كيف يعزز "حزب الله" أمن اتصالاته عقب استهداف عناصره وأجهزة "البيجر"؟
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
يعتمد إتباع حسن نصرالله وحزب الله اللبنانى على استراتيجيات متنوعة ومتزامنة لتعقيد أي محاولات اختراق أمنية، كما يمتلك "حزب الله" بنية تحتية متقدمة ومعقدة من شبكات الاتصالات السلكية، والتي تُعتبر أكثر أماناً مقارنة بالشبكات العامة، لعدم اعتمادها على الإنترنت أو الهواتف المحمولة.
شهد العالم هجوماً غير مسبوق الأيام القليلة الماضية، إذ استهدفت إسرائيل أكثر من 3000 عنصر وقيادي من "حزب الله"، إلى جانب سفير إيران لدى لبنان، مجتبى أماني، في ضربة مفاجئة في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق لبنانية أخرى، وصولاً إلى الأراضي السورية، ويعتبر هذا الهجوم الذي وصفه البعض بالمشاهد السينمائية، يظهر قدرة إسرائيل على تمييز عناصر الحزب من خلال التشوهات التي لحقت بهم.
وأفادت مصادر مقربة من "حزب الله" أن الإجراءات الأمنية المتبعة قد حالت دون إدخال العديد من أجهزة "البيجر" إلى مواقع حساسة، إذ انفجرت مئات منها في مكاتب ومنازل وسيارات.
وأعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض أن التفجيرات أسفرت عن إصابة ما بين 2750 و2800 شخص، بالإضافة إلى تسعة قتلى، بينهم طفلة في الثامنة من عمرها، كما أشار إلى أن الأعداد قد ترتفع لاحقا، وأن معظم الإصابات خطيرة وتتراوح بين جروح في الوجه واليد والبطن والعين، مما أدى إلى إعلان أكثر من 100 مستشفى في لبنان حالة الطوارئ لاستقبال المصابين.
إسرائيل تجتاح لبنان من دون قتال مباشر..
أثارت الحادثة الأخيرة جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام العربية والإقليمية والدولية، إذ تم وصف الهجوم الإسرائيلي على لبنان بأنه "اجتياح" حدث دون الحاجة إلى أي قتال مباشر أو استخدام الدبابات.
وقد أظهرت التقارير أن الهجوم لم يستهدف سوى عناصر "حزب الله" الذين كانوا يتنقلون في حياتهم اليومية بين المدنيين، سواء كانوا يتسوقون في السوبر ماركت أو يقضون الوقت مع عائلاتهم، هذا الهجوم الذي جاء بشكل مفاجئ ودون أي اشتباك عسكري تقليدي، يعكس تطوراً جديداً في الأساليب العسكرية المتبعة.
من يتحمل المسؤولية؟..
الأحداث الأخيرة أثارت سلسلة من الأسئلة والاتهامات داخل صفوف "حزب الله" وفي الأوساط اللبنانية حول الجهة المسؤولة عن التفجيرات التي هزت مناطق متعددة ، إذ كشفت التقارير الصحافية القريبة من الحزب تشير إلى أن النقاشات بدأت تدور بقوة لمعرفة أسباب الحادث وطرق التحقق الأمني من مصدر الخرق الذي سمح بتنفيذ هذا الهجوم الكبير، يتناول النقاش كيفية وصول العدو إلى المعلومات التي مكّنته من إدخال شحنة أجهزة الاتصال المتفجرة، مرورا بالخطوات التي اتبعها لضمان وصولها إلى عناصر الحزب، وصولاً إلى طريقة التنفيذ وتقييم الأضرار وتأثيرها على جبهة المقاومة.
في هذا السياق، تحدث الأمين العام حسن نصر الله عن آخر التطورات حديثا مطولا مساء اليوم الخميس.
ومن جانب آخر، يُلقي العديد من المراقبين اللوم على قيادة "حزب الله" بسبب استهانتها بالتهديدات الإسرائيلية التي تلقتها عبر زيارات مكوكية لموفدين دوليين وعرب، وبرغم من تحذيرات المجتمع الدولي من خطورة التصعيد، فقد استخف الحزب بهذه التهديدات بناءً على اعتقاده بأن الولايات المتحدة لم تمنح الضوء الأخضر لإسرائيل.
وقد نقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، خلال زيارته الخامسة إلى تل أبيب منذ بداية حرب غزة في أكتوبر 2023، أن إسرائيل ستفعل ما يلزم للحفاظ على أمنها حتى وإن لم يتم تأمين عودة السكان النازحين من الشمال.
كما أشار موقع "أكسيوس" إلى أن إسرائيل قد تكون خططت لتفجير أجهزة النداء كجزء من خطة أوسع لبدء حرب جديدة.
ووفقاً لوكالة "رويترز"، تم زرع كميات صغيرة من المواد المتفجرة في 5 آلاف جهاز "بيجر" طلبها "حزب الله"، وانفجر منها 3 آلاف جهاز فقط، مما يشير إلى أن "الموساد" الإسرائيلي قد وصل إلى هذه الأجهزة قبل تسليمها للحزب.
وأضافت وسائل الإعلام العبرية أن المواد المتفجرة المستخدمة هي مادة "PETN"، وهي مادة شديدة الحساسية.
خروقات أمنية واسعة لـ"حزب الله "..
تشكل الحادثة الأخيرة أكبر اختراق أمني يتعرض له "حزب الله" في السنوات الأخيرة، وقد تكون سابقة في تاريخ الحروب وأعمال التجسس، وتعتبر هذا الخرق قد يفضي إلى تصعيد جديد في الصراع بين الحزب وإسرائيل في السنوات الأخيرة، شهد الحزب عدة اختراقات أمنية، سواء على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، شملت عمليات تجسس لصالح جهات دولية وإقليمية، بالإضافة إلى محاولات قرصنة إلكترونية استهدفت أنظمة الحزب وبنيته التحتية.
كما تم اكتشاف خلايا تجسس داخل صفوف الحزب تعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية مثل الموساد الإسرائيلي والاستخبارات الأميركية، وكان بعضها في مواقع حساسة، مما شكل تهديداً كبيراً لأمن الحزب.
كما تعرض الحزب لمحاولات قرصنة أكثر من مرة على أنظمته الإلكترونية، إما لاستهداف معلومات استخباراتية أو لتعطيل عملياته اللوجيستية والعسكرية، وهو ما ساهم في نجاح عمليات الاغتيال التي طالت قادة الصف الأول مثل عماد مغنية في عام 2008، وأحدثها وسام الطويل وفؤاد شكر، والتي نسبت إلى اختراقات أمنية سهلت تنفيذها.
أعلنت الأجهزة الأمنية اللبنانية في يوليو الماضي، عن اعتقال عناصر أجنبية كانت تتجول في الضاحية الجنوبية وتقوم برصد أو تصوير مواقع معينة، وهذه ليست الحادثة الأولى، إذ تم اعتقال أشخاص يحملون جوازات سفر دبلوماسية قبل أشهر، وأطلق سراحهم بعد تدخل سفاراتهم، وغالباً ما يعلن الحزب عن اكتشاف جواسيس داخل تنظيمه.
هذه الخروقات دفعت "حزب الله" إلى تعزيز تدابيره الأمنية، بما في ذلك تطهير صفوفه من العناصر المشتبه بها وتطوير قدراته السيبرانية والاستخباراتية، وفقاً لمصادر لبنانية مطلعة، وبدأ الحزب في استخدام الرموز في الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر للتخفيف من تكنولوجيا المراقبة المتطورة التي تعتمدها إسرائيل، في محاولة لتفادي محاولات الاغتيال التي طالت عدداً من قيادييه.
وفي السياق ذاته، قال الجنرال الاحتياطي الإسرائيلي سليم وهبي في حديث إعلامي إن هذا النوع من العمليات الدقيقة يتطلب تحضيراً يستمر لعدة أشهر، إذ يتم دراسة نوع أجهزة الاتصالات وطريقة عملها ومستخدميها والثغرات المتعلقة بها.
وأضاف وهبي أن الحزب يواجه صعوبة في التواصل بين عناصره وقادته بعد الحادثة، وأنه سيحتاج إلى أسبوع أو أسبوعين لجلب أجهزة جديدة واستعادة التواصل الداخلي.
ما هى وسائل التواصل بين عناصر الحزب الله ؟
ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلاً عن شركة "لوبك إنترناشيونال الأمنية"، أن السبب المحتمل لانفجار أجهزة الاتصال "البيجر" هو وجود برمجيات خبيثة.
وبحسب مصدر مراقب ومطلع على تحركات "حزب الله"، يعتمد الحزب على مجموعة متنوعة من التقنيات والوسائل لضمان التواصل الآمن بين عناصره، مع التركيز على تأمين هذه الوسائل ضد أي اختراق محتمل، وأبرز هذه التقنيات هي شبكات الاتصالات الخاصة التي طورها الحزب بشكل مستقل عن الشبكات الحكومية اللبنانية، وذلك لحماية اتصالاته من المراقبة والتجسس.
ويعتمد "حزب الله" أيضاً على أجهزة الاتصال المشفرة بشكل مكثف في الفترة الأخيرة، إذ توفر هذه الأجهزة حماية قوية للاتصالات الصوتية والنصية عبر تقنيات تشفير متقدمة لضمان سرية المعلومات، وفقاً للمصدر.
في بعض الحالات، يلجأ الحزب إلى وسائل التواصل الأرضي التقليدي بين مراكزه ومواقعه عبر الكابلات أو الأجهزة الأرضية غير المتصلة بالإنترنت.
كما قد يستخدم تقنيات الأقمار الاصطناعية للاتصالات على مسافات بعيدة عند الحاجة، وفي حالات معينة يعتمد الحزب على تطبيقات رسائل مشفرة مثل "سيغنال" و"تيليغرام"، ولكن بحذر شديد لضمان عدم تتبع البيانات أو التعرف على المستخدمين.
كيف يرد "حزب الله" على الهجمات ؟
في أول تعليق له، وصف "حزب الله" الهجوم الذي تعرض له بأنه أكبر اختراق أمني في تاريخه، متعهداً بالانتقام من المسؤولين عن "العدوان الآثم"، إذ تعهد بفرض "القصاص العادل" على إسرائيل من إذ يتوقع ومن حيث لا يتوقع.
كما حمّل الحزب إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الهجوم، متوعداً بتصعيد العمليات العسكرية رداً على ما اعتبره "مجزرة" ضد الحزب.
وفي بيانه، أكد "حزب الله" استمراره في دعم قطاع غزة عسكريا، مشيرا إلى أن هذا الدعم ليس مرتبطاً بما سماه "الحساب العسير" الذي ينتظر إسرائيل على الهجوم الأخير، كما أوضح البيان أن عدة أجهزة "بيجر" تابعة لعناصر من الحزب قد انفجرت.
وأوضح العميد الدكتور طارق العكاري، المتخصص المصري في الاقتصاد العسكري، أن رد الحزب على الهجمات سيكون أقوى من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن استخدام إسرائيل للتكنولوجيا يعكس ضعف فعالية استراتيجيتها العسكرية التقليدية.
بعد هذا الهجوم، يتساءل الكثيرون عن الخطوات التي سيقوم بها "حزب الله" لتعزيز أمان اتصالاته. ووفقاً لمصدر مقرب من الحزب، من المحتمل أن يتجه الحزب نحو تطوير تقنيات تشفير أكثر تعقيدا وتعزيز أنظمة الاتصالات الخاصة به لتكون أقل عرضة للاختراق.
وقد يتخلى الحزب عن بعض الوسائل القديمة مثل "البيجر" وينتقل إلى أجهزة اتصال أكثر حداثة وأماناً، ويعزز أيضاً الاعتماد على وسائل الاتصال غير الإلكترونية.
ومن الممكن أن يعزز الحزب أيضاً استخدام الأساليب التقليدية للتواصل، مثل المراسلين الشخصيين لنقل الرسائل يدوياً بين المراكز والقادة، لتحسين سرية المعلومات وتفادي استهداف الرسائل عبر الوسائل الإلكترونية.
كما يتعين على الحزب تحسين شبكة اتصالاته الأرضية لتجنب الارتباط بشبكات وطنية أو دولية مما يصعب عمليات الاختراق المستقبلية.
ووفقا لمصدر مطلع، سيعمل الحزب على تدريب أفراده بشكل مكثف للتعامل مع الاختراقات الأمنية وزيادة الوعي حول أمن المعلومات.
ومن المتوقع أن يستمر الحزب في استخدام عدة وسائل تواصل بشكل متزامن لتعقيد أي محاولة اختراق، مع الاعتماد على بنيته التحتية الخاصة من شبكات الاتصالات السلكية التي تعتبر أكثر أماناً من الشبكات العامة لعدم اعتمادها على الإنترنت أو الهواتف المحمولة.
وتجدر الإشارة إلى تقرير حكومي لبناني من مايو 2008، الذي أفاد بأن شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب قد تحتوي على حتى 100 ألف خط، مع توضيح دور إيراني في دعم هذه الشبكة عبر الهيئات الإيرانية، وأكد "حزب الله" أن هذه الشبكة كانت جزءًا أساسيا من نظام الحماية الخاص به ودعمت مقاومته خلال حرب 2006 مع إسرائيل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وحزب الله اللبناني ومعقدة الهواتف المحمولة أجهزة الاتصال هذا الهجوم الحزب على من الحزب حزب الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية