هل تتجه الأوضاع إلى حرب إسرائيلية على لبنان؟!
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
عناصر التصعيد:
صبَّ الاختراق الأمني الكبير الذي حققه الإسرائيليون ضد حزب الله، عندما قاموا بتفجير آلاف من أجهزة الاستقبال اللاسلكي (بيجر) التي يملكها عناصر وكوادر الحزب، مزيدا من الزيت على النار المشتعلة في شمال فلسطين المحتلة وجنوب لبنان، وتصعيدا للمواجهات بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله. كان هذا الاختراق غير مسبوق، وتحدثت التقديرات عن أكثر من 3200 آلاف إصابة منها 400 إصابة خطيرة، و32 شهيدا، وهو ما دفع للتساؤل أكثر من أي وقت مضى عن إمكانية الذهاب إلى حرب واسعة النطاق، واحتمالات الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان.
لقد أدت مشاركة حزب الله في معركة طوفان الأقصى دعما للمقاومة في قطاع غزة، إلى تهجير نحو مئة ألف إسرائيلي من شمال فلسطين المحتلة، وضرب السياحة والاقتصاد في المنطقة، مع إشغال جزء مهم من الجيش الإسرائيلي في جبهة الشمال. وقد طور حزب الله بعد اغتيال قائد أركانه فؤاد شكر (الحاج محسن)، واغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، والتصعيد الإسرائيلي ضد الحزب والمقاومة؛ من أدائه العسكري فوسّع من المساحات المستهدفة في شمال فلسطين، وأخذ يستخدم صواريخ ومسيرات نوعية ودقيقة حققت ضربات مؤثرة، وأصبح امتداد رقعة المعركة يهدّد نحو مئة ألف إسرائيلي آخر بالتهجير؛ وهو ما وضع مزيدا من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية للالتفات أكثر لجبهة الشمال.
تقديرات عسكرية وأمنية لضباط ومسؤولين كبار بأن الحملة العسكرية في القطاع يجب أن تنتهي، بعد أن لم يعد هناك ما يمكن تحقيقه، وأنه آن الأوان لعمل صفقة مع حماس؛ ثم توجيه الثقل العسكري لشمال فلسطين، ليصبح القتال مع حزب الله وجنوب لبنان ساحة الحرب الرئيسية
ولذلك أقر الكابينت (الحكومة الإسرائيلية المصغرة) يوم 16 أيلول/ سبتمبر2024 إضافة هدف جديد لأهداف الحرب المعلنة على قطاع غزة، متعلق بتأمين الجبهة الشمالية وضمان العودة "الآمنة" للمهجّرين الإسرائيليين إلى مساكنهم.
وقد ترافق ذلك مع تقديرات عسكرية وأمنية لضباط ومسؤولين كبار بأن الحملة العسكرية في القطاع يجب أن تنتهي، بعد أن لم يعد هناك ما يمكن تحقيقه، وأنه آن الأوان لعمل صفقة مع حماس؛ ثم توجيه الثقل العسكري لشمال فلسطين، ليصبح القتال مع حزب الله وجنوب لبنان ساحة الحرب الرئيسية. وقد رأت هذه التقديرات ضرورة الاستفادة من زخم الحرب لفرض قواعد جديدة على الحزب، لضمان أمن المستوطنين الصهاينة في الشمال، كانسحاب الحزب ومنع أي تواجد عسكري ولوجيستي للمقاومة على مسافة كافية من خطوط الهدنة، وغيرها من التصورات والضمانات.
ويرى بعض الخبراء العسكريين الصهاينة أنه من العبث وقف الحرب مع غزة دون حسم الأمر في شمال فلسطين وجنوب لبنان، وأن الاحتجاج بحاجة الجيش الإسرائيلي لنحو سنتين لإعادة تأهيل نفسه وترتيب أوراقه (بعد وقف الحرب في غزة) قبل أن يذهب للحرب ضد حزب الله غير صحيح؛ لأن قدرة حزب الله على التعافي وتطوير إمكاناته مدعوما من إيران، هي نسبيا أعلى وأكثر دينامية بكثير من قدرة الجيش الإسرائيلي على استعادة لياقته. وهؤلاء يرون ضرورة استمرار الاستنزاف والحرب، ومحاولة جرّ الأمريكان للمعركة، وعدم التوقف قبل فرض الشروط الإسرائيلية.
يُعزز من عناصر التصعيد الإسرائيلي حالة "غرور القوة" بما لدى الجانب الإسرائيلي من إمكانات عسكرية واستخباراتية متقدمة، وبوجود الدعم العسكري الأمريكي القوي، ووجود بيئات عربية وإسلامية وعالمية ما زالت عاجزة عن كبح العدوان الإسرائيلي.
يُعزز من عناصر التصعيد الإسرائيلي حالة "غرور القوة" بما لدى الجانب الإسرائيلي من إمكانات عسكرية واستخباراتية متقدمة، وبوجود الدعم العسكري الأمريكي القوي، ووجود بيئات عربية وإسلامية وعالمية ما زالت عاجزة عن كبح العدوان الإسرائيلي
ثم إن نجاح الصهاينة في ارتكاب عمليات اغتيال عديدة لكوادر قيادية عسكرية وأمنية من حزب الله وحماس على الساحة اللبنانية، ونجاحهم أيضا في عمل ضربة استباقية قُبيل ساعة الصفر للضربة الواسعة التي حددها حزب الله للانتقام لاستشهاد فؤاد شكر وإسماعيل هنية؛ عزز من غرور القوة لدى الصهاينة. وجاءت الضربة القاسية بانفجار "البيجرات"، وهي أحد أبرز وسائل الاتصال الداخلي لدى كوادر الحزب ومنظومته الأمنية، لتفتح شهية الصهاينة أكثر على العدوان، مع رغبة واضحة في التصعيد.
وبناء على هذه الاعتبارات، فالحسابات الإسرائيلية تسعى لعمل استباقي لمنع أو إضعاف فرص الرد من الحزب وحلفائه، مع عدم توقّع رد ساحق أو حازم باتجاه الدخول في حرب شاملة؛ في ضوء خبرة الأشهر الماضية، وفي ضوء التقدير السياسي بأن حزب الله وإيران وقوى المقاومة خارج فلسطين لا ترغب في الدخول في حرب إقليمية، وتريد الإبقاء على قواعد اشتباك مُحدَّدة.
عناصر كابحة:
من ناحية أخرى، فبالرغم من إعطاء الاحتلال الإسرائيلي مزيدا من الثقل باتجاه التصعيد مع لبنان، وبغض النظر عن الرغبات لدى اليمين الصهيوني الديني والقومي المتطرف والمتنفذ في صناعة القرار، وبالرغم من وجود رغبة لدى نتنياهو في جرّ الأمريكان للمشاركة بفعالية في مواجهات إقليمية ضد إيران وضد قوى المقاومة في لبنان واليمن والعراق؛ فثمة مصاعب حقيقية تحول دون إقدام الاحتلال الإسرائيلي على الدخول في حرب إقليمية واسعة أو على الإقدام على اجتياح برِّي لجنوب لبنان؛ حتى من نواحي لوجستية بحتة.
فالاحتلال الإسرائيلي ما زال غارقا في مستنقع غزة، وحتى هذه اللحظة لم يحقق أيا من أهدافه، وما زالت المقاومة فعالة وقوية في القطاع، وما زال الجيش الإسرائيلي مستنزفا وعاجزا عن السيطرة على القطاع، وعاجزا عن "تحرير" الأسرى الصهاينة.
والجيش الإسرائيلي يعاني بشكل كبير من أزمة في موارده البشرية وتوفير عناصر مقاتلة، حيث مدَّد عمل قوات الاحتياط، وأخذ يدرب عناصر من القوات البحرية للخدمة البريّة، كما فتح المجال للمهاجرين الأفارقة لديه للتجنيد مقابل الحصول على مغريات مادية والإقامة الدائمة في "إسرائيل".
وثمة أزمة كبيرة في المعدات خصوصا الدبابات والجرافات وناقلات الجنود، التي دمرت المقاومة أعدادا ضخمة منها في المواجهات في قطاع غزة. وهناك حالات استقالة واسعة من الجيش الإسرائيلي، كان آخرها إبداء ألف ضابط رغبتهم في إنهاء خدماتهم من الجيش.
ربما يسعى الاحتلال الإسرائيلي لمزيد من "التصعيد المحسوب" ضدّ لبنان، وربما يلجأ إلى تفعيل أدوات القصف المدفعي والسلاح الجوي بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمسيّرات، وينشط أكثر في الاغتيالات والعمليات الاستخبارية
وعلى هذا، فسيكون من الصعوبة بمكان شنّ هجوم بري على لبنان يتم فيه تعبئة نحو 80-120 ألف جندي إسرائيلي.
من ناحية أخرى، فالأمريكان لا يرغبون بتصعيد الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية، وهي كذلك رغبة حلفاء الكيان الإسرائيلي الغربيين.
وثمة مخاوف أمريكية غربية من انفلات الأمور في البيئات العربية المطبّعة مع الكيان، وهذه المخاوف تتزايد نتيجة الشعور لدى معارضي توسيع الحرب داخل الكيان وخارجه؛ بأنه إذا كانت "إسرائيل" قد فشلت في التعامل مع قطاع غزة على مدى 11 شهرا، فهي من باب أولى أفشل من أن تفتح على نفسها حربا إقليمية؛ تستطيع أن تبدأها ولا تستطيع أن توقفها، وستنكشف فيها الكثير من الثغرات ونقاط الضعف وتتضاعف الخسائر (خصوصا إذا طال أمدها) في أجواء إسرائيلية منهكة أصلا، وهو ما يعزز فرص انتصار المقاومة، واحتمالات بدء العدّ العكسي للمشروع الصهيوني. ولذلك، فإنهم يعزون رغبة نتنياهو وفريقه المتطرف في توسيع الحرب؛ ليس إلى المصالح العليا للكيان، وإنما للرغبة في الاستمرار في الحكم، ونتيجة العقلية المغرورة المتعجرفة وحالة "الإنكار" والهروب إلى الأمام التي يعيشونها.
خلاصة:
وعلى ذلك، فربما يسعى الاحتلال الإسرائيلي لمزيد من "التصعيد المحسوب" ضدّ لبنان، وربما يلجأ إلى تفعيل أدوات القصف المدفعي والسلاح الجوي بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمسيّرات، وينشط أكثر في الاغتيالات والعمليات الاستخبارية؛ لكنه على ما يبدو لم يقترب بعد من مرحلة الاجتياح البري أو إعلان الحرب الشاملة.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التصعيد الإسرائيليون حزب الله لبنان غزة لبنان إسرائيل غزة حزب الله تصعيد مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة رياضة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة تفاعلي سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی شمال فلسطین وجنوب لبنان قطاع غزة حزب الله
إقرأ أيضاً:
إنزالات كوماندوز إسرائيلية في لبنان... تاريخ من الاختراقات
كتبت"الشرق الاوسط": أعاد الإنزال الإسرائيلي البحري الأخير في البترون بشمال لبنان، إلى الذاكرة، عمليات عسكرية وإنزالات للكوماندوز الإسرائيلي، استهدفت قياديين فلسطينيين ولبنانيين.
وكان الإنزال في عام 1973، في بيروت، أول عملية من هذا النوع، وعُرفت لاحقاً باسم «عملية فردان». يومها، رست في 10 نيسان 1973 قوارب على شاطئ بيروت تقل وحدات من النخبة التي استطاعت قتل 3 من كبار مسؤولي «منظمة التحرير الفلسطينية» هم كمال عدوان، وكمال ناصر ، وأبو يوسف النجار.
وفي عام 1989، اختطف «الموساد»، القيادي في «حزب الله» الشيخ عبد الكريم عبيد من منزله في بلدة جبشيت ، عبر إنزال نفَّذته مروحيتان إسرائيليتان حطَّتا في البلدة، وأنزلتا مجموعة جنود من وحدة النخبة في لواء المظليين الإسرائيلي ولواء غيفعاتي لاعتقاله. واقتحم عناصر «الكوماندوز» الإسرائيلي منزله، واختُطف عبيد مع اثنين من مرافقيه المدنيين، وهما أحمد عبيد وهشام فحص.
ولعل أبرز الإنزالات التي نُفِّذت في لبنان، هو الإنزال الجوي الذي نفَّذته مجموعة «كوماندوز» إسرائيلية في 21 أيار 1994 في بلدة قصرنبا في البقاع بشرق لبنان، وخطفت وحدة من جنود النخبة المسؤول في «حزب الله» مصطفى الديراني من بلدته، بهدف الحصول على معلومات عن الطيار الإسرائيلي رون أراد، الذي أُسقطت طائرته في لبنان في الثمانينات.
وفي 5 أيلول 1997، نزلت قوة «كوماندوز» إسرائيلية على شاطئ بلدة أنصارية في منطقة الزهراني بجنوب لبنان، وتوجَّهت بعد منتصف الليل إلى الأحراش، قبل أن تحاصرها مجموعة من «حزب الله» وتفتح النار عليها وتفجِّر فيها عبوات ناسفة؛ ما أدى إلى سقوط 13 قتيلاً إسرائيلياً، وإصابة آخرين، قبل أن يتدخل سلاح الجو وينقل القتلى والجرحى. وخلال حرب تموز 2006، نفَّذت وحدة إسرائيلية عملية إنزال في بعلبك في شرق لبنان، واستهدفت العملية «مستشفى دار الحكمة» جنوب شرقي بعلبك، حيث دارت المعركة بين الجنود الإسرائيليين ومقاتلين من «حزب الله»، وترافقت العملية مع قصف جوي أدى إلى مقتل 11 مدنياً واختطاف 3 آخرين. وكانت تقارير إسرائيلية قد أشارت إلى أن الإنزال في بعلبك استهدف خطف عضو «مجلس شورى حزب الله»، الشيخ محمد يزبك.
وفي الحرب ذاتها أيضاً، حاولت فرقة من «الكوماندوز» الإسرائيلي تنفيذ عملية إنزال بحري، في مدينة صور قبل 11 يوماً من انتهاء الحرب؛ بهدف اختطاف مسؤول في «حزب الله» الذي قال إن قواته تصدَّت للإنزال، وقتلت جندياً وأصابت 8 بجروح، في حين قالت الشرطة اللبنانية إن المروحيات الإسرائيلية أطلقت 4 صواريخ جو- أرض عند المدخل الشمالي للمدينة، بينما تعرَّضت لنيران المضادات الأرضية التي تصدَّت لها.