لدى العالم أساس قانوني متين لو أراد حلًا للأزمة السودانية
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
في الجزء الأول من هذه المقالة، ناقشت عدم كفاية استجابة المجتمع الدولي حتى الآن للحرب العدوانية من قبل مليشيا الدعم السريع والجهات الخارجية الراعية لها ضد الشعب السوداني والدولة السودانية (تغيير صورة الجنجويد: لماذا تقع دعوات المجتمع الدولي إلى الدعم السريع على آذان صماء؟). وأوضح أدناه أن القانون الدولي يوفر أساسًا متينًا للحل السلمي للأزمة السودانية.
إن حق الدولة في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وهذا الحقّ ليس مجرد امتياز، بل هو واجب يجب على الدول أن تمارسه لحماية سيادتها ورفاه شعوبها. ومع ذلك، ومع تطوّر الصراعات العالمية، يجب أن نركز على الفظائع الجسيمة التي ترتكبها الجهات من غير الدول، مثل الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية والمليشيات. وتجسّد قوات الدعم السريع، المعروفة سابقًا باسم الجنجويد في السودان، جميع هذه الفئات الثلاث.
لسوء الحظ، كثيرًا ما تقوّض المؤسسات المكلفة بدعم القانون الدولي عن غير قصد سيادة الدولة، التي هي حجر الأساس للنظام الدولي. يحدث هذا عندما تُمنح الجهات الفاعلة من غير الدول نفس الشرعية التي تتمتع بها الدول ذات السيادة ومؤسساتها. وعلاوة على ذلك، أصبحت قضايا العدالة وحقوق الإنسان والقانون الإنساني مسيّسة بشكل متزايد.
إن التقرير الأخير لبعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن السودان هو مثال على ذلك. يوثق هذا التقرير الفظائع غير المسبوقة والانتهاكات الخطيرة جدًا للقانون الإنساني الدولي التي ترتكبها المليشيات، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعنف الجنسي والاسترقاق وتجنيد الأطفال.
غير أن البعثة، في تحدٍ للمنطق والعدالة، تدعو إلى فرض حظر على الأسلحة يشمل القوات المسلحة السودانية؛ الجيش الوطني الذي يدافع عن شعب السودان ضد المليشيات المتوحشة. بمعنى آخر، يدعو إلى حرمان الشعب والدولة السودانية من أبسط الحقوق والواجبات الأساسية؛ الدفاع عن النفس في مواجهة ما يرقى إلى الغزو الأجنبي للبلاد.
السمات المشتركة للإرهابتشترك مليشيا الدعم السريع في ثلاث سمات رئيسية مع المنظمات الإرهابية: أيديولوجيا متطرفة وإقصائية، وامتدادات عابرة للحدود، ووحشية عشوائية، لا سيما تجاه المدنيين والنساء. وفي حين أن العنف العرقي والنوعي (الجنساني) الذي تمارسه المليشيا موثق توثيقًا جيدًا، إلا أن الأشكال الأخرى من العنف، التي تصنفها من ضمن الجماعات الإرهابية، كان الاهتمام بها أقلّ.
ينبع العنف الشديد للمليشيا من أيديولوجية التفوق العنصري، التي تسعى إلى إنشاء وطن حصري للقبائل العربية من دارفور والساحل، غالبًا ما يشار إليها باسم "عربان الشتات". ولتحقيق ذلك، تقوم المليشيا بطرد السكان المحليين في المناطق الخصبة، مثل: دارفور، وكردفان، والجزيرة، وسنار، لإعادة توطين هؤلاء البدو العرب.
التطرف العنصريقلة من وسائل الإعلام سلطت الضوء على مخاطر هذا المشروع. وقد حذر الكاتب السوداني البارز عثمان ميرغني، نائب رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط العربية سابقًا، من بين آخرين، من العواقب بعيدة المدى لهذا المخطط على المنطقة بأكملها. وكشفت التحقيقات المشتركة التي أجرتها سكاي نيوز، ولايت هاوس ربورترز، وواشنطن بوست، ولوموند عن نمط منهجي للتطهير العرقي من قبل قوات الدعم السريع، التي يردد مقاتلوها شعارات مثل "النصر للعرب".
وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لشباب عرب من منطقة الساحل يحتفلون بالنجاحات العسكرية المتصورة لقوات الدعم السريع في دارفور ومناطق أخرى، حيث أشادت شخصيات بارزة من هذه المجتمعات علنًا بـ"زعيمهم الصاعد" حميدتي.
وأشار الخبير الشهير في القرن الأفريقي أليكس دي وال في وقت مبكر من الصراع إلى أن "قوات الدعم السريع هي الآن مؤسسة مرتزقة خاصة عابرة للحدود الوطنية"، قادرة على تحويل السودان إلى شركة تابعة لهذا المشروع إذا تُركت دون رادع. وأصبحت هذه المليشيا تعتمد بشكل كبير على المرتزقة ورجال القبائل العربية بعد خسائر ها البشرية الكبيرة.
الاستجابة الدولية والمساءلةعلى خلاف استجابة المجتمع الدولي لتهديد تنظيم الدولة وشبيهاته، فإنه قلل من شأن التهديد الذي تشكله مليشيا الدعم السريع/الجنجويد. الأكثر إثارة للقلق هو استمرار بعض الفاعلين، سواء كانت حكومات أو جهات غير الحكومية، في تقديم الدعم العسكري للمليشيا، مما يسمح لها بارتكاب الفظائع دون عقاب. هذه القضية تتجاوز السودان، بل هي شأن دولي يتطلب استجابة موحدة ومبدئية.
لا يمكن للمجرمين أن يخضعوا للقانون طواعيةً، لذا توظف الدول سلطات إنفاذ القانون لحماية نفسها. على الرغم من أن بعض العلماء يصفون النظام الدولي بأنه "فوضوي" لعدم وجود سلطة عليا معترف بها عالميًا، فإن القانون الدولي، ومنظومة الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية الأخرى لا تزال ذات أهمية حيوية. بدونها، نخاطر بالانزلاق إلى الفوضى.
القيم مقابل النفعية السياسيةمن المؤسف أن العديد من الدول تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية الضيقة على القيم العالمية، خصوصًا فيما يتعلق بإدانة الجرائم المرتكبة ضد المدنيين ومنع تجنيد المرتزقة. هذا النهج الانتقائي يقوض أسس العدالة الدولية وحقوق الإنسان. لا ينبغي للعالم أن يتجاهل معاناة الشعب السوداني من أجل المصالح السياسية أو المكاسب الاقتصادية.
إن الطريق إلى السلام الدائم في السودان يتطلب نهجًا جديدًا في التعامل مع مليشيا الدعم السريع. يجب على المجتمع الدولي أن يعامل هذه المليشيا كما تعامل مع التنظيمات المتطرفة المماثلة، ليس فقط من خلال الإدانة الصريحة، ولكن أيضًا عبر اتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة قادتها ومموليها ورعاتها. ينبغي إعطاء الأولوية لقطع إمدادات المليشيا من الأسلحة والمرتزقة.
إضافةً إلى ذلك، ينبغي للمجتمع الدولي أن يدعم السودان في إقامة عملية سلام شاملة تشمل تشجيع الحوار بين جميع أصحاب المصلحة، وتعزيز مؤسسات الدولة، وتعزيز احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
إن الشعب السوداني يستحق مستقبلًا خاليًا من العنف والقمع، وهو مستقبل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الالتزام الحقيقي بالسلام والعدالة. لقد حان الوقت للعالم أن يقف إلى جانب الشعب السوداني ويطالب بمساءلة أولئك الذين يرتكبون الفظائع.
ولا يمكن تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في السودان إلا من خلال جهد موحد ومبدئي. يعتمد مستقبل البلاد على عزمنا الجماعي لدعم العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ملیشیا الدعم السریع الشعب السودانی القانون الدولی المجتمع الدولی وحقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
هجرة جماعية من عدة قرى حول الفاشر بعد تصاعد هجمات الدعم السريع
أعلنت منظمة الهجرة الدولية، الثلاثاء، عن نزوح 3960 أسرة من قرى مختلفة حول مدينة الفاشر غربي السودان خلال الـ3 أيام الماضية، جراء زيادة هجمات قوات "الدعم السريع".
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة في بيان الثلاثاء، بأن "3960 أسرة نزحت من قرى في الفاشر بولاية شمال دارفور خلال الفترة بين 25 إلى 27 كانون الثاني/ يناير الجاري".
وأضافت: "حدث النزوح بسبب زيادة الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع في جميع أنحاء الفاشر، يومي الجمعة والسبت الماضيين".
وقالت إن الأسر "نزحت من قرى شقرة، كويم، جوكي وترتورة سنابو (غرب الفاشر) إلى مواقع أخرى داخل المدينة".
وخلال الأيام القليلة الماضية، كثفت "الدعم السريع" من هجماتها على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي يسيطر عليها الجيش السوداني.
ومنذ 10 مايو/ أيار 2024، تشهد الفاشر اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع"، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
وفي السياق، قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كلمنتين نكويتا سلامي، إنه "بعد مرور ما يقرب عامين من الصراع في السودان، لاتزال الأزمة الإنسانية في البلاد تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وخفض التصعيد، والوصول غير المقيد للمساعدات والتمويل الدولي الفوري".
وأضافت سلامي: "تسعى خطتنا الإنسانية لعام 2025 إلى توفير 4.2 مليار دولار لمساعدة 21 مليون شخص محتاج".
والسبت، اتهمت وزارة الخارجية السودانية قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة، طالت المرضى بالمستشفى السعودي بالفاشر، وراح ضحيتها أكثر من 70 من المدنيين الذين يتلقون العلاج ومعظمهم من النساء والأطفال.
وقالت الوزارة في بيان، إن ارتكاب هذه المجزرة "يأتي لعدم خشية المليشيا من العقاب، وهو أحد نتائج التراخي الدولي تجاه المليشيا ورعاتها، وعجز مجلس الأمن عن متابعة تنفيذ قراره 2736 (2024)، وإلزام المليشيا بتنفيذ إعلان جدة مايو 2023، مطالبة المؤسسات الشرعية والعدالة الدولية بمحاسبة رعاة المليشيا باعتبارها شريكا كاملا للمليشيا في إرهابها وجرائمها".
وأضافت أن "هذه الجريمة البشعة تجسيد جديد لاستراتيجية الإبادة الجماعية التي تنفذها المليشيا ضد الشعب السوداني".
ويخوض الجيش و"الدعم السريع" منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.