مصطفي ثابت يكتب.. فن إدارة الاختلاف: دروس من الإمام الشافعي لتجاوز الخلافات بحكمة
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
في زمننا الحالي، حيث تتصاعد حدة الخلافات الفكرية والاجتماعية، يصبح من الضروري أن نعيد النظر في كيفية التعامل مع اختلافاتنا. لا يعني الخلاف أن تنقطع جسور التواصل أو تُهدم العلاقات، بل يمكن أن يكون فرصة للحوار والتفاهم. أحد أبرز الأمثلة على كيفية إدارة الاختلاف بحكمة تجسد في موقف الإمام الشافعي مع تلميذه يونس بن عبد الأعلى.
القصة تعود إلى تلميذ الإمام الشافعي، يونس بن عبد الأعلى، الذي اختلف مع شيخه في مسألة علمية. احتدم النقاش بينهما حتى اشتد غضب يونس وغادر مجلس الشافعي، متجهًا إلى منزله وهو يشعر بالاستياء. ومع تقدم الليل، فوجئ يونس بطرق على بابه. وعندما سأل عن الطارق، جاءه الرد: “محمد بن إدريس”. لم يخطر بباله أن الإمام الشافعي نفسه هو الطارق. لكن عندما فتح الباب، وجد الشافعي واقفًا أمامه.
قال الشافعي ليونس كلمات أصبحت حكمًا خالدة في فن إدارة الخلافات:
_ “يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة!”
_ “لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات؛ فأحيانًا كسب القلوب أولى من كسب المواقف.”
_ “لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها؛ فربما تحتاجها للعودة يومًا ما.”
_ “اكره الخطأ دائمًا، ولكن لا تكره المخطئ.”
_ “ابغض المعصية، لكن سامح وارحم العاصي.”
_ “انتقد القول، لكن احترم القائل.”
من هذا الحوار البسيط بين الشافعي وتلميذه، نستلهم مجموعة من القواعد التي تساعدنا على التعامل مع الخلافات بذكاء وحكمة.
أولًا: الاتفاقات لا تمحوها الاختلافات
الإمام الشافعي أدرك أن الخلاف في مسألة واحدة لا يمكن أن ينسينا مئات المسائل التي نتفق عليها. إذا كنا نركز فقط على نقاط الخلاف، فسنفقد الرؤية الأوسع التي تجمعنا. هذه القاعدة الذهبية تنبهنا إلى أهمية رؤية الجوانب المشتركة بيننا بدلًا من التركيز على القليل من الاختلافات.
كثيرًا ما نجد أنفسنا في نقاشات أو خلافات حول قضايا فكرية أو اجتماعية، وقد نكون على حق في آرائنا. ولكن، هل الانتصار في هذه النقاشات هو الهدف؟ الشافعي يؤكد أن كسب القلوب يجب أن يكون دائمًا أولوية. العلاقات الإنسانية أهم بكثير من الفوز في الجدالات.
العلاقات، سواء كانت صداقات أو علاقات أسرية أو مهنية، تُبنى على مدار سنوات، ومن السهل جدًا هدمها في لحظة غضب. الشافعي يدعو إلى الحذر والتروي في الخلافات، مشددًا على أن الجسور التي نبنيها قد نحتاجها يومًا ما، فلا يجب تدميرها بسبب خلاف عابر.
هذه القاعدة من أكثر القواعد التي نحن بحاجة لتطبيقها في مجتمعنا اليوم. من السهل أن نخلط بين الخطأ والشخص الذي ارتكبه. ولكن الشافعي يذكرنا بضرورة كراهية الفعل نفسه، دون تحويل هذه الكراهية إلى الشخص الذي ارتكبه. الإنسان قد يخطئ، ولكن هذا لا يعني أن ننبذه أو نحتقره.
الإمام الشافعي يدعو إلى التمييز بين المعصية والعاصي. من الطبيعي أن نبغض الفعل الخاطئ أو الذنب، ولكن يجب أن نتعامل برحمة مع مرتكبيه. هذا المبدأ يعكس الرحمة التي يجب أن نتحلى بها كبشر في تعاملنا مع بعضنا البعض، حتى عندما نختلف في السلوك أو الأخلاق.
النقد يجب أن يكون موجهًا إلى الأفكار والآراء، وليس إلى الأشخاص. عندما ننتقد الآخرين، يجب أن نتذكر أن الهدف هو تحسين الأفكار، وليس تحقير الشخص الذي طرحها. الإمام الشافعي يوضح أن دورنا كأشخاص مفكرين هو معالجة الأخطاء والمشاكل، لا تدمير الأشخاص.
ما يميز الإمام الشافعي في هذه القصة هو تواضعه. رغم أنه كان في موقع القوة كمعلم، إلا أنه هو من بادر بالذهاب إلى تلميذه. هذا التصرف يعكس قوة الإيمان والتواضع الحقيقي، وهو درس نحتاجه في زمن تكثر فيه الكبرياء والتعصب. المبادرة بالصلح والاعتراف بالخطأ دليل على الثقة بالنفس والقوة الداخلية.
من خلال قصة الإمام الشافعي وتلميذه يونس بن عبد الأعلى، نتعلم أن الاختلاف ليس سببًا للفرقة، بل فرصة للحوار والتفاهم. إذا ما اتبعنا القواعد التي أسسها الشافعي، مثل كسب القلوب واحترام الأشخاص، يمكننا أن نبني مجتمعًا أكثر تسامحًا وقادرًا على تجاوز الخلافات بحكمة. في عالم تزداد فيه التحديات، علينا أن نتعلم كيف نحترم اختلافاتنا ونستفيد منها، بدلًا من أن نجعلها سببًا للتباعد والانقسام.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الإمام الشافعی کسب القلوب یجب أن
إقرأ أيضاً:
إيران تستطيع أن تكون دولة عظيمة ولكن دون الحصول على سلاح نووي
الأثنين, 14 أبريل 2025 7:41 م
بغداد/المركز الخبري الوطني
قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن إيران تملك مقومات لأن تكون دولة عظيمة، لكنه شدد على أن ذلك لا يتطلب امتلاكها لسلاح نووي. وأضاف أن المجتمع الدولي يجب أن يعمل على منع طهران من تطوير هذا النوع من الأسلحة، مشيرًا إلى أن تحقيق الاستقرار في المنطقة مرتبط بإبعاد الخطر النووي الإيراني.