الاكتشاف المبكر طوق نجاة لآلاف المرضى.. استشاريو أورام: «المبادرة الرئاسية» نجحت بالتخطيط الجيد
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
الكشف المبكر عن مرض السرطان من الأمور المهمة التى تخدم بشكل كبير الهدف الدوائى، وتسهل سرعة الاستجابة له، كما أنه يؤدى إلى تقليل التكاليف المالية التى ينفقها المرضى للعلاج، لأن تكلفة التعامل مع المرض فى مراحله الأولى أقل بكثير من مراحله المتأخرة التى غالباً ما تنتهى بالوفاة لصعوبة التعامل معها طبياً.
يرجع سبب حدوث السرطان إلى طفرات الحمض النووى داخل خلايا الجسم، والذى يحتوى على عدة تعليمات يمكن من خلالها التحكم فى وظائف الخلية ونموها وانقسامها، وبسبب وقوع أخطاء فى تلك التعليمات تتحول الخلية إلى سرطانية، وبحسب الأطباء يولد الإنسان أحياناً بانحراف جينى، قد يسبب المرض، وهذا لا يعنى أن هذا الانحراف جينى فقط، بل قد يحدث لدى بعض الأشخاص نتيجة قوى أخرى داخل الجسم مثل الهرمونات، وفى كثير من الأحيان تكون عوامل البيئة الخارجية هى من أكثر مسببات السرطان.
السرطان يصيب جميع الفئات ولا يستثنى أحداً، بحسب الدكتور ذكرى خالد ذكرى، استشارى أورام، الذى يشير إلى أن هناك العديد من المسببات التى تؤدى إلى الإصابة بالمرض، من بينها تلوث البيئة وكذلك المبيدات الحشرية والإشعاع وغيرها، مؤكداً أن المبادرة الرئاسية تسهم بشكل كبير فى إنقاذ حياة آلاف المرضى ممن يعانون من أورام لم تظهر لها أعراض، وهو ما يكون سبباً فى عدم اكتشاف المرض فى مراحله الأولى، ولكن مع مبادرة الكشف المبكر عن الأورام يمكن تشخيص حالات السرطان حتى وإن لم تكن تظهر على المريض أعراض المرض: «اكتشاف المرض فى مراحله الأولى بيساعد فى زيادة نسب الاستجابة للعلاج، وكمان تكاليف العلاج فى المراحل المتأخرة لا يمكن تحملها وحتى وإن تم توفيرها فبتكون نسب الشفاء منعدمة، علشان كده بعتبر المبادرة من الخطوات الإيجابية اللى هتحمى آلاف المصريين من المرض، وهتقلل من إنفاق الدولة عليه».
«الزعيم»: الكشف المبكر عن الأورام يساعد فى إنقاذ حياة المواطنينتنشأ خلايا الدم فى نخاع العظام وتنضج لتشكل أنواعاً مختلفة، منها سواء كانت تلك الخلايا حمراء أو بيضاء أو حتى صفائح، لتنتقل بعد ذلك إلى مجرى الدم، بحسب الدكتور إسلام الزعيم، أخصائى أمراض الدم، والذى يؤكد أن الكشف المبكر عن الأورام يساعد فى إنقاذ حياة المرضى ويحميهم من الدخول فى تبعات المرض، كذلك يساعد التشخيص المبكر الأطباء فى السيطرة على المرض، ولكن ربما تختلف تلك القاعدة نوعاً ما فى سرطان الدم لصعوبة تشخيصه مبكراً، وذلك لأن الإنسان الذى يعانى منه يبدأ نخاع عظامه بإنتاج العديد من خلايا الدم البيضاء الشاذة والتى تدخل إلى مجرى الدم وتزاحم خلايا الدم السليمة، وتمنعها من القيام بوظائفها بالشكل الصحيح.
«شريف»: تشمل إجراء فحوصات دوريةخطوات عديدة تساعد فى تشخيص الأورام مبكراً، من بينها تحسين الوعى العام بجميع أعراض المرض إلى جانب تشجيع المواطنين على طلب الرعاية الطبية حال ظهور تلك الأعراض عليهم، بحسب الدكتور محمد شريف استشارى أورام، والذى يؤكد أن عمل الدولة الآن على تعزيز الخدمات الصحية وتزويد المستشفيات بالمعدات اللازمة وتدريب الأطقم الطبية أسهم بشكل كبير فى نجاح المبادرة وتحقيق نتائجها المطلوبة منذ بدء إعلانها: «المبادرة كان هدفها من اليوم الأول تشجيع المرضى على إجراء فحوصات دورية حتى وإن لم تكن هناك أعراض ظاهرية تشير إلى الإصابة بالمرض».
طفرات الحمض النووى تسمح بالنمو السريع للخلايا التى تحتوى جميعها على الطفرة ذاتها، كما أن الخلايا السرطانية تفقد أدوات السيطرة التى يمكن من خلالها التحكم فى النمو بشكل يضمن وجود عدد صحيح من كل أنواع الخلايا، وبسببها تستمر الخلايا السرطانية فى النمو وتتراكم، وعند محاولة بحث جينات إصلاح الحمض النووى عن الأخطاء الموجودة بالحمض النووى فى محاولة لإصلاحها ترتكب العديد من الأخطاء، وهو ما قد يؤدى إلى سرطنة الخلايا: «أسباب الطفرات الجينية كتيرة، لكن أبرزها الطفرات اللى بيتولد بها الإنسان واللى بيكون وارثها عن والديه، وده عامل مسئول عن نسبة قليلة من الإصابة بالسرطان، لكن معظم الطفرات الجينية بتحصل بعد الولادة، وده بسبب عوامل خارجية زى التدخين والفيروسات والإشعاع، والطفرات بتحصل عند نمو الخلايا بشكل طبيعى، والخلايا بيكون فيها نظام عمل بيصلح الأخطاء، لكن أوقات بتفشل الأنظمة دى فى التعرف على الأخطاء، ومن هنا بتصبح الخلية سرطانية».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: 100 مليون صحة مكافحة السرطان التحالف الوطني الکشف المبکر عن
إقرأ أيضاً:
الثائر الجيد هو الثائر الميت: التصفيات الجسدية كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة في السودان
في قلب المشهد السياسي السوداني، حيث تتناسل الأزمات كأفاعٍ تتبدل جلودها دون أن تغيّر طبيعتها السامة، لا تزال الجبهة الإسلامية، بروافدها العميقة في الدولة، تمارس طقسها المقدّس في وأد الثورات. لم يكن إسقاط البشير في أبريل 2019 إلا لحظةً في سيرورة طويلة من الصراع بين إرادة التحرر وبين قوى الهيمنة، التي أعادت تشكيل نفسها داخل أجهزة الدولة، متخفيةً خلف قناع جديد، لتستمر في إنتاج الموت كأداةٍ لضبط المجال السياسي وإخضاع الإرادة الشعبية.
منذ اللحظة التي سقط فيها رأس النظام، بدأت الدولة العميقة في إعادة فرض سيطرتها على المشهد، محاولةً تحويل الثورة إلى لحظة خاطفة لا تدوم. لكن الشعب الثائر و شباب المقاومة، الذين واجهوا رصاص المجلس العسكري الانتقالي في مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019، كانوا يعلمون أن معركتهم الحقيقية لم تنتهِ، وأن إسقاط البشير لم يكن إلا الشجرة التي تخفي الغابة.
التقارير وقتها أشارت إلى أن عدد القتلى بلغ 203 شهداء، لكن الأرقام لم تتوقف عند هذا الحد، إذ كشفت لاحقًا المقابر الجماعية وتكدّس الجثث في المشارح عن 2500 شهيد، إضافةً إلى 357 إصابة، وممارسة عنف جنسي ضد 65 متظاهرًا، واغتصاب 31 من المعتصمات، وعشرات المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم. كما تم رمي بعض الجثث في النيل، في تكرار لذات التكتيكات التي استخدمها نظام الجبهة الإسلامية في التسعينيات.
كانت الجبهة الإسلامية، المتخفية في العتمة، تعمل على إعادة فرض سطوتها، مستخدمةً الجيش كأداة، تمامًا كما فعلت منذ أن اختطفت الدولة في 1989 عبر انقلابها على الحكومة المنتخبة، في عملية تفكيكٍ ممنهجةٍ للمؤسسات، وتحويلها إلى أدوات خادمة لأجندتها.
غير أن الدولة العميقة لم تكتفِ بإعادة إنتاج ذاتها سياسيًا، بل لجأت إلى استراتيجية أكثر وحشية، تقوم على تصفية كل من يشكل تهديدًا لاستمرارها. فعندما خرج الشباب في ديسمبر 2018، لم يكونوا يواجهون نظامًا سياسيًا فحسب، بل كانوا يواجهون بنيةً متغلغلةً في الجيش، وفي الاقتصاد، وفي المؤسسات، وفي الوعي العام.
يقول عبد الخالق محجوب: “إن القوى الرجعية لا تقتل مناضلًا، بل تقتل رمزًا، وتدفن معه فكرةً، لكنها تفشل دائمًا، لأن الأفكار تولد من جديد وسط الرماد.”
كانت الدولة العميقة أشبه بكائنٍ طفيلي، لا يموت بسقوط رأسه، بل يتحور ليستمر.
هذه البنية أدركت أن بقاءها مرهونٌ بإنتاج العنف، وأن أنجع طريقة لترميم سلطتها المختلة هي اغتيال الفاعلين الجدد في المشهد.
لكن العنف المادي لم يكن الأداة الوحيدة، فقد استُخدم الاقتصاد كسلاحٍ موازٍ للتصفية الجسدية. كانت الدولة العميقة تدرك أن سحق الثائر لا يكون فقط بالرصاص، بل يمكن أن يكون أيضًا بتجويعه وكسر روحه عبر الإفقار الممنهج.
في 25 أكتوبر 2021، كشف الجيش عن وجهه الحقيقي، عندما نفذ قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان انقلابًا عسكريًا أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، منهياً بذلك أي وهم بأن الجيش قد ينحاز إلى الشعب. لم يكن هذا الانقلاب مجرد تغيير سياسي، بل كان إعلانًا صريحًا بأن الثورة يجب أن تُدفن، وأن أي محاولةٍ لإعادة بناء السودان على أسس ديمقراطية ستُقابل بالحديد والنار.
لكن البرهان لم يكن وحيدًا في هذا الانقلاب، فقد حصل على دعم قوى إقليمية ودولية، وجدت في استمرار الحكم العسكري ضمانًا لمصالحها الاقتصادية في السودان. فالدول التي استفادت من عقود الفساد والنهب لم تكن مستعدة لرؤية تحول ديمقراطي يهدد امتيازاتها.
لقد أصبح السودان ساحةً مفتوحةً للتدخلات الأجنبية، حيث تتصارع الدول الإقليمية على النفوذ، مستغلةً الانقسامات الداخلية لتحقيق مكاسبها. مصر، التي ترى في حكم العسكر في السودان امتدادًا لمنظومتها، دعمت البرهان بصمت، بينما تحركت بعض دول الخليج لضمان بقاء النظام العسكري الذي يحفظ مصالحها الاقتصادية، لا سيما في القطاعات الزراعية والموارد المعدنية. في المقابل، وجدت روسيا، التي تسعى لتعزيز وجودها في أفريقيا، موطئ قدم لها عبر صفقات الذهب وشركات المرتزقة.
في هذه الدوامة من المصالح المتشابكة، ظل البرهان ثابتًا في مكانه، رغم أن كل من حوله قد تغيروا. فقد سقط البشير، وسُجن أعوانه، وتبدلت التحالفات، لكن البرهان بقي متمسكًا بكرسيه، وكأنه يرى في ذلك تحقيقًا لنبوءةٍ قديمة، و هي أن والده حلم ذات ليلة بأن ابنه سيكون له شأن عظيم.
لم يكن البرهان يقرأ السياسة بواقعيتها، بل كان مأسورًا بوهم شخصي، يرى فيه نفسه القائد الذي لا غنى عنه، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بوطن بأكمله.
يقول مهدي عامل: “ليست الهزيمة أن يُقتل الثائر، بل أن يُقتل الأمل في قلوب الجماهير. الطغاة يدركون ذلك جيدًا، ولهذا يحرصون على تحويل الموت إلى سياسة، والاغتيال إلى نظام حكم.”
ومع دخول السودان في أتون الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وجدت الدولة العميقة فرصةً ذهبيةً لتصفية الثوار تحت غطاء الفوضى الأمنية. فجأة، بدأت المليشيات الإسلامية، التي كانت تعمل سابقًا كأذرع خفية في الأجهزة الأمنية، في الظهور مجددًا، ولكن بأسلوب أكثر وحشية.
في الحاج يوسف، تم العثور على جثث خمسة من شباب المقاومة، مقيدة الأيدي، وعليها آثار تعذيب وحشي، وذُكر في تقارير الطب الشرعي أن بعضهم تعرّض للذبح.
وفي الحلفايا، ارتُكبت واحدة من أبشع المجازر، حيث تم إعدام أكثر من 60 شابًا في ميدان عام بدمٍ بارد، في مشهد أعاد للأذهان مجازر الإسلاميين في دارفور وجبال النوبة. كما وثّقت لجان المقاومة عمليات تصفية أخرى في مدني، الجزيرة، سنجة، والدندر، حيث تم إعدام الثوار بالرصاص وقطع الرؤوس، في عمليات موثقة بالفيديو، حيث بثّ القتلة جرائمهم في الميديا لإرهاب البقية.
يقول إدوارد سعيد: “القمع لا يقتل فكرة، بل يمنحها حضورًا مضاعفًا، لأن الفكرة التي تُقمع تتحول إلى ذاكرة جماعية تتناقلها الأجيال.”
في النهاية، قد تكون القاعدة لدى الطغاة أن “الثائر الجيد هو الثائر الميت”، لكن الحقيقة التي يؤكدها التاريخ هي أن الثائر الميت يترك خلفه فكرةً تصبح لعنةً تطارد قاتليه.
فالمعركة لم تكن يومًا بين سلطةٍ وشبابٍ أعزل، بل بين إرادة الحياة ومنظومة الموت، وبين زمنٍ جديدٍ يحاول أن يولد من رحم الخراب القديم.
إن الطغاة يراهنون دائمًا على النسيان، لكن التاريخ لا يُمحى، والأفكار لا تموت، بل تتحول إلى بذور تُزرع في وعي الشعوب، لتُثمر في يومٍ قد يبدو بعيدًا، لكنه حتمي.
zoolsaay@yahoo.com