الحكمة من الابتلاء في السرّاء والضرّاء
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
الحكمة من الابتلاء في السرّاء والضرّاء
#ماجد_دودين
فَإِنْ تَـسْأَلَـنِّـي كَـيْـفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَعِيبُ
حَرِيصٌ عَلَى أَنْ لَا يُرَى بِي كَآبَةٌ فَـيَـشْـمَـتَ عَـادٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ
مقالات ذات صلة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام: موازنة الابتكار والمسؤولية 2024/09/19قال سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عَنه: قلتُ: (يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ).
الراوي: سعد بن أبي وقاص | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 2398 | خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح
جعَل اللهُ ابتلاءَ العبادِ بالمصائبِ والبلايا كفَّاراتٍ للذُّنوبِ ومَحوًا للسَّيِّئاتِ؛ ورفع للدرجات، وذلك أنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عبدًا ابتَلاه لِيَغفِرَ له ذُنوبَه، حتَّى إذا لَقِيَه لم يَكُنْ عليه خَطيئةٌ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عَنه: “قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ أشَدُّ بَلاءً؟”، أي: مَن أثقَلُ النَّاسِ ابتِلاءً وأشَدُّهم مَصائِبَ وبَلايا؟ “قال”، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “الأنبياءُ”، أي: أشَدُّ النَّاسِ الَّذين يُبتَلَون وأثقَلُهم بلاءً ومصائبَ وبلايا هم الأنبياءُ، “ثمَّ الأمثَلُ فالأمثَلُ”، أي: ثمَّ الصَّالِحون فالصَّالحون وأشبَهُهم بالأنبياءِ، “فيُبتَلى الرَّجلُ على حسَبِ دينِه”، أي: ويَكونُ البلاءُ على قدرِ دينِ المرءِ قوَّةً وضَعفًا، “فإن كان في دينِه صُلبًا اشتَدَّ بَلاؤُه”، أي: فإن كان دينُ المرءِ صُلبًا قويًّا، وإيمانُه شَديدًا كان البلاءُ شديدًا، والمصائبُ والبلايا كثيرةً، “وإن كان في دينِه رِقَّةٌ ابتُلِي على حسَبِ دينِه”، أي: وإن كان دينُ المرءِ ضَعيفًا رَقيقًا كان البلاءُ خَفيفًا والبلايا قليلةً، فكلُّ امرِئٍ يُبتَلى على قدرِ دينِه، “فما يَبرَحُ البلاءُ بالعبدِ”، أي: فلا يَزالُ البلاءُ نازِلًا على العبدِ والبلايا تُصيبُه، “حتَّى يَترُكَه يَمْشي على الأرضِ ما عليه خَطيئةٌ”، أي: حتَّى يَغفِرَ اللهُ للعبدِ المبتلَى ذُنوبَه بهذا البلاءِ وتلك البلايا، فيَترُكُ البلاءُ العبدَ وقد غُفِرَت له ذنوبُه كلُّها، وليس عليه شيءٌ أبدًا، ويكونَ للمؤمِنين المبتَلَيْن على ذلك الجزاءُ الحسَنُ يومَ القِيامةِ. فالبلايا والمصائِبَ كَفَّاراتٌ للذُّنوبِ والخَطايا.
والبلاء في الحديث عام، يشمل كل أنواع البلاء، فيشمل الابتلاء بالسراء والضراء، ويشمل الابتلاء بالحروب والفتن والاضطرابات، ويشمل الابتلاء بتولي المسؤوليات، كما يشمل الابتلاء بكثرة الفرق والبدع والضلالات، وكثرة الشهوات والفجور، وانتشار الفساد في الأرض، ونحو ذلك.
وليس البلاء مقصورا على المرض أو الفقر أو نحو ذلك، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) الأنبياء/ 35، قال الطبري رحمه الله: “يقول تعالى ذكره: ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به ” انتهى من “تفسير الطبري” (18/ 439). وقال ابن كثير رحمه الله:”أَيْ: نَخْتَبِرُكُمْ بِالْمَصَائِبِ تَارَةً، وَبِالنِّعَمِ أُخْرَى، لِنَنْظُرَ مَنْ يَشْكُرُ وَمَنْ يَكْفُرُ، وَمَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ يَقْنَطُ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَة َ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَنَبْلُوكُمْ)، يَقُولُ: نَبْتَلِيكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ “.انتهى من ” تفسير ابن كثير” (5/ 342) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث :(أشد الناس بلاءً الأنبياء) لأن الله سبحانه وتعالى ابتلاهم بالنبوة، وابتلاهم بالدعوة إلى الله، وابتلاهم بقوم ينكرون ويصفونهم بصفات القدح والذم، ولكن هذا الابتلاء هو في الواقع؛ لأن كل ما أصابهم من جرائها فهو رفعة في درجاتهم.
(ثم الأمثل فالأمثل) يعني: الأصلح فالأصلح ، كلما كان الإنسان أصلح ، وكلما كان أقوى دعوة إلى الله ، وكلما كان أشد تمسكاً في دين الله ، كان له أعداء أكثر، قال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ) الفرقان/31 ، وعداوة المجرمين للأنبياء ليس لأشخاصهم بل لما جاءوا به من الحق ، وعلى هذا فيكون كل من تسمك بما جاءوا به من الحق ناله من العداوة من المجرمين مثلما ينال الأنبياء أو أقل بحسب الحال ، والله عز وجل حكيم يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم ، فابتلاؤه بالنعم ليبلونا أنشكر أم نكفر، وبالنقم ليبلونا أنكفر أم نصبر، هذا هو معنى الحديث “.
للابتلاء حكم عظيمة منها:
تحقيق العبودية لله رب العالمينفإن كثيراً من الناس عبدٌ لهواه وليس عبداً لله، يعلن أنه عبد لله، ولكن إذا ابتلي نكص على عقبيه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج/11 .
الابتلاء إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرضقيل للإمام الشافعي رحمه الله: أَيّهما أَفضل: الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين؟ فقال: التَّمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مُكّن.
كفارة للذنوبروى الترمذي (2399) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِهِ وولدِهِ ومالِهِ حتَّى يَلقى اللَّهَ وما عليْهِ خطيئةٌ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2280).
جعَل اللهُ ابتِلاءَ العبادِ بالمصائبِ والبَلايا كفَّاراتٍ للذُّنوبِ ومحوًا للسَّيِّئاتِ، وذلك أنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عبدًا ابتَلاه لِيَغفِرَ له ذنوبَه، حتَّى إذا لقِيَه لم يَكُنْ عليه خطيئةً.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “ما يَزالُ البلاءُ بالمؤمِنِ والمؤمنةِ”، أي: لا يَنفَكُّ العبدُ المؤمِنُ مِن البلاءِ فيظَلُّ مُبتَلًى، ويظَلُّ البلاءُ يتَنزَّلُ عليه، “في نَفسِه”، أي: في صِحَّتِه وجسَدِه، “وولَدِه”، أي: في أولادِه مِن مرَضٍ أو وفاةٍ أو عقوقٍ أو غيرِ ذلك، “ومالِه”، أي: مِن افتِقارٍ وذَهابِ تِجارةٍ وكَسادِ عيشٍ وضيقٍ في الرِّزقِ، “حتَّى يَلْقى اللهَ وما عليه خَطيئةٌ”، أي: حتَّى يُكفِّرَ اللهُ عنه بذلك البلاءِ كلَّ ذُنوبِه وخَطاياه حتَّى إذا لَقِي اللهَ يكونُ قد طَهُر مِن كلِّ الذُّنوبِ والآثامِ الَّتي ارتكَبها، ويكونُ لهم على ذلك الجزاءُ الحسَنُ يومَ القيامةِ، وقد ورَد عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه قال: “يوَدُّ أهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ حينَ يُعطَى أهلُ البلاءِ الثَّوابَ لو أنَّ جُلودَهم كانت قُرِضَت في الدُّنيا بمقاريضَ”.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). رواه الترمذي (2396) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1220).
حصول الأجر ورفعة الدرجاتروى مسلم (2572) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً).
الابتلاء فرصة للتفكير في العيوب، عيوب النفس وأخطاء المرحلة الماضية لأنه إن كان عقوبة فأين الخطأ؟ البلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكليطلعك عمليّاً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف، لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
قال ابن القيم:”فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه: أهَّله لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه “.” زاد المعاد ” (4 / 195).
7- الابتلاء يخرج العجب من النفوس ويجعلها أقرب إلى الله.
قال ابن حجر: ” قَوْله: (وَيَوْم حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ) رَوَى يُونُس بْن بُكَيْر فِي ” زِيَادَات الْمَغَازِي ” عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ: قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ: لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْهَزِيمَة.. “قال ابن القيم زاد المعاد (3/477):
” واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته “.
وقال الله تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) آل عمران/141 .
قال القاسمي (4/239): أي لينقّيهم ويخلّصهم من الذنوب، ومن آفات النفوس. وأيضاً فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين، فتميزوا منهم. ………ثم ذكر حكمة أخرى وهي (ويمحق الكافرين) أي يهلكهم، فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبطروا، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم، إذ جرت سنّة الله تعالى إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم والتسليط عليهم … وقد محق الله الذي حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر جميعاً “.
8- إظهار حقائق الناس ومعادنهم. فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلا في المحن.
قال الفضيل بن عياض سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عَنه:” الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه “.
ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي “الدَّلائِل” عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ: اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير – يَعْنِي عَقِب الإِسْرَاء – فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق. فَقَالُوا: وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة؟ قَالَ نَعَمْ، إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء، قَالَ: فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق.
9- الابتلاء يربي الرجال ويعدهم
لقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد، منذ صغره ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها. نشأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيماً ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى ماتت أمه أيضاً. والله سبحانه وتعالى يُذكّر النبي صلّى اللّه عليه وآله بهذا فيقول: (ألم يجدك يتيماً فآوى). فكأن الله تعالى أرد إعداد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحمل المسئولية ومعاناة الشدائد من صغره.
10- ومن حكم هذه الابتلاءات والشدائد: أن الإنسان يميز بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء المصلحة
كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي
وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي
11- الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها
والله عز وجل يقول: (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ) النساء/79، ويقول سبحانه: (وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ) الشورى/30 .
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: (وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ) السجدة/21، والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر. وإذا استمرت الحياة هانئة، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه.
12- الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور
وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب (وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ) العنكبوت/64، أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ: (لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ) البلد/4 .
13- الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية
فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتهما، ولم تقدِّرهما حق قدرهما. المصائب تذكرك بالمنعِم والنعم، فتكون سبباً في شكر الله سبحانه على نعمته وحمده.
14- الشوق إلى الجنة
لن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذقت مرارة الدنيا، فكيف تشتاق للجنة وأنت هانئ في الدنيا؟
فهذه بعض الحكم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء وحكمة الله تعالى أعظم وأجل.
هَوِّن عَلَيكَ فَكُلُّ الأَمرِ يَنقَطِعُ
وَخَلِّ عَنكَ عِنانَ الهَمِّ يَندَفِعُ
فَكُلُّ هَمٍّ لَهُ مِن بَعدِهِ فَرَجٌ
وَكُلُّ أَمرٍ إِذا ما ضاقَ يَتَّسِعُ
إِنَّ البَلاءَ وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ
فَالمَوتُ يَقطَعُهُ أَو سَوفَ يَنقَطِعُ
ملاحظة: بتصرف يسير من موقع الإسلام سؤال وجواب. وموقع الدرر السنيّة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ماجد دودين الله سبحانه الله تعالى رحمه الله على حس ب وإن کان النبی ص قال ابن فی دین الله ع ه علیه ل الله ی الله ى الله علیه خ
إقرأ أيضاً:
قراءة تأملية في النصّ القصصي “السودانيين ديل أساساً” لتاج السر الملك
إبراهيم برسي
١ ديسمبر ٢٠٢٤
نص “السودانيين ديل” لتاج السر الملك هو بمثابة متاهة سردية تنبض بالسخرية المتأملة والعبث الوجودي.
إنه نص مشبع بالرمزية، يتداخل فيه العمق بالسطح، ويأخذ القارئ في رحلة تكتنفها الخفة والثقل معًا، وفقًا لمفهوم ميلان كونديرا في روايته الشهيرة “كائن لا تحتمل خفته”.
النص، رغم عفويته الظاهرة ولغته العامية المقتضبة، يفتح أبوابًا واسعة للتأويل والتحليل، ويختبر المفاهيم الثقافية والهوية في ظل صراعات الفرد مع الجماعة، والانتماء مع الاغتراب.
يبدأ النص بنصيحة صادمة وعبثية في ذات الوقت: “أبعد من السودانيين ديل.”
هنا يكمن الثقل الوجودي؛ فكرة الهروب من الذات، أو بالأحرى من الآخرين الذين يعكسون الذات.
السودانيون في النص ليسوا مجرد كيان اجتماعي محدد، بل رمزية للهوية المعقدة والمتشظية.
النص يصور السودانيين كحالة سيولة ثقافية وهوياتية، متغيرة وغير متجانسة، حيث يُطلب من السارد الابتعاد عنهم ليس فقط كإجراء حماية بل كفعل لخلق مسافة من نوعٍ ما مع الواقع المأزوم.
هذه النصيحة، كما يروي السارد، ليست نصيحة فردية بل جزء من منظومة ثقافية قائمة على الشك والتوجس من الذات. العبارة التي تكررها الشخصيات حول “السودانيين ديل” تمثل نوعًا من “الهروب من الأصل” الذي وصفه كونديرا بـ”الخفة”، حيث يحاول الإنسان التخلص من أعباء الهوية وانعكاساتها الثقيلة على وجوده.
لكن هذه الخفة سرعان ما تصطدم بالثقل، ليس فقط في الإحساس بالانتماء بل في محاولات فهم الذات من خلال الآخر.
السارد ينطلق في رحلة عبثية للبحث عن “السودانيين ديل”، مستخدمًا لغة تمزج بين العامية والحكمة الساخرة، وكأنه يبحث عن ماهية لا يمكن الإمساك بها.
السودانيون يصبحون فكرة متغيرة، مرنة إلى حد أن “لكل منا سودانه الخاص الذي يخصه ولا يشبه سودان الآخرين.”
هذه المرونة أو “السيولة الثقافية” تسحب النص إلى بعد أكثر رمزية، حيث يتحول السودانيون إلى مجاز عن الهوية الفردية والجماعية التي تُعاد صياغتها باستمرار.
في وصفه للمواقف اليومية والتفاصيل البسيطة، يعكس النص نوعًا من الجمال الشفاف الذي يتماهى مع بساطة الحياة. لكن هذا الجمال مشوب بالمرارة، إذ يتحول كل وصف ساخر إلى نقد ثقافي لاذع.
على سبيل المثال، حين يُشير السارد إلى نقاشات “البني كجة” حول إعداد الأطعمة التقليدية، فإن النص يظهر جمال الحياة اليومية السودانية في سذاجتها المتقنة، ولكنه في ذات الوقت يبرز الغرابة الكامنة في هذه العادية.
كأن النص يقول: ما يبدو عاديًا هو في حقيقته مشحون بثقل المعنى. (المِش ده لسه ما استوى، الماعون لازم يكون خشب، ويتغطى بشاشة رهيفة، تكب الكمون والحلبة، وفص توم … وتنسى على كده، أساسًا)
الخفة تتجلى أيضًا في النبرة السردية الساخرة التي توازن بين السرد الجدي والنقد المتهكم.
في النص، تُستخدم مفردات يومية مثل “أساسًا” بطريقة تُظهر عبثية اللغة والمفاهيم، وتحوّل التكرار إلى أداة ساخرة. هذه الخفة اللغوية تتماشى مع الأسلوب السوداني التقليدي في المزاح الساخر، لكنها هنا تكتسب أبعادًا فلسفية عميقة.
النص يتعامل مع أزمة الهوية السودانية كمعضلة ثقافية وسياسية. من خلال توصيف السودانيين كمجموعة متصارعة داخليًا، يُبرز النص ثقل هذا الانتماء.
السوداني، وفقًا للنص، ليس مجرد فرد بل انعكاس لصراعات تاريخية واجتماعية تعبر عنها الشخصيات المختلفة في النص.
السارد يبحث عن السودانيين ولكنه لا يجدهم إلا في مواقف عبثية، كجماعة البني كجة المخمورة التي تهتف بشكل كورالي مع الأغنية في تناقض ساخر مع واقعها البائس.
الثقل يتجلى أيضًا في نقد النظام الاجتماعي والسياسي، كما في تحليل القائد العظيم لمشكلة السودان بالسودان ده مشكلتو كلها، في الشذوذ الجنسي أساسًا
“الشذوذ الجنسي” التي يستخدمها النص لانتقاد الانقسامات القبلية والعنصرية التي تعصف بالسودان. هنا، يعيد النص تعريف “الشذوذ” كمفهوم اجتماعي وليس جنسيًا، مشيرًا إلى انحراف المجتمع عن مساره الطبيعي بسبب تعصب هوياتي يفرّق بين “الشايقي” و”الجعلي” وغيرهما.
النص يعكس بوضوح أزمة الكراهية الذاتية التي تُخيم على الشخصية السودانية كما يصورها السارد.
السودانيون يهربون من أنفسهم ومن بعضهم البعض، وينبهرون بالآخر الأجنبي، كما في إشارة النساء اللواتي يفاخرن بصداقاتهن مع “المغاربيات والمصريات والأميركانيات”، بينما يُهملن بنات وطنهن. هذه الكراهية الذاتية تعكس انقسامًا داخليًا يجعل الفرد السوداني في حالة اغتراب دائم حتى عن أبسط مظاهر حياته اليومية.
في وصفه لهذه الكراهية، يقوم النص حالة سريالية مدهشة، حيث يصبح كل شيء جزءًا من اللعبة العبثية: كرة القدم أو (الدارفوري) والملعب الذي تم الحصول عليه بطريقة غير قانونية، بدفع رشوة (بلصة)، والموظف الذي يُسجن بسبب تورطه بالتعامل مع هذه الهوية التي تصر أن تصاحبها فوضاها أينما ذهبت، وحتى الحوارات العميقة حول أطعمة شعبية مثل “المِش”. كل ذلك يعكس صورة مجتمع يعيش في تناقض مع ذاته، حيث البساطة معقدة، والتفاهة مشحونة بالمعنى.
النص كما في صراع الروي لفرانسيس دينق لا يُقدم إجابات، بل يترك القارئ معلقًا بين أسئلة الهوية والانتماء. السودانيون فيه ليسوا كيانًا متجانسًا بل مجموعة من الرموز المتناقضة، أحيانًا ضحية وأحيانًا جاني.
في النهاية، يظل السودانيون ديل حالة وجودية معقدة لا يمكن القبض عليها بسهولة، كما لو أن تاج السر يدعونا للتأمل في عمقنا الداخلي: هل نحن السودانيون الذين نبحث عنهم، أم أننا نحاول الهروب من أنفسنا؟
Sent from Yahoo Mail for iPhone
zoolsaay@yahoo.com