للوهلة الأولى، تبدو جوانب التناظر بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجارية، الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، وكأنها تدور تماماً في فلك الشؤون الداخلية.
على أن التحرر من هذا الانطباع، الناشئ عن التصور المستقر لتقاليد الاجتماع السياسي الأمريكي، التي عادة ما تمنح الأولوية المطلقة لاجتذاب أصوات الناخبين، عبر مغازلة الاهتمامات اللصيقة بحياتهم اليومية، يوحي بأن خطابات المرشحين في حملة 2024 تحوي هوامش واسعة لقضايا هي من صميم السياسة الخارجية.وتقديرنا أن الشق الأكبر من هذه الظاهرة، يتعلق بتداعيات وأصداء حربي أوكرانيا وغزة.
لا يملك المتنافسون على تسيّد البيت الأبيض ترف التغاضي عن تفاعلات حربين داميتين، تدور رحاهما في ميدانين موصولين وثيقين بمصالح أمريكية حيوية.. أولهما، الميدان الأوروبي، بكل ما يعنيه التكاسر فيه مع القطب الروسي، ومحازبيه، بالنسبة لمستقبل الصراع على قمة النظام الدولي برمته.
وفي القلب من حسابات هذا التكاسر وحساسياته، حدود الدور الذي تضطلع به واشنطن، لدعم شركائها في دائرة الغرب بعامة وفي حلف «الناتو» الذي تقوده خصوصاً.. وذلك دون الوصول إلى نقطة الصدام الصريح مع موسكو.
وثانيهما، ميدان الشرق الأوسط، الذي تمارس فيه واشنطن سياسة شبه أكروباتية على حبل مشدود، تحاول من خلالها التوفيق شبه المستحيل بين الإسناد اللا مقطوع واللا ممنوع للطرف الإسرائيلي، رغم اقترافه كل المحرمات القانونية والأخلاقية، وبين مقتضيات «الوساطة النزيهة»! بهذا الخصوص يمكن المجادلة بأنه من السهل سبر أغوار سياسة ترامب ونياته ومواقفه المحتملة تجاه هذين الميدانين، بالنظر إلى تجربته الرئاسية السابقة، وطبيعة شخصيته الصدامية التي دأبت على البوح بالمكنونات بشكل صريح.
الانطلاق من هذه القناعة، التي تأكدت في مناظرته مع هاريس، يقود إلى الاعتقاد أن الرجل، إذا ما عاد إلى البيت الأبيض، لا يضمر التخلي عن منظوره السلبي تجاه العلاقة مع الشركاء الأوروبيين، داخل «الناتو» وخارجه.. لقد سبق له الاستخفاف بالأعباء الأمنية والاقتصادية المالية التي يتحملها الأوروبيون، مقابل النفقات والأدوار متعددة الأنماط التي بذلتها واشنطن مطولاً لأجل حمايتهم.
وفي حملته الانتخابية الراهنة، ما زال يردد هذه المعاني، وزاد عليها أنه لو كان رئيساً في العام 2022، ما كان لحرب أوكرانيا أن تندلع، وإذا ما ظفر بكرسي الرئاسة مجدداً، فإن لديه القدرة على وقفها في 24 ساعة! وعندما سئل عن كيفية تحقيق هذا الهدف السحري أجاب، على طريقة الحواة، بأنها ورقة سيخرجها في حينها.
وبالنسبة لحرب غزة، لا تختلف مواقفه كثيراً عما عهدناه منه كرئيس سابق.. فهو وإن كان يدعو بنعومة إلى وقف الحرب، إلا أنه مع دعم إسرائيل بلا حدود، بل ويراها دولة صغيرة الحجم، بما يدعو للتأمل في المغزى الخطير لهذه العبارة.
بخطابه شبه الشعبوي، يستميل ترامب عواطف الناخبين من معتنقي الأفكار الانعزالية واللوبيات الصهيونية اليهودية والمتصهينة غير اليهودية، ويرضي على نحو ما نوازع الروس وقوى التطرف اليميني والقومي الأوروبي الصاعدة..
لكنه يعمق مخاوف الأوكران، ويستفز دوائر الناتو، ويؤجج غضب الفلسطينيين وكل المتحرقين لوقف مقتلة غزة. وفي حين تتخذ هاريس موقفاً أقرب إلى معاكسته في الشأن الأوروبي، فإنها تكاد تتوافق معه، إلا قليلاً، فيما يخص غزة والقضية الفلسطينية. فهي تدافع عن شراكة متينة مع الأوروبيين عبر الأطلسي، وتمقت معايرتهم بالمدد الأمريكي.
في كل حال، يظل من الخطأ بمكان تشوّف سياسات ترامب ومواقفه الخارجية المحتملة، بحسب الخطوات التي اشتقها أثناء ولايته الأولى.. هناك معطيات استجدت لا يمكن له، ولا للمؤسسات الأمريكية تخطيها، منها مثلاً الاعتقاد المبرر بأن الخطر الروسي بات حاضراً بقوة في الرحاب الأوروبية وغيرها، ولم يعد مجرد توقع يتداوله المنظرون الاستراتيجيون. ومنها الاحتجاجات الطلابية، وبالتداعي الشبابية، ضد التنكيل الإسرائيلي بغزة وفلسطين.. الأمر الذي غاب عن الساحة الأمريكية منذ حرب فيتنام.
ولا يصح في الوقت ذاته، قياس توجهات هاريس في البيت الأبيض، طبقاً لما كان عليه الحال، يوم كانت وفريقها ظلاً للرئيس بايدن.. ذلك لأن تصرفات القادة والزعماء تظل محفوفة بالبصمات الشخصية، مهما كان تأثير المؤسسات والثوابت المؤسساتية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية
إقرأ أيضاً:
اتهامات متبادلة| أستاذ قانون دولي عن مشهد ترامب وزيلينسكي: خروج عن قواعد الإتيكيت والدبلوماسية
شهدت الساحة السياسية الدولية، حدثًا غير مسبوقا وتحديدا في 28 فبراير 2025، حيث اندلع خلاف علني بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع في البيت الأبيض، بعدما تطور النقاش إلى تبادل حاد للاتهامات، ما أثار تساؤلات حول احترام البروتوكولات الدبلوماسية وقواعد الإتيكيت في مثل هذه اللقاءات.
خلفية اللقاءوتعليقا على ذلك، أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي، أنه كان من المقرر أن يناقش الرئيسان اتفاقية لاستغلال الموارد المعدنية في أوكرانيا كخطوة نحو تحقيق وقف إطلاق النار في الصراع المستمر مع روسيا.
وأضاف: إلا أن الاجتماع تحول إلى مواجهة حادة عندما انتقد ترامب طلبات زيلينسكي المستمرة للحصول على مساعدات عسكرية، معتبرًا أن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد الصراع إلى حرب عالمية ثالثة.
وأوضح أستاذ القانون الدولي، في تصريحات خاصة لصدى البلد: من جانبه، رفض زيلينسكي تقديم أي تنازلات لروسيا، مشيرًا إلى الانتهاكات السابقة من قبل موسكو وعدم التزامها بالاتفاقيات، حتى انتهى الاجتماع بشكل مفاجئ دون التوصل إلى اتفاق، مما أثار قلقًا بشأن مستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.
قواعد الإتيكيت والبروتوكول الدبلوماسيوأوضح سلامة: تستند اللقاءات بين رؤساء الدول إلى مجموعة من القواعد البروتوكولية والإتيكيت التي تهدف إلى ضمان الاحترام المتبادل والحفاظ على العلاقات الدبلوماسية. من بين هذه القواعد:
*الاحترام المتبادل*يجب على القادة التعامل مع بعضهم البعض بلباقة واحترام، وتجنب الانتقادات العلنية أو الإهانات الشخصية.
*السرية*تُعتبر المناقشات الخاصة بين القادة سرية، ولا يتم الكشف عن تفاصيلها إلا بموافقة جميع الأطراف المعنية.
*التنسيق المسبق*يتم التحضير للقاءات الرسمية بعناية، مع تحديد جدول الأعمال والمواضيع التي ستُناقش مسبقًا لتجنب أي مفاجآت أو توترات.
*التواصل البناء*يُفضل استخدام لغة دبلوماسية بناءة تهدف إلى تعزيز التعاون وحل النزاعات بطرق سلمية.
وبناء على ذلك، أوضح الخبير القانوني الدولي، أن ما حدث بين ترامب وزيلينسكي يعتبر خروجًا عن هذه القواعد، حيث تم تبادل الانتقادات بشكل علني وأمام وسائل الإعلام، مما قد يؤثر سلبًا على العلاقات الثنائية ويثير تساؤلات حول مستقبل التعاون بين البلدين.
واختتم: الحفاظ على البروتوكولات الدبلوماسية وقواعد الإتيكيت ليس مجرد تقاليد شكلية، بل هو أساس لضمان التواصل الفعّال وبناء الثقة بين الدول، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام على الساحة الدولية.