#سواليف

#الإنسانية رحم نحن نصلها وهم يقطعونها

#الشيخ_كمال_الخطيب

بينما أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يجلس في ديوان حكمه وإذا بالحاجب يدخل عليه ويقول: يا أمير المؤمنين إن رجًلا بالباب يقول إنه أخوك يريد أن يدخل عليك. فقال معاوية للحاجب: أولا تعرف إخوتي؟ قال الحاجب: بلى يا أمير المؤمنين ولكنه هكذا قال.

أذن معاوية للرجل بالدخول ثم سأله: أي إخوتي أنت؟ قال الرجل: أخوك من آدم .ابتسم معاوية رضي الله عنه وقال: رحم مقطوعة والله لأكونن أول من يصلها.

مقالات ذات صلة دراسة رسمية أميركية: وسائل التواصل الاجتماعي تراقب المستخدمين 2024/09/20

كان جواب معاوية واضحًا في طبيعة العلاقة التي تربط بين الناس. وإنه وقبل رابطة الرحم ورابطة الدين ورابطة اللغة ورابطة العرق، فإنها رابطة الإنسانية حيث كل بني البشر باختلاف كل تلك الروابط فإن رابطة الإنسانية تجمعهم، وهم الذين ينحدر ويعود نسبهم إلى آدم وحواء، وقد قال رسول الله ﷺ: “أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب”.

إنها رابطة الإنسانية ورحم الإنسانية التي قُطعت وفق قول معاوية رضي الله عنه، وحلّت محلها روابط الوطن والقومية والدين واللغة وحتى اللون، فتجد من يقدّس انتماءه الديني فجعل “شعب الله المختار” هو الأفضل والأشرف، ومنهم من يقدّس انتماءه القومي فرفع شعار “ألمانيا فوق الجميع”، ومنهم من يقدّس لون بشرته فرفع شعار “سمو العرق الأبيض” وفي كل واحدة من هذه الانتماءات فإنه الظلم والانتقاص الذي وقع على كل من سواها.

أما الإسلام فإنه يكرم الإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن لون بشرته أو العرق الذي ينتمي إليه أو اللغة التي يتكلمها أو الإقليم الذي يسكن فيه أو الطبقة التي ينتمي إليها، إنه يكرمه بحسبه أنه إنسان. روى البخاري في صحيحه عن جابر أن النبي ﷺ مروا عليه بجنازة ميت فقام لها واقفًا واحترامًا وتكريمًا، فقالوا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسًا.

فالإسلام ينظر إلى الجنس البشري كله بوصفه أسرة واحدة تنتمي إلى الله تعالى بالعبودية وإلى آدم بالأبوة، فربها واحد وأبوها واحد. وهذا ما أعلنه نبي الإسلام على الجموع المحتشدة في خطبة الوداع معلمًا وموجهًا فقال: “أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب”، وهو ما قرره القرآن في نصّ صريح حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} آية 13 سورة الحجرات. ومعنى التعارف أي ليعرف بعضكم بعضًا ويتفاهم بعضكم مع بعض، وهذا أساس التعاون بين الجميع. فإن أكثر ما يضر بالعلاقات الإنسانية أن يجهل بعضهم بعضًا ويبتعد بعضهم عن بعض، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} آية 1 سورة النساء. وما أجدر كلمة “الأرحام” في هذه الآية أن تشمل فيما تشمل أرحام الإنسانية العامة بين البشر بعضهم وبعض كما يوحي به السياق “خلقكم من نفس واحدة”.

يكرمون من يغتصبون الأسرى

وكما أوصى الإسلام بوصل الرحم الإنسانية مع الناس كل الناس، وأنه أوصى بالحفاظ على كرامة الإنسان فلا يسمح بإهانته حيًا ولا ميتًا، ولا يجيز الإسلام إذلال الإنسان لأخيه الإنسان، فالناس كلهم خلق الله ولا يجوز أن يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله. والإسلام كذلك يرعى حرمة الإنسان دمه وماله وعرضه، فحياة الإنسان مقدسة ولها حرمة عظيمة عند الله لا يجوز قتلها بغير الحق، حتى أن القرآن ليقرر مع الكتب السماوية الأخرى {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا…} آية 32 سورة المائدة. والرسول ﷺ يقول: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”. ويقول: “من قتل معاهدًا -أي غير مسلم- لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة شهر”.

وكما لا يجوز الاعتداء على حياة الإنسان فلا يجوز الاعتداء على جسمه بالضرب والأذى، وكما لا يجوز الاعتداء على الدم فلا يجوز الاعتداء على العرض ويقصد بالعرض الكرامة والسمعة، فلا يجوز لإنسان أن يشوه سمعة إنسان، فلا يجوز سبّه ولا شتمه ولا نداؤه بلقب لا يحبه ولا السخرية ولا الاستهزاء منه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} آية 11 سورة الحجرات.

فإذا كان الإسلام قد نهى وحرّم الاعتداء على الدم والعرض والسمعة والكرامة، فمن يكون هؤلاء العرب والمسلمون وأجهزة مخابراتهم حيث الشهادات التي هي أكثر من أن تُحصى للذين يقومون باعتقال واغتصاب زوجة أو ابنة أحد المعارضين لهم أمام عينيه في السجون من أجل أن يعترف بتهم ظالمة يلفقونها ضده؟ فإذا كان الإسلام قد نهى عن الاعتداء بالضرب والأذى على أعضاء الجسم، فمن يكون هؤلاء الجنود الإسرائيليون وقادتهم الذين يضربون الأسرى الفلسطينيين فيكسرون أضلاعهم وأسنانهم وأياديهم وأرجلهم؟ بل إن منهم من خرجوا من السجون وقد فقدوا الذاكرة بل وأصابهم الجنون من أثر الضرب والاعتداء الوحشي؟

ومن يكون هؤلاء الجنود الإسرائيليون الذين قاموا باغتصاب أسرى فلسطينيين من غزة اعتقلوهم خلال الحرب الأخيرة؟ وليس أن هؤلاء الجنود قد تم إطلاق سراحهم بعد اعتقال مسرحي واستعراضي، وإنما طالب أحد الحاخامات بتكريمهم تقديرًا لما فعلوه بالأسرى الفلسطينيين؟!.

نصون كرامة الإنسان وآدميته

وإن أشد ما يحرمه الإسلام هو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وقسوة الإنسان على أخيه والظلم لا يجيزه الإسلام لمسلم ولا لغير مسلم، لا في سلم ولا في حرب، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي الجليل: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا”.

إنه الإنسان الذي يكرم الإنسان لمحض إنسانيته وآدميته، ووصلًا للرحم بين الناس بعضهم ببعض، وسواء كان هذا الإنسان مسلمًا أو غير مسلم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} آية 7 سورة الإسراء. ولقد نهى رسول الله ﷺ عن التمثيل بجثث المشركين في الحرب كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث بريدة رضي الله عنه: “ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلّوا”، برغم أنهم مشركون وأنهم معادون ومقاتلون فلا يجوز الانتقام منهم بتشويه جثثهم بعد موتهم، ولا يجوز أن يعاقب الإنسان بعد موته.

أين هذا الهدي النبوي الشريف الذي يصل رحمه الإنسانية ولا يقطعها، فيحرم التمثيل والتنكيل بالإنسان حيًا وميتًا من الذين نراهم كل يوم وهم يجرفون جثث الشهداء الفلسطينيين بالجرافات بل والذين يلقون بهم في مكبات النفايات ويهيلونها عليهم .

يقول المرحوم الشيخ محمد الغزالي في كتابه الرائع -حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة-: “لا يجوز تعذيب المجرم فضلًا عن المتهم. قال رسول الله ﷺ: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا”. كما لا يجوز حمل الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها وكل ما يُنتزع بوسائل الإكراه باطل، قال ﷺ: “إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”، ومهما كانت جريمة الفرد وكيفما كانت عقوبتها المقدرة شرعًا، فإن إنسانيته وكرامته الآدمية تظل مصونة”.

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

إنه سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهو الذي أبهره جواب ذلك الرجل بأنه أخوه لآدم في الإنسانية، فلكأنه ذكّره بشيء قد نسيه الناس وبرحم قد قطعوها فأقسم أن يكون أول من يصلها، وهكذا كانت سيرته ونهجه في حكمه رضي الله عنه. إن رسول الله ﷺ قد قال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”. وليس أن المسلم فقط هو من يجب أن يسلم من لسان المسلم ويده، بل إنه الإنسان أي إنسان، كما قال ﷺ: “المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده”. وفي رواية الإمام مسلم: “المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم”.

فإذا كان الإسلام قد جعل كل المسلم على المسلم حرامًا، دمه وماله وعرضه، فليس معنى ذلك أن دم ومال وعرض غير المسلمين حلال للمسلم أن يعتدي عليها وأن ينتهكها، لأن في ذلك قطعًا للرحم والإنسانية التي أمرنا أن نصلها ونحافظ عليها.

أين هذا السلوك الإسلامي الإنساني الراقي والذي هو في الأصل من توجيهات الخالق سبحانه في قرآنه {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} آية 8 سورة الممتحنة. فأين هذا السلوك والتوجيه من سلوك وممارسات من يقتلون الشيوخ والنساء والأطفال، ويهدمون المساجد والمدارس والجامعات والكنائس، ويحرمون الإنسان بسبب دينه وقومه من الماء والغذاء والدواء؟ لا بل أين هذا السلوك من سلوك الذين أفتوا بجواز قتل الجنين الفلسطيني في بطن أمه لأنه إذا ولد فقد يصبح إرهابيًا مفترضًا؟ وأين هذا السلوك من سلوك من يقتلون البهائم والدواب ومن يحرقون المنازل ويسرقون الأموال والذهب، بل أين هذا السلوك الإنساني الرائع من سلوك من يفجّرون وينسفون العمارات ثم يقهقهون ويصورون أنفسهم في مقاطع فيديو يهدونها لزوجاتهم في يوم ذكرى زواجهم أو لأبنائهم يوم ذكرى ميلادهم، وأين وأين؟؟

يا هؤلاء:

ملكنا فكان العدل منا سجيّة فلما ملكتم سالت بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى طالما كنا على الأسارى نمنّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح

إنها الإنسانية رحم، نحن نصلها وأنتم تقطعونها.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف الإنسانية الشيخ كمال الخطيب لا یجوز الاعتداء على رضی الله عنه رسول الله ﷺ فلا یجوز سلوک من من سلوک

إقرأ أيضاً:

هل الدعاء على المخالفين يعكس روح الإسلام؟

 

 

 

بدر بن خميس الظفري

 

في خضم الأحداث السياسية العالمية الراهنة، وفي عالمٍ يعجُّ بالصراعات الفكرية والاختلافات العقائدية، يقفُ الخطابُ الدينيُّ أمام تحدٍ كبير، وهو تقديمُ صورةِ الإسلام الحقيقية التي تتسمُ بالرحمة والرفق.

لقد جاء الإسلام ليكون رسالة عالمية تهدف إلى بناء جسور التفاهم بين الشعوب، لا لهدمها. وقد وجه الله رسالة لنبيه محمد مفادها "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

ولكننا نجد في بعض مظاهر واقعنا اليوم ما يخالف هذا المقصد النبيل؛ إذ باتت أدعية التعميم والدعاء بالهلاك على غير المسلمين جزءًا من خطب ودروس بعض الدعاة، مثل قولهم: "اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تُبقِ منهم أحدا". لكن السؤال المطروح: هل هذه الأدعية تعكس روح الإسلام؟ وهل هذا ما يريده الله تعالى في دعوته إلى عباده؟

حين نتأمل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، نجد أن الدعوة لم تكن مجرد كلمات تُقال أو مواقف تُعلن، بل كانت فنًا يتقن مخاطبة القلوب والعقول بلطفٍ وحكمة. وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يتبع أسلوب الحنان والحوار البناء في دعوته: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجادلهم بالتي هي أحسن"؛ وهي دعوة صريحة لتقديم الدين بأسلوب يفتح القلوب بدلاً من أن يغلقها.

يخبرنا التاريخ أن التغيير الفكري والعقديّ لم يكن يومًا أمرًا يسيرًا، فقد أمضى الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة يدعو قريش إلى الإسلام، ومع ذلك ظل أغلبهم على كفرهم، متمسكين بموروثاتهم وأعرافهم، منطقهم الوحيد التعصب لما ورثوه: "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون". لقد كانت هذه الفترة دليلًا على صعوبة كسر القيود الفكرية التي تأسر العقول، ومع ذلك، لم يفقد النبي صلى الله عليه وسلم صبره ولا رحمة قلبه. وعندما آذاه أهل الطائف ورموه بالحجارة، عرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين، أي يسقط الجبلين الكبيرين على أهلها، لكنه رفض قائلاً: "بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا". تلك الكلمات تحمل دروسًا عميقة في التسامح والرحمة، وهي تشهد على أن الدعوة إلى الله لا تقوم على الانتقام، بل على الأمل في الهداية.

الأمر لم يكن مقتصرًا على موقف الطائف؛ ففي غزوة أحد، عندما اشتد الأذى بالمسلمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، وهذا الموقف النبوي العظيم يُظهر لنا أن الداعي إلى الله يرى في مخالفيه بشرًا يحتاجون إلى الهداية، لا أعداءً يجب أن يُزالوا. هذه القيم النبوية لم تكن استثناءً؛ بل كانت قاعدة ثابتة في تعامله عليه الصلاة والسلام مع الجميع، حتى مع من عارضوا دعوته أشد المعارضة.

وبناءً على ما تقدم، نحتاج أن نتساءل: كيف يمكن أن تتفق هذه القيم مع ما نراه اليوم من انتشار دعاء بعض الخطباء على عموم غير المسلمين بالذل والهوان والهلاك؟ هل أصبحت هذه الأدعية جزءًا من الدين؟ أم هي مجرد تعبير عن انفعالات اللحظة؟ الله سبحانه وتعالى نهانا عن التعميم في الحكم على الآخرين، وأمرنا بالعدل حتى مع من نختلف معهم. يقول تعالى: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ"، فالعدل في الخطاب الدعوي ليس خيارًا؛ بل هو واجب ديني وأخلاقي.

النظر في قصص القرآن الكريم يبين لنا أيضا وبوضوح أن الله سبحانه وتعالى أراد للدعوة أن تكون سبيلًا للهداية، لا وسيلة للإقصاء والانتقام. حين أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون، أمرهما أن يخاطباه بلين قائلاً: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى"، فإذا كان هذا هو النهج الإلهي مع أشد الطغاة عنادًا وظلمًا وهو فرعون، فكيف نتجاوز نحن هذا التوجيه في تعاملنا مع شعوب قد لا تعرف عن الإسلام إلّا القليل أو قد لا تكون قد سمعت به أبدًا.

إن واقعنا اليوم يحتم علينا أن نعيد النظر في خطابنا الدعوي، ذلك أن وسائل الاتصال الحديثة أصبحت نافذة سهلة للوصول إلى شعوب الأرض، وتُظهر ممارساتنا وألفاظنا أمام العالم أجمع بكل يسر.

إن الكلمة القاسية قد تُبعد أمة عن الإسلام، بينما الكلمة الطيبة قد تُفتح بها قلوب الملايين. يقول تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"؛ فهذه الآية ليست فقط توجيهًا للدعاة؛ بل هي مبدأ يجب أن يسري في كل تعاملاتنا مع الآخرين.

إننا بحاجة إلى خطاب يعكس روح الإسلام الحقيقية، خطاب يجعل من الدعوة وسيلة للبناء، لا للهدم. لقد كان أبو طالب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، نموذجًا لشخص غير مسلم وقف بجانب الدعوة وحماها، وفي عالمنا اليوم، هناك كثيرون ممن يشبهون أبا طالب في دعمهم لقضايا المسلمين أو في احترامهم للإسلام. هل نصنفهم كأعداء لمجرد اختلافهم في العقيدة؟ أم نحاول أن نبني معهم جسور التفاهم؟

الدعوة إلى الله مسؤولية عظيمة، وهي ليست مجرد كلمات تلقى على المنابر، بل أمانة تتطلب حكمة ورفقًا. علينا أن نتذكر دائمًا أن الإسلام لم ينتشر بالقوة؛ بل انتشر بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة. الدعوة هي رسالة حب، وأي خطاب يخلو من الحب لا يمكن أن يصل إلى القلوب. فهل نعيد النظر في أدعيتنا وخطابنا، ونستلهم من القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما يفتح القلوب بدلاً من أن يغلقها؟

مقالات مشابهة

  • الشيخ السليمان: الحنان صفة من صفات الله ولا يجوز الدعاء به .. فيديو
  • ضمن استراتيجية الأوقاف لبناء الإنسان.. انطلاق 17 قافلة دعوية بالفيوم 
  • أمين الفتوى: لا يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق فى بيت زوجها حتى لو ثرية
  • نشأت أبو الخير يكتب يوحنا المعمدان أعظم مواليد الناس
  • هل يجوز الدعاء بأكثر من طلب في صلاة الحاجة .. دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز لمن فاتته صلاة الجنازة آداؤها بعد دفن الميت .. الإفتاء تجيب
  • أيمن نصري يكتب: الفن قوي ناعمة في خدمة حقوق الإنسان
  • الجار
  • بلال قنديل يكتب: عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره: سجنٌ ذاتيٌّ وصراعٌ داخليّ
  • هل الدعاء على المخالفين يعكس روح الإسلام؟