الجزيرة:
2025-02-06@07:39:04 GMT

خطاب شيخ الأزهر والمفاضلة بين الأنبياء

تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT

خطاب شيخ الأزهر والمفاضلة بين الأنبياء

أثار – مؤخّرًا – مقطعٌ متداولٌ للشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الكثيرَ من الجدل؛ فقد فهم منه بعض الناس نفي الشيخ للمفاضلة بين الأنبياء والرسالات، ولكن هذا المقطع جزءٌ من كلمة للشيخ في احتفال يوم المولد النبوي الشريف، تحدّث فيها عن كمالات النبي – صلى الله عليه وسلم – الأخلاقية وأن مماثلة السيدة عائشة – رضي الله عنها – بين خُلق النبي وخُلق القرآن تُحيل إلى أن كلا الخُلقين لا نهاية لحسنهما وكمالاتهما، ثم ختم الشيخ حديثه بالكلام عن أخلاقيات الإسلام في القتال، وأنها لا تُقارن بالحرب الجارية اليوم والتي آلت إلى الكثير من المجازر على مرأى ومسمع من العالم المتحضر الذي بات كالقاتل يمشي في جنازة المقتول، ودعا أخيرًا إلى واجب النصرة لأهل غزة والسودان.

مسألة التفضيل بين الأنبياء

ولكن كلمة شيخ الأزهر التي اشتملت على معانٍ خُلقية رفيعة، وعلى موقف سياسيّ غير مباشر، كما عوّدنا في كلماته المتعاقبة، شوّش عليها بعض المتلقين الذين تركوا العمود الذي تقوم عليه كلمة الشيخ من أولها إلى منتهاها، وراحوا يَتَخالفون حول فقرةٍ مجملةٍ جاءت في سياق الكلمة، وفيها أن المفاضلة بين الرسالات الإلهية أمرها متروكٌ إلى الله، ولا يجوز لنا نحن – المؤمنين – بها أن نُفاضل بينها من عند أنفسنا؛ رغم أن الشيخ أعقب ذلك مباشرةً بقيدٍ مهمٍّ أهمله المُتخالفون وهو قوله نصًّا: "اللهمّ إلا اتباعًا لما يَرِد في الشرع الكريم".

ونجد فحوى كلام الشيخ في المصادر الإسلامية، كما نجد – مثلًا – عند ابن هبيرة (ت. 560هـ) الذي علّق على حديثٍ في النهي عن المفاضلة بين الأنبياء بقوله: "الذي أراه في هذا المعنى: لا تُفاضلوا أنتم بين الأنبياء؛ أنبياء الله، وكِلُوا ذلك إلى أمر الله – تعالى – كما قال تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض). فإذا اتبعنا قول الله – عز وجل – فيمن فضّله، وقولَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ذلك، لم يكن نحن قد فضّلناه على موسى"، وهذا الكلام هو عينُ ما قاله – مجملًا – شيخ الأزهر.

وأودّ – في هذه المناسبة – أن أحرر مسألة التفضيل بين الأنبياء، بعيدًا عن الإجمال الذي عَرَض له شيخ الأزهر وأثار ما أثار؛ رغم أنه لم يكن موضوع كلمته. فقد بحث العلماء قديمًا هذه المسألة، وهي جزءٌ من مبحث الفضائل وفق المنظور الإسلامي الذي يختلف عن المنظور الفلسفيّ.

وهذا المبحث يسعى – في رأيي – إلى بناء النماذج الأخلاقية التي تُحتذى، ولاسيما أن الفضائل دالّة على خصال وأفعال، بعضها منائح وهِبَات من الله – تعالى – لصفوة خَلقه، وبعضها اكتسابات، وكلا النوعين تتحقق به الأفضلية وتتحدد به الدرجات المتفاوتة، بل إن العلماء راحوا يفاضلون بين جنس وجنس، كالمفاضلة بين البشر والملائكة، ومذهب الجمهور تفضيل الأنبياء على الملائكة. والبحث في الفضائل والنماذج التي تُحتذى يتصل بالبحث عن الكمالات، والكمالاتُ موصلة إلى أنواع السعادات.

وعمدةُ النقاش في الأفضلية هو قول الله – تعالى – وقول رسوله – صلى الله عليه وسلم – خصوصًا أن التفضيل إنما يرجع إلى ما عند الله – تعالى – الذي هو مصدر الحُسن والقُبح والكمالات الخُلقية.

فالقرآن الكريم تعرّض للمفاضلة بين النبيين بشكلٍ صريح، ولكنْ مُجمل، في آيتين هما: (تلكَ الرسلُ فضلنَا بَعضهُم عَلى بَعضٍ منهم من كَلم الله وَرفع بعضهم درجاتٍ وآتينَا عيسَى ابن مريم البينَاتِ وَأَيدنَاه بروحِ القدسِ) (وربكَ أَعلمُ بمَن في السماوات والأرضِ وَلقد فَضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورًا).

فالآية الأولى تتحدث عن الرسل الذين قصّ الله قصصهم في سورة البقرة، ولذلك أحال باسم الإشارة "تلك" أي المجموعة، وهم: موسى وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وداود، وغيرهم ممن خَصّ الله كلّ واحد منهم بخَصيصة ليست للآخر، فاتخذ إبراهيمَ خليلًا، وخصّ داود بالزبور وتسبيح الجبال والطير، وخصّ سليمان بتسخير الريح والشياطين وعلمِ منطق الطير، وخصّ عيسى بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وأنه يَخلق من الطين طيرًا بإذن الله، إلى غير ذلك مما يحيل إلى فضائل هي درجاتٌ وخصائص لكلّ نبيّ يمتاز بها من الآخَر.

أما الآية الثانية، فالخطاب فيها للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – إذ تبدأ بالقول: (وربكَ) أي يا محمد، وهي تفيد معنى الآية الأولى، ما يعني أن نبيّنا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – ليس مشمولًا بكلتا الآيتين.

مذهب جماهير أهل الحديث والفقه

أما أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – فهي متضافرة ومتخالفة في الوقت نفسه مع ثبوتها، فقد نهى مراتٍ عن التخيير والمفاضلة بين الأنبياء، وبيّن مراتٍ أخرى فضله على عامة الأنبياء في الجملة دون تخصيص واحدٍ منهم بعينه. ولأجل النصوص الناهية عن المفاضلة بين الأنبياء استشكل العلماء – تاريخيًّا – هذه المسألة، بل إن الإمام القرطبي (ت. 671هـ) قال عند الآية الأولى السابقة: "وهذه آيةٌ مُشكلة والأحاديثُ ثابتة بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا تخيّروا بين الأنبياء)، (ولا تفضّلوا بين أنبياء الله) رواها الأئمة الثقات".

وقد روى الإمام أبو جعفر الطحاوي (ت. 321هـ) قائمة بالأحاديث التي تنهى عن المفاضلة؛ لأنه رآها مُشكلةً، ومنها أن رجلًا جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا خير البرية. فقال له النبي: "ذاك أبي إبراهيم عليه السلام"، وغير ذلك من الأحاديث المتعددة ذات الروايات المتضافرة على النهي عن المفاضلة، إما نهيًا كليًّا وإما نهيًا عن تفضيل النبي محمد على نبي مخصوص كموسى ويونس بن متى. ولأجل هذا خلص الطحاوي المحدث والفقيه الحنفيّ إلى أن ثمة قولين في المفاضلة:

الأول: أنه لا بأس بالتخيير بين الأنبياء بناء على ما اختصّ به كل واحد منهم، وقد أوضح الإمام بدر الدين العيني (ت. 855هـ) أن هذا مذهب طائفة من أهل الحديث.

الثاني: كراهية التخيير بين الأنبياء، أي على وجه التعيين، وقد أوضح العيني أن هذا مذهب جماهير أهل الحديث والفقه؛ فإنهم يكرهون التخيير بين الأنبياء على وجهٍ يؤدي إلى الإزراء بالمُخَيَّر عليه، واحتجّ هؤلاء بأحاديث النهي المتعددة، ومنها حديث: "لا تخيروا بين أنبياء الله"، وحديث: "لا تخيّروني على موسى"، وحديث: "لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى"، وغيرها.

ومع ذلك فقد اعتقد الجماهير أفضلية النبي – محمد صلى الله عليه وسلم – على سائر الأنبياء والملائكة أيضًا، وأجابوا عن أحاديث النهي بإجابات مختلفة ومتناثرة يمكن لي أن أصوغ مجموعها في أربعة مفاهيم نظرية أشكل منها منهجية لتأويل الحديث، وتحرير مسألة المفاضلة، وهي كالآتي:

الأول: التمييز بين الأفضلية والتفضيل. فأفضلية بعض الأنبياء على بعضٍ ثابتةٌ بنص القرآن، وذلك أن من الأنبياء من اختُصَّ بمزية لا توجد في الآخر. والأحاديث الواردة في النهي لا تتناول الأفضلية وإنما تتناول التفضيل، أي الخوض في المفاضلة؛ لأن ذلك يؤدي إلى العصبية بين أتباع الأنبياء وثوران الفِتنة، كما وقع في زمن النبيّ نفسه بين مسلم ويهوديّ، ولذلك منعَهم من ذلك لأجل الفساد وتطييبًا لخاطر اليهودي الذي لطمه المسلم في سياق تلك المفاضلة.

ويظهر لي أن شيخ الأزهر بما له من إدراك لحساسية منصبه وأنه منصبٌ تأليفيّ سلك هذا المسلك النبوي في الإجمال؛ خصوصًا أن كلمته لم تكن لبيان المفاضلة بين الأنبياء، بل لبيان كمال نبينا، صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يدخل في المقاصد التي راعاها النبي والعلماء عامة، على خلاف من يسلك مسلك سيد قطب في المفاصلة وبناء السدود وتوهم إعطاء الدنية في الدين.

الثاني: التمييز بين التفضيل المجمل والتفضيل المعيّن. فالنهي الوارد في الأحاديث هو نهيٌ عن تفضيل نبيّ معيّن على نبي معيّن، وذلك لاعتبارات: أولها: أن الذي يُفاضل لا بدَّ أن يكونَ عالمًا بوجوه التفضيل ودرجاته، وهذه الوجوه مما لا يوقَف عليه إلا بالنصّ دون الاجتهاد.

التفاضل يكون في الأحوال والخصائص

والنصوص في هذا مُجملةٌ في حق عامة الأنبياء بل إن منهم من قصّهم الله على نبيه الخاتم، ومنهم من لم يَقْصُصهم عليه. وثانيها: أن النهي عن تفضيل المعيّن على المعيّن دَفْعٌ للإزراء بأحد الأنبياء؛ فإن ذلك – إن وقع – سبيلٌ إلى الكفر؛ لأن الواجب احترام جميع الأنبياء وتوقيرهم. وتفضيلُ واحد بعينه على واحد بعينه يوهم النقص في المفضول، وقد أُمرنا بأن (لَا نفرّق بين أَحَدٍ مِّن رسلهِ) من حيث الإيمان به وتوقيره.

الثالث: التمييز بين النبوة نفسها وأحوال الأنبياء. فالأنبياء كلهم سواءٌ في حق النبوة والرسالة، ولا نفضل بعضهم على بعض في هذا المعنى، ولكن التفاضل إنما يكون فيما هو زائد على النبوة، وهو الأحوال والخصائص التي اختُصّ بها كل واحد منهم، وهذا معنى (لَا نفرّقُ بَين أحَد من رسُله).

وبناء على هذه الأحوال كان هناك مطلق الرسل، وأولي العزم من الرسل، ومن رُفع مكانًا عليًّا، ومن أوتي الحكم صبيًّا، ومن أوتي الصحف ومن أوتي الزبور ومن أوتي الكتاب، ومن كلّمه الله تكليمًا، إلى غير ذلك مما عبر عنه الله – تعالى – تعبيرًا مجملًا فقال: (ورفعَ بعضهم درجات) بعد أن أثبت أنه فضّل بعض الرسل على بعضٍ في الآية نفسها.

الرابع: التمييز بين التفضيل الوجهي (أو من وجهٍ) وبين التفضيل الجُمْليّ (أو في الجملة). وهنا تتنزل القاعدة التي أشار إليها شيخ الأزهر في كلمته حول التمييز بين الخصوصية والأفضلية، فالخصوصية (أو المزيّة) لا تقتضي الأفضلية وهي قاعدةٌ صحيحة – في رأيي – جاريةٌ على كثير من الأمثلة في الأنبياء وغيرهم.

فقد سوّينا بين الأنبياء من حيث النبوة التي لا تفاوت فيها؛ لأنهم جميعًا مُصطفَون وحازوا وجوه الكمال والمحاسن، وإن كانت درجاتهم في ذلك غير متساوية بصريح القرآن كما سبق، بل جاءت الأحاديث أيضًا توضح تفاوتهم كحديث المعراج الذي يوضح أن بعض الأنبياء أرفع درجة من بعض، وأنهم موزعون بين السماوات، وأنه رغم أن بعضهم اختُصّ ببعض الخصائص دون الآخرين فلا يلزم من تفضيل أحدٍ على أحدٍ في صفة خاصة أن يكون أفضل منه في جميع الصفات، أي في الصورة المجموعة أو الكلية.

وبهذا اختُص نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – فكان أفضلهم جميعًا على وجه الإجمال لا التعيين وبالصورة المجموعة وإن كان لبعض الأنبياء خصائص لم توجد له، وقد نشأت أدبيات تعدّ خصائصه الشريفة الدالة على أفضليته بنوعها ومجموعها على السواء، وقد ثبتت في أحاديث عديدة، وقد أوصل أحد العلماء عدد خصائصه – صلى الله عليه وسلم – إلى ستين خصلة وهو ما لم يوجد لغيره.

وقد جاء في كتب شروح الحديث معانٍ وتأويلاتٌ ضربتُ صفحًا عنها؛ لبُعدها في رأيي، كالقول مثلًا: بالنسخ وبأن أحاديث النهي المتعددة كانت قبل أن يوحى إليه بإثبات التفضيل، فالنسخ لا يثبت إلا بمعرفة التاريخ، وهشاشة هذا التأويل تظهر من المعاني السابقة التي أوردتها، وكالقول مثلًا: إنه، صلى الله عليه وسلم، نهاهم عن تفضيله على غيره على سبيل التواضع وهَضْم النفس والبر بغيره من الأنبياء، وهذا ضعيفٌ في رأيي؛ لأن ثمة أحاديث أخرى يُثبت فيها لنفسه العديد من الفضائل والخصائص التي اختُصّ بها وأبرزها أنه قال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر".

كما أن مقام النبوة مقام البيان، فضلًا عن أن خصوصياته – صلى الله عليه وسلم – هي كرامات وهبية من الله – سبحانه – وليست كسبية من قبل نفسه حتى يفتخر بها، ولذلك قال في الحديث: "ولا فخر"، وهو صلى الله عليه وسلم – مع ذلك – بالغٌ الدرجةَ العليا في التواضع.

لا تقدم هذه المفاهيم الأربعة إطارًا نظريًّا لتحرير مسألة التفضيل بين الأنبياء فحسب، وإنما تقدم إطارًا منهجيًّا لفهم ما صُنِّف على أنه مُشكلٌ من الحديث؛ لأنها تنقلنا من الأحاديث المفردة (أو الجزئية) إلى فهم الخطاب النبوي الذي ينسجم مع الخطاب القرآني من جهة، والذي تتضافر فيه الأحاديث المختلفة على اختلاف سياقاتها وأزمنتها لتأدية معنى متماسك، هو جزء من نسيج الخطاب النبوي من جهة أخرى.

كما أن هذه المفاهيم توضح كيف أن المنظور الأخلاقي هيمن على هذه المسألة، وأنه يستوعب الاعتقاد النظري بالمساواة التامة بين الأنبياء من حيث النبوة والتفاضل في الكمالات والفضائل على تنوعها، وأن تنوعها أيضًا يقدّم لنا نماذج تُحتذى تشكل بمجموعها الكمال الإنساني كما أراده الله – سبحانه – الذي اصطفى هؤلاء جميعًا من بين سائر البشر، وجعلهم نماذج يُستهدى بها على تعاقب الأمم والتواريخ. والله أعلم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات صلى الله علیه وسلم التمییز بین شیخ الأزهر عن تفضیل على بعض فی رأیی جمیع ا الذی ی

إقرأ أيضاً:

قبل بدء شهر رمضان 2025.. خير الأعمال وأفضل العبادات

أحبّ الأعمال إلى الله في شهر رمضان.. مع اقتراب شهر رمضان 2025، يتساءل الكثير عن كيفية استغلال كل لحظة في الشهر الكريم بأفضل طريقة، كتخصيص وقت للعبادة والذكر وقراءة القرآن وغيرها من العبادات والأعمال الصالحة، حتى يفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.

وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها معرفة كل ما يخص جدول العبادات في رمضان وأفضل الأعمال الصالحة، وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنا.

أفضل العبادات في رمضان

قيام الليل

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

وعن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.

وكانت امرأة حبيب أبي محمد تقول له بالليل: «قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدَّامنا، ونحن قد بقينا».

قال محمد بن المنكدر: «إني لأدخل في الليل فيهولني، فأصبح حين أصبح وما قضيت منه أربي» (أي: حاجتي).

وعن ابن جريج صحبت عطاء - وهو ابن أبي رباح - ثماني عشرة سنة، وكان بَعد ما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك.

الدعاء

وقد كان مجيء قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) بين آيات الصيام دليلاً واضحاً على أهمية هذه العبادة في هذا الشهر.

والدعاء هو العبادة، وهو يدل على افتقار العبد إلى ربه وحاجته إليه في كل حال، وقد سمَّاه الله تعالى عبادة في قوله: وقال ربكم ادعونني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين غافر / 60.

أفضل العبادات في رمضان

الاعتكاف

يحرص المسلم على قضاء أغلب وقته بالمسجد، يصلي، ويقرأ القرآن، ويذكر الله خاصّة في أواخر رمضان، ويتحرّى ليلة القدر في العشر الأواخر.

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان. رواه البخاري (1921)، ومسلم (1171).

قال ابن القيم رحمه الله - مبيِّناً بعض الحِكَم من الاعتكاف -:

«لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفاً على جمعيته على الله، ولمِّ شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثاً ويشتته في كل واد، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى أو يضعفه، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة عن سيره إلى الله، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده، بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته فيستولي عليه بدلها.. .. انتهى من زاد المعاد» (2 / 86، 87).

الجود وقراءة القرآن

وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. رواه البخاري (6)، ومسلم (2308).

قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعتُه الطعام والشهوة فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل فشفِّعني فيه، قال: فيُشفَّعان رواه أحمد (6589) بسند صحيح.

شهر رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان حال السلف العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمه، يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان.

وقال ابن عبد الحكم: «كان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.» وقال عبد الرزاق: «كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن». وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

قال ابن رجب: «إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان».

العمرة في رمضان

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه - لزوجها وابنها - وترك ناضحاً ننضح عليه، قال: فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإن عمرة في رمضان حجةً. رواه البخاري (1690)، ومسلم (1256).

والناضح: بعير يسقون عليه.

وقال الرسول (ص): «عمرة في رمضان كحجة معي»، متفق عليه، حيث أن العمرة في رمضان تعادل حجة لما فيها من مشقة.

ترك الغيبة والنميمة والمعاصي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري (1804).

والصيام فرصة لترك الدخان والصحبة الفاسدة والسهر على المعصية وذلك حين يمتنع عن الطعام والشراب ويسهر في بيوت الله تعالى في صلاة وعبادة.

إطعام الطعام

قال الله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً. إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرةً وسروراً وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً الإنسان/ 8 - 12.

عن زيد بن خالد الجهني قال: قال صلى الله عليه وسلم: مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء. رواه الترمذي (807)، وابن ماجه (1746)، وصححه الألباني.

وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات. وقد قال بعض السلف: «لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل».

أفضل العبادات في رمضان

الذكر

ذكر الله عز وجلّ، والتسبيح، والاستغفار له أجر مضاعف في رمضان، حيث يفتح أبواب الرزق، ويفرّج الهمّ، ويبعد النفس عن المحرّمات، ويبقي القلب ذاكراً لله، وقال الرسول (ص): «الا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلي يارسول الله قال: ذكر الله»، صحيح الإسناد، وقال أيضًا: «سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يارسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات»، رواه مسلم.

الصدقة

قال رسول الله (ص): «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالي»، صحيح الترغيب.

وروي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، كان رسول الله (ص) أجود الناس، وكان أجود مايكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فالرسول كان أجود بالخير من الريح المرسلة، حيث تعدّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يجزي الله فاعلها، وتكون بالمال، أو بالطعام، أو باللباس.

كثرة الصلاة على الرسول (ص)

تعد كثرة الصلاة على الرسول (ص)، من أقرب القربات وأعظم الطاعات، وعلامة على محبة العبد المؤمن لله تعالى الذي أمر بذلك، ومحبة النبي (ص) ونيل القرب منه، وتحقيق الوصل، والصحبة للجناب الشريف صلى الله عليه وسلم، وذلك امتثالاً لأمر الله تعالى، وتشوقا إليه، واغتناماً لما فيه من الفوائد العظيمة، والأجور المضاعفة الجسيمة، ولقد ورد الأمر الرباني بالإكثار من الصلاة على النبي محمد (ص) في القرآن الكريم، كما بينت آية الأحزاب من خلال قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

صلة الأرحام

صلة الرحم من العادات في هذا الشهر الفضيل تبادل الزيارات بين الأحبّاء والأرحام، التي يتخلّلها المحبّة والمودّة.

الزكاة

يخرج المسلم زكاته بهذا الشهر للمحتاجين والفقراء، فقال سبحانه وتعالي (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ).

إحياء ليلة القدر

كان رسول الله (ص) يدعو أصحابه والتابعين إلى تحري ليلة القدر وإحيائها، حيث إنّ الله عزو جل شرّف هذه اللية ورفع قدرها، ففي إحيائها أجر عظيم ومنافع للمسلم، إذ يغفر الله فيها لمن قامها ابتغاء وجهه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

اقرأ أيضاًكم باقي على الشهر الكريم؟ موعد شهر رمضان 2025 فلكيّا

استعدوا لاغتنامه.. موعد أول يوم رمضان 2025

مرحب شهر الصوم.. موعد أول يوم رمضان 2025 وإجازة عيد الفطر المبارك

مقالات مشابهة

  • الأدلة على فضل ليلة النصف من شعبان
  • العطاء المبرور
  • دعاء الضيق كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم
  • فضل أداء صلاة قيام الليل في رمضان
  • علي جمعة: ذكر الله عبادة يطمئن ويصلح بها القلب
  • الحزب الكردي: أوجلان يوجه قريبًا خطابًا تاريخيًا
  • فضائل شهر رمضان
  • حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
  • قبل بدء شهر رمضان 2025.. خير الأعمال وأفضل العبادات
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم