سودانايل:
2025-04-28@21:42:59 GMT

السُّودان بلدٌ فقدَ ظلّه

تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT

جمال محمد إبراهيم

(1)

من يتابع أحوال الحروب الثلاث، الدائرة في أوكرانيا والسّـودان وغزّة، يجد أنّ الفضائيات العربية درجتْ على استضافة أعـدادٍ من المُحلّلين والمُعلّقين، لتسليط أضواء على تطوّراتها، وتقديم قراءاتٍ لمآلاتها وتداعياتها. عادة ما تستضيف تلك الفضائيات متخصّصين أكاديميين أو مُحلّلين ذوي خبرات، لتعليقاتهم احترام، ولتحليلاتهم تقدير من تلكم القنوات، كما من مشاهديها ومتابعيها.



ولقد لاحظ المتابعون أخيراً أنّ بعض من تستضيفهم تلك الفضائيات للتعليق على أوضاع حرب السودان بوجهٍ خاص، سـواء من الصحافيين أو بعض القياديين، أو أنصاف القياديين من المنخرطين في الشأن السياسي السوداني أو المتحدثين نيابة عن كياناتهم السياسية، يظهرون ضعفاً لا يتناسب وحجم المخاطر التي تحيط بمصائر بلادهم السياسية والاقتصادية والعسكرية. نرى أكثرهم (ولن نعمّم) لا يحسن الظهور على الشاشات، ولا يجيد المخاطبة والتعبير باللغة الواضحة.

(2)

أنتج استمرار الحرب في السودان كلّ هذه الأشهر، وبين طرفين سودانيين يتقاتلان بلا هوادة، حالةً من الإرهاق المزدوج عند الطرفَين، فليس الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، قادراً على أن يُعيّن جهازاً تنفيذياً قوامه وزراء يديرون دواليب الدولة، وهو الممسك بقيادة الجيش الرّسمي الذي يقـاتل المليشيات، ويبحث عن شرعية تجيز له التفاعل مع أطراف المجتمع الدولي من دون جدوى. لا الجيش الرّسمي قادرٌ على السيطرة على أوضاع البلاد، ولا المليشيات ملكتْ قدرات تعينها على إدارة دولة مثل السّـودان، حتّى إن تمكّنتْ من السيطرة على كامل ولاياته.

يقف الوسطاء والمتعاطفون في حيرة من أمرهم، فهم أيضاً عاجزون عن إقناع الطرفَين المتقاتلَين بضرورة مراعاة الأوضاع الإنسانية وإيقاف الحرب التي تستهدف الشعب السوداني، ومنهم من يتهدَّده الموت، براجمات المتقاتلين ومُسيَّراتهم وصواريخهم، أو تقتله المجاعة والعطش، وتفنيه الأمراض الفتّاكة.

(3)

لعلّ حالة الإجهاد التي أصابت المتقاتلين، وحالة العجز التي أطاحت جهود الوسـطاء (أمميين كانوا أم إقليميين) قد أوصلت الجميع، بمن فيهم جموع السودانيين المقيمين في جحيم الحرب، أو أولئك الذين فرّوا بجلودهم من نيرانها، وهم في حالٍ من فـقدان البوصلة في متاهة الحرب، بل وفقدان الأمل في أيّ مخرج منظور.

من يستمع لأصوات السّـودانيين، من عسكريين وسياسيين، يهاترون بعضهم بعضاً، ويشاتمون أنفسهم بأنفسهم، سيجد أكثرهم، بمن فيهم من فرضوا أنفسهم على الفضائيات، يُعلّقون ويُحلّلون ويجادلون بمنطق وبغير منطق. من ينصت بتمعن لمن يطلقون تحليلاتهم ويحدّثون الناس عن أحوال بلادهم السودان، هم في حالة من التخبّط المطبق، فلا يدرون من خبلٍ ما تردّد ألسنتهم، أو ربّما حرارة الحرب أصابتهم بلوثة. إنّ بعض من يطلّون على الناس عبر الفضائيات العربية (عـدا من رحِم ربّي) صارت أمورهم تحيّر، وأغلب من نسمع تحليلاتهم من السودانيين، صارت مداخلاتهم تثير الحزن والشفقة.

ثمّة من يقول عن نفسه إنّهُ حاكم إقليم دارفور، يسأله محاور في فضائية إنْ كان يقيم في دارفور، فيقول إنّه مقيم في بورتسودان، ويعلم الناس أنّ الرّجل يملك "فيلا" هي الآن مهجورة في مدينة المهندسين في أم درمان، ولم يلحق بها دمار ولا طاولتها أيدي النهّابين. لكنّه يطلّ على الفضائيات بصورة تثير السخريةَ، ولا يكاد المتابعون يصدّقون ما يسمعون من لغوٍ يأتي من لسانه، إلّا أن يكون الرجل عييّاً أو في غير وعيه.

(4)

أمّا إن سألت عن بعض وزراء وحكّام وولاة، تجدهم بمقدرات متواضعة، كلّفهم الجنرال ببعض ملفّات الحكومة الخطيرة، مثل الصّحة والزراعة والتعليم والدبلوماسية، فحدّث ولا حرج. فيما يموت الناس من الجوع والعطش، يزعم وزير كُلِّف ملفّ الزراعة أنّ الموسم الزراعي ومخزونه يَعد بمحصولٍ يُغني ويزيد عن الحاجة، أمّا عن الأوبئة فيكفي أنّ مدير منظّمة الصحة العالمية قدم بشخصه، ومعه أركان قيادته، ليشهد حال السودانيين الحقيقية، إذ هم مُهدّدون بالموت والفناء من نقص الأدوية والأمصال، ناهيك عن تفشّي أوبئة قاتلة مثل الكوليرا.

أمّا وزارة خارجية الجنرال، فحال وزيرها المُكلَّف يُغني عن أيّ تعليق. لقد نقلتْ الفضائيات تصريحاً لـه، زعم فيها أنّ للسودان أصدقاء في مجلس الأمن يقفون معه، ذكر بلسانه منهم الصين والاتحاد السوفييتي. وبُهِت من بُهِت، إذ بدا للسامعين أنّ الرجل توهّـم شبحاً اسمه الاتحاد السوفييتي، خرج له من مدافن التاريخ ليدعم حكومة بلاده، صديقاً لوزير خارجية السودان المُكلّف، وقد حاصرته تلويحات تهدّد بعقوبات كاسحة قادمة.

ليسَ السودان الذي يراه الناس الآن، هو نفسه الذي ضمّد جراح الأمّة العربية إثر هزيمة حرب يونيو (1967)، ولا دبلوماسيته هي تلك الدبلوماسية.  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

قصص من واقع حرب السودان.. فواجع وصمود وسط الدمار

الخرطوم– كانت الساعة تقترب من الواحدة ظهر الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد نحو 5 أشهر ونصف الشهر من اندلاع الحرب في السودان، عندما تلقى طه حمدنا الله عباس، من سكان حي الثورة بمدينة أم درمان، اتصالًا هاتفيًا حمل إليه خبرًا صاعقًا.

وبينما كان يستقل وسيلة مواصلات عامة داخل المدينة، جاءه صوت يخبره بأن قذائف سقطت على الحي الذي يسكنه، وطُلب منه العودة فورًا.

وعند وصوله إلى منزله، فوجئ بمشهد مأساوي، فقد سقطت دانة (قذيفة) على منزله مباشرة، وأودت بحياة ابنه أحمد (24 عامًا) وابنته هنادي (26 عامًا) وطفليها مصطفى (6 أعوام) وهيام (نحو عام واحد) وتحولت الأخيرة إلى أشلاء تحت قوة الانفجار.

وكانت قوة الانفجار هائلة لدرجة أنها أحدثت حفرة واسعة في الأرض وأزالت جدارًا كاملًا من المنزل، ولم يقتصر أثر الدمار على البناء، بل امتد إلى نفوس الأهالي الذين تدافعوا إلى المنزل، والوجوم يعلو وجوههم مع انتشار الحزن والخوف.

ورغم فداحة المصاب، أذهل طه حمدنا الله الحاضرين بثباته ورباطة جأشه منذ اللحظات الأولى، مؤكدًا مرارًا أنه لن يغادر منزله مهما كانت الخسائر، حتى لو فقد جميع أفراد أسرته، بحسب روايات شهود العيان الذين التقتهم الجزيرة نت.

إعلان اختبار الصبر

لم تختلف قصة آسيا الفاضل يحيى كثيرًا عن مآسي الحرب الأخرى، فالمعلمة المتقاعدة التي تسكن حي أبو كدوك بأم درمان، قررت منذ بداية الحرب البقاء في منزلها، رافضة مغادرته رغم توسلات أشقائها وأقاربها.

ورغم استمرار القصف العنيف من مواقع قريبة لقوات الدعم السريع، فقد اعتادت آسيا على أصوات المدافع والرصاص حتى باتت قادرة على تمييز أنواع الأسلحة من دويها، كما قالت للجزيرة نت.

وكانت آسيا تعيش مع بناتها الثلاث وأسرتين أخريين بالمنزل نفسه، في ظل انقطاع الكهرباء والمياه المتواصل، لجؤوا إلى الجلوس تحت الأشجار المحيطة بالمنزل للتهوية، مستفيدين من وجود قوات من الجيش السوداني والمستنفرين الذين كانوا يتمركزون قرب الحي.

لكن ذلك أثار استياء عناصر الدعم السريع الذين أطلقوا الرصاص عدة مرات صوب الأشجار لتحذير الأسر من التجمع هناك.

وفي أحد الأيام، وبينما كانت آسيا تتحدث مع شقيقتها عبر الهاتف بعد صلاة المغرب، أصابتها رصاصة طائشة اخترقت يدها، ونزفت بغزارة قبل أن تُسعف إلى مستشفى قريب.

ورغم هذا الحادث، وتمسك أسرتها بمغادرتها أم درمان، بقيت آسيا مصرة على قرارها بالبقاء في منزلها، ولا تزال مرابطة فيه حتى اليوم.

نزوح تحت تهديد السلاح

في مشهد آخر من مشاهد الحرب، عايش عبد الودود يوسف عبد القادر، من قرية تمبول شرقي ولاية الجزيرة، يومًا عصيبًا في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما تعرضت قريته لهجوم عنيف شنته قوات الدعم السريع، ردًا على انشقاق قائد قطاع الجزيرة التابع لها، بقيادة أبو عاقلة كيكل، وانضمامه إلى صفوف الجيش السوداني.

عبد الودود، الذي كان ضمن مئات النازحين من القرية، وصف للجزيرة نت مشاهد مأساوية حيث "دخل عناصر الدعم السريع إلى المنازل وهم يصوبون أسلحتهم نحو الرجال والنساء والأطفال، مارسوا النهب والحرق والاغتصاب، وطالبوا السكان بتسليم الأموال والذهب، ومن اعترض على ذلك قُتل على الفور".

إعلان

واضطر عبد الودود مع 17 أسرة أخرى إلى الفرار باستخدام شاحنة متهالكة، وسط موجات بشرية هائلة من الفارين على الطرقات.

وكانت أولى محطاتهم بمنطقة أبو دليق حيث استقبلتهم قبيلة البطاحين، وواصلوا طريقهم صوب مدينة شندي شمالي السودان التي قدم أهاليها لهم التكايا والمبادرات الخيرية المساعدة، ثم أكملوا رحلتهم إلى أم درمان بحثًا عن الأمان.

مقالات مشابهة

  • الكوارث الطبيعية والحروب وتأثيرها على عمل الإعلام في السودان
  • الصحة تحت النار: أثر الحرب على المنظومة الصحية السودانية
  • جريمة مطلوقة
  • قصص من واقع حرب السودان.. فواجع وصمود وسط الدمار
  • السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: قَدَر البرهان وعفوية حماد عبد الله
  • حرب السودان في عامها الثالث فهل من أفق لحل الأزمة؟
  • السودان: المُسيّرات التي استهدفت عطبرة حديثة وفّرتها للمليشيا راعيتها الإقليمية
  • من أشعل الحرب في السودان؟ ما الذي حدث قبل 15 أبريل؟
  • جنوب السودان على شفا الحرب الأهلية