الاستقلال والتحرر من الوصاية وبناء جيش قوي منجزات بارزة لثورة 21 سبتمبر
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
ظل اليمن لفترات طويلة مجرد تابع أو حديقة خلفية لبعض القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها أمريكا والسعودية التي ظلت تشتري ولاءات الأنظمة المتعاقبة عبر ما يسمى باللجنة الخاصة وتمنح المرتبات والميزانيات للمشايخ والنافذين وتمكنهم من خيرات اليمن مقابل إضعاف الدولة ومؤسساتها وتحويلها إلى كيان تابع ومسلوب القرار السياسي والاقتصادي.
تجلت الهيمنة السعودية الأمريكية على اليمن بتدخلها المباشر في السياسات العامة للدولة والمناهج التعليمية والخطاب الإعلامي الرسمي والإرشادي حتى على مستوى المساجد التي كانت تسعى لتدجين الشعب اليمني وتكريس حالة الرضى والولاء لأمريكا وغيرها من أعداء الأمة وصولاً إلى التدخل في الجيش وتفكيكه واختراق الأجهزة الأمنية وزراعة العناصر الاستخباراتية والإرهابية في الكثير من المؤسسات الحكومية.
وفيما شهدت غالبية دول المنطقة والعالم نهضة اقتصادية وحضارية ظل اليمن يراوح مكانه نتيجة انشغال القوى المحلية العميلة بمصالحها الخاصة وتنفيذ أجندات الخارج الرامية لإبقاء البلد كما هو عليه من الفوضى والتبعية السياسية والاقتصادية للخارج، ما أدى إلى اندلاع المظاهرات الشعبية في العام 2011م. وبانضمام قوى الفساد والعمالة إلى ساحات الاعتصام والمظاهرات في العام 2011م فشلت ما سميت ثورة الشباب في فبراير من العام نفسه في تلبية طموحات الشعب اليمني الرامية إلى الخلاص من الوصاية والهيمنة الخارجية والنهوض باليمن وتحسين واقعه المعيشي المرير الناتج عن سوء الإدارة وفساد الأنظمة الحاكمة وارتهانها للخارج.
سارعت السعودية كعادتها إلى التدخل لحماية عملائها وإفشال الثورة من خلال طرح ما أسمتها "المبادرة الخليجية" لتوفير الحماية للقيادات العميلة لتضمن بقاءهم في المشهد السياسي، وغير ذلك من البنود الخطيرة التي تضمنتها المبادرة وكذا محاولة تقسيم اليمن إلى كيانات ضعيفة تحت مسمى الأقلمة، ليتسنى لأمريكا وحلفائها الاستمرار في تنفيذ مخططاتها وأطماعها في اليمن.
استمرت ما سميت آنذاك "حكومة الوفاق" أو بالأصح "المحاصصة" التي أفضت عنها المبادرة الخليجية نحو ثلاث سنوات تغلغل خلالها الفساد في مؤسسات الدولة والتهم كل مقدرات البلد وجعلها عاجزة عن القيام بوظائفها، حيث شهد اليمن خلال تلك السنوات الكثير من الأزمات الاقتصادية التي طاولت كل مجالات الحياة وأدت إلى ارتفاع الأسعار وتراجع المستوى المعيشي لغالبية المواطنين.
وخلال تلك الفترة كان السفير الأمريكي في صنعاء هو الحاكم الفعلي للبلد والمتحكم بكل مجريات الأمور بينما ظل قيادات الأحزاب يتلقون التوجيهات من السفارة الأمريكية ليمارسوا أدوارا مشبوهة تمس سيادة اليمن وتخدم المصالح الأمريكية، وهو ما أكدته أيضا اعترافات الخلية التجسسية الأمريكية الإسرائيلية التي ضبطتها الأجهزة الأمنية مؤخرا.
تحول قيادات الدولة والأحزاب آنذاك إلى مخبرين وعملاء للسفيرين الأمريكي والسعودي في صنعاء اللذين ظلا يتحكمان في المشهد ويقودان البلد نحو الهاوية، ليكون فريسة سهلة يتسنى لهم السيطرة التامة عليه وتقاسمه.
آنذاك عاشت العاصمة صنعاء وكل المحافظات اليمنية أسابيع دامية شهدت خلالها الكثير من التفجيرات الإرهابية التي استهدفت المساجد والمعسكرات والأماكن العامة، إلى جانب تزايد جرائم الاغتيالات للشخصيات السياسية والأكاديمية والنخب وضباط وجنود الأمن والجيش، وصولا إلى اقتحام مقر وزارة الدفاع (العرضي) وغير ذلك من الجرائم التي ارتكبتها العناصر الإرهابية في تلك الفترة.
كما شهد اليمن خلال تلك المرحلة إسقاط العديد من الطائرات المدنية والعسكرية وتدمير الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ الدفاعية، وتعطيل منظومات الدفاع الجوي والسماح للطائرات الأمريكية بانتهاك الأجواء اليمنية، واستهداف الكثير من المناطق تحت مسمى محاربة الإرهاب الذي هو جزء لا يتجزأ من المؤامرة الأمريكية على اليمن.
انتهجت ما سميت "حكومة الوفاق" التي تشكلت في الأساس على مبدأ تقاسم المناصب بين شركاء الفساد ابتداء بالوظائف العليا وحتى المستويات الدنيا، سياسة الجرع السعرية المفروضة من البنك الدولي بنسب مرتفعة وجائرة، انعكست سلبا على الفئات الفقيرة ومتوسطة الدخل، خصوصا أنها تزامنت مع ظهور المزيد من الأزمات المعيشية والاقتصادية والخدماتية المفتعلة مثل استهداف الكهرباء وإخفاء المشتقات النفطية في سياق سياسة عقابية كان الهدف منها كسر إرادة الشعب اليمني الرافض للفساد والذي ظل يعبر عن طموحاته من خلال المسيرات السلمية وصولا إلى العام 2014م.
وفي منتصف شهر أغسطس 2014م ثار الشعب بشكل واسع في مختلف المحافظات تحت قيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الذي استطاع بحكمة واقتدار أن يقود ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر خطوة خطوة من أجل تحقيق أهدافها السامية المتمثلة في إسقاط الوصاية وقوى الفساد والعمالة، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها قبل أن يقوم الفار هادي بتعديلها تلبية لرغبة أمريكا رغم اعتراض أنصار الله عليها وخصوصا ما يتعلق بتجزئة اليمن إلى ستة أقاليم. وبنجاح ثورة الـ 21 من سبتمبر تحقق لليمن وشعبه الكثير من المنجزات التي كان من أبرزها إسقاط مشروع تقسيم البلد إلى ستة أقاليم متناحرة، وتفويت الفرصة على أمريكا وحلفائها لاستغلال أحداث 2011م، لدعم الفساد والنهب وتغذية الكراهية والصراعات المذهبية ليتسنى لها السيطرة على أجزاء كبيرة من اليمن ونهب ثرواته، كما يحدث الآن في المحافظات المحتلة.
حملت هذه الثورة الفتية على عاتقها تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي عجزت عن تحقيقها كل الثورات التي سبقتها، والتي من أهمها استعادة القرار السياسي المسلوب، والانحياز المطلق إلى الشعب، إلى جانب بناء جيش وطني قوي وفق أسس صحيحة لحماية البلد ومقدراته، ونصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وبالفعل نجحت الثورة في اقتلاع كل قوى الفساد وإنهاء النفوذ والتواجد الأمريكي والشروع في تحقيق الأهداف والمبادئ التي انطلقت منها الثورة، على الرغم من المخاطر والتحديات الكبيرة التي واجهتها بعد أشهر قليلة من قيامها، والتي كان على رأسها إعلان العدوان العسكري الأمريكي السعودي على اليمن منذ لحظة سقوط حكومة الفساد المرتبطة بالخارج، بهدف إجهاض هذه الثورة والقضاء عليها في مهدها.
واصلت قيادة الثورة ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي ترجمة الأهداف والمبادئ التي انطلقت منها ثورة 21 سبتمبر إلى استراتيجيات وخطط عمل واقعية، وتبنت الكثير من الأهداف المهمة من أجل التأسيس لمرحلة جديدة من البناء والتنمية والنهوض بالبلد وفق خطط استراتيجية تواكب متطلبات التنمية وتحقق طموحات الشعب اليمني في قيام دولة قوية حرة ومستقلة.
تميزت ثورة 21 سبتمبر بنهجها السلمي والتسامح حتى مع من وقفوا ضدها وركزت على الحفاظ على مؤسسات الدولة وهو ما أكسبها تأييدا جماهيريا كبيرا كونها أول ثورة عربية حقيقية انطلقت بإرادة وطنية من أجل تصحيح مسار ثورتي سبتمبر وأكتوبر وما تلاها من أحداث حولها الخارج إلى ورقة لإعادة تشكيل البلد بنفس أذرعه الفاسدة ووفق رؤيته وأجنداته المشبوهة.
وحرصا من قيادة الثورة على تكريس الشراكة السياسية مع كل القوى الوطنية على الساحة نصت وثيقة السلم والشراكة عقب ثورة 21 سبتمبر على تشكيل حكومة كفاءات وشراكة وطنية، ومحاربة الفساد واستعادة موارد البلاد من أيدي العابثين والناهبين.
وعلى الرغم من توقيع كل القوى والأحزاب السياسية على وثيقة السلم والشراكة، وما حظيت به الوثيقة من تأييد أممي ودولي، إلا أن الدول الطامعة والمتسلطة على اليمن اعتبرت هذه الثورة التي أوصلت القوى الوطنية الحرة إلى السلطة، خطرا داهما على مصالحها فعملت على اختلاق ذرائع غير واقعية، لتعلن على إثرها العدوان العسكري على اليمن في مارس 2015م.
وبغض النظر عن العدوان والحصار والحرب الاقتصادية التي شنتها ولاتزال تشنها أمريكا وحلفاؤها على اليمن، إلا أن مسار التحول المرسوم ضمن أهداف ثورة 21 سبتمبر ظل مستمرا على كافة المستويات، بالتزامن مع مواجهة العدوان وتعزيز عوامل الصمود وتطوير قدرات اليمن العسكرية، وصولا إلى امتلاك أسلحة الردع الاستراتيجية التي مكنت اليمن من الرد على دول العدوان باستهداف عمقها ومنشآتها الاستراتيجية، ومضاعفة خسائرها الاقتصادية، والذي اضطرها لمراجعة حساباتها وإدراك حجم الورطة التي وصلت إليها نتيجة عدوانها غير المبرر على اليمن.
وتماشيا من التطور الملحوظ في الإنتاج والتصنيع الحربي وبناء القوات المسلحة وفق أسس صحيحة تقوم على الولاء لله والوطن، وحمل الروحية الجهادية، أُطلقت الكثير من الرؤى والاستراتيجيات والبرامج الوطنية التنفيذية للإنعاش والتعافي الاقتصادي والتي كان في طليعتها تشجيع الإنتاج المحلي في القطاعات الزراعية والصناعية والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي كترجمة واقعية لموجهات قيادة الثورة الهادفة إلى نقل اليمن إلى واقع جديد يلبي تطلعات وآمال كل أبناء الشعب اليمني.
ركزت الخطط على تحقيق حزمة من الأهداف والاستحقاقات الوطنية المهمة والضرورية للمرحلة وعلى رأسها تعزيز الصمود والتماسك الاقتصادي والاجتماعي كضرورة لمواجهة الآثار والتداعيات الخطيرة للعدوان والحصار خصوصا بعد أن تعمد العدوان تدمير مقدرات اليمن وبنيته التحتية متسببا بأزمات اقتصادية وإنسانية بالغة الخطورة.
كل ذلك ساهم في تحقيق استقرار اقتصادي وتصحيح الكثير من الاختلالات الهيكلية التي سادت العمل الحكومي طيلة عقود من الزمن، وجعلت من اليمن بلدا مستهلكا ومعتمدا على الاستيراد لتغطية كل احتياجاته.
وعليه.. شهد اليمن منذ العام 2014م الكثير من الإصلاحات التشريعية الخاصة بأداء المؤسسات بما يمكنها من مواكبة التطورات الحاصلة في مجال عملها، من خلال مراجعة كافة القوانين واقتراح التعديلات اللازمة للقيام بالمهام المطلوبة منها في خدمة المواطنين والتنمية المستدامة في البلاد.
وبإشراف ومتابعة مستمرة من قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي الأعلى، دخلت مؤسسات الدولة في معتركات كثيرة لتلبية احتياجات المواطنين تشمل مجالات متعددة منها إصلاح المنظومة القضائية والسلطة المحلية ومكافحة الفساد، وغيرها من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية المرتبطة بأداء المؤسسات والتي قوبلت بارتياح كبير من المواطنين.
وبالتزامن مع ذلك تبنت الدولة والحكومة سياسات مالية واقتصادية فاعلة أسهمت بشكل مباشر في الحفاظ على سعر صرف العملة في المحافظات التي يديرها المجلس السياسي الأعلى، بينما واصل الريال الانهيار في المحافظات الجنوبية المحتلة متسببا في تراجع الوضع الاقتصادي واتساع دائرة المعاناة المعيشية والإنسانية للمواطنين في تلك المحافظات.
وانطلاقا من أهداف ثورة 21 سبتمبر حققت السياسات الاقتصادية والمالية الكثير من الإصلاحات الاقتصادية على الرغم من افتقارها للمصادر الإيرادية الأساسية المتمثلة بعائدات النفط والغاز والموانئ والمنافذ والثروة السمكية وغيرها التي ظلت حتى اليوم بيد العدوان ومرتزقته.
وبفضل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وصل اليمن إلى ما هو عليه اليوم من عزة ومكانة عظيمة، خصوصا بعد موقفه البطولي والمشرف بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق ومقاومته الباسلة ضمن معركة طوفان الأقصى، والتي كشف اليمن خلالها عن أسلحة جديدة أكثر تطورا وأبعد مدى، مكنته من استهداف عمق العدو الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: ثورة 21 سبتمبر الشعب الیمنی الکثیر من الیمن إلى على الیمن التی کان من خلال
إقرأ أيضاً:
ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة في المشهد المصري؟
في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نجحت المعارضة السورية في الإطاحة بحكم بشار الأسد الذي فر إلى روسيا، وتولى رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الإدارة الجديدة، التي لاقت اعترافا دوليا وتلقت اتصالات واستقبلت وفودا من أغلب دول العالم، وبينها السعودية والإمارات ومصر على مضض.
كما أنه بعد نحو 470 يوما من حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد نجحت المقاومة الفلسطينية في فرض هدنة بوساطة دولية على الكيان المحتل، تبدأ الأحد، في تطور اعتبره مراقبون خضوعا من "تل أبيب" وانتصارا للمقاومة، وهزيمة لمحور التطبيع العربي.
وهو ما عبر عنه الكاتب الصحفي وائل قنديل في مقال له، بعنوان "انتصار غزّة... هزيمة العرب"، مؤكدا أن انتصارها حال "دون سقوط ضحايا جدد في بئر التطبيع"، وأعاد "إعمار الروح العربية".
سياسيون ومعارضون ونشطاء مصريون تحدثوا لـ"عربي21" عن ما يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري، واحتمالات أن يغار النشطاء والمعارضون المصريون مما حققته معارضة سوريا، وما تلا نجاحها من خضوع الإمارات والسعودية ومصر للأمر الواقع.
وأشاروا إلى تأثير الظروف الإقليمية والدولية على الحالة المصرية ومدى قبول العالم لمصر ولرئيس نظامها عبدالفتاح السيسي بما قبله لبشار الأسد وسوريا، مشيرين إلى معوقات تكرار المعارضة المصرية انتصارات سوريا وغزة.
ورصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السنوي، انتهاكات النظام المصري في حقوق الإنسان، مؤكدة أن حكومة السيسي دخلت عقدها الثاني في السلطة وسط مواصلة سياسة القمع الشامل، باعتقال ومعاقبة المنتقدين والنشطاء السلميين بشكل ممنهج، وتجريم المعارضة السلمية.
"أضعف من الأسد والكيان"
وفي تقديره لما يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري، قال السياسي المصري أحمد عبد العزيز، إن "انتصار الثورة السورية، بإزاحة جزار الشام الطائفي بشار الأسد، وانتصار المقاومة الفلسطينية على عدد من القوى العظمى بالعالم، وإرغام العدو الصهيوني على الخروج من غزة بشروط المقاومة، حدثان عظيمان فارقان".
المستشار الإعلامي للرئيس الراحل محمد مرسي، أضاف لـ"عربي21" أن ما حصل في سوريا وغزة "جاء بعد إحباطات وانكسارات متتالية دامت لأكثر من عقد؛ إذ رفعَ الحدثان كثيرا من معنويات المصريين، وأحيَيَا بنفوسهم الأمل بإمكانية الخلاص من سلطة الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور مرسي، فلا نظام السيسي أقوى من الأسد الذي أخضع السوريين 60 عاما، ولا أقوى من الكيان الصهيوني وداعميه مجتمعين".
وتابع: "قطعا يغار المصريون من أشقائهم السوريين، وأرجو أن يستفيد مناهضو الانقلاب في مصر من تجربة الثورة في سوريا، مع الإدراك الكامل لاختلاف البيئتين، السورية والمصرية، في كثير من الأمور الجوهرية؛ من حيث الجغرافيا، والطبوغرافيا، والتركيبة الاجتماعية، وإمكانية العمل المسلح من عدمه... إلخ".
وفي تقديره لما يمنع المعارضة المصرية من تكرار انتصارات سوريا وغزة، قال: "إذا بقي مناهضو الانقلاب في مصر يصرون على وصف أنفسهم بـ(المعارضة) فلا يمكنهم أن يحذوا حذو الأشقاء السوريين والغزيين".
وأوضح أن "المعارض لا يجوز له الخروج على النظام الذي يعارضه؛ لأن المعارضة هي الوجه الآخر للنظام الذي يتطلع للوصول إلى السلطة عبر الوسائل الدستورية".
وواصل: "أما (الثائر) فهو لا يعترف بالنظام القائم، وإنما يسعى، بكل الوسائل الممكنة لإسقاطه؛ لأن هذا النظام (في نظر الثائر) أخل ببنود العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين السلطة والمجتمع، ومن ثم فهو نظام خارج على الدستور والقانون، أي فاقد للشرعية".
وفي نهاية حديثه، يعتقد أن "واجب الوقت على المعارضة المصرية الآن، أن تتخلى عن وصف (المعارضة)، وتنتهج مسار الثورة".
"عواصف تغيير وجب استغلالها"
وفي قراءته، قال الباحث السياسي يحيى سعد: "بلا شك سيكون لما حدث بغزة وسوريا انعاكسات وارتدادات على المنطقة كلها"، مضيفا لـ"عربي21" أن "سنة التدافع سنة كونية فضلا عن كونها سنة إلهية حتى لا تفسد الأرض".
وأضاف: "كما أن الأحداث الكبرى في التاريخ تؤثر بوجدان الشعوب وتغير من قناعاتها وميولها وثقافتها"، مؤكدا أن "الثورات فعل اجتماعي يرتبط طرديا بدوافع اجتماعية واقتصادية وسياسية، كما أن الشعوب تراقب التجارب المجاورة وتتعلم منها".
ولفت إلى أن "ما حدث في 2011 يصدق على تلك النظرية؛ حيث انتقلت شرارة التغيير التي انطلقت في تونس إلى أقطار أخرى كمصر وليبيا واليمن وسوريا".
وأكد أن "الروح واحدة، والغاية واحدة، وهي التخلص من الاستبداد والتبعية، والتطلع نحو الحرية والكرامة والعدالة وامتلاك الإرادة؛ غير أن الوسائل والآليات تحكمها اعتبارات كثيرة ومعقدة".
ويرى أن "كل ما تشابهت ظروفه وتوفرت معطياته يمكن أن يُستنسخ، والعكس صحيح؛ فربما نجحت تجربة في قطر من الأقطار لتوافر معطياتها ولكن لم تنجح في قطر آخر لانعدام تلك الظروف والمعطيات".
وختم بالقول: "نحن أمام موجة جديدة من رياح وعواصف التغيير، ومن لم يستثمرها ويحسن إدارتها من الطامحين إلى التغيير فلا يلومن إلا نفسه وعجزه".
"طرق التغيير ثلاثة"
وأكد السياسي المصري والقيادي في حزب "الأصالة" حاتم أبوزيد، أن "جديد مشهد الذكرى هذه المرة أنه يأتي مصحوبا بحالة تفاؤل عارمة بعد نجاح الثورة السورية في الإطاحة بالنظام الحاكم، وتعززت بنجاح غزة في معركة الصمود والتصدي للعدوان الصهيوني".
وأضاف لـ"عربي21": "إضافة لحالة بؤس يحياها الشعب نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية وسوء الإدارة، أو بالأحرى أن الإدارة لا تراهم من الأصل"، ملمحا إلى أن "واقع حال المعارضين والحالمين بالتغيير يشير إلى أنه لا جديد لديهم سوى المراهنة على لحظة انفجار الغضب المكتوم والظلم المتراكم".
وقال: "كثيرون يتحدثون عن التغيير والثورة، ولكن لا أحد يجيب بوضوح عن السؤال: كيف يتم ذلك؟"، مؤكدا أن "التغيير سواء كان للأسوأ أو الأفضل له 3 طرق، الأولى: بالنظم المستقرة المتوافقة مع مواطنيها وشعوبها؛ ويجري عبر الانتخابات، وهذا طريق مغلق في مصر لما يزيد على الـ75 عاما".
وبين أن "الانقلاب الأخير وتصرفاته تؤكد على استمرار ذات النهج"، موضحا أن "الذهاب إلى خيار الانتخابات أو إجبار النظام على الخوض فيه بطريقة عادلة؛ فبقدر ما يحتاج لجهد وبناء داخلي فهو بحاجة أكبر لرضا دولي وإقليمي، ومن ثم ففي الغالب هذا التغيير لن يكون المأمول".
ويرى أبو زيد، أن "الطريق الثاني: طريق الثورة الشعبية الجماهيرية العارمة، وهو يحتاج لقيادات وزعامات ذات فكرة أيديولوجية متصالحة مع أغلبية الجمهور وقادرة على التواصل معهم وبناء حالة من الوعي، تدفعهم للنضال والتضحية".
ولفت إلى أن "الحالة السورية ظلت أعواما تناضل وتقاوم، والفعل الفلسطيني الذي صبر على الأدواء أكثر من 15 شهرا لم يكن وليد لحظة بل سبقه عمل وصبر وتضحيات، فالنجاحات ليس مردها للتفاؤل أو البذل في ساعة من نهار، بل نتاج جهد وعمل ومتواصل".
وأشار إلى ضرورة "النظر في التجارب والاستفادة منها، لأن العمل الثوري يحتاج لجهد ووقت وتخطيط حتى يؤتي ثماره، ويحتاج إلى جماهير مؤمنة بما تعمل ولديها وعي حتى تثبت في الانكسارات، وتصبر على الشدائد".
وعن الطريق الثالث، قال السياسي المصري إنه "التغيير عبر التسلل لمؤسسات القوة واستخدامها في انتزاع السلطة بالقوة، وفي النهاية بصورة أو أخرى ستضطر القوى الإقليمية والدولية للرضوخ بقدر ما أمام الحالة الجديدة".
وأكد أن "السلطة إما أن تُنتزع بقوة الجماهير أو بسطوة السلاح كما فعل النظام القائم حاليا، وهناك طريق رابع لكنه ليس بمحل للطرح لأنه خارج عن الإرادة الداخلية للشعوب أو الحكام على السواء"، و"لعل طوفان الأقصى الذي هبط عام 2023، وما آل إليه يصبح بداية وخارطة طريق نحو الحرية والتخلص من الاستبداد والهيمنة الخارجية".
وختم مبينا أن "الأمر يحتاج إلى عمل جاد وضروري لأننا أمام حالة تشكيل صورة جديدة للمنطقة (شرق أوسط جديد)؛ فإما أن نكون أحد أطرافها الفاعلين، أو نظل في وضع الخاضع المشاهد لما يجري من حوله".
"معنى الثورة ومعنى التغيير"
وقال السياسي المصري وعضو حزب "الوسط" المصري المعارض وليد مصطفى: "هناك 14 عاما من ثورة يناير ولنعترف بأن الثورة محاولة لإحداث التغيير وليست التغيير، وبثورة يناير نجح الشعب والقوى السياسية في الضغط على النظام وفرض مسار الديمقراطية حتى 11 شباط/ فبراير 2011؛ لكن بعدها الشعب والقوى السياسية لم يكونا على نفس القدرة لإحداث التغيير، ولم يكن لديهم الخبرة، ولا القدرة على مواجهة تغلغل النظام بأركان الدولة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "القوى السياسية بمختلف أطرافها التي وصلت للسلطة أو التي رفضت وصول غيرها للسلطة، كلاهما كان لديه مشكلة، فالأول عندما وصل كان لديه طمع بالسلطة وحلم بأنه القادر على ذلك ولما اكتشف أنه غير قادر فشل التغيير، والطرف الثاني مشكلته وحتى الآن أن غيرهم لا يصل للسلطة، دون أن يفكروا في تجهيز أنفسهم ويحصدوا نقاط قوة، والنتيجة أن المحاولة الثورية نجحت ولكن الثورة فشلت".
ولفت إلى أنه "بعد 13 عاما جاء أمل (طوفان الأقصى) عندما أذهل الشعب الفلسطيني العالم وكشف حقيقة العالم، وبين أن الشعب صاحب الحق عندما ينظم نفسه جيدا يقدر، لولا اعتقاد المقاومة الخاطئ بأن الأنظمة العربية الحالية رغم أنها امتداد لدكتاتوريين ستقف معهم وفوجئوا بأنها وقفت مع العدو وبذلت كل جهد كي لا تنجح".
وأوضح أحد نشطاء ثورة يناير، أنه "بعد الربيع العربي اختلفت الأرض والأنظمة العربية ترى محاولة أي شعب للتحرر، حتى ولو من محتل، خطر عليها، وأن مكاسبهم مع المحتل؛ ولكن الشعوب العربية في المقابل رأت القوة والقدرة ورأت النذالة والخسة في الوقت ذاته".
ويرى أن "من توابع (7 أكتوبر) وانتصار الثورة السورية وفرار بشار الأسد الذي لا يقل عن أي نظام ديكتاتوري عربي يتغلف بالقوة المجحفة أنه في وجود مقاومة حقيقية من الشعب يصبح الديكتاتور مجرد ورقة هشة، ويتراجع دعم باقي الديكتاتوريين له، كما أن الأنظمة علمت أن الشعوب رأت نتائج (طوفان الأقصى)، الثورة السورية، والدول الكبرى والحليفة السابقة تقبل بالإدارة الجديدة لدمشق".
"تأخير مكلف"
وعن الحراك المصري والثورة المصرية، يعتقد مصطفى، أن "كل يوم يمر مع عدم البدء في التغيير يكلف مصر والأجيال القادمة سنوات من ضياع الدور والانهيار الاقتصادي والديون وإعادة الإصلاح وإعادة بناء اللحمة الوطنية".
وأكد أنه "لو ما زلنا نفكر بنفس الطريقة فهذه مشكلة، يعني أن الثورة بدأت 25 يناير فلا بد أن يكون التغيير في 25 يناير فهذه مشكلة في التفكير، أو أن تتخذ نفس الطريقة بالمظاهرات أو التغيير المسلح كما دعا البعض فهذه مشكلة".
ويرى أن "المعارضة المصرية لم تعد نفسها حتى الآن للتغيير؛ وخاصة معارضة الخارج، وخاصة أقوى قوة بالمعارضة، حيث إنه منذ 11 عاما لم يتم الإعداد للتغيير وأي حدث يحدث نقول سوف يتغير المشهد لدينا كما غيرنا لكن لا يحدث التغيير".
وقال إن "المعارضة توجه اللوم للشعب؛ والحقيقة أنها لم تعدّ للتغيير حتى يسير الشعب خلفها؛ فالتغيير تقوم به قوى المعارضة بإعداد نفسها للتغيير ولقيادة الدولة وليس بدعوة الناس للخروج على الحاكم، ولكن عندما تكون المعارضة قادرة على اتخاذ قرارات مماثلة لما قامت به المقاومة الفلسطينية والمعارضة السورية وأعدت نفسها".
وأوضح أنه "يتكلم هنا عن الإعداد وليس عن وسيلة التغيير السلمية أو المسلحة"، مؤكدا أن "الأخيرة لا تصلح أبدا في مصر رغم أن النظام فاشي ومستبد، لأن الجيش المصري في بيت كل مصري، وهو منا، ومحاولة إغراقه بجريمة فض اعتصام رابعة العدوية والخصومة مع الشعب لن يكون مقابلها الكفاح المسلح".
"هذا هو الطريق"
واستدرك: "ولكن طريقنا هو الإعداد للمعارضة وزيادة جاهزيتها لتولي الحكم، وفي هذا الوقت يقدر الشعب على رؤيتها، وهنا يحدث التغيير في الوقت الذي تحدده المعارضة"، مبينا أن "كل مقومات التغيير في مصر موجودة وجاهزة منذ أعوام 2017 و2018".
وأشار إلى أنه "على المعارضة أن تفهم أن النجاة جماعية ولا يمكن لأي فصيل في الظروف الطبيعية أن يقوم وحده بمهمة حكم مصر، وفي الظروف الحالية أي فصيل أو 2 أو 3 يظنون أنهم قادرون على الحكم فهذا مستحيل لأن النجاة جماعية".
ولفت إلى أنه "إن لم تتكلم المعارضة بشكل جدي، وتكون الرموز الفقيرة في أفكارها قادرة على التواصل مع الغير، وتقدم مصلحة الوطن على أي شيء؛ سيتم استبدالهم لأن من كانوا في ثورة يناير 2011 بعمر العشرينيات، الآن هم في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات".
وألمح إلى "خروج أجيال جديدة قد تتعاون سويا وتتخلى عن أيديولجياتها التي تؤمن بها؛ لأنهم سيرون الوضع بصورة أفضل عندها، وعندما يكون هناك شكل أفضل سيرى الشعب أشخاصا تدعو للتغيير وليس الثورة ولكن تغيير ما بعد الثورة".
وختم بالقول: "سيرى الشعب أنهم قادرون على إحداث هذا التغيير وأنهم سيكونوا بديلا لهذه السلطة وقادرون على العبور بهذا الوطن للأمان خلال فترة انتقالية ودستور انتقالي وعدالة يظهر فيها الجميع قدراته في خدمة الوطن، وقتها التغيير يأخذ وقتا أقل من وقت تغير المشهد السوري، ولكن على المعارضة أن تعد نفسها".