الأحزاب السياسية في سوريا.. تحالفات ونزاعات ترسم مئة عام في تاريخ البلاد
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
خلال مئة عام كاملة من تاريخ سوريا السياسي، كان للأحزاب والتيارات السياسية دور رئيسي في تاريخ الصراع أو التنافس في هذا البلد، منذ مرحلة تكوَّن الجمهورية بخريطتها الجديدة في فترة ما بين الحربين العالميتين وهي تواجه الاستعمار، ثم في مرحلة ما بعد الاستقلال، مرورا بتجربة الوحدة مع مصر ثم الانفصال، وسيطرة حزب البعث على السلطة، وصولا إلى الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 امتدادا لثورات الربيع العربي، والتي أذكت من جديد الصراع السياسي بين مختلف الفرقاء في سوريا لأكثر من عقد من الزمن.
وصدر عن "مركز جسور للدراسات" في إسطنبول كتاب بعنوان: "الأحزاب السياسية في سورية"، قدم فيه تعريفا بجميع الأحزاب السياسية التي نشأت في سوريا وما تزال قائمة، وبلغ عددها 134 حزبا، يستعرضها الكتاب في بابين رئيسيين، ويتناول في باب مستقل قبل ذلك قراءة في البيئة السياسية الحزبية في سورية وطبيعتها وخصائصها.
نظرة على أبواب الكتاب وفصولهتتوزع فصول الكتاب في 3 أبواب رئيسية، الأول منها تمهيد بحثي تحليلي يعرف القارئ بالبيئة السياسية في سوريا، ودور الأحزاب فيها، ثم يتناول تحليلا لبعض الظواهر التي تميزت بها البيئة الحزبية، خاصة بعد عام 2011، وهي: صعود الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية، وصعود الأحزاب القومية، وصعود البعد الجغرافي في تغيير أسماء أحزاب كردية إلى كردستانية، وصعود الأحزاب المحافظة، وإشكالات في الإطار الدستوري والقانوني، وضعف تمثيل الأحزاب في المعارضة الرسمية.
ثم ينتهي الباب الأول بفصل تعريفي بأهم التحالفات والتجمعات الجبهوية التي شكلتها الأحزاب السياسية في سوريا.
يرتب الكتاب بعد الباب الأول التمهيدي الأحزاب السياسية في بابين رئيسيين، حيث يضم الباب الثاني الأحزاب السياسية التي نشأت قبل عام 2011 وعددها 42 حزبا، ثم يأتي الباب الثالث الذي يضم الأحزاب التي نشأت بعد عام 2011 وعددها 92 حزبا.
ويعتمد الكتاب في ترتيب الأحزاب مبدأ استعراضها بحسب توجهاتها، فيجمع في الباب الثاني الأحزاب الشيوعية معا ضمن فصل واحد، ثم القومية السورية ثم المحافظة أو الإسلامية، ثم القومية العربية والاشتراكية، ثم القومية الكردية، ثم الآشورية والسريانية، ثم الأحزاب الديمقراطية والليبرالية، وفي الباب الثالث يبدأ الفصل الأول منه بالأحزاب المحافظة، ثم الديمقراطية والليبرالية، ثم الأحزاب القومية الكردية، ثم الأحزاب الشيوعية، ثم الأحزاب القومية العربية والاشتراكية، ثم الأحزاب القومية التركمانية.
يراعي الكتاب في ترتيب التوجهات تاريخ نشأة أول حزب في هذا التوجه، ثم يعتمد في ترتيب الأحزاب ضمن كل توجه على تاريخ نشأة الحزب، وضمن الاستعراض الوصفي لكل حزب يذكر الكتاب تاريخ التأسيس ثم المؤسسين وأهم من تعاقب على قيادة الحزب وأهم الشخصيات البارزة فيه، ثم يذكر أهم التغييرات البنيوية في مسيرة الحزب، وصولا إلى التوجه الفكري وأهم المنطلقات السياسية التي تميز الحزب عن غيره من الأحزاب وترسم هويته السياسية، ويشير التعريف في النهاية إلى الارتباطات السياسية للحزب مع أطراف الصراع في سوريا (النظام أو المعارضة أو الإدارة الذاتية).
أهداف الكتاب وأهميتهقام بإعداد المادة العلمية في الكتاب مجموعة واسعة من الباحثين ثم قام بجمع هذه المادة وتحريرها باحثان في "مركز جسور للدراسات" هما "رياض الحسن" و"وائل علوان"، ويذكر فريق الإعداد في مقدمة الكتاب أهميته من أنَّه يرسم الخريطة السياسية لسوريا في إطار الماضي والحاضر، ومن أنَّه يثير التساؤل حول قدرة الأحزاب في وضعها الحالي على تشكيل مستقبل سورية، وموقعها أو دورها وأثرها في إنهاء حكم الحزب الواحد، وإزالة رواسبه الممتدة منذ أكثر من 6 عقود.
ويذكر فريق الإعداد هدفا إضافيا في مقدمة الكتاب في أنه "يفتح باب المقارنة للحياة السياسية بين مرحلتين رئيسيتين في سورية، تشكل فترة حكم البعث جدار الفصل بينهما، الأولى فترة تنوع الحياة السياسية التي أنشأت الأحزاب التقليدية (الشيوعية والقومية باتجاهاتها المتعددة والإسلامية والليبرالية)، والثانية بعد عام 2011 حيث بدأت الحياة السياسية تعود للتنوع من جديد، بما تبقى من الأحزاب التقليدية، أو في الأحزاب الناشئة"، و"تكمن ضرورة المقارنة في رصد حجم الجمود أو التغيير الذي طرأ على التوجهات الفكرية للأحزاب، وعلى أدبياتها السياسية والأيديولوجية، وفي طريقة تعاملها مع الحالة الوطنية، أو مع التحولات الإقليمية والدولية".
يذكر فريق الإعداد جملة من الصعوبات التي واجهتهم أثناء إعداد الكتاب ومراجعته، في مقدمتها "كثرة الأحزاب في الساحة السياسية السورية، وكثرة الانشقاقات التي كانت تتعرض لها هذه الأحزاب، ولا سيما الأحزاب الكردية، مما جعل من الصعوبة بمكان الإحاطة بصورة تامة بتفاصيل كل حزب، وقلة المصادر والمراجع التي تناولت الأحزاب الحديثة التي نشأت خلال الثورة أو خلال العقد الذي سبق الثورة.
وتم جسر هذه الهُوَّة قدر المستطاع من خلال الحوارات الشخصية مع بعض الشخصيات الحزبية والسياسية للحصول على المعلومات، وضعف النشاط الإعلامي لكثير من الأحزاب، فغالبيتها لا يعرض تاريخه وأفكاره ومبادئه وأهدافه بشكل معلن وسهل الوصول ضمن موقعه الإلكتروني، فضلا عن أن كثيرا من الأحزاب ليس لها مواقع إلكترونية، وبعضها ليس له نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي"، وأخيرا "صعوبة تصنيف جزء من الأحزاب من الناحية السياسية والفكرية، لا سيما الناشئة بعد عام 2011، حيث نشرت في أهدافها ومبادئها أفكارا عامة، دون أن تضع برنامجا سياسيا محددا يميزها عن باقي الأحزاب، ولصعوبة تصنيفها فقد ذهب الكتاب إلى أنها أحزاب ديمقراطية فقط دون أن يكون لها توجه محدد، وأدرجها ضمن الأحزاب الديمقراطية والليبرالية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأحزاب السیاسیة فی الأحزاب القومیة السیاسیة التی الأحزاب فی من الأحزاب بعد عام 2011 الکتاب فی التی نشأت فی سوریا
إقرأ أيضاً:
الكتاب أصل الأشياء
وأنا أشاهد فـيلم (هاري بوتر وحجر الفـيلسوف) الذي جرى عرضه فـي دار الأوبرا السلطانية مسقط، مصحوبًا بعزف موسيقيّ حيّ أدّته أوركسترا الدولة السيمفوني فـي أرمينيا، استحضرت الجزء الأول من رواية (هاري بوتر) للكاتبة البريطانية جوان رولينج، التي بنى عليها الفـيلم أحداثه، وهي من الروايات التي نالت شهرة عالمية كبيرة، إذ بيعت منها ملايين النسخ منذ صدور جزئها الأول فـي منتصف 1997 وترجمت إلى العديد من اللغات،
ويكفـي أن الجزء السادس من الرواية الذي حمل عنوان (هاري بوتر والأمير الهجين) بيعت منه 10 ملايين نسخة يوم صدوره، وكان لا بدّ للسينما العالمية أن تستثمر هذا النجاح، فأنتجت 8 أفلام من أجزائها، كلّها حققّت أرقاما قياسيّة فـي الإيرادات.
روايات أخرى شقّت طريقها إلى السينما، لعلّ من أبرزها رواية (العرّاب) للكاتب الأمريكي ماريو بوزو الصادرة عام 1968م التي أخرجها للسينما المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا، بدءا من جزئها الأول عام 1972م وكان من بطولة مارلون براندو وآل باتشينو، أعقبه بجزأين آخرين، وقد اعتبر نقّاد السينما الجزء الثاني من الفـيلم ثالث أفضل فـيلم فـي تاريخ السينما،
وكانت هوليوود قد اشترت حقوق تحويل الرواية إلى فـيلم قبل انتهاء الكاتب من كتابتها، وحقّق الفـيلم شهرة مدوّيّة حتى عاد فريق العمل، وأنتج الجزء الثالث عام 1990م، وكلّنا نعرف أن الرواية تتحدث عن نفوذ إحدى عائلات المافـيا الإيطالية، وتحكّمها فـي مجريات الأمور، لتشكّل دولة داخل الدولة.
وبعيدا عن (هاري بوتر)، و(العرّاب)، باعتبارهما ظاهرتين فـي تاريخ الأدب العالمي والسينما، لو ألقينا نظرة على أهم الأفلام التي أنتجتها السينما العربية والعالمية لرأينا أنّها استندت إلى روايات عالمية أخرى، كـ(البؤساء)، و(أحدب نوتردام) لفـيكتور هوجو، و(زوربا اليوناني) لكازنتزاكي، و(بائعة الخبز) للفرنسي كزافـييه دومونتبان، وروايات دوستويفسكي وأجاثا كريستي، وتشارلز ديكنز، وماركيز، ومن أسماء الكتّاب العرب الذين تحوّلت أعمالهم إلى أفلام: نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس ويوسف السباعي، والطيّب صالح، رغم أن المخرجين يأخذون من الروايات ما يحتاجون إليه فـي أفلامهم، ويستغنون عن صفحات كثيرة، فلغة السينما التي تقوم على الصورة،
تختلف عن لغة الرواية التي تستند إلى الكلمة المكتوبة، فهناك قواعد فـي الفن السينمائي ينبغي مراعاتها عندما تدخل السينما حرم الرواية، وهذه تعتمد على عوامل عديدة أبرزها رؤى المخرجين، والإنتاجيات المرصودة، لتنفـيذ تلك الأفلام، وكم من مشهد بصري قصير اختصر صفحات عديدة دبّجها الكاتب فـي وصف ذلك المشهد! وهذا موضوع متشعب، «لكن، لولا النجاح الباهر لتلك الروايات،
وقوة حبكتها السردية، والتوقعات العالية لإيرادات شباك التذاكر، هل كانت لتحظى باهتمام المنتجين وتلفت أنظارهم؟»؟ أرقام تلك الإيرادات تجيب عن هذا السؤال، فالسينما صناعة، وأنجح الأفلام وحتى المسلسلات التلفزيونية، والمسرحيات، هي تلك التي قامت على روايات ناجحة، فمنها يستلهم المخرجون رؤاهم،
وبين حين وآخر، يعود المنتجون إلى كتب الروايات، التي تحقّق أرقاما عالية فـي الكتب الأكثر مبيعا، يتصفّحونها، ويفكّرون فـي تحويلها إلى أفلام وكم من رواية عاد القرّاء إليها بعد مشاهدتها فـي السينما! فاستثمر الناشرون نجاحها وأعادوا طباعتها، فاستفادوا من الشهرة التي حقّقتها السينما لتلك الروايات التي تبقى نتاج عبقريات فذّة، وتجارب حياتية كبيرة، ومخيّلة خصبة، ولهذا شقّت طريقها إلى السينما ولولا الجهد الذي بذله كتّابها لتكدّست فـي المكتبات ولم يلتفت إليها أحد.
وإذا كان الفـيلسوف اليوناني أرسطو طاليس يرى بأن الماء هو أصل الأشياء،
فالورق الجيد يقف وراء نجاح أي فـيلم جيد، فهو الأصل، والورق بلغة المشتغلين بالسينما هو النص، والنص نجده فـي بطون الكتب ومن هنا فالكتب أصل الأشياء.