إيهاب جلال

لم يلتئم الجرح الغائر لفراق المظلوم أحمد رفعت حتى تجرعنا كأس الفقد المؤلم مرة أخرى بتغييب الموت «للجنتلمان ايهاب جلال» 57 عامًا الدمث صاحب الخلق الرفيع والسيرة العطرة التى يفوح أريجها حيثما حلّ رحيله المفاجئ صدم الوسط الرياضى فخيم الحزن الكئيب على الأرجاء لا أتذكر أنى شاهدت هذا الإجماع النادر على محبة و تقدير شخصية كروية مثلما حظى بها هذا المهذب بالرغم من انه لم يكن يوما من الأيام أحد نجوم الشباك فى القطبين الأهلى و الزمالك لكنه كان لاعبا مكافحا بدأ مسيرته الملهمة من تحت الصفر فى نادى الشمس ثم لمع نجمه بعد انتقاله إلى الاسماعيلى واحترف فترة قصيرة فى الصين ليختم مشواره مع المصرى البورسعيدى بعدها اتجه لمجال التدريب فقام بتأهيل نفسه بشكل علمى سليم واستطاع فى سنوات قليلة أن يفرض نفسه على الساحة بدون بروباجندا كاذبة أو تملق افراد شبكة العلاقات المتحكمة فى صناعة الكرة المصرية ونجح بدأب وصبر مع نادى مصر المقاصة فى تقديم كرة قدم حديثة وجميلة حقق بها نتائج رائعة دون ضجيج ليحفر اسمه فى قائمة المدربين النجوم وانهالت عليه العروض فتولى فرق أخرى اهمها الزمالك و المصرى واهلى طرابلس والاسماعيلى امتاز عن أقرانه بأن لديه رؤية و فلسفة كروية حديثة نتيجة اطلاعه على وسائل الخطط الفنية المبتكرة، بالإضافة لتمتعه بثبات انفعالى وعين خبيرة فى تقييم وتوظيف اللاعبين، لذا كان من الطبيعى أن يتولى منصب المدير الفنى للمنتخب الوطنى فى صيف عام 2022، لكنه للأسف لم يستمر سوى ثلاث مباريات فقط!! حقق فيها الفوز مرة، وخسر مباراتين، منها لقاء مصر وإثيوبيا فى تصفيات أمم أفريقيا، ليرحل عن منصبه سريعاً فى واقعة تعد أسرع إقالة فى تاريخ الكرة المصرية.

هذه الجريمة الإدارية هى مؤامرة مكتملة الأركان ضد انسان مسالم رفض الدخول فى مهاترات عبثية مع  عناصر مختلفة جمعتها غواية الشر على رأسها لجان إلكترونية مأجورة مسعورة تكيل السباب المهين يشجعها محللون مرضى وجهلة هدفهم شحن واثارة الرأى العام وفى خلفية هذه الصورة القميئة مسئولون مرتعشون لا يهمهم سوى البقاء على الكراسى من المفروض أن يتم التحقيق معهم مثلما حدث مع قضية احمد رفعت حتى لا تكرر هذه المأساة يجب أن يحاكموا بتهمة الاغتيال المعنوى مع سبق الإصرار والترصد فهى أسوأ أنواع الاغتيال وأشدها فتكًا لأنها قضت على طموحاته المشروعة قبل أن تبدأ فتحطمت معنوياته ولأنه لا يجيد فن الردح و ليس له ظهير شعبى يدافع عن حقه تسلسل  القهر والحزن إلى أعماقه لا إراديا فتحطمت ذاته نفسيا قبل جسديا نعم الحزن يكسر القلب فهذا ليس تعبيرا مجازيا او استعارة مكنية وإنما حقيقة علمية أكدتها دراسة أجريت بالولايات المتحدة فى وقت سابق ونشرتها مجلة القلب الاوروبية، فالحزن يؤدى لانبعاث عاصفة من هرمونات الغضب الدفين الذى يؤدى لإفراز الأدرينالين والنورأدرينالين، مما يسبب تقلصا شديدا فى الشريان التاجى يترتب عليه حدوث سكتة قلبية. وفاة ايهاب يجب أن تدق ناقوس الخطر فهنالك تغير مخيف فى أخلاقيات المجتمع الذى اصبح اكثر قسوة من الحجارة و ان من الحجارة لما يتفجر منه الماء من أين جاءت كل هذه الغلظة والعنف اللفظى الجارح، لقد اضحى كل من هب ودب قادرا على استباحة الحرمات و الخوض فى الأعراض وهو محض جبان يختبئ خلف شاشة التليفون المحمول أو فى جنبات المدرجات يعلم علم اليقين أنه لن يعاقبه احد ألا يدرك المسئولون عن الرياضة أن الكلمة الخبيثه تقتل النفوس مرهفة الحس التى تكتم غيظها كما أمرها المولى عز وجل لتصبح فى نهاية الأمر فريسة سهلة للضغوط النفسية المدمرة السبب الرئيسى للموت المفاجئ.

رثاء ايهاب جلال هو رثاء لقيم انسانية نبيلة توشك ان تختفى من حياتنا ولكن يأبى الطيبون الذين يملكون نقاء افئدة الطير ألا يتركوا دنيانا التى لا تساوى عند الله جناح بعوضة بدون أن يذكرونا بأن السيرة اطول من العمر وهى الاستثمار المضمون لذريتهم ويكفى للتدليل والبرهان ذلك الوداع المهيب، حيث حرص العشرات من نجوم الكرة الحاليين والسابقين والبسطاء من جماهير الكرة على التوافد للمستشفى فور الإعلان عن وفاته لإلقاء النظرة الأخيرة وتحول اسم إيهاب جلال إلى «الترند الأول» عبر مواقع التواصل الاجتماعى انهالت خلالها عشرات الآلاف من تغريدات العزاء الصادقة لرثاء القيمة الإنسانية قبل الرياضية، رحم الله هذا الفارس النبيل وتغمده بالرحمة والمغفرة وأدخله فسيح جناته وعزاؤنا انه فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.

المصدر: بوابة الوفد