دبلوماسية الأوراد والأذكار.. هل أطاحت بفكرة التدخل العسكري في النيجر؟
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
يرى مراقبون للأزمة في النيجر أن تحركات وزيارات بعض الرموز الدينية لعاصمة نيامي، والتي أسموها بدبلوماسية الأوراد والأذكار، قد ألقت ببعض الضغوط على رئيس نيجيريا بولا أحمد تينوبو الذي بدا مندفعا وميالا للحلول العسكرية في بداية الأزمة، وربما ساهمت في نيل بعض التنازلات غير المعلنة من قادة الانقلاب، الأمر الذي قاد إلى منع المواجهة العنيفة بين السلطات الجديدة في النيجر وبين مجموعة "إيكواس" ولو إلى حين.
وقد أعرب قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) يوم الخميس عن دعمهم لحل أزمة النيجر دبلوماسيا، مما عدّه مراقبون تراجعا مؤقتا عن التهديد بالتدخل عسكريا بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم.
يشار إلى أنه تم التلويح باستخدام القوة لأول مرة يوم 30 يوليو/تموز الماضي خلال قمة لهذه المنظمة الإقليمية، وقد أمهلت حينها قادة الانقلاب 7 أيام لإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم، الذي أطيح به في الـ26 من الشهر نفسه، لكن التهديد لم يدخل حيز التنفيذ مع انتهاء المهلة الأحد الماضي.
هذا الحدث الذي لا يزال يغذي وسائل الإعلام يوميا بكل ما هو جديد، سلّط المزيد من الأضواء على هذه المنطقة المنسية من العالم، وبالتبعية جلب الكثير من الاهتمام.
والأسبوع الماضي شهدت المنطقة حركة دائبة من دول فيها، ومن منظمة إيكواس، ومن نيجيريا الجارة الأقرب والأكبر والأهم للنيجر، وباعتبارات كثيرة أبرزها صلة الدم والرحم والعقيدة والطريق، وكان هدف تلك الاتصالات نزع فتيل الأزمة في النيجر.
ومن أبرز تلك التحركات إعلان سلطان إمارة سوكوتو النيجيرية محمد سعد أبو بكر معارضته استخدام القوة لدحر الضباط الذين أطاحوا ببازوم. كما أعرب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا، بقيادة سلطان سوكوتو نفسه، عن معارضته العقوبات التي فرضتها مجموعة إيكواس على النيجر.
زيارات التيجانيةوبالإضافة إلى زيارات سلطان سوكوتو ورموز إسلامية أخرى من شمالي نيجيريا وخاصة من قومية الهوسا، التي تعيش في المنطقة الممتدة بين شمال نيجيريا وجنوب النيجر، كانت هناك زيارة هامة لشيخ الطريقة (الصوفية) التيجانية في نيجيريا الشيخ محمد السنوسي إلى عاصمة النيجر نيامي.
ففي يوم الأربعاء الماضي، شاهد الكثيرون في المنطقة وغيرها وبشيء من الدهشة صورة قائد الانقلاب في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني وهو يتوسط أمير إمارة كانو السابق الشيخ محمد السنوسي والشيخ أبو بكر أومارو سلطان إمارة "دمغرم" في منطقة زندير بالنيجر، ولعل استغراب متابعي المشهد السياسي وتطوراته في النيجر لتلك الصورة نابعٌ من أن قادة الانقلاب رفضوا أكثر من دعوة لمقابلة وفود أرسلت إليهم بمن فيهم وفد رسمي من نيجيريا كان من بين أعضائه سلطان سوكوتو.
وقد تحدث الشيخ السنوسي للصحفيين في العاصمة النيجيرية أبوجا بعد عودته من نيامي، موضحا أن زيارته كانت مجهودا فرديا، وأنه لم يكن موفدا من أي جهة ولم يمثل إلا نفسه.
ويشير مراقبون إلى أن الشيخ السنوسي تربطه علاقات وثيقة مع العديد من الزعماء التقليديين في النيجر، خاصة أمير "دمغرم" الشيخ أبو بكر أومارو، وما حققه يمكن أن يمثل خارطة طريق لكل من يرغب في القيام بجهد لحل الأزمة في النيجر.
وبحسب المراقبين والمختصين في شؤون هذه المنطقة، فإن الشيوخ والزعماء التقليديين على جانبي الحدود في النيجر ونيجيريا، حيث يرتبط السكان بوشائج الدم والدين والثقافة، يتمتعون بمكانة مرموقة في أوساط عامة الناس وفي أوساط القيادات السياسية على السواء.
عوامل نجاحويرى المؤرخ الاجتماعي النيجيري بابا بالا أن ثمة عوامل كثيرة ساهمت في نجاح مهمة الشيخ السنوسي، فإمارة دمغرم بالنيجر والتي على رأسها الشيخ أبو بكر أومارو تربطها علاقات وثيقة مع إمارة كانو في نيجيريا، وقد استفاد الشيخ السنوسي من نفوذه عندما كان أميرا لهذه الإمارة، هذا إلى جانب مكانة ونفوذ سلطان إمارة دمغرم في النيجر، والذي لن ترفض له قيادة الانقلاب في النيجر أي طلب.
وبحسب صحيفة "برميوم تايمز" النيجيرية، فإن ثمة عاملا مهما ساهم في تكليل زيارة الشيخ السنوسي بالنجاح، ألا وهو مكانته زعيما للطريقة التيجانية في نيجيريا، وهي الطريقة التي لديها أتباع كثر في نيجيريا والنيجر وفي كل غرب أفريقيا، ويحظى قادتها بتبجيل في أوساط الجميع، وبتقدير مميز لدى القيادات السياسية كذلك.
ويقول كبير يانداكي رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة "أمارو موسى يارادوا" في كاتسينا النيجيرية، إن السنوسي زعيم روحي بارز في غرب أفريقيا، وبسبب مكانته تلك، والأعداد الكبيرة لأتباع الطريقتين التيجانية والقادرية في أوساط السكان النيجريين، فإن قادة الانقلاب في النيجر ربما شعروا بأنهم ملزمون بتقديم فروض الولاء والطاعة للشيخ السنوسي، أملا في اكتساب المزيد من التأييد في أوساط أتباع الطريقتين.
ولاء الناس في هذه المناطق هو في المقام الأول للزعامات الروحية، ويتجاوز بمراحل عديدة أي ولاء آخر للسلطات والزعامات السياسية التي ينظر إليها الناس بشيء من الشكوك ويربطونها دوما بالمستعمر، ذلك الآخر المختلف دينيا والمرفوضة أفعاله، فهل يستغل السياسيون ذلك في نزع فتيل الأزمة في النيجر؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قادة الانقلاب فی نیجیریا فی النیجر فی أوساط أبو بکر
إقرأ أيضاً:
صحيفة إماراتية تهاجم السعودية وتتهمها بالفشل والإخفاق الكبير في تدخلها باليمن
هاجمت صحيفة ممولة من الإمارات، المملكة العربية السعودية وتدخلها في اليمن، متهمة إياها بالفشل في تحقيق أهدافها، بعد عقد من إعلان المملكة التدخل لمساندة الحكومة والشرعية اليمنية.
وقالت صحيفة العرب الصادرة من لندن والتابعة للإمارات في تقرير لها بعنوان بعد عقد من التدخل العسكري السعودي في اليمن: ماذا تحقق؟، قالت إنه وفي 26 مارس 2015 بدأت السعودية تدخلها العسكري في اليمن بهدف استعادة الحكومة الشرعية من قبضة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وبعد عقد من الزمن تُظهر الحرب نتائج مختلطة: بعض النجاحات المحدودة مثل استعادة مناطق إستراتيجية، ولكنها في المقابل أسفرت عن إخفاقات إستراتيجية وعملياتية كبيرة".
وأشارت إلى أنه وسواء أكان التدخل بقيادة السعودية مبررًا أم لا، فإن أغلب التقييمات تشير إلى أنه يفتقر إلى أساس مشروع، حيث نشأ الصراع في اليمن كصراع داخلي كان ينبغي أن يحسمه اليمنيون أنفسهم، حد قول الصحيفة.
وأوضحت أن التدخل السعودي في اليمن، أدة إلى تدويل الحرب، وأدخل ديناميكيات القوة والتبعيات الخارجية إلى اليمن، الأمر الذي قوّض آفاق التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة.
وأشارت إلى أنه ومن خلال توسيع الصراع وإطالته أدى التدخل أيضا إلى تآكل سيادة اليمن الضعيفة أصلًا وتعميق الانقسامات الداخلية، ما عقّد جهود استعادة اللحمة الوطنية.
وبحسب التقرير، فإن فشل التدخل السعودي، "أضعف الموقف الإستراتيجي للمملكة العربية السعودية وقوّى الحوثيين، ما سمح لهم بترسيخ سيطرتهم على شمال اليمن، وتعزيز قدراتهم العسكرية وشرعيتهم السياسية. وقد أتاحت الحملة العسكرية المطولة للجماعة ترسيخ سلطتها، وهو ما زاد من صعوبة التوصل إلى حل تفاوضي".
وأكدت الصحيفة، أن الحملة العسكرية السعودية فشلت إلى حد كبير في تحقيق أهدافها المعلنة، بل أثارت انتقادات عالمية بسبب الخسائر الفادحة التي أوقعتها في أرواح المدنيين.
وقالت الصحيفة، إن الحوثيين "اعتمدوا على الدعم العسكري واللوجستي الإيراني، لاسيما في مجال الأسلحة والاستشارات الإستراتيجية، فإنهم لم يكونوا تحت سيطرة إيران الكاملة. فرغم قدرة إيران على تقديم المشورة للحوثيين في المسائل الإستراتيجية والسياسية، إلا أنها افتقرت إلى النفوذ الكافي لتوجيههم. بل إن عوامل محلية، مثل التنافسات القبلية طويلة الأمد في اليمن ومعارضة الحوثيين الطويلة للحكومة المركزية وسعيهم إلى تعزيز نفوذهم السياسي، كانت أكثر تأثيرًا في تشكيل سلوك الحوثيين".
ولفتت إلى أن "تحالفات الحوثيين مع الرئيس السابق صالح وبعض فصائل الجيش اليمني لعبت دورًا حاسمًا في صعود الجماعة. بمعنى آخر كان نفوذ إيران كبيرًا، لكنه لم يكن شاملًا، إذ كانت للحوثيين أهدافهم السياسية والإستراتيجية الخاصة"، مضيفة بأن الرياض أصرت "على تصوير الحوثيين كأداة للتوسع الإيراني. ومن المفارقات أن عداء السعودية المطول ربما عزز نفوذ إيران في نهاية المطاف، إذ دفع جماعة الحوثي المسلحة إلى تعميق اعتمادها على الدعم العسكري واللوجستي الإيراني".
وقالت الصحيفة، إنه وبعد مرور عدة سنوات على التدخل شهد نهج السعودية في اليمن تحولاً كبيراً نتيجة مجموعة من الأحداث المحورية، بما في ذلك الاتفاقية التي توسطت فيها الصين عام 2023 بين السعودية وإيران لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، وحرب إسرائيل على غزة.
وأكدت أنه لم "يكن أمام الرياض خيار سوى إعادة النظر في نهجها تجاه الصراع اليمني، منتقلة من التدخل العسكري إلى الدبلوماسية. وكان إدراكها أن سياستها الخارجية العدوانية تُهدد بتنفير حلفائها الأساسيين، وخاصة الولايات المتحدة التي كانت تتعرض لضغوط سياسية محلية متزايدة للحد من مبيعات الأسلحة للمملكة، هو ما دفعها إلى هذا التغيير"، الأمر الذي دفع الرياض للتركيز على الحفاظ على علاقاتها الجيوسياسية الحيوية، بدلاً من إعادة النظر في طموحاتها الإقليمية.