكس قابلية مسار الانتقال الديمقراطي برمته للانقلاب، أي قابلية مكوناته للتدجين والتوظيفكما مثّل التصالح بين الإسلاميين (خاصة أصحاب المرجعية الإخوانية) وبين "العلمانيين" تهديدا وجوديا للإسلام الوهابي الرافض لأي مصالحة بين الإسلام والديمقراطية، كما مثّل تهديدا جديا لكل أشكال الحكم "الجبري" بأشكاله؛ العسكرية والقبلية والطائفية.

ولكننا نؤمن أيضا بأنّ نجاح الرئيس -إلى حدود هذه اللحظة- في مدّ سلطة المنظومة القديمة (الشوكة) بشرعية جديدة (تصحيح المسار) لا يعكس فقط قوته الذاتية أو قوة داعميه في أجهزة الدولة الصلبة وخارجها، بقدر ما يعكس قابلية مسار الانتقال الديمقراطي برمته للانقلاب، أي قابلية مكوناته للتدجين والتوظيف في مشاريع سياسية تحقق بالقوة العارية ما عجزت أغلب مكونات "العائلة الديمقراطية" عن تحقيقه بالتحريض على الانقلاب منذ المرحلة التأسيسية.

لقد جاء "تصحيح المسار" لينقل الصراع من دائرة الديمقراطية التمثيلية والنظام البرلماني المعدّل إلى دائرة الديمقراطية المباشرة والنظام الرئاسوي. وقد عكس هذا الانتقال تحوّل كل الأجسام الوسيطة -باعتبارها مركز الديمقراطية التمثيلية- إلى موضوع للاستهداف السلطوي ولاستراتيجيات الهيمنة، واحتكار "الإرادة الشعبية" باعتبارها إرادة واحدة لا انقسام فيها، ولا تضارب في المصالح المادية والرمزية لمكوّناتها الطبقية والفئوية والجهوية. فالديمقراطية المباشرة تكتسب علة وجودها من المصادرة على انتهاء زمن الأحزاب وانتفاء الحاجة إليها وإلى غيرها من الأجسام الوسيطة، كما تكتسب الديمقراطية المباشرة/المجالسية شرعيتها من قدرة "الزعيم-المنقذ" على الحكم دون إشراك تلك الأجسام الوسيطة، وبالاستعاضة عنها بهياكل جديدة لا تعكس اللامركزية وتعدد السلطات (كما هو الشأن في النظام البرلماني المعدّل)؛ بقدر ما تعكس تبعية أصلية لمركز القرار الأوحد في قصر قرطاج وفي النظام الرئاسوي (الوظيفة التنفيذية) بعد أن تمت دستَرة صلاحياته وتحصينها بصورة تجعل من الرئاسة مؤسسةً فوق الرقابة والمساءلة برلمانيا وقضائيا، بل حتى إعلاميا.

إذا كان هناك نجاح لا يمكن التشكيك فيه لتصحيح المسار فإنه نجاح النظام في الاستفادة من المخيال السياسي الجمعي المرتبط بشخصنة السلطة والتوجس من لامركزية القرار. فالسلطة في تونس كانت دائما مشخصنة سواء بعد الاستقلال الصوري عن فرنسا أو في مرحلة الاستعمار المباشر، والمؤسسات والأجسام الوسيطة لم تكن خلال اللحظتين الدستورية والتجمعية من تاريخ تونس إلا ديكورا "ديمقراطيا" في خدمة الزعيم وعائلته وحزبه وجهته، وهو ما جعل المواطنين لا يثقون كثيرا في المؤسسات ويستعيضون عنها بالشبكات الزبونية والعلاقات الشخصية.

زيّن الوعي المؤدلج لأغلب "القوى الديمقراطية" أن ترى في الرئيس -غير المسنود بحزب ولا بتاريخ نضالي ولا بلوبي جهوى صلب- مجرد مشروع انقلابي مؤقت سيحتاج إليها بالضرورة للتخلص من الخطر المشترك عليهم جميعا: الإسلام السياسي أو الديمقراطية التمثيلية التي تجعل من ذلك الإسلام السياسي مركز السلطة. ولم يكن الرئيس يحتاج إلى أكثر من تغذية هذا الوهم ليحافظ على دعم نشط من تلك القوى
وبحكم هيمنة النظام البرلماني المعدل على مرحلة الانتقال الديمقراطي، فإن فتنة "المنقذ" أو العودة إلى السلطة المشخصنة قد وجدت بعض مبرراتها في فشل الأحزاب وباقي الأجسام الوسيطة من جهة الأداء، أي من جهة تحقيق مكاسب تجعل عموم المواطنين يماهون بين الديمقراطية التمثيلية وبين مصالحهم فيتحركون عند الضرورة للدفاع عنها.

لقد نجح "تصحيح المسار" في استثمار المخيال السياسي الشعبي ونجح في توظيف المخيال السياسي لأصحاب السرديات السياسية الكبرى المعادية للإسلام السياسي (خاصة اليسار الوظيفي وورثة التجمع المنحل)، وهو ما جعل الرئيس لا يواجه مقاومة كبيرة من "القوى الديمقراطية" التي ظنت أن الرئيس يشتغل لحسابها، أو على الأقل لن يتحرك ضدها بل ضد النهضة وحلفائها فقط.

باستثمار الصراعات البينية التي عصفت بمكونات الديمقراطية التمثيلية، وبتوظيف الانتظارات الانتهازية لأغلب مكونات العائلة الديمقراطية، نجح تصحيح المسار في الانقلاب على الانتقال الديمقراطي، ولم يجد صعوبة تذكر في وسم عشرية الديمقراطية بـ"العشرية السوداء". وقد ظنّ الكثير من "الديمقراطيين" أن الربط بين "العشرية السوداء" وبين حركة النهضة سيجعلهم شركاء في "تصحيح المسار" أو على الأقل غير مستهدفين من طرفه، وهو ظنّ أثبتت الأحداث أنه من أحاديث النفس وما تهوى.

وبمعنى ما، يمكننا القول إن النجاح الأهم للرئيس -ومن ورائه النواة الصلبة لمنظومة الحكم- كان في القدرة على توظيف الصراعات الهوياتية بين حركة النهضة وأغلب مكوّنات ما يُسمّى بـ"العائلة الديمقراطية"، لجعل الديمقراطيين يرون في "تصحيح المسار" إنقاذا للديمقراطية من مشروع "أخونة الدولة"، لا انقلابا على الديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة كلها. ورغم أننا لا نستبعد أن يكون "الديمقراطيون" على وعي بما يهددهم من مخاطر محتملة في "تصحيح المسار"، فإننا نستبعد أن يكونوا قد توقعوا حجم خسائرهم بعد ضرب حركة النهضة باعتبارها مركز الديمقراطية التمثيلية والنظام البرلماني المعدل.

لقد زيّن الوعي المؤدلج لأغلب "القوى الديمقراطية" أن ترى في الرئيس -غير المسنود بحزب ولا بتاريخ نضالي ولا بلوبي جهوى صلب- مجرد مشروع انقلابي مؤقت سيحتاج إليها بالضرورة للتخلص من الخطر المشترك عليهم جميعا: الإسلام السياسي أو الديمقراطية التمثيلية التي تجعل من ذلك الإسلام السياسي مركز السلطة. ولم يكن الرئيس يحتاج إلى أكثر من تغذية هذا الوهم ليحافظ على دعم نشط من تلك القوى، ولكن الأزمة تبدأ عندما تنتبه تلك القوى "الديمقراطية" إلى أن الرئيس قد اختار -أو فُرض عليه- أن يُشرعن سلطته بعيدا عن أي جسم وسيط وخارج منطق الشراكة مع أي طرف سياسي أو نقابي أو مدني. "تصحيح المسار" قد نجح إلى هذه اللحظة في الدفع بتناقضات الديمقراطية التمثيلية والنظام البرلماني المعدّل إلى نهاياتها المنطقية، كما أن "التصحيح" قد نجح في إظهار هشاشة الانتقال الديمقراطي ومكوناته الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، أظهر "تصحيح المسار" أن الديمقراطية لم تكن يوما مطلبا شعبيا، ولا حتى مطلبا حقيقيا للكثير من أدعيائها ودعاتهافالرئيس قد اختار أن يكون الجسم الوسيط الأوحد بينه وبين الشعب هو منظومة الاستعمار الداخلي وأذرعها في أجهزة الدولة وخارجها، كما أن منظومة الاستعمار الداخلي قد اختارت أن تختزل واجهاتها السياسية في واجهة واحدة هي تصحيح المسار، وهو ما أوجد علاقة "تكافلية" أو علاقة تعامد وظيفي بين الرئيس والدولة العميقة بصورة طاردة لكل شريك أو نظير، وجاذبة لكل الأجسام/الشخصيات القابلة للتدجين والتوظيف.

إن الحديث عن نجاح تصحيح المسار أو عن فشله سيكون حديثا مرسلا ما لم يكن مرتبطا بسياقات أو برهانات معينة سواء في استراتيجيات السلطة أو في استراتيجيات خصومها. فـ"تصحيح المسار" قد نجح إلى هذه اللحظة في الدفع بتناقضات الديمقراطية التمثيلية والنظام البرلماني المعدّل إلى نهاياتها المنطقية، كما أن "التصحيح" قد نجح في إظهار هشاشة الانتقال الديمقراطي ومكوناته الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، أظهر "تصحيح المسار" أن الديمقراطية لم تكن يوما مطلبا شعبيا، ولا حتى مطلبا حقيقيا للكثير من أدعيائها ودعاتها.

ونحن نعتبر أن النجاح الأبرز لتصحيح المسار يتمثل في إظهار فشل الانتقال الديمقراطي في إصلاح كل القطاعات وتحصينها ضد نوازع الفساد والاستبداد. أما فشل تصحيح المسار فيتمثل أساسا في عجزه عن تحويل "الشرعية" إلى "مشروعية" بعيدا عن منطق التملص من المسؤولية ورمي الفشل على "الفاسدين" و"الخونة" و"المتآمرين"، سواء في منظومات الحكم السابقة أو في منظومة الحكم الحالية. كما فشل تصحيح المسار في تصعيد نخبه البديلة إلى مركز القرار وظل رهين نخب الدولة العميقة، وفشل "التصحيح" أيضا في تحقيق منجزات توسع في دائرة مناصريه والمستفيدين من بقائه. وبحكم غياب مقومات السيادة وهيمنة القوى الخارجية على مراكز القرار، فإننا نعتبر أن بقاء "تصحيح المسار" أو انتهاء الحاجة إليه هما فرضيتان لا ترتبطان بعوامل داخلية (الدعم الشعبي، الإنجاز الاقتصادي، وضع المعارضة.. الخ)؛ بقدر ما ترتبطان بعوامل إقليمية ودولية ستكون هي المحدد الأساسي لإبقاء تونس في "حالة الموت السريري"، أو نقلها إلى حالة أخرى لا يمكن التكهن بطبيعتها على وجه اليقين.

x.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسي قيس سعيد الديمقراطية الانقلاب انقلاب تونس الديمقراطية قيس سعيد مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتقال الدیمقراطی الإسلام السیاسی تصحیح المسار فی هذه اللحظة بقدر ما لم یکن

إقرأ أيضاً:

محمد حمدان دقلو: ملتزمون بالسعي إلى حل سلمي من خلال الانتقال إلى الحكم المدني

نرحب بالاهتمام الدولي رفيع المستوى، الذي تجلى مؤخراً في البيانان الصادران من اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي وفخامة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أصدر لأول مرة منذ اندلاع الحرب بياناً بشأن الوضع الكارثي في السودان.

Rapid Support Forces - قوات الدعم السريع النشر
Mohamed Hamdan Daglo
@GeneralDagllo

نرحب بالاهتمام الدولي رفيع المستوى، الذي تجلى مؤخراً في البيانان الصادران من اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي وفخامة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أصدر لأول مرة منذ اندلاع الحرب بياناً بشأن الوضع الكارثي في السودان.

لقد بلغت الأزمةُ السودانية مبلغاً يقتضي تكاتف الجهود الدولية وتنسيقها بسرعة من أجل إيقاف الحرب المدمرة، التي أنتجت أزمة واسعة النطاق لا مثيل لها في تاريخ السودان المعاصر.

إن الحرب لم تكن أبداً خياراً لنا، وكان موقفنا ولا يزال ثابتاً مع السلام والحكم المدني الديمقراطي، الذي تقوده القوى الديمقراطية الحقيقية من كل مناطق السودان، لاسيما المناطق المهمشة والنساء والشباب. الحربُ كانت هي خيارُ وصناعة الذين عطلوا إجراءات التسوية السياسية المتمثلة في الاتفاق الإطاري، والذي كان سيضع بلادنا مجدداً في مسار انتقالي مدنيٍ يجنبها سيناريو الجحيم، الذي أوقعنا فيه دعاة الحرب من فلول ما يسمى بالحركة الإسلامية وعناصرها المتحكمة في القوات المسلحة.

وقد بذلنا، في سبيل استعادة الحكم المدني وإنهاء الحرب جهوداً مشهودة إقليمياً ودولياً، أكدت رغبتنا الحقيقية والصادقة في السلام.

إننا ندرك تمام الإدراك بأن إيقاف دمار هذه الحرب— وهي حلقة من حلقات الحروب التي اندلعت منذ فجر الاستقلال—والمعالجة الحقيقية للمعاناة الإنسانية يتطلبان إيقاف الحرب بالكامل، وذلك بمخاطبة أسبابها الجذرية. ولذلك انخرطنا بجدية كاملة ونية صادقة في مفاوضات جدة، التي رعتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. وشاركنا بجدية في مفاوضات المنامة، التي شاركتْ فيها بجانب مملكة البحرين التي رعتها، كل من الولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية.

ومن أجل السلام خرجتُ من الخرطوم، رغم ظروف العمليات العسكرية، من أجل المشاركة في قمة نظمتها دول الإيقاد في أوغندا ، لكن قائد القوات المسلحة غاب عن تلك القمة. وكذلك خرج قائد ثاني قوات الدعم السريع من السودان للمشاركة في مفاوضات المنامة، التي فشلت بغياب ممثل القوات المسلحة عن المفاوضات بعد التوقيع على وثيقة إعلان مبادئ وأسس الحل الشامل ، وذلك بعد قرار ٍاتخذه قادة المؤتمر الوطني والنظام القديم بعدم الاستمرار في المشاركة في المفاوضات. لقد كان ذلك الغياب هو تأكيدٌ للحقيقة التي ظللنا نرددها دوماً، وهي سيطرة النظام القديم على القوات المسلحة سيطرة كاملة.

بعد أشهر من الجمود في المفاوضات، وجهت الولايات المتحدة دعوة للطرفين للمشاركة في مفاوضات في جنيف تتعلق بوقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية لملايين المحتاجين في السودان وإيجاد الية للمراقبة . شاركتْ قوات الدعم السريع بوفد كان له التفويض الكامل لاتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق الهدف من المفاوضات وتعبيد الطريق لايقاف الحرب. لكن القوات المسلحة رفضت المشاركة في المفوضات بأعذار واهية، بينت أنها لا تعبأ ولا تأبه لمعاناة الشعب السوداني وأنها ليست سوى دُمية بيدِ النظام القديم، الذي لا يهمه سوى السلطة والتسلط على رقاب السودانيين. بذلت قوات الدعم السريع من جانب واحد حزمة من الالتزامات الإنسانية في جنيف تم تقديمها إلى الوساطة وتعمل حالياً على تنفيذها بعدد من الإجراءات والتدابير، منها تكوين قوة لحماية المدنيين شرعت في عملها في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور .

وقبل ذلك شاركت قوات الدعم السريع، بينما غابت القوات المسلحة، في مفاوضات إنسانية بدعوة من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في جنيف وقدمت كذلك التزامات تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية.

إننا نجدد ترحيبنا بالاهتمام الدولي عالي المستوى، ونتقدم بالشكر الجزيل إلى الاتحاد الأفريقي وفخامة الرئيس الأمريكي على بيانيهما . ونود أن نوضح، بهذه المناسبة، الآتي:

1. نجدد التزامنا بحماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات الإنسانية، كما فعلنا في جنيف جدة. وسنضاعف جهودنا للانخراط في السلام، كما دعا الرئيس بايدن، ونؤكد على تعاوننا من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين من أهلنا في كل مناطق السودان دون تأخير.

2. نُقر بأن الصراع المستمر قد أعاق توصيل المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، ونحن ملتزمون تماماً بالعمل مع الشركاء الدوليين، كما فعلنا في سويسرا خلال اجتماعات مجموعة ALPS، لفتح طرق جديدة لتسليم المساعدات. ونظل منفتحين على توسيع نطاق الوصول وضمان انسياب المساعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين.

3. إن حماية ورفاهية الشعب السوداني تظل في قمة أولوياتنا، وندرك الحاجة الملحة لمعالجة الأزمة الإنسانية في الفاشر، على وجه الخصوص، وكل مدن السودان، على وجه العموم. وبخصوص الفاشر، قدمنا من قبل مقترحاً بانسحاب القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من مدينة الفاشر وقيام الحركات المسلحة المحايدة بحفظ الأمن وحماية المدنيين وتأمين المساعدات الإنسانية في المدينة، لكن مقترحنا تم رفضه من قيادة القوات المسلحة. إن الحرب في الفاشر هي جزءٌ من استراتيجية القوات المسلحة المتمثلة في نقل الحرب إلى دارفور وحصرها فيها، ولذلك دفعت ببعض قادة الحركات المسلحة الدارفورية، التي تقيم في بورتسودان، دفعاً للخروج من الحياد والمشاركة في الحرب مقابل ثمنٍ بخسٍ قبضوه لأنفسهم. لقد بذلت قوات الدعم السريع جهداً كبيراً لتفادي الحرب في كل السودان وخاصة إقليم دارفور، ولولا قرار الذين خانوا قضايا الإقليم خيانة كبرى وتحالفوا مع الجيش المستبد لما اندلعت الحرب في الفاشر.

4. إننا ندين بشكل قاطع القصف العشوائي الجوي الذي تنفذه القوات المسلحة السودانية، والذي يستهدف ويدمر حياة المدنيين والمنازل والبنية التحتية الحيوية. هذه الأفعال تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، وقد تسببت في معاناة لا توصف للشعب السوداني البريء. إننا ندعو المجتمع الدولي والهيئات المعنية إلى التحقيق في استمرار قصف القوات المسلحة للمناطق المدنية. إن المساءلة أمر بالغ الأهمية لضمان تقديم المسؤولين عن هذه الفظائع إلى العدالة، ونحن على استعداد للتعاون في أي تحقيقات من هذا القبيل.

5. نجدد التزامنا بمفاوضات وقف إطلاق النار. إذ إننا نؤمن بأن طريق السلام يكمن في الحوار، وليس في العنف العشوائي، وسنواصل الانخراط في عمليات السلام لضمان مستقبل خالٍ من الخوف والمعاناة لجميع المدنيين السودانيين.

6. نحن ملتزمون بالسعي إلى حل سلمي من خلال الانتقال إلى الحكم المدني. وسنمضي مع جميع الأطراف للعمل نحو سودانٍ موحدٍ وديمقراطي، وضمان مستقبل يعمه السلام والعدالة لجميع أبناء الشعب السوداني. ونتفق في هذا الصدد مع موقف الاتحاد الأفريقي بضرورة أن تكون العملية السياسية شاملة، لكننا نجدد موقفنا الثابت بأن المؤتمر الوطني ومنظوماته السياسية والمدنية المختلفة لا ينبغي أن تكون جزءاً من تلك العملية، وأن أي عملية سياسية يجب أن تؤدي إلى تكوين حكومة مدنية، يكون من أولى أولوياتها تفكيك النظام القديم وتأسيسِ نظامٍ جديدٍ في السودان.

7. إن العقبة الكؤود أمام إيقاف هذه الحرب،و إنهاء المعاناة الإنسانية هي، كما أشرنا أعلاه، القوات المسلحة المسيطر عليها كلياً من النظام القديم، ولذلك فإن المجتمع الدولي، لا سيما الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والأمم المتحدة، بحاجة إلى ممارسة ضغط موحد ومنسق ضد القوات المسلحة وقيادتها، التي تتصرف بالتنسيق مع دول ذات نوايا خبيثة لم تكن تريد للسودان وشعبه يوماً خيراً.

وختاماً، نرحب بلا تردد بجميع المبادرات الإقليمية، التي تهدف إلى تحقيق السلام الشامل واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي في السودان. وسوف نذهب إلى أي مكان في العالم بحثاً عن السلام، لأننا لسنا دعاة حرب، ولم نشعل الحرب الحالية، وليست لنا ولا لشعب السودان أي مصلحة في استمرارها. ولذلك سوف تظل أياديها ممدودة دوماً للسلام.

إننا على الرغم من سيطرتنا على أقليم دارفور، وولاية الجزيرة، وأجزاء واسعة من كردفان وولاية سنار ، والجزء الأكبر من ولاية الخرطوم، نؤكد مجدداً استعدادنا التام لوقف إطلاق النار في كافة أرجاء السودان للسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتوفير ممرات آمنة للمدنيين ولعمال الإغاثة، وبدء محادثات سياسية جادة وشاملة تؤدي إلى حل سياسي شامل وإقامة حكومة مدنية، تقود البلاد نحو التحول الديمقراطي والسلام الحقيقي الدائم.

الفريق أول محمد حمدان دقلو
قائد قوات الدعم السريع
تاريخ آخر تعديل
١:٤٩ ص · ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤  

مقالات مشابهة

  • ما هي أضرار عملية تحويل مسار المعدة على المدى البعيد؟ دكتور أسامة خليل
  • وزير الدفاع الإسرائيلي يتحدث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب مع “حزب الله”
  • المقاومة العراقية تعلن الانتقال لمرحلة قتالية جديدة لمواجهة العدو الإسرائيلي
  • رئيس البورصة: 7 شركات صغيرة ومتوسطة تنجح في الانتقال إلى السوق الرئيسية
  • محمد حمدان دقلو: ملتزمون بالسعي إلى حل سلمي من خلال الانتقال إلى الحكم المدني
  • بشرى تطالب «المهن التمثيلية» بالتحقيق في مشاركتها بعمل فني دون علمها
  • وكيل أوقاف الإسكندرية: الوزارة تعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة
  • عجمان يطارد خطوات تصحيح المسار
  • الذهب ينخفض في مصر مع ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي حول الفائدة: هل يتغير المسار الاقتصادي؟