قراءة في ميثولوجيا الوعل بالنادي الثقافي
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
أقام النادي الثقافي محاضرة بعنوان «صانع المطر.. قراءة في ميثولوجيا الوعل» للدكتور حمود الدغيشي، قدمها يونس النعماني، بحضور لفيف من المثقفين والمهتمين.
تناولت المحاضرة الأسطورة حيث أوضح الدغيشي بأنها محط جدل علمي مستمر في مفهومها، ووظيفتها، فتعددت المدارس النقدية التي درست الأسطورة للوصول إلى مفهوم شامل ودقيق، وبتعدد المدارس والنظريات اختلفت الرؤى وفق زوايا منهجية، مبينا أن للنظرية الثقافية الأنثروبولوجية التي خاض باحثوها الميدان الثقافي الإنساني توجههم الخاص، ونتائجهم العلمية التي تتعارض مع مدرسة التحليل النفسي، وهناك النظرية الوظيفية والنظرية البنائية، فضلا عن مدرسة الفلسفة الرمزية.
وبيّن الدكتور حمود الدغيشي أن الإنسان القديم في الحياة والكون كان يقلب ناظريه ليرسم إلهه من القمر والشمس أو أحد الكواكب، فالإنسان القديم أورثنا الرسوم على الكهوف في الجبال أو الأكواخ في الحقول أو الجزر في وسط البحار. مضيفا بأن تحول الإنسان إلى ظاهرة تستوجب التحليل، عندما شاهد الأوروبي، إنسانا آخر يعيش بطريقة لا يعيشها بين طقوس وعادات ومعارف، سيطر على الإنسان البحث للمعرفة العميقة. أما الأسطورة فكانت محط جدال عميق، حيث تتبنى النظرية بمنهجك وكل النظريات جميعها مقنعة لبعض الطقوس والمعارف والعادات، فجمعها العلماء من الكتب والعادات والطقوس والمعارف. متسائلا عن عادة الشموع والنار في الأماكن المقدسة من أين جاءت، ومستشهدا بأقوال العلماء حيث أشار إلى رأي فريزر بأن التطور الفكري مر من هناك حتى وصل إلى التطور الحضاري، ونحن نمارس الكثير من العادات ولا نعرف من أين جاءت، وهو لا يفرق بين الإنسان البدائي والرجل المتحضر لأنه يظن باستحالة انفصال الأسطورة والفكر الإنساني، ويرى بأن الفكر الإنساني لا يعترف بهذا الاختلاف. أما تايلور فله مقولة وهي يجب ألا ننسى الأصل وهذه المنهجية تجعلنا نتبع الأصل للعادات والمعتقدات، كما كان ينكر العقلية البدائية مع اعترافه بالحضارة البدائية.
وهناك طقوس مشتركة بين بلدان متعددة، ونسج ثقافي موجود قبل أن تتعدى المضامين والأشكال، ومثال على ذلك لعبة الرمي بالقوس عرفها الإنسان للوصول إلى الطعام، ولكنه حصل على معارضات كثيرة من العلماء.
ويشير الدغيشي إلى أن الأسطورة تتغير رموزها الحديثة عن الرمز لدى الإنسان القديم، ونتحدث عن الرسوم التي وجدناها في الكهوف، ففي عمان كانوا يهرعون حين يتغير شكل القمر إلى المساجد للتعبد خوفا من مرضه لأنهم يعتقدون بأنه لدغ. وهي ظاهرة من بقايا عبادة القمر وكانوا ينذرون لإله القمر، وقضية القمر والأفعى موجودة لدى كل الأمم إله الشر والخير. وفي مشهد آخر للمجتمع العماني حين تضع الأمهات أبناءهن في حجورهن كن يتغنين بالإله «سين» يستجدون به لحمايتهن وهو إله القمر.
كما تطرقت المحاضرة للحديث عن أسطورة حيوان الوعل، وقداسة هذا الحيوان المرتبط بالهبة العلوية؛ بسبب مسكنه في أعالي الجبال، إذ نظر الإنسان القديم إلى الوعل، وهو يصعد قمم الأعالي بهالة من القداسة حيث تسكن آلهته التي تهبه المطر والخصب والبركة، وتجسدت كثير من الأفكار العقدية عن الوعل عند العرب، سواء كان في معجمهم أم في شعرهم أم في طقوسهم التي ما زال بعضها حاضرا حتى اليوم في الموروث الثقافي. وفي تساؤل يشير الدغيشي إلى أين يسكن الوعل، في قمم الجبل وهو بطبيعته يربط بالسماء، مشيرا إلى المعتقدات الهندية والفارسية والآسيوية وبلاد الرافدين وفي بابل والأساطير السومرية كلها تدعو للجبل لأنهم ينظرون له بقدسية، ويوضح بأن الوعل مسكنه الجبال فنظر إليه الإنسان القديم بإجلال كهالة لأنه على اتصال بالإله، وكان ينظر للجبل الذي تسكنه الوعول بأنه نقطة اتصال بالسماء والآلهة صانعة المطر والخصب، حتى الإله في الأسطورة السومرية كان يشبه بالوعل في نزوله من الجبل. ويضيف بأن الإنسان القديم في شبه الجزيرة العربية اعتقد بأن الدور الذي يقوم به الوعل مقام الآلهة في استنزال المطر وإخصاب الأرض، وعلى الجبال كانت تمارس طقوس الأضاحي للأهالي، وما روي عن عرب الجاهلية إذا ما تتابعت عليهم الأزمات أنهم يصعدون إلى جبل الوعل وأشعلوا النيران وضجوا بالدعاء والتضرع وظنوا أنه من أسباب السقيا، مبينا أن الوعل في تسميته تحمل دلالات العزة والمنعة والخلود والأبدية واشتقوا من اسمه المكان المنيع، واستوعل الوعل إذا لجأ في قلته، كما أطلقوا على الوعل مسميات وصفات، ففي الحديث النبوي من علامات الساعات تطلق الوعول أي الأشراف، واسمه الأعصم والعصم لأنه يعتصم بالجبال، كما جاء في الشعر العربي القديم.
وعن أهم ما ترك أثره ظهور الوعل في الكثير من الرسوم والنقوشات في الكهوف، ولعل قرون الوعل لها الدور الرئيس في ارتباط هذا الحيوان بآلهة القمر عند العرب في الجزيرة العربية؛ بسبب أهمية ضوء القمر في حياتهم، وهو دليلهم في لياليهم الصحراوية المظلمة، وحساب أيامهم ودهورهم... فقد كانت عبادة العرب قديما قمرية أكثر منها شمسية، حتى غلب في لغتهم قولهم «القَمَرَان للقمر والشمس»، بل إن رواسب هذه العبادة استمرت مجرّدة من العقدية حتى وقت قريب في الثقافة العربية بشكل عام، والعُمانية بشكل خاص. فكان الوعل ذا مكانة مهمة ليس بصفته الحيوانية وإنما لقدسيته وكان قربانا للآلهة وكانت له معابد خاصة في الجزيرة العربية، حتى أن قرونه تشكل وحيا لصورة القمر. وكانت عبادة القمر أوسع انتشارا في بلاد العمر، وهو ينصل قرنه كل عام، ويقول القزويني: إن الوعل يفضل أن يرمي نفسه من أعالي الجبال إذا خاف من الصياد حتى لو كان شديد الارتفاع.
ويتابع بأن الوعول تظهر في الرسومات بقرونها، كغيره من الحيوانات المقدسة، وعد الوعل معبودا، واتخذت قرون الوعل نذورا عند أهالي الجنوب.
أما عن السمات والخصائص التي توفرت في حيوان الوعل فيوضح الدغيشي بأنها من جعلت الإنسان العربي يختاره دون سائر الحيوانات خاصة وأنه أثناء لحظات وقوفه في أعالي الجبال، يبدو كأنه ينتظر ظهور القمر، وهو يتميز بقيادة القطيع، وتقدمه إلى أماكن الكلأ والماء، وتنبئه بالبرق قبل حدوثه، ما جعل الإنسان العربي القديم يختاره لإله المطر والخصب في حضارة جنوب الجزيرة العربية، وأخيرا تطرق الدكتور إلى الصيد المقدس الذي كانت ممارسته لنيل رضا المعبود وهي شعيرة سنوية، وكان يقام باسم عدد من الديانات، بتقديم القرابين والهدايا وتعد طقوس الوعول من أقدم الطقوس الدينية في حضارة سبأ ما خلد في النقوش بشكل مكثف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجزیرة العربیة الإنسان القدیم الوعل فی
إقرأ أيضاً:
هل يجوز قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح؟ الإفتاء تجيب
هل يجوز قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية.
وقالت دار الإفتاء المصرية فى إجابتها عن السؤال عبر صفحتها الرسمية على “فيس بوك”، إن قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح جائزة.
واستدلت بأنه ثبت أن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها كان يَؤُمها غلام لها صغير يقرأ من المصحف.
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن قراءةَ بعض آيات القرآن بعد الفاتحة سُنَّة في الركعتين الأُولَيَيْن من الصلاة، وذلك للإمام، قال الله تعالىٰ: {... فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ... } [المزمل:20]، ولو تُرِكَتِ القراءة بعد سورة الفاتحة فالصلاة صحيحة.
وأضاف أن الأصل في الصَّلاةِ أن تكون قراءةُ القرآن فيها عن ظَهْرِ قَلبٍ وليست من المصحف؛ لذا جعل النَّبِيُّ ﷺ معيار التفضيل في الإمامة الحفظ والإتقان للقرآن؛ لظاهر قوله ﷺ: «لِيَؤُمّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا» رواه البخاري.
أما قراءةُ المُصَلِّي من المصحف، فقد اختلف الفقهاء فيها؛ فذهب الشافعية، والحنابلة - في المعتمد- إلىٰ جواز القراءة من المصحف في الصلاة سواء كانت الصلاة فرضًا أم نفلًا.
وقد استدلُّوا بما ورد أن أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها: «كان يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِن المُصْحَفِ» رواه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغة الجَزم.
وتابع: “فرَّق المالكية بين الفرض والنفل، فَرَأَوا كراهةَ قراءة المصلِّي في المصحف في صلاة الفرض مطلقًا، وكذلك يكره في النافلة إذا بدأ في أثنائها؛ لاشتغاله غالبًا، ويجوز ذلك في النافلة إذا ابتدأ القراءة من المصحف من غير كراهةٍ؛ لأنه يُغتفَرُ فيها ما لا يُغتفَرُ في الفرض”.
بينما يرى الحنفية أنَّ القراءةَ من المصحف في الصلاة تفسدها، وهو مذهب ابن حزم من الظاهرية؛ لأنَّ حمل المصحف، والنظر فيه، وتقليب الأوراق، عملٌ كثير.
وقال المركز إنه بناءً على ما سبق فإنَّ الأفضلَ والأَولَىٰ للمصلِّي أن يقرأ القرآن من حفظه؛ فقد امتدح الله ﷻ المؤمنين بحفظهم لكتابه الكريم، فقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ... } [العنكبوت:49]، ولأن السُّنة المحفوظة عن النبي ﷺ وأصحابه القراءة عن ظهر قلب.
فإن عجز عن ذلك، وكانت القراءةُ طويلة كما في صلاة القيام؛ فعندئذٍ يجوز له القراءةُ من المصحف، ولا حرج عليه في ذلك.
حكم القراءة من المصحف في صلاة الفرض
قالت دار الإفتاء، إن القراءة من المصحف في صلاة الفرض جائزة، ولا مانع للمصلي من القراءة من المصحف سواء يصلي الفرض أو السنة.