د. سالم البوسعيدي يستعرض كتابه الرائع في التاريخ العماني
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
نظم مركز الفكر في متحف عمان عبر الزمان جلسة حوارية مع الدكتور سالم بن سعيد البوسعيدي أدار الحوار أحمد البادي ودار حول كتاب "الرائع في التاريخ العماني" ضمن برنامجه الثقافي. الكتاب موضوع الحوار يقع في مجلدين يستعرض فيه التحولات في عصر النهضة التي استطاعت تأسيس فكر وطني فاعل على الساحتين المحلية والإقليمية والدولية حيث أثبتت أحداث الزمن صمودها في وجه المتغيرات كما هو الحال في الأنواء المناخية التي مرت سلطنة عُمان والتي تناسى فيها العمانيون القبلية والفئوية وحدود المكان وغلبوا مصلحة الوطن فكان النهج واضحا لدى كل عماني كمن أضاء شمعة تكشف للسائرين في طريق التغيير معالم الطريق الذي يسيرون فيه.
تضمن الكتاب أبحاثا حساسة ترتبط بمستقبل الأمة وتتعلق بأمانيها في الحياة الكريمة.
استهل الدكتور حديثه عن العملية الإبداعية في كتابة أي كتاب من وجهة نظر الكاتب بقوله: آن الإبداع يعني الابتكار وتقديم الجديد، والكتابة تأخذ شيئا من هذا المعنى خصوصا الكتابة الفنية الأدبية في ابتكار الأساليب الفنية للتعبير، أما الكتابة العلمية فيكون الإبداع متجليا في جانب المضمون العلمي ومن وجهة نظري أن الكاتب المتمكن يمكنه أن يجمع الإبداع في الأسلوب وفي المضمون، بحيث تجمع كتاباته بين المتعة والفائدة، فلا يشكو المتلقي من جفاف الأسلوب ولا من ضحالة المعرفة وتلك معادلة صعبة لكنها ممكنة.
وأشار إلى تأثير الكاتب على المجتمع قائلا: نعم الكاتب الواعي يصنع فارقا خاصة في المجتمع القارئ، والمجتمع القارئ بدوره يصنع كاتبا واعيا، أما الكاتب التافه فلا يحتضنه إلا أمثاله وما منجز الحياة إلا نتيجة المعارف والمعرفة، لا أحد يشك في قيمة الكتاب، تأمل معي كيف أن الله اختار اللغة المكتوبة ليخاطب البشر عبر كتبه الإلهية الخالدة وفي مقدمتها القرآن، لذا كان الخطاب الإلهي الأول في القرآن "اقرأ" حينما نخلق مجتمع القراءة نخلق مجتمع الوعي، مجتمع الحضارة، تأمل كيف صنع النبي محمد حينما دخل المدينة، اهتم رغم الظروف الاقتصادية والعسكرية بالقراءة، وصنع من حوله كوكبة من كتّاب الوحي، ومن هنا انطلقت شرارة الحضارة العربية لتصنع تلك الحضارة السامقة التي تسيدت العالم في القرون الوسطى.
واضاف جاءت فكرة كتاب " الرائع في التاريخ العماني" لأمرين: الأول: افتقاد المكتبة العمانية يومذاك، لكتاب شامل عن الحضارة العمانية بتاريخها السياسي والفكري والمعماري والثاني: افتقاد المكتبة العربية لكتاب حول ذلك يخاطب العامة لا المختصين وبأسلوب يجمع رشاقة الأسلوب وعمق المضمون وجمالية الإخراج.
ونوه الدكتور سالم البوسعيدي الى التحديات والمصاعب التي واجهته اثناء تأليف هذا الكتاب قائلا: كون الكتاب اهتم باستيعاب عناصر الحضارة العمانية عبر العصور بشقيها السياسي والثقافي من الطبيعي أن يجد صعوبات ماثلة مثل قلة المراجع، وخاصة في عصور زمنية معينة كعصور الظلام، وأيضا إغفال الحضور الاجتماعي في تدوين تاريخنا مختتما لقاءه بقوله تواجه الباحث تحديات كثيرة لكن الباحث الجاد سيظل باحثا ويسره أن يجد من يعينه ويقف بجانبه و يمنحه الوقت والتفرّغ للبحث موجها نصائحه للكتاب الجدد بقوله بأن فاقد الشيء لا يعطيه، كن قارئا لتكون كاتبا و راع في كتابتك الأسلوب والمضمون معا، ولا تحرم القارئ من تجاربك الشخصية، ففي "التجارب" خلاصة يتوق لها القارئ. و لا تغتر فالعالم ينمو بشكل مذهل، وعليك أن تنمو وإلا جعلك القطار خلفه.
شهدت الجلسة تفاعلاً من الحضور الذين طرحوا العديد من الأسئلة والملاحظات حول ما تم تناوله. على أن المجلد الأول من كتاب "الرائع في التاريخ العماني" تضمن خمسة فصول هي عمان في العصور القديمة وعمان من بداية العصر الاسلامي حتى نهاية الدولة العباسية وعمان في عصر الائمة وعمان في عصور الظلام ودولة النباهنة واشتمل المجلد الثاني على فصلين لدولة اليعاربة ودولة البوسعيد "1-2" وقد بلغت مؤلفات الدكتور سالم بن سعيد البوسعيدي بلغت أكثر من "75" مؤلفا، في محاور متعددة مثل التفسير القرآني والفكر الديني بمجالاته المتعددة، وتنمية الذات، والتاريخ العماني، والأدب العربي، ومهارات اللغة العربية، وكتب التراجم، وأدب الطفل، وثلاثة دواوين شعرية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
في مئـويّـة «الإسـلام وأصـول الحكـم»: الكــتابُ القـضيّـة
لم تُـغـيِّـر المائـةُ عـامٍ التي تـفصلـنا عـن صـدور كـتاب الإسـلام وأصول الحكـم للشّـيخ عليّ عبـد الرّازق من المكانـةِ الاعـتـباريّـة للكـتاب، في الفكـر العـربيّ والإسلامـيّ المعاصـر، ولا هي نالت من قيـمته النّـظريّـة وروحـيّـتـه الاجتهاديّـة في مسـألةٍ هي في جملـةِ أمّـهات مسائـل ذلك الفـكـر: العلاقـة بين السّـياسة والدّيـن في تاريـخ الإسـلام؛ فـلقـد زادتِ القيمـةَ تلك كـثـافـةً وسلّطت عليها ضـوءَ الإبـانة والتّـظهيـر، في نطـاق دوائـرَ فكـريّـةٍ عربيّـة تخطّـت دائـرة الفـكـر الإسـلاميّ، وأَبْـدَتْ (= الدّوائـرُ تـلك) من آيات الاحتـفاء المستـمرّ بـه ما لم يتـمتّـع بـه كـتابٌ أو تأليف في التّـاريخ الفـكـريّ المعاصـر.
فَـرَضَ كـتـاب عبد الرّازق نـفـسـه في ميدانـه وتَـنَـزَّل من ذلك الميـدان - وفي الموضوع المطروق فيـه - منـزلـةَ النّـصّ المرجعـيّ الذي عليـه مبْـنى القـول في عـلاقات الدّيـنيِّ والسّياسيّ في الإسـلام. ومع أنّ التّـشنـيع عليه استـمرّ يُـطِـلّ برأسـه، طَـوال هـذه الأعـوام المائـة، في بيـئـات فـكـريّـة وفـقـهيّـة محافظـة وتـقـليـديّـة استـأنـفت جـداليّـاتها ضـدّه، بـل حـربها عليه، إلاّ أنّ ذلك ما نـال مـن صورة النّـصّ في الوعـي العربيّ ولا أَحْـدَث خـدْشـاً فيها؛ على الأقـلّ في أوساط مَـن وقـفـوا على وجـوه الجِـدّة والرّصانـة في أطـروحـتـه، وأكـثـرُهـم من المدافـعيـن عن الحداثـة والمناصـريـن للاجتـهاد. والحـقُّ أنّ أعظـمَ الاستـقبـال الطيّـب لكـتاب عليّ عبد الرّازق، وأكـبـرَ الاحتـفـاء بـه والبـناءِ عليه، إنّمـا جـرى في هـذه البيـئـات الـفكـريّـة الحديثة التي قـدّرتْـه حـقّ قـدْره فيـما حـافَ عليه مفكّـرو الإسـلام المعاصـرون وأَنْـكـروه، بـل نـبـذوهُ من مصادرهم فما أتـوْا عليه بالذّكـر إلاّ في معـرض الهـجوم والقـدْح والتّـقريـع!
لا نجـادل، طـبـعاً، في أنّ المائـة عـامٍ هـذه التي تفـصلنـا عـن صدوره شهِـدتْ على وجـوهٍ من التّـطـوير والصّـقـل للأفكـار التي وردت في الكـتاب عـن المشروع النّـبـويّ، وعـن مكانةِ الدّيـن والسّـياسـة منـه، وعـن مؤسّـسـة الخـلافة في الإسـلام ومـدى مشروعيّـتـها أو بطـلانِ دعـوى الحاجـة إليها؛ بـل لقـد شهِـدتْ على صُـوَر متـعـدّدة مـن مجاوَزة التّـأليف الفـكـريّ في هـذا الغـرض لِـمَـا أفصح عنـه الشّـيخ المجـتهـد في كـتابـه وارتيادِ ذلك التّـأليف آفـاقـاً ما كانت لتـدخُـل، قبـل قـرنٍ من اليـوم، ضمـن الأفـقـه الذّهـنـيّ لعبـد الرّازق ولا في عِـداد ممـكـناتِ معارفِـه المتاحـة.
وعـندي أنّ التّسليـم بوجـود حالةٍ من المجاوزَة، في هـذا الباب، تسليـمٌ بسُـنّـة التّـطوّر الموضوعـيّ وسلطـانِ أحكامه. مع ذلك، مَـن يملك منّـا أن يجـحـد حـقيقـة أنّ النّـصّ هـذا نـصٌّ مؤسِّـس، وأنّـه هـو الذي فَـتَـح ودشَّـن وفَـلَـقَ الأفـقَ أمـام البحـث السّياسيّ أو البحث الفكريّ في السّياسة؛ ومَـن يملك أن يـتـجاهـل مـدى الجَـراءَة التي بـلغـها خطـاب الشّـيـخ عليّ عبـد الرّازق في كـسْـرِ المحظـور في بيئـات العلم الدّيـنيّ التّـقـليديّ السّـائـد في مِـصَـر وسائـر البـلاد العـربيّـة إبّـانـئـذٍ. تكـفي الحمْـلاتُ الشّـعواء التي شنّـها فـقـهاء كُـثـر على الكتاب وصاحبه، والتي بلغ فيها الطّـعـنُ على رأيـه مبلـغاً من الشّـدّة والعـنـف غيـرَ مسبوقٍ ولا مألوف؛ ويـكـفي ما لـقـيَـه من إنكـارٍ رسمـيّ ومن عـقابٍ مبـرِّح مـسَّ مـركـزَه وعَـمَله لـيُـطْـلِعنا على حـجم تلك الرّجّـة الهائـلة التي أحـدثها الكِـتاب في الأوساط المحافظـة ومؤسّـساتها، وما نَـجَـم منها من شعـورٍ بالخـوف - من جانب تلك الأوساط - على مكانـة المعارف التّـقـليـديّـة.
لـقـد أتى يـقـدّم أوّل اجتـهادٍ فـكـريّ جريء، من داخـل الفـكـر الإسلامـيّ، يراجع ما استـقـرّ عليه العلـمُ الدّيـنيّ التّـقـليـديّ من يـقيـنـيّـاتٍ في شـأن المسألة السّياسيّـة في الإسلام وصلـةِ الدّولة بالدّيـن ونِصـاب الخـلافة في الاجتماع الإسلامـيّ.
ولـقـد يحْـسُـن بالنّـاظـر في كـتاب الشّـيخ عبـد الرّازق وظـروفِ صـدوره، وما جـرّه ذلك الصّـدور مـن ضـروب الهجـوم عليه بعـنـفٍ لفـظيٍّ بـالغ، أن يـلْـحظ واقـعـتـيْـن وقَـعـتَـا، وقـتـئـذٍ، وأن يعـتـبـر بهما من أجـل إحسان فـهـم قيـمة الكـتـاب، مـن وجْـهٍ، ودواعـي القسـوة في ردود مَـن ردّوا عليه... من وجْـهٍ ثـان.
فأمّـا الواقعـة الأولى فـتـتـمثّـل في إلـغاء نظـام الخـلافة في تركيا (مارس 1924)، بعـد حـلّ مصطـفى كمال أتاتـورك نظام السّـلطنـة قبـل ذلك بعاميـن، مع ما تَرَكَـهُ ذلك الإلغاء من حسـرةٍ لـدى التّـقـليـديّـيـن والمحافظيـن، حتّى الذين لم يُـوالوا الدّولـة العثمانيّـة منهم.
وأمّـا الواقعـة الثّانيّـة - وهـي شـديـدة الاتّـصال بالأولـى - فـتـكـمَـن في إقـدام أحـد كبـار مراجـع الفـكـر الإسـلاميّ، وتـلمـيذ محمّـد عـبده، السّـيّـد محمّـد رشيـد رضـا على إحـياء مـوضوعـة الخـلافـة - في لحـظـة انهـيـار نظامـها في تركيـا - بكتابـة سلسلة مـقالاتٍ جُـمِـعت في كـتـابٍ حمـل عـنـوان: الخـلافـة أو الإمـامـة العظـمـى.
في سـياق الواقـعتيـن هاتيـن، بَـدَا الكـتـاب وكأنّـه تــكرَّس للـرّدّ عليـهمـا معـاً، فكـان على صاحبـه أن يـواجـه دعاةَ الخـلافة من الفـقـهاء ومـن الأمـراء على السّـواء، وأن يتـلـقّـى الأذى منهمـا.
إذا كـان رشيـد رضـا قـد وضَـع كـتـابـه دفـاعـاً عـن خـلافـةٍ رآهـا تـتـهالك أمـام ناظـريْـه ثـمّ تُـفارق الوجـود بإيـعازٍ من مصـطفى كمـال - الذي بـجَّـله رضـا طـويلاً ورفَـع مـن مقامـه وسـوّقـه في كـتابـاتـه قـبل أن يـنـقـلب عليه -، فـقـد أعـاد بوضـعـه الكـتاب ذاك إحـياءَ «عـلـمٍ» إسلامـيّ تـقـليديّ هـو الفـقـه السّـياسيّ أو فـقـه السّـياسـة الشّـرعـيّـة بعـد أن تجـاوزُه فـكـرُ الإصلاحيّـة الإسلاميّـة التي كان رضـا ينـتمي إليها.
كـان الشّـيـخ علـيّ عبـد الرّازق مـن نسْـلِ الإصـلاحيّـةِ الإسلاميّـة التي تَمَسَّـك بتقاليدها الفـكـريّـة الاجـتـهاديّـة التي أرساها جمـال الدّيـن الحسـيـنيّ (الأفـغانـيّ) ومحمّـد عـبده، لذلك مـا كـان يسـعه أن يسـتسيـغ خطاب رضـا العائـد بالوعـي الإسلامـيّ إلى أُزعـومة الخـلافة وأنـفـاق فـقـه الإمـامة أو فـقـه السّـياسـة الشّـرعيّـة. لذلك يـبـدو نـقْـضُـه لنظـام الخـلافة نقـضاً غـيـرَ مباشـر لأطـروحة محمّـد رشيـد رضـا حولها. وعلى ذلك، إذا كـان محمّـد عبـده قـد سـدّد ضربـةً موجـعـةً للـفـقه السّياسيّ الإسلامـيّ التّـقـليـديّ بالانـصـراف عنـه إلى الدّفـاع عـن فكـرة الدّولـة الوطنـيّـة الحـديثـة، فإنّ مقـالة عـليّ عبـد الرّازق تـسـتأنـف صـنيـع محمّـد عـبده وتضـيف إليـه إنكـارَها مشـروعيّـة ذلك الفـقـه السّـياسـيّ من أساسـه والقـولَ ببـطـلان حاجة الاجتـمـاع الإسلامـيّ إليـه.
على أنّ إلغـاء الخلافة في تركيـا لـم يمـرَّ مـن دون أن تخـامر بعـضَ المحافـظيـن فكـرةُ اصـطنـاع خـلافة في مصـرَ لـم يُخْـف الخـديـوي فـؤاد الأوّل استحـسانـه لـها بـل السّـعي إليها. هـذا ما يفـسّـر لماذا ارتـفع الطّـلبُ على فكـرة الخلافـة في البيئـات العلميّـة التّـقـليـديّـة في مِـصْـرَ وخارجِـها، وتَـزايَـد التّـأليـفُ فيـها والدّفـاعُ عنها في تلك البيـئات. بـل هـذا ما يفـسّر اشتـداد الحمـلة على الشّـيخ عـبد الرّازق مـن قِـبَـل أقـلام ذات نـفوذٍ مـؤسّـسيّ ديـنيّ (مـن قـبيـل ما كـتبـه كـلّ مـن الشّـيـخ محمّـد الخضـر حسيـن، والشّـيـخ محمّـد بخـيت المطـيـعي، والشّـيـخ محمّـد الطّاهـر بـن عـاشـور دحـضاً لكـتـاب علي عـبد الرّازق) ، وبـلـوغَـها حـدّ محاكمـةٍ لـه في الأزهـر لم يكـنِ القـصـرُ بعـيـداً عـن الإيـعاز بـها: على ما تـدلّ على ذلك البـرقـيّـةُ التي رفعـها شيـخ الجامـع الأزهـر أبـو الفضـل الجيـزاوي إلى الملك فـؤاد عـقـب قـرار الأزهـر بـفصـل عليّ عبـد الرّازق وتجـريـده من شهادة العالميّـة. لـقـد كـان الكـتـاب في قـلـب هـذه الحسابـات السّـياسيّـة التي أسّـست لـفكـرة تـأليـفـه ومساهمةً من صاحبه في دحض دعوى الخلافة وإبطال مسوّغات من سوّغوا لها في عصره.