لحياة اجتماعية صحية.. ماذا تعرف عن قاعدة 5-3-1؟
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
في سبيل تعزيز نمط حياة صحي نتناول نظاما غذائيا متوازنا، ومن المحتمل أنك تولي اهتماما بصحتك البدنية وتتبع توصيات المشي 10 آلاف خطوة، كذلك بات العديد من الناس على دراية بمشكلات الصحة العقلية وإدارة مستويات التوتر بإستراتيجيات معينة مثل تمارين التنفس العميق والتأمل الذاتي.
ومع ذلك، لا تزال معادلة الصحة العامة غير مكتملة، وينقصها جزء مهم يتغافل عنه الكثيرون، وهو اللياقة الاجتماعية، إذ إنه نادرا ما نتلقى نصائح حول كيفية الحفاظ على حياة اجتماعية صحية.
طوّرت عالمة الاجتماع وخبيرة الصحة الاجتماعية التي تخرجت في جامعة هارفارد، كاسلي كيلام، نوعا من برامج التدريب الاجتماعي الذي يمكن الاعتماد عليه لتعزيز حياة اجتماعية صحية وضمان الحصول على ما يكفي من التفاعلات الاجتماعية الإيجابية، ووضّحت هذا المبدأ التوجيهي الذي سمته "5-3-1" بالتفصيل في كتابها الذي صدر مؤخرا "فن وعلم الاتصال".
الانطوائيون قد يجدون أن التفاعلات الأقل أكثر إشباعا (بيكسلز)وقالت كيلام لموقع "إنسايدر"، إنها تهدف إلى أن تكون قاعدة (5-3-1) نقطة مرجعية ونهجا عمليا ومرنا لتحسين الصحة الاجتماعية ومكافحة مشاعر العزلة والوحدة التي يعاني منها ربع سكان العالم تقريبا ولتكن على غرار التوصية بشرب 8 أكواب من الماء أو النوم 8 ساعات.
طريقة تطبيق قاعدة "5-3-1"التواصل مع 5 أشخاص مختلفين كل أسبوع
توضح كيلام في كتابها "فن وعلم الاتصال" أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا من الأصدقاء وأفراد الأسرة وزملاء العمل والجيران، كذلك يمكن أن تكون العلاقات العابرة في حياتك جزء من هذا التواصل مثل إجراء محادثات بسيطة مع موظف متجر الحيوانات الأليفة الذي يتذكر قطتك، أو عامل المقهى أو الأشخاص الذين تراهم باستمرار في صالة الألعاب الرياضية أو التعرف على أشخاص جدد من خلال حضور مناسبات مجتمعية والبحث عن مجموعات تجتمع حول نشاط أو هواية تحظى باهتمامك.
ووجدت دراسة نشرتها دورية علم النفس الاجتماعي عام 2014 أن الأشخاص الذين لديهم المزيد من التفاعلات البسيطة والعلاقات العابرة هم أكثر سعادة ممن لديهم تفاعلات أقل، وأن الأشخاص يشعرون بسعادة أكثر في الأيام التي يزداد فيها متوسط تفاعلاتهم العابرة.
وربطت دراسة أجرتها كلية هارفارد للأعمال عام 2022 بين تنوع العلاقات الاجتماعية وزيادة مستوى الرفاهية، وكذلك توفير مجموعة متنوعة من وجهات النظر وإثراء تجاربنا الاجتماعية.
3 علاقات وثيقة على الأقلتسلط عالمة الاجتماع الضوء على أهمية التركيز على 3 علاقات عميقة تلجأ إليها للتعبير عن انتصاراتك وهمومك ومخاوفك وطلب الدعم وقت الحاجة، أصدقاء تكون معهم على طبيعتك وتستطيع الاعتماد عليهم بدون أدنى شك، وعليك أن تخطط للقيام بأشياء ماتعة معا أو مجرد لقاء لتناول القهوة، ولا ينبغي أن يكون الأمر مكلفا إذ إن التواصل وجها لوجه بانتظام هو ما يهم أكثر.
احرص على تخصيص ساعة واحدة من التفاعل الاجتماعي الهادف خلال اليوم (بيكسلز)ولتحديد هوية أقوى الروابط في حياتك، تقترح كيلام، وتقول: "فكر فيمن تكتب إليه فورا عندما يكون لديك أخبار جيدة أو سيئة ويتصدر قائمة رسائلك على الهاتف، ومن الذي تفتقده في كثير من الأحيان، ومن تحدده كجهة اتصال في حالات الطوارئ".
ساعة يومية من التفاعل الجيداحرص على تخصيص ساعة واحدة من التفاعل الاجتماعي الهادف خلال اليوم، ووفق كيلام، لا يعني ذلك مقابلة شخص ما لمدة ساعة، وإنما توزيع هذه المدة وتقسيمها على مدار اليوم من خلال التحدث مع زميل العمل لمدة 10 دقائق أو تناول القهوة معه وقت الاستراحة أو الاتصال بصديق في طريق العودة إلى المنزل أو إجراء مكالمة فيديو مع الوالدين في المساء أو نزهة مع أحد أفراد الأسرة وغيرها.
قاعدة مرنة وغير ملزمةفي حديثها مع شبكة "سي إن بي سي" أوضحت كيلام أن نهج "5-3-1" لا يعد معيارا صارما، بل هو إرشادات لمساعدتك على التفكير في صحتك الاجتماعية، وقد تحتاج إلى تعديل القاعدة لتناسب احتياجاتك وأسلوبك، فمثلا إذا كنت شخصا اجتماعيا، قد تتطلع إلى المزيد من التفاعلات الاجتماعية، بينما قد يجد الانطوائيون أن التفاعلات الأقل أكثر إشباعا.
الدراسات العلمية تدعم هذه التوصياتلم تكن إرشادات اللياقة الاجتماعية التي توصلت إليها كاسلي كيلام مجرد نقطة بداية، فقد سبقتها أبحاثها التي ركزت على دراسة عادات الأشخاص الأصحاء اجتماعيا وعدد المرات التي يتواصلون فيها مع الآخرين ومدى عمق علاقاتهم، وهي مستقاة من أبحاث علمية حول كمية التفاعل الاجتماعي الذي يحتاجه الفرد لتحقيق الرفاهية وتعزيز الصحة العقلية والعاطفية والجسدية.
وعلى مر السنين، نجح علماء الاجتماع في إيجاد رابط بين العلاقات الاجتماعية والنتائج الصحية، إذ تشير الدراسات إلى أن العلاقات الاجتماعية تزيد من احتمال البقاء على قيد الحياة بنسبة 50%، وأن الأشخاص الذين يعانون من ضعف التفاعلات الاجتماعية هم أكثر عرضة للوفاة في سن أبكر من أولئك الذين يحرصون على التواصل الاجتماعي، وربط الباحثون بين ضعف الصحة الاجتماعية وبعض المشكلات الصحية مثل النوبات القلبية وضغط الدم المرتفع وزيادة مستويات التوتر وضعف الجهاز المناعي والقلق والاكتئاب.
وفي واحدة من أطول الدراسات التي تناولت موضوع "السعادة"، توصلت جامعة هارفارد إلى وجود علاقة ارتباطية قوية بين السعادة والتواصل الاجتماعي، وفي الدراسة تتبع الباحثون حياة 724 رجلا منذ أن كانوا في سن المراهقة عام 1938 (ما زال يعيش منهم عدد قليل)، وكانت النتيجة الأكثر ثباتا واتساقا على مدار 85 عاما هي أن العلاقات الإيجابية تجعل الناس أكثر سعادة وتساعدهم على العيش لفترة أطول مقارنة بعوامل أخرى مثل الشهرة والمال والجينات الوراثية.
نصائح عملية لتطبيق قاعدة 5-3-1ينقل موقع "فاير لاند" بعض النصائح التي تساعدك على التفاعل الاجتماعي الهادف ومنها:
ينبغي تحسين مهاراتك في الاتصال من خلال ممارسة الاستماع النشط والحفاظ على التواصل الفعال والاتصال البصري الجيد مع الآخرين وإظهار الاهتمام عند تبادل الحديث من خلال الإشارات اللفظية وغير اللفظية وتقديم الملاحظات عندما يكون ذلك مناسبا. قد يستغرق تلبية إرشادات اللياقة الاجتماعية بعض الوقت، ويمكنك جعل الأمر سهلا من خلال إعداد قائمة بالعادات التي ترغب في دمجها في حياتك اليومية وممارستها مثل جدولة لقاءات أو مكالمات منتظمة مع الأصدقاء والعائلة والانضمام إلى مجموعات والمشاركة في الأحداث المحلية لتوسيع دائرتك الاجتماعية.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات التفاعل الاجتماعی من التفاعل من خلال
إقرأ أيضاً:
الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي
لا يمكن فهم الرفاه الاجتماعي بعيدا عن الصحة النفسية، بوصفها أحد معززات هذا الرفاه؛ إذ تُسهم إيجابيا في تنمية قدرات الأفراد اجتماعيا واقتصاديا، وتساعدهم في إدراك المجتمع الذي يعيشون فيه وفهمه بما يمكِّنهم من التفاعل معه بشكل إيجابي، ويستطيعون بالتالي فهم أهمية دورهم في تنميته من ناحية، وتعزيز إمكانات العمل المشترك القائم على مفاهيم المواطنة الإيجابية.
إن الصحة النفسية اليوم تُعد من بين تلك المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها رفاهية المجتمعات، فلن يصل المجتمع إلى تحقيق أهدافه ما لم يكن أفراده أصحاء ليس بدنيا وحسب بل أيضا نفسيا وعاطفيا وذهنيا. إنها المعادلة الرئيسة التي تتخذ أبعادا اجتماعية واقتصادية ذات أهمية قصوى، خاصة في ظل المتغيرات الحالية التي تمثِّل مشتتات ذهنية ونفسية تقود المجتمعات إلى طرق مظلمة ما لم تكن واعية ذهنيا ونفسيا، ومدركة للمخاطر التي باتت تشكِّل تحديات على مستوى التنمية.
ولهذا فإن خبراء الطب النفسي يوصون بأهمية تعويد الأطفال والناشئة بشكل خاص على (التكيُّف)، وتدريبهم (على التعامل مع تحديات الحياة اليومية بشكل فاعل)؛ بحيث ينشأون في بيئة صحية تؤهلهم على المرونة والمواءمة والتصالح والتسامح، وغيرها من القيم التي تؤصِّل إمكاناتهم وقدراتهم على التكيُّف ومعالجة المشكلات بأسلوب أكثر إيجابية، وتعوِّدهم على السلوكيات التي تنم عن أخلاق مجتمعهم وقيمه السمحة.
ولعل هذا التكيُّف يتطلَّب القدرة على الممارسة المُثلى للعديد من العادات التي تقتضي تحقيق تلك الأهداف، ومن بين تلك الممارسات يأتي (التأمُّل)، باعتباره أحد أبرز أدوات العناية الذاتية، التي تعزِّز الصحة النفسية؛ فهو من الممارسات العامة المعروفة على مستوى المجتمعات، والتي دعت إليها الأمم عبر الحضارات، بل حضَّت عليه الأديان، ومن بينها الدين الإسلامي الذي يأمرنا بالتأمل في خلق الله والتفكُّر في ملكوته، عبر إعمال العقل وإطلاقه بحكمة وعمق.
إن التأمل باعتباره أداة مهمة يقتضي التفكُّر وتركيز الانتباه بقدرة الله سبحانه في خلقه، وبكل ما حولنا، وبما حبانا الله إياه من نِعم تقتضي الشكر، فإنه أيضا قوة داخلية وشعور بالرضا والسلام والمحبة؛ لما له من أهمية - بحسب العديد من الأدبيات - في (خفض التوتر، وتحسين التركيز والتوازن العاطفي وتخفيف القلق والاكتئاب وتحسين جودة النوم). إنه أداة تدعم تحسين الصحة البدنية عموما.
ولذلك فإن العالم يحتفل في الواحد والعشرين من ديسمبر من كل عام بـ (اليوم العالمي للتَّأمُل)، الذي يهدف - حسب اليونسكو - إلى (زيادة الوعي بالتأمل وفوائده، واستذكار حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية)، الأمر الذي يدفع العالم إلى تعزيز تلك الأهمية ودعم أفراده إلى العناية بفكرة التأمل نفسها؛ كونها قائمة على إعمال الفكر والتعَّمق في الذات وما حولنا من متغيرات بل وما يحصل في العالم من تحديات تستوجب إعمال العقل والتفكُّر؛ فكل ما حول الإنسان من نِعم وما يمُّر فيه من محن إنما تحتاج منه التأمُّل والوقوف الحكيم، لا التسرُّع والاندفاع وجلد الذات، بما قد لا يضر بالنفس وحسب بل أيضا يصيبها بالكثير من الأمراض النفسية، التي تجعله مكبلا، غير قادر على المضي في حياته، وعاجز عن إسعاد نفسه وأهله، بل قد يصل إلى إيذاء نفسه وإيذاء من حوله.
أما التأمُّل باعتباره ممارسة فإنه يمثِّل القدرة على التصالح مع الذات وفهمها وفق محددات اجتماعية تعزِّز الصحة النفسية، وتدعم تحقيق الرفاه؛ فكلما تمتع أفراد المجتمع بالصحة النفسية، كانت قدرتهم على العمل والعطاء والإقبال على الحياة أكبر، ولهذا فإن التأمُّل والوعي به يقوم على توجهات المجتمع في العناية بالصحة النفسية، وبناء عالم أكثر مرونة وإيجابية وخدمة للسلام والمحبة.
ولأن الرياضات عموما بأنواعها وأشكالها تقدِّم ضمن مجموعة من الأدوات التي تساعد أفراد المجتمع على التغلُّب على الكثير من الإرهاصات النفسية والجسدية التي تحدث في كثير من الأحيان دونما قصد، سواء خلال العمل و التعامل مع الناس أو حتى من ضغوطات الحياة عموما، فإن الرياضات الروحية المختصَّة بالجانب النفسي تقدِّم نفسها باعتبارها خيارا مناسبا للتعمُّق وإعمال الفكر والشعور بالهدوء والسكينة.
إن الصحة النفسية اليوم تغدو أكثر أهمية بالعناية والرعاية من قِبل المجتمعات، لما تمثِّله من مركزية في علاقتها بالتنمية وتحقيق الرفاه المجتمعي، وهي لا تتعلَّق بالتغذية الصحية وممارسة الرياضة عموما، بل أيضا بما ينتجه ذلك من أفكار ومشاعر وسلوك، قد يظهر ضمن تلك العلاقات المتشابكة خاصة في ظل التطورات التقنية التي تجعل الناشئة والشباب بشكل خاص، ينساقون وراء العديد من المغريات والتحديات في عالم افتراضي واسع لا يمكن ضبطه، سوى بإمكاناتهم على تأمُّل كل ما يتابعونه، أو يشاهدونه ويسمعونه، أو يقرأونه، ويتفكَّرون فيه وفق ضوابط قيم المجتمع ومحدداته.
إضافة إلى ذلك فإن حاجة المجتمعات اليوم إلى المرونة والتفاؤل كبيرة؛ فهذه المرونة تمكِّنهم من تخطي العديد من التحديات وتدفعهم إلى حل مشكلاتهم وتحدياتهم وفق رؤية أكثر إيجابية، ولهذا فإن تحقيق الصحة النفسية القائمة على التأمُّل والتفكُّر والعلاقات الإيجابية من خلال الأقران وتحفيز الصحة البدنية، والوعي بقيمة الصحة وعلاقتها بالرفاه الاجتماعي والصحة العاطفية، سيجعل أفراد المجتمعات أكثر قدرة على تخطي الضغوطات وفق مرونة نابعة من تلك العلاقة التي تأسسَّت على السلام الداخلي.
ولهذا فإن عُمان اعتنت عناية فائقة بالصحة النفسية، وبالوعي المجتمعي بأهميتها وقدرتها وإمكاناتها؛ وقد تزايد اليوم هذا الوعي الذي يظهر ليس من خلال الزيارات لمراكز الطب النفسي وحسب، بل أيضا بعناية المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية بالصحة النفسية لموظفيها وتهيئة البيئة الصحية المناسبة لهم، إضافة إلى عناية المؤسسات التعليمية والأكاديمية بهذا القطاع الصحي، التي تقدِّم برامج متخصصة للأطفال والناشئة والشباب، تهدف إلى التوعية وتقديم الدعم النفسي المناسب للطلاب في كافة مراحلهم التعليمية.
إن هذا الوعي المؤسسي ينعكس بدوره على الأفراد من خلال عنايتهم بأنماط الحياة الصحية المختلفة، سواء عن طريق ممارسة الرياضات البدنية أو الروحية، أو الالتزام بالتغذية الصحية، أو حتى عن طريق اختيار البيئة الصحية والأصحاب الإيجابين، وغير ذلك من الممارسات التي تنم عن وعي بأهمية الصحة النفسية وعلاقتها بالتطوير الذاتي النابع من محبة الذات والإيمان بقدراتها وبالتالي تحقيق الرفاه الاجتماعي من ناحية، والتنمية والمواطنة الإيجابية النابعة من عطائه ومشاركته الفاعلة في بناء مجتمعه ووطنه من ناحية أخرى.
ولذلك فإن العناية بالصحة النفسية عموما وبفكرة التأمُّل في حياتنا وما حولنا بشكل خاص، تتطلَّب منا الإيمان بأهميتها وقدرتها على تغيير أنماط ممارساتنا اليومية، للشعور بالسلام الداخلي وحُب الحياة والإقبال على العمل وفتح آفاق جديدة رحبة تتسِّع للجميع، فالحياة جميلة إذا نظرنا بعين الرضا والمحبة وتقبُّل أنفسنا والآخر بتسامح وتفاهم ينم عن أخلاقنا وقيمنا المجتمعية الأصيلة.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة