أبهرتني عبارة كُتِبت بيد خطاط مُبدع تقول : ” لو لم يخترع البشر الفن كانوا من الممكن أن يموتوا من الحقيقة “..
فعلاً (الفن) يُجمّل الحقيقة ويخفف من وطأت جورها ويغطي عيوبها ويُلطّف قسوتها ويعيننا على تقبل مرارتها ويدفعنا لمواجهتها ويُلبسنا حُلل الصبر والحِكمة للوقوف بكل صرامة أمام قوتها ..
نحن في معركة هذه الحياة وحقيقتها الصعبة ، بين مُناضلٍ مُكافحٍ مُحاربٍ يرجوا النجاة منها بأقل الخسائر ، وبين مزعوج ومكتئب وحزين يبحث عن السلام الداخلي ، ناهيك عن المتبلّد الذي طحنته حقيقة الحياة وبرمجته على الروتين اليومي وحولته كمحركٍ يعمل منذُ ظهور الضوء لعتمة الليل.
.
ثم يأتي (الفن) على هيئة سُلّم موسيقي ونغمة شادية ، جابراً للخواطر ، أو ريشة فنان تلوّن المُعتم من الحياة ، أو قصبة خطاط سطّرت حروفاً من ذهب لتنير فكر مخنوق ، أو شاعر مُلهِم ينظمُ عقوداً من دُرر لتطوق روح متعبة ، أو كتاب يحوي رواية خيالية تُحلّق بقارئها بعيداً عن الحقيقة الموحشة ، أو خاطرة تُفرّج قلب مهموم ، أو نُكتة تُروّح النفس وترسم البسمة على الشفاه الحزينة أو مسرحيّة تسخر من الواقع وتجعلهُ صغير في عين الخائف..
(الفن) بكل صنوفه وأنواعه يُهذّب الروح ويروّض السلوك ويفتح ما أُغلق من مدارك العقل ويحارب طغيان النفس ويغتال العدوانية والتسلُّط في البشر وينشر الحب والسلام..
.
السلام وكل التحايا والحب والامتنان والعرفان ، على من أخترع الفن وأعاننا على تحمُّل حقيقة هذه الحياة..
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
نحو استعادة البشرية لآدميتها المسلوبة
بعد عام ملأت فيه رائحة البارود الدنيا وشغلت الناس في الشرق الأوسط، عادت نيران أوكرانيا لتشعل صفحات الإعلام من جديد، بعد أن صادق الرئيس الأمريكي المنصرف جو بايدن على إمكانية استخدام كييف لصواريخ بلاده الباليستية لدك الأراضي الروسية، في خطوة أعادت لهيب حربي موسكو وكييف إلى مساحة الاشتعال، دونما اكتراث بتعهدات ترامب العائد إلى الحكم ووعوده بإنهاء هذه الحرب خلال أربع وعشرين ساعة.
صواريخ بايدن يقول البعض، جاءت لتعطل مطامح ترامب في إخماد حروب الأرض، حسب المقربين من الأخير، بل تقود المشهد نحو الانفجار والمزيد من التعقيد والقتل والدمار، وفي مسعىً لخلط الأوراق وبعثرتها.
وبين الشرق الأوسط وأوكرانيا تفاقمت رائحة البارود، لتتعرف البشرية على صنوف المسيرات والصواريخ الفرط صوتية والباليستية والاعتراضية ومنظومات حيتس وثاد وطائرات أف 35 وأف 15 المطورة وقائمة لا تنتهي من عتاد الموت، في كوكتيل عجيب من أدوات الفتك التي تتباهى بها مصانع الشر، من دون ضمير أو أخلاق أو روادع تذكر.
ليقودنا هذا كله لنعيش تحت وطأة تواصل الصراع الاستعماري على طرق التجارة ومصادر الطاقة ومنابعها ومواطنها، وذلك عبر تخريجات مفبركة، يتم إلباسها ثوباً مزعوماً ومصطنعاً ومغلفاً بالديمقراطية والإنسانية والحرية الواهية.
فدفاع الاحتلال الصهيوني عن الذات، إنما يعني بالنسبة له تدمير الفلسطينيين ومحقهم وسحقهم وطحنهم
معارك تجترح المزيد من الأفكار الشيطانية، والخطط المسمومة، في محاولة لتغليف مضامين تلك الحروب، بأهداف دفاعية كاذبة ومزيفة. فدفاع الاحتلال الصهيوني عن الذات، إنما يعني بالنسبة له تدمير الفلسطينيين ومحقهم وسحقهم وطحنهم وسط عالمٍ صامت، ما زال يرتعد خوفاً من اللوبي الصهيوني، عالم يسعى على مدار اليوم إلى أن يلوث مسامعنا بأسطوانة مشروخة ممجوجة، تشرعن حق الاحتلال المزعوم بقتل البشر والشجر والحجر، قتل النساء والأطفال والشيوخ ودفنهم أحياء من دون أدنى رحمة ولا حتى ذرة إنسانية تحت ذريعة الدفاع عن النفس!
البشرية ليست بحاجة اليوم لكوكتيل السلاح هذا، بل هي في أشد الحاجة إلى وأد الحروب وتجارها ومدمنيها ومصنعيها وداعميها، وما ارتبط بها من توظيف دنيء وبشع وكارثي للتكنولوجيا القذرة، التي يرتبط نجاحها بقدراتها التدمرية، لتكون فاعلية السلاح مقرونة بكم من البشر تستطيع هذه التكنولوجيا أن تقتل. البشرية بحاجة لكوكتيل حرية وكرامة وتطور وتقدم وازدهار، بعيداً عن اللاهثين وراء حقول الغاز والبترول والمعادن الثمينة والراكضين وراء الثروة المجبولة بالحروب ودماء الأبرياء حول العالم.
معدن البشرية الثمين إنما يجب أن يكمن في ما يكمن بكم الخير الذي توجده المجتمعات قاطبة وقدرتها على الإطاحة بطغاة الأرض وقتلتها وملوثيها. لسنا بحاجة لصنوف السلاح بكل مسمياته ومواصفاته بل بحاجة لمن يقود البشر نحو مباطحة قراصنة العصر، من قتلة ومجرمين وتجار لا تعنيهم حياة البشر، وإنما يعنيهم «تسمين» جيوبهم وثرواتهم وودائعهم، فهل ينفض العالم بعد محرقة الشعب الفلسطيني الغبار عن كرامته والمنظومة الآدمية وأخلاقيات الحياة، أم يبقى مدمناً على الاستسلام لجمهور القتلة الأفاقين؟ هل تذهب الشعوب نحو استعادة البشرية لآدميتها المسلوبة؟ أم تبقى رهينة مطامع حفنة من القطط السمان؟ ننتظر ونرى!
القدس العربي