hussainomer183@gmail.com

حسين بَقَيرة - كاتب سوداني (بيرمنغهام)

الخميس 19 سبتمبر 2024

يدعم معظم السودانيين، وأنا منهم، الحزب الديمقراطي الأمريكي في أغلب الانتخابات الرئاسية، ليس حباً فيه، بل لأن سياسته الخارجية تُعتبر أفضل مقارنة بسياسات الحزب الجمهوري. يتميز الحزب الديمقراطي بالتنوع، وقد تجلى ذلك بشكل واضح عندما تم انتخاب باراك أوباما كأول رئيس أسود للولايات المتحدة.

جميعنا نتذكر زيارته لمعسكرات اللاجئين الدارفوريين في شرق تشاد خلال حملته الانتخابية ووعوده التي أثلجت صدورنا في ذلك الوقت. ولكن، بمجرد فوزه بالانتخابات، تراجع عن تلك الوعود. ولو كان صادقاً، لأوفى بها خلال فترتي رئاسته.

لهذا، يشعر اللاجئون الدارفوريون، ومعهم السودانيون عمومًا، بخيبة أمل كبيرة تجاه أوباما وحزبه. كذلك، يبدو أن حظوظ الرئيس الحالي جو بايدن في الفوز بولاية ثانية قليلة، نظراً لتقدمه في السن وتكرار نسيانه للأحداث الهامة. ولذا قرر الحزب إلى استبداله بنائبته كامالا هاريس، التي ستكون أول امرأة وأول شخص من أصول سوداء وهندية يتولى رئاسة الولايات المتحدة، إذا فازت على ترامب. ومن الجدير بالذكر أن الحزب الديمقراطي كان قد رشح هيلاري كلينتون سابقاً كأول امرأة للمنصب، لكنها لم تفز.

كل هذه المعطيات تؤكد أن الحزب الديمقراطي يُظهر تنوعاً داخلياً مقارنة بالجمهوريين، وهذا ما يجذب العديد من السودانيين إليه، على أمل أن يسهم في صياغة سياسة خارجية داعمة للشعوب المظلومة.

لكن البيان الصادر عن الرئيس جو بايدن بتاريخ 17 سبتمبر 2024 بخصوص السودان، والذي دعا فيه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للانسحاب من مواقعهم لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية، جاء ليؤكد مرة أخرى خيبة الأمل السودانية تجاه الإدارة الأمريكية الحالية. لا يُعقل أن يتم وضع الجيش السوداني، الذي يحمل تاريخاً عريقاً، في مساواة مع مليشيات إرهابية دمرت الشعب السوداني. فالجيش هو الحامي للوطن وضمانة وحدته.

نعلم أن للجيش السوداني أخطاءً يجب إصلاحها، لكن الأولوية الآن هي لمحاربة مليشيا الجنجويد الإرهابية وحماية السودان من التفكك. أي حديث عن انسحاب الجيش في هذه المرحلة يعني فوضى شاملة، حيث لا تملك المليشيات قيادة مركزية موحدة تضمن السيطرة على قواتها، التي تعمل بشكل عشوائي وبدون تنسيق. بينما الجيش والقوات المشتركة والقوات الشعبية المساندة له لديها قيادة موحدة قادرة على إدارة الحرب بفعالية ومهنية.

حتى لو افترضنا جدلاً أن الجنجويد ( المرتزقة ) قد امتثلوا لأوامر قيادتهم، فإنهم سينسحبون إلى أوطانهم الأصلية التي أتوا منها. أما الجيش السوداني والقوات الشعبية، فأين يذهبون؟ كيف يمكن لهم الانسحاب من بيتهم ( السودان ) وترك أهاليهم عرضة للإبادة؟ ما لا يعلمه بايدن هو أن الجيش والشعب السوداني أصبحا كياناً واحداً في هذه الحرب الوجودية، لذا من المستحيل أن ينسحب الجيش بناءً على ذرائع واهية.

انسحاب الجيش يعني الاحتلال الكامل للأراضي السودانية، مما سيؤدي إلى استمرار مليشيا الدعم السريع الإرهابية في ارتكاب جرائم الإبادة بدعم من الإمارات وعملائها السودانيين. استغلال الوضع الإنساني في السودان والوعود بتدفق المساعدات لا يعدو كونه ذريعة لإطالة أمد المعاناة. ما حدث في معبر "أدري" ليس ببعيد، حيث تم تهريب أسلحة إماراتية تحت غطاء المساعدات الإنسانية، لتستخدم لاحقاً في إبادة المدنيين.

بالتالي، فإن مقارنة الجيش السوداني بالمليشيات الإرهابية ودعوة الجيش للانسحاب بحجة السماح بتدفق المساعدات هو محاولة لقتل السودانيين مرتين: مرة باسم الإنسانية، وأخرى عبر تسليح الجنجويد. لكن الشعب السوداني العظيم، بإرادته الصلبة، سينتصر عاجلاً أم آجلاً.

الجيش السوداني والقوة المشتركة والقوات المقاومة الشعبية، هم رمز لوحدة السودان وحماة الوطن، مهما كانت مواقف الأمريكان ووكلائهم. جيش واحد، شعب واحد.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزب الدیمقراطی الجیش السودانی

إقرأ أيضاً:

التعديلات الدستورية في السودان- ما بين مطرقة العسكر وسندان الانتقال الديمقراطي

في خطوة اعتبرها مراقبون استمراراً لسيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة، أثارت التعديلات المُقترحة على الوثيقة الدستورية في السودان عاصفة من الجدل، وسط مخاوف من أن تُحوِّل البلاد إلى نظام حكم هجين، يرفع شعارات الديمقراطية بينما يكرس الهيمنة العسكرية خلف واجهة مدنية هشة. جاءت هذه التعديلات بعد أشهر من المفاوضات المغلقة بين قيادات الجيش وأطراف سياسية موالية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان انقلاب أكتوبر 2021، الذي أنهى أحلام الثورة السودانية بالإطاحة بحكم عمر البشير.

من ثورة الشوارع إلى دهاليز السلطة
لم تكن التعديلات الدستورية وليدة اللحظة، بل نتاج تراكمات بدأت مع انهيار التوافق الهش بين المدنيين والعسكر بعد الإطاحة بالبشير. فبعد أشهر من توقيع "الاتفاقية الدستورية" في 2019، والتي نصت على فترة انتقالية مدتها 39 شهراً، استغل الجيش أخطاء القوى المدنية وتفكك تحالف "قوى الحرية والتغيير"، لتنفيذ انقلاب أكتوبر 2021، مستعيداً السيطرة على السلطة بدعم من مليشيات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). اليوم، تبدو التعديلات الجديدة امتداداً لهذا المسار، حيث يسعى العسكر إلى ترسيخ وجودهم عبر أدوات دستورية تبدو قانونية، لكنها تفرغ الانتقال الديمقراطي من مضمونه.

تفاصيل التعديلات: أين تكمن المخاطر؟
تتضمن التعديلات زيادة مقاعد الجيش في "مجلس السيادة" – الهيئة الأعلى لإدارة الفترة الانتقالية – من 5 مقاعد إلى 7، بينما يُترك مقعدان فقط للمكون المدني. كما تُمنح القوات المسلحة صلاحية ترشيح رئيس المجلس وإعفائه، وهو ما يعني عملياً تحويل المجلس إلى غرفة تابعة للعسكر. وفي خطوة مُثيرة للشكوك، أُلغِيَ ذكر "مليشيات الدعم السريع" من الوثيقة، واستُبدِلَت بمصطلح غامض هو "القوات النظامية"، في محاولة لدمج هذه المليشيات – المتهمة بارتكاب جرائم حرب في دارفور – ضمن هيكل الجيش، ما يمنحها شرعية دائمة.

أما التمديد الجديد للفترة الانتقالية لتصبح 39 شهراً، فلم يُقنع الكثيرين بأنه خطوة تقنية، خاصة مع تعثر تنفيذ اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة في المناطق المهمشة، واستمرار الأزمة الاقتصادية التي دفعت بالجنيه السوداني إلى الانهيار، ووصل التضخم إلى معدلات قياسية تجاوزت 400%. ويُعتبر تضخم عدد الوزارات إلى 26 وزارة – بعد أن كان مخططاً تقليصها إلى 16 – دليلاً على عودة النهج الزبائني، حيث تُستخدم المناصب الحكومية كـ"هدايا" لاسترضاء التحالفات، بدلًا من بناء حكومة كفؤة قادرة على معالجة الأزمات.

المنظور القانوني: انتهاك مبادئ الثورة
يرى خبراء قانونيون أن التعديلات تنتهك روح الوثيقة الدستورية الأصلية، التي نصت على ضرورة تحقيق توازن بين السلطات، وضمان انتقال تدريجي إلى حكم مدني. فزيادة تمثيل العسكر تُعطي انطباعاً بأن البلاد تُدار عبر "مجلس عسكري مُقنَّع"، بينما يُحذر نشطاء من أن إلغاء ذكر "الدعم السريع" قد يكون مقدمة لإفلات قادتها من المحاسبة على جرائم دارفور، خاصة مع وجود مذكرة اعتقال دولية بحق حميدتي من المحكمة الجنائية الدولية.

ردود الفعل: غضب مدني وتحذيرات من عودة الاحتجاجات
لم تُخفِ القوى المدنية غضبها من التعديلات. فبينما هدَّد "تجمع المهنيين السودانيين" – الذي كان قاطرة الاحتجاجات ضد البشير – بالعودة إلى الشوارع، وصفت تحالفات أخرى الخطوة بأنها "انقلاب دستوري". لكن هذه القوى تواجه معضلة حقيقية: فضعفها التنظيمي وانقساماتها الداخلية جعلتها عاجزة عن مواجهة الآلة العسكرية المدعومة بتمويل إقليمي. في المقابل، تبدو الأطراف الموالية للجيش – خاصة بعض الموقعين على اتفاقية سلام جوبا – مستفيدة من التمثيل الواسع، لكنها تخسر شعبيتها وسط اتهامات بالتواطؤ.

الدور الدولي: صمت مُريب ومصالح متضاربة
يكشف الموقف الدولي من الأزمة عن تناقضات عميقة. فدول مثل مصر والإمارات – اللتين تربطهما مصالح أمنية واقتصادية مع الجيش السوداني – تتجاهل الانتقادات، بينما تكتفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإصدار بيانات "قلقة" دون ضغوط فعلية. ويُفسر مراقبون هذا الصمت بخوف الغرب من دفع السودان نحو التحالف مع روسيا أو الصين، خاصة مع تردد معلومات عن مفاوضات لإنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر.

مستقبل مُظلم: هل ينزلق السودان إلى حرب أهلية جديدة؟
رغم أن التعديلات تبدو انتصاراً مؤقتاً للعسكر، إلا أنها تحمل بذور أزمة أعمق. فاستمرار تهميش المطالب الأساسية للثورة – مثل العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات – يغذي السخط الشعبي، خاصة في المناطق المهمشة (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق)، والتي قد تعود إلى التمرد إذا لم تُستجب مطالبها. كما أن تنامي نفوذ "الدعم السريع" داخل الجيش يُنذر بصراع على السلطة بين حميدتي وقيادات الجيش التقليدية.

خيط الأمل الوحيد: عودة الشارع
رغم المشهد القاتم، يرى بعض المحللين أن عودة الاحتجاجات الشعبية قد تكون الخيار الوحيد لإنقاذ ما تبقى من مكتسبات الثورة. ففي 2019، أثبت السودانيون أنهم قادرون على إسقاط نظام دام 30 عاماً، لكن النخبة السياسية فشلت في تحويل زخم الشارع إلى مشروع ديمقراطي متماسك. اليوم، قد تكون الفرصة الأخيرة أمام القوى المدنية لتوحيد صفوفها، واستعادة زمام المبادرة، قبل أن يتحول السودان إلى دولة فاشلة تُدار بوصاية عسكرية-مليشياوية، تُذكِّر العالم بأسوأ سنوات حكم البشير.

 

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • جائحة مؤامرونا التي تجتاح السودانيين
  • التعديلات الدستورية في السودان- ما بين مطرقة العسكر وسندان الانتقال الديمقراطي
  • مصطفى بكري: الجيش السوداني يرفض الميليشيات ويعمل على الاستقرار
  • «الشيوعي السوداني» يدعو لمناهضة محاولات إضفاء شرعية لأطراف الحرب
  • الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل يرفض حكومة المليشيا واجتماع نيروبي مؤامرة ضد وحدة السودان
  • تصريح صحفي من الحزب الشيوعي السوداني حول محاولات تشكيل حكومة موازية
  • المؤتمر التنويري “الخامس عشر” يستضيف الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل
  • من جنوب السودان إلى الكونغو وآسيا..تجميد المساعدات الأمريكية يدمر إنقاد الأرواح العالم
  • الجيش السوداني يسيطر على الدشول ويشن غارات على الفاشر
  • قنصلية السودان في جدة تعلن عن فرص عمل للأطباء السودانيين