الثورة نت/..
أعلنت المقاومة الفلسطينية، اليوم الخميس، تنفيذ كمين مركب لرتل من آليات العدو الصهيوني في رفح جنوب قطاع غزة.
وبحسب وكالة (معا) الإخبارية، قالت “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في بلاغ عسكري، ” أوقعنا رتلا من الآليات الصهيونية في كمين مركب غرب المستشفى الكويتي في مدينة رفح”.


واضافت “كتائب القسام” “فجرنا ناقلة جند صهيونية بعبوتي شواظ واستهدفنا ناقلتين أخريين بقذيفتي الياسين 105 وتاندو”.
وتواصل المقاومة الفلسطينية التصدي لقوات العدو في رفح وتنفيذ كمائن قوية لقواتها في مختلف مناطق قطاع غزة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

هكذا حارب محمد الضيف!

قد يكون قليلا ما هو معروف عن محمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عزّ الدين القسّام، رغم الدور المحوري الذي أدّاه الرجل في مواجهة جيش الاحتلال أكثر من ثلاثة عقود، ورغم حضور بصمته بقوة على المشهد العسكري الفلسطيني، واعتباره أحد شخصيات المقاومة الأكثر تأثيرًا وغموضًا وتعقيدًا، في نظر الاحتلال ومؤسساته العسكرية والاستخبارية طوال هذه المدة، وتسميته بالعدو رقم واحد من قبل الاحتلال في ظلّ حكوماته المتعاقبة.

إلى وقت قريب جدا، كانت ثلاث صور شخصية فقط هي كل ما ظهر للضيف طوال حياته، إحداها تعود إلى فترة العشرينيات من عمره، وأخرى تُظهره مُلثّمًا، أما الثالثة فتُمثّل ظلَّه، ولم تتمكن إسرائيل، التي طالما تفاخرت بامتلاكها أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم، من الحصول على صورة حديثة للرجل حتى أشهر قليلة مضت.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الطريق إلى الطوفان.. ما الذي أراده محمد الضيف؟list 2 of 2"خاوة".. العالم كما يراه يحيى السنوارend of list

هل يحمل ذلك دلالة ما؟ بالتأكيد، فيبدو أننا أمام رجل تحركه نزعته إلى التضحية دون استعراض، وأن هدفه الأساسي لم يكن يومًا الضجيج الشخصي، وأنه كان قائدًا من النوع الذي تتجاوز أفعالُه كلماتِه، فليس معتادا من أي قائد عادي في وضعه كبح التباهي والفخر، وقد نجح في كسر شوكة قوة مثل قوة الاحتلال، بل وإذلاله، على الرغم مما وراء الأخير من قوى عظمى تسانده وتفتح له مخازن أسلحتها وتوفر له غطاء الحماية الدولي.

إعلان

هذا فضلا عن الانضباط الأمني البالغ الذي يتمتع به الرجل، وقدرته على الاختفاء إلى أقصى الحدود، ومن الواضح أن سمات الضيف هذه قد تركت بصمتها على بنية كتائب القسام وأنماط عملها.

فمن ضمن مجالات الحرب المتعددة لم تظهر كتائب القسام في حرب طوفان الأقصى تميزا مثلما أظهرته في المجالات الأمنية والاستخبارية، بدءا من مباغتة جيش الاحتلال في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما يمثل صدمة هائلة لأحد أهم أركان العقيدة الأمنية لإسرائيل وهو التفوق الاستخباري والإنذار المبكر، ووصولًا إلى إخفاء الأسرى الإسرائيليين وإبقائهم بعيدًا عن محاولات استعادتهم من قبل العدو وتقنياته المتطورة، بما يمثل أيضا تحديا للقدرات التقنية التي تعدّ أهم مجالات الاستثمارات الإسرائيلية.

وحتى بعد الوصول إلى وقف إطلاق النار، استمرت الكتائب في إظهار مدى انضباطها وتفوقها الأمني، حيث برز الأسرى في حالة جيدة، ولم يكن ثمة ما يدل على إصابة أحدهم أو إساءة معاملته، ولك أن تتخيل أن حرّاسهم (من رجال القسّام) كانوا يعانون في ذلك الوقت، أشد الغارات الإسرائيلية عنفًا، ويتلقّون أخبار فقد ذويهم يوميًّا، فضلا عن حصار الجوع، لكنهم رغم ذلك التزموا بضبط النفس اتجاه الأسرى.

إن قدرة الضيف على مراوغة الاحتلال سنوات طويلة، وإفلاته من 7 محاولات اغتيال على الأقل، رغم تنقله داخل حيز سكاني ضيق محدود المساحة مثل قطاع غزة، ونجاحه في مراكمة قوة القسّام العسكرية خلال هذا المدة؛ كل ذلك يدفع إلى قراءة هذا الرجل في ضوء الشخصية ذات التكوين الأمني المتميز، ولهذه الرؤية قطعًا وجاهتها؛ فقبل أحداث طوفان الأقصى، نجحت القسام في إخفاء الجندي جلعاد شاليط داخل غزة قرابة 5 سنوات، كما أظهرت الكتائب تميزًا في الجانب الاستخباري في ظل قيادة الضيف، وامتلكت سجلًّا حافلًا من العمليات التي استطاعت خلالها إرغام أنف إسرائيل.

إعلان

ومع ذلك، فمن غير المعقول أن نختزل محمد الضيف في هذا الجانب فقط، نظرًا إلى أن النتائج التي حققها الرجل، منذ انضمامه إلى حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وصولًا إلى استشهاده وثلة من مجاهدي القسام، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الكتائب في مساء 30 يناير/كانون الثاني الماضي، تتجاوز حصره في هذا النطاق نحو منهج إستراتيجي أكثر اتساعا وعمومية.

ولذلك، فرغم ندرة المعلومات المتوافرة حول حياته الشخصية، فإننا سنحاول الجمع بينها وبين إرثه الجلي فيما يظهر من تطور أداء المقاومة تحت قيادته، كي نرسم صورة أكثر وضوحًا لفكر الضيف العسكري الإستراتيجي.

 

أبعاد مختلفة ترسم شخصية الضيف

تشير المعلومات المتاحة إلى أن الضيف (واسمه الحقيقي: محمد دياب إبراهيم المصري) من مواليد مخيم خان يونس للاجئين في جنوب قطاع غزة عام 1965، لعائلة مُهجّرة تعود جذورها إلى بلدة القبيبة الفلسطينية المحتلة (شمال غرب القدس). وقد تلقى الضيف تعليمه الأساسي في مدارس مخيم خان يونس، ثم التحق بالجامعة الإسلامية في غزة، حيث درس العلوم وحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص الأحياء، كما أبدى خلال هذه الفترة انجذابًا نحو الفنون، فترأّس لجنة الترفيه الجامعية وقدّم عروضًا مسرحية رفقة زملائه.

والده كان يعمل في صناعة الغزل وتنجيد المفروشات، وفي وقتٍ ما نظرًا إلى الظروف القاسية التي تفرضها حياة اللجوء والمخيمات، أُجبر الضيف في صغره على ترك الدراسة فترة والعمل رفقة والده لدعم أسرته، كما أسس في وقت لاحق مزرعة دواجن صغيرة وعمل سائقًا للغرض ذاته، ثم عاد مجددًا كي يواصل مساره التعليمي.

فما الذي يمكن أن نستشفه من معلومات مثل هذه؟ ترسم هذه التفاصيل صورة شخصية تتمتع بالمرونة والقدرة على التكيف مع الظروف القاسية، فضلا عن القدرة على تحمل المسؤولية والاهتمام بالآخرين وإيثارهم على الذات.

إعلان

ولكن في الوقت نفسه، كانت هذه الظروف الصعبة، دافعا لا عائقا، لمواصلة طموحه في ذلك الوقت وهو استكمال دراسته، فكانت فترة الانقطاع عن الدراسة أمرًا طارئًا مؤقتًا، فقد كان الضيف صبورا يدرك كيف يحدد أولوياته ومكتسباته وفقًا للمتاح بنوع من الواقعية، دون أن التخلي عن الطموحات والأهداف الأصلية.

وماذا عن موهبة التمثيل المسرحي التي صاحبته في سنوات شبابه الأولى، هل كان التقمص في سياق التمثيل وتبادل الأدوار والشخصيات، تمرينًا آخر على المرونة النفسية؟ أم ساهم هذا التقمص في دراسة نفسية الشخصيات التي أدّى الضيف أدوارها، ومن ثم فقد منحه ذلك فيما بعد، القدرة على التفكير مثل خصومه وتوقع خطواتهم مسبقًا؟ وهل كانت هذه المراوحة بين الميول الأدبية والعلمية، مؤشرًا على شخصية ثرية بالتنوع ذات عقل قادر على احتضان مختلف الأفكار وإقامة حوار بينها؟ والسؤال الأهم هو كيف انعكست هذه الخصائص إجمالا، فصاغت محمد الضيف، المقاوم وقائد كتائب القسّام فيما بعد؟

أول ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد، هو النقلة النوعية التي قام بها الضيف في نمط عمل كتائب القسام، فقد أشرف الضيف على عمليات عدة ضد العدو مع بداية ظهور القسّام في تسعينيات القرن الماضي، من بينها أسر الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان، كما خطط لسلسلة عمليات فدائية انتقاما لاغتيال يحيى عياش (أحد أهم رموز المقاومة)، وقد نتج عن ذلك وقوع أكثر من 50 قتيلا إسرائيليا.

ثم كانت انتفاضة الأقصى محطة نوعية في تطور أداء الجناح العسكري لحماس، وفي هذه المرحلة ظهرت قدرة كبيرة لدى الضيف في تنفيذ عمليات أكثر فعالية أوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى. وبعد اغتيال صلاح شحادة (مؤسس أول جهاز عسكري للحركة) وخلافة الضيف له، أعد خطة تضمنت تدريب مقاتلين غير استشهاديين، وكانت تلك الخطة هي أول سبل التحول نحو تنظيم شبه عسكري لجنود المقاومة الفلسطينية، يمكنه تحقيق أهداف طويلة الأجل للمقاومة، وصولا إلى ما شهدناه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إعلان

لقد باشر الضيف المقاومة وفق الإمكانيات المتاحة في وقتٍ ما، فلم يتراجع أو ينتظر ظروفًا مواتية أو أكثر ملاءمة، لكن ذلك لم يمنعه أيضًا من التخطيط الطويل المدى، رغم الظروف والسياقات الصعبة، وهو ما يماثل ما فعله في صباه، حين نظر بإحدى عينيه نظرة واقعية إلى إمكاناته المادية وكانت عينه الأخرى طامحة تخطط للحصول على الشهادة الجامعية.

وقد أثمر تخطيط القائد في الأخير تحويل الكتائب من مجموعات فدائيين غير محترفة إلى أجهزة وألوية وسرايا فنية على درجة عالية من التخصص والتدريب الاحترافي.

إن صورة شخصية الضيف الهادئة المثابرة، التي تعودت ظروف الحياة الصعبة، ومزجت بين المرونة والصلابة في مواجهتها، تكاد تنطق من بين ثنايا الإستراتيجية العسكرية العملياتية لكتائب القسام لتكشف عن أثره إذ احتجبت عينه، فكأنما اتحدت روحه بالكتائب حتى صارت هي وجهه وظله وشخصيته التي غابت عن الأنظار.

محمد الضيف (الجزيرة) استثمار المتاح.. طريقة لتحقيق التوازن

"فن الإستراتيجية يتمثل في اختيار أنسب الوسائل المتاحة والجمع بينها لإنتاج ضغط نفسي كافٍ لتحقيق التأثير المطلوب". هكذا يقول الإستراتيجي العسكري الفرنسي أندريه بوفري في كتابه "مقدمة الإستراتيجية"، وهكذا كان الضيف ورفاقه يعملون.

لقد كان الهدف الرئيسي لقادة القسام منذ اللحظة الأولى هو التغلب على فارق ميزان القوة مع عدو متقدم تقنيا، ومن العوامل التي ساهمت في الوصول إلى ذلك قدرتهم على انتقاء السلاح المناسب للمعركة المناسبة. لقد أدركوا أن الحكمة ليست في المقارنات المبسطة بين سلاح وسلاح، أو جيش وجيش، بل يجب أن تكون مقارنة الأسلحة ببعضها في إطار وظائفها في مسرح العمليات، حيث يمكن التوظيف الإستراتيجي لسلاح أقل تكلفة وقدرة في تعطيل القدرات الأكثر تفوقا لسلاح آخر.

مثلا، أطلق حزب الله في حرب لبنان عام 2006 أكثر من 1000 صاروخ مضاد للدبابات من نوع الكورنيت، وتسبب ذلك في أعطاب مختلفة لدبابات إسرائيلية كثيرة.

إعلان

والكورنيت صاروخ روسي الصنع، رخيص نسبيا، مخصص للاستخدام ضد دبابات القتال الرئيسية الأثقل في ترسانة الحرب البرية، وقد كان من توجهات الضيف وهيئة أركان الكتائب الاهتمام بالكورنيت وما يشبهه من مضادات الدروع، وقد وجّهوه إلى دبابات الميركافا ومدرعات النمر، وهي المركبات القتالية التي يستخدمها جيش الاحتلال إذا ما قرّر الهجوم البريّ؛ إذ لا يمكن بأي حال أن يتحرك الجيش على الأرض دون دبابات تفتح الطريق ومدرعات تحمل الجنود، والجيش الإسرائيلي لا يعتمد على المشاة إلا نادرا.

وفضلًا عن الكورنيت، ظهر سلاح جديد منذ عملية طوفان الأقصى انضم إلى ترسانة المقاومة متمثلا في قذائف الياسين من عيار 105 ملم، التي عدت تطورًا نوعيًّا للمقاومة، فهي أقل تكلفةً وأسهل في الاستخدام، ويمكن لرجل واحد التدرب عليها والمباشرة في القتال بها.

يجري ذلك على نمط اختيار السلاح كله في هذه الحرب، فمثلا كانت أشد المعارك وطأة على جنود الاحتلال في الحرب الأخيرة هي تلك التي تمكنت فيها المقاومة من اختراق تشكيل عسكري إسرائيلي وضربه بالعبوات الناسفة، عبر تفخيخ أحد الطرق أو المباني التي سيمر بها. وما العبوات الناسفة إلا سلاح محلي الصنع رخيص الثمن يمكن تصنيعه من أي شيء متاح، بما في ذلك المسامير وقطع الحديد الصغيرة.

وفي السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت كتائب القسام في قناتها على تليغرام استهداف مروحيات تابعة لدولة الاحتلال بصاروخ "سام-18" في منطقتين، وهو نظام دفاع صاروخي أرض-جو، روسي الصنع، يُحمَل على الكتف، ويمكنه ضرب الأهداف الجوية القريبة نسبيا، ومثل ما سبق من أسلحة، يُعدّ سام-18 رخيصًا نسبيا إذا ما قورن بسعر مروحية أو مسيّرة إسرائيلية.

كما تُعدّ قذائف الكورنيت والياسين والعبوات الناسفة وصواريخ سام-18، نماذج مثالية لانتقاء السلاح المناسب في معركة غير متكافئة، ورغم أن فرقة مدرعة تكلف دولة الاحتلال عشرات الملايين من الدولارات، فإن تشكيلًا سريع الحركة، على دراية عميقة بموقع المعركة، يمتلك مجموعة من الأدوات لا تتجاوز تكلفتها بضعة آلاف من الدولارات، يمكنه إيقاف حركة تلك الفرقة تماما، بل تدميرها في بعض الأحيان.

إعلان

حرص الضيف ورفاقه من هيئة أركان القسام على أن يجري ذلك على كل أسلحتهم تقريبا، وهو يحقق هدف الاستدامة في الحرب القائمة التي تتطلب بشكل أساسي "الصبر" كتكتيك إستراتيجي.

توطين الصناعة الدفاعية

علاوة على ما سبق، أدرك الضيف ورفاقه منذ اللحظة الأولى أن الحصول على أسلحة من مصادر خارجية (روسية أو صينية) أمر معقد للغاية، لأسباب تتعلق بكلفتها أولا، فضلًا عن الحصار المطبق على قطاع غزة الذي يجعل من إدخال السلاح أمرا عسيرًا.

لذلك تبدت أهمية التصنيع المحلي، لأن ما سبق من أسلحة لن يكون مفيدا إذا أغلقت كل الأبواب ولم يعد متاحا منه إلا كمّ ضئيل يصلح لمعركة تستمر عدة أسابيع فقط، فإسرائيل تعرف ذلك وهي أيضا تصارع الزمن في معارك مثل هذه، وتحاول دائما اللعب على أمد المعركة وصولا إلى اللحظة التي تنكسر فيها المقاومة، و"تنكسر" هنا بمعايير عسكرية تعني أشياء عدة، منها فقدان الإمدادات.

تشير بعض الروايات المتاحة إلى أن بدايات الضيف شخصيا كانت في التصنيع العسكري، وأنه قاد الجهود الأولى لبدايات هذا التصنيع بيديه وعكف على تطويره سنوات. ولاحقا صارت قدرات القسام على إدارة منظومات متطورة للتصنيع الذاتي أحد أهم عوامل بقائها وتغلبها على ظروف الحصار القاسية وعزلة قطاع غزة الجغرافية.

بداية هذا كله كانت مع الصواريخ. فأثناء الحرب على غزة في مايو/أيار 2021، أطلقت حماس نحو 4300 صاروخ على أهداف إسرائيلية في قفزة كانت مفاجئة للإسرائيليين، ليس في عدد الصواريخ فقط، بل في أمر أهمّ من ذلك وهو دقة الهجمات. فما يقدر بنحو 50% من الصواريخ التي أُطلِقت سقط في مناطق مأهولة بالسكان مقارنة بـ22% في عام 2012 و18% في عام 2014.

في أوائل الألفية، تمكن مقاتلو حركة حماس من تطوير الصاروخ "قسام 1" بقدرات متواضعة جدا؛ أسطوانة معدنية تشبه مواسير المياه بوزن 35 كيلوغراما فقط وطول أقل من مترين ووزن 1.5 كيلوغرام للرأس الحربي ومدى يصل إلى كيلومترين ونصف، تطور خلال الإطلاقات الأولى على إسرائيل إلى ما بين 3 و4.5 كيلومترات فقط. صُنع الصاروخ من مكونات محلية تماما في غالبها؛ مزيج صلب من السكر ونترات البوتاسيوم (سماد شائع) لبناء وقود الصاروخ، حيث يعمل مزيج السكر والنترات عنصرًا مؤكسدًا يزود التفاعل بالأكسجين؛ مما يسمح بإطلاق الطاقة بشكل متحكم فيه لدفع الصاروخ دون التسبب في انفجاره.

إعلان

عشرون عامًا مضت. الآن، قارن ذلك بصاروخ "عياش 250" الذي استهدفت به حماس "مطار رامون" على بُعد 220 كيلومترا أثناء حرب 2021، إنه الصاروخ الأطول مدى إلى الآن -بحسب المعلومات المعلنة- في ترسانة المقاومة (250 كيلومترا) والأقوى تدميرًا على الأرض.

وإذا راقبت التتابع الزمني لتطور صواريخ المقاومة، فستجد أن ما يُخيف الإسرائيليين ليس فقط تصاعد المدى إلى جانب الدقة، وإنما التسارع في التطوير، فحجم الإنجاز الذي يحققه الفلسطينيون يتضاعف كل عام، منذ "قسام 2" في 2002 بمدى 9 إلى 12 كيلومترا، إلى "قسام 3" في 2005، بمدى 15 إلى 17 كيلومترا، إلى "إم 75" في 2012 بمدى يصل إلى 80 كيلومترا، إلى رنتيسي 160 في العام نفسه ويصل مداه إلى 160 كيلومترا، وهذه فقط أمثلة.

كانت الصواريخ دائما سلاح ردع مهم يسمح للمقاومة بفرض ضغط على الإسرائيليين في الداخل أثناء المعارك على غزة، ولذلك حرصت المقاومة على تصنيعها محليا، والواقع أن استثمارات التصنيع المحلي لدى الضيف ورفاقه كانت دقيقة حقا، ويظهر ذلك في اختيارات أخرى حاسمة مثل الياسين 105 السالف الذكر، أو حتى بندقيات القنص، ففي عام 2014 أعلنت كتائب القسام أنها قامت بتصنيع بندقية قنص تتمتع بمدى قاتل يصل إلى كيلومترين، أطلقت عليها اسم "الغول"، وفي فيديو نشرته الكتائب ظهرت عمليات قنص لجنود من الجيش الإسرائيلي بهذه البندقية.

أدركت المقاومة تحت قيادة الضيف دائما أن الصراع النهائي سيكون داخل المدينة، ومهما تقدمت التكنولوجيا فإن قناصًا واحدًا يمكنه أن يعادل قوة كاملة من عشرة أفراد إذا استخدم عتاده بشكل مناسب وقام باختيار مناطق تموضع متعددة وملائمة.

تسلسل القيادة والخلايا المنفردة

ورغم ما سبق، فقد فقدت كتائب القسام خلال هذه الحرب التسلسل القيادي إثر استشهاد عدد كبير من قادتها، وكان الضيف من ضمنهم، فكيف تمكن الجنود في ظروف مثل هذه من الاستمرار في القتال؟ وأين تقف هيكلة كتائب القسام ومنظومة القيادة والتحكم فيها؟ هل هي مصفوفة مركزية أم لا مركزية؟

إعلان

سوف نلاحظ أن هناك غيابا للإجماع حول تحليل المنهجية التي اتبعها الضيف ورفاقه في هيكلة منظومة القيادة والتحكم وإدارة المستوى العملياتي من الحرب. فمثلا في ورقة بحثية نُشرت في يوليو/تموز 2024 في دورية "جورنال الدراسات الفلسطينية" (Journal of Palestinian Studies)، تخلص النتائج إلى أن حماس بشكل عام، سياسيا وعسكريا، تغلب عليها سمات اللامركزية أكثر من سمات المنظمة المركزية الهرمية، وتفسر ذلك بأن القمع الإسرائيلي المتزايد واستهداف القادة بشكل متكرر، قد دفع قيادتها إلى هذا النمط من اللامركزية و"القيادة المُوزَّعة"، لتجنب الصدمات الناتجة عن الفقدان المفاجئ لبعض القادة ورفع درجة المرونة والقابلية للتكيف.

ويتفق مع هذا الرأي بلال صعب، وهو زميل مشارك في مؤسسة تشاثام هاوس البحثية في لندن، إذ يقول في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية: "إن حماس تستخدم مزيجا من نمط القوات التقليدية والهجينة وإن عملياتها لامركزية للغاية، وهناك نوع من الهيكل العسكري الخلوي، حيث تعمل كل فرقة بمفردها".

على جانب آخر، يختلف معهد دراسة الحرب الأميركي مع الرؤى السابقة، ولكن ليس بشكل كلي، إذ يرى أن حماس تتشابه في تنظيمها، إلى حد بعيد، مع الهياكل العسكرية الرسمية، حيث تنظم كتائب القسام نفسها في مستويات من الفرقة حتى مستوى اللواء تماما كما تفعل الجيوش التقليدية، ومن ثم، فلا يمكن تصور أنها مثل المنظمة السرية التي تدير خلايا مترابطة لامركزية بشكل مطلق.

وعلاوة على ذلك، تشير الدراسة إلى امتلاك القسام درجة أعلى من المرونة تظهر في تسلسل قيادي مرن وموزع الصلاحيات بغية تسهيل التعافي في مواجهة فقدان القادة أو عناصر الوحدات. ورغم الاختلاف الظاهر في هذه التقييمات لمنهجية القسام، فإن ثمة نقطة اتفاق مشتركة بينها، هي أن عمليات القتل المستهدفة وحدها لن تؤدي إلى إضعاف حماس أو تدميرها بشكل دائم. ومن المرجح أن تحتفظ حماس بقاعدة عميقة من القادة العسكريين ذوي الخبرة والردفاء، الذين سيكون معظمهم مستعدين لإعادة بناء وتدريب قادة جدد على المستوى العملياتي والتكتيكي.

إعلان

ولهذا النمط المرن من القيادة ميزة أخرى من الناحية العملياتية، لأنه في حالة الحرب كلما أصبحت الأمور أعقد وأصعب توجهت تلك الوحدات بصورة أكبر إلى النمط اللامركزي، للحفاظ على وتيرة القتال والاشتباك.

بمعنى أوضح، في حال انقطاع الاتصال مع أي من نقاط القيادة، سواء العليا أو المحلية أو حتى قيادة الفرق، أو فقدان القدرة على الوصول إلى الإمدادات، فإن جنود الوحدات الصغرى مدربون على العمل بشكل مستقل تماما، لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للحرب.

يعيدنا ذلك مجددًا، إلى سمة الابتعاد عن الضجيج الشخصي التي استعرضناها سابقًا في شخصية محمد الضيف، نظرًا إلى أن هذا النوع من القادة لن يرغب في إحكام السيطرة على رجاله، بشكل يقلص من طاقاتهم ويحد من بناء قادة مستقبليين أو مقاتلين قادرين على اتخاذ قرارات مصيرية بمفردهم في الأوقات الصعبة.

عمليات خاطفة

ومن شأن ما سبق أن يلقي الضوء على أحد العوامل الهامة في تحقيق التوازن مع الاحتلال المتفوق تقنيا، نظرًا إلى أن بناء هذه الثقة وتقاسم المسؤوليات ومن ثم عدم اللجوء في كل قرار إلى المركز القيادي، منح المقاومة القدرة على اتخاذ قرارات سريعة داخل ميدان القتال، والتصرف فورًا وفق ما هو متاح لديها من بيانات وأدوات.

فطبيعة الحروب غير المتماثلة ترجح كفة من يتمكن من بدء العمليات الخاطفة وإنهائها قبل أن يتمكن عدوّه من الاستيعاب والرد، وهذا هو بالأساس جوهر الحرب غير النظامية التي أدارها الضيف ورفاقه بعناية، حيث يتمكن الطرف الأضعف نسبيا من تحقيق أفضل استثمار ممكن فيما هو متاح من أدوات لإيقاع الخسائر في صفوف الطرف الأقوى تقنيا، من دون الاضطرار إلى مواجهات مباشرة مع تقنيات أعلى كفاءة، كالدبابات والطائرات.

ولنأخذ مثالا من أرض الواقع، وهو الهجمات التي تندرج تحت مفهوم "الكمين والإغارة"، وهو التكتيك العسكري الذي اتّبعه أغلب عمليات المقاومة بعد الأشهر الأولى من الاجتياح البري، فرغم أن هجمات كتائب القسام من هذا النوع أصبحت أكثر تطورا وتعقيدا وتركيبا، من حيث استخدامها لأسلحة متنوعة وتعدد جهات الاشتباك، فإنها تظل معتمدة بشكل كبير على قيام مجموعة صغيرة من المقاتلين ببناء خطة سريعة لاستهداف فرقة تمر بهذا المكان أو ذاك في لحظة محددة.

إعلان

إلى جانب ذلك، تستطيع الوحدات الصغيرة المستقلة أن تبتكر وتستخدم تكتيكات فريدة ومحلية مصممة كي تناسب بيئات محددة أو تستهدف نقاط ضعف العدو التي ظهرت في سياق حدث بعينه؛ مما يجعلها أقل قابلية للتنبؤ من طرف العدو. ويحدث هذا عندما تدرك قيادة المقاومة أن قواتها المحلية تتمتع بفهم أفضل للتضاريس والسكان وديناميات البيئة الخاصة بها، وهو أمر بالغ الأهمية في الحرب غير النظامية ويمثل مركز ثقل الطرف الأقل عددا وقوة.

عمليات الأسلحة المشتركة

لكن الضيف ورفاقه كانوا أكثر مرونة من ذلك، فرغم أنهم أدركوا منذ البداية أن عملياتهم ستكون غير نظامية بالأساس مما يتطلب تحقيق استثمار مركز في وحدات صغيرة فعالة، فإن تلك الوحدات، بشكل أو بآخر تكاملت معا لبناء عمليات متطورة هي أقرب إلى العمليات النظامية.

في الجيوش النظامية المعاصرة، تعبر عمليات الأسلحة المشتركة عن طريقة للحرب تسعى إلى دمج الأسلحة القتالية المختلفة للجيش لتحقيق تأثيرات تكاملية متبادلة. على سبيل المثال، تتكون الفرقة المدرعة، وهي النموذج الحديث لعقيدة الأسلحة المشتركة، من مزيج من وحدات المشاة والدبابات والمدفعية والاستطلاع والمروحيات، وجميعها يتم تنسيقها وتوجيهها من خلال هيكل قيادة موحد.

لفهم عمق هذا النمط من التخطيط لدى الضيف ورجاله، دعنا نرجع بالزمن إلى السابع من أكتوبر نفسه، حيث تكاملت مجموعة من الأسلحة الخفيفة، والمسيّرات والقذائف والصواريخ التي تستخدمها القسام عادة، والقوارب البحرية العادية، والمظلات الطائرة. لكن الفكرة ليست في الأدوات، بل في التخطيط والربط بين القوات المختلفة لإنفاذ العملية.

يظهر ذلك بوضوح في قدر النجاح الذي حققته العملية، حيث تمكن جنود المقاومة من الاختراق والوصول إلى نقاط تبعد أكثر من 20 كيلومترا عن حدود قطاع غزة، والعودة بعدد من الأسرى تخطى المتوقع من الخطة. بدأت العملية بالتدريب المشترك لجنود كتائب القسام، في عملية خداع كبرى لاستخبارات جيش دولة الاحتلال (١-سلاح المخابرات)، وفي لحظة الانطلاق لاختراق 17 نقطة محددة سلفا في السياج الأمني، انهمر غطاء نيراني عبر إطلاق 5000 صاروخ (٢-سلاح المدفعية)، ثم استخدمت المسيّرات لاختراق الأهداف الإستراتيجية وضربها على طول السياج، وهو ما يُمثِّل تحديا للقبة الحديدية التي لم تتطور بشكل كافٍ لمواجهة الطائرات المسيّرة، وذلك لأن الأخيرة بإمكانها الطيران على ارتفاعات منخفضة بالقرب من الأرض؛ مما يجعل رصدها من خلال الرادارات أمرا صعبا. نفس الفكرة تجري على الطيران المظلي الذي يتمكن من تفادي الرادار بسهولة أكبر (٣-سلاح الطيران)، ثم ينتقل الجنود إلى أرض المعركة لتنفيذ مهامهم (٤- سلاح المشاة).

إعلان

هذا التكتيك المتكامل بين الفرق المختلفة للجنود يعظّم من أثر الضربة، بحيث يكون الإنجاز أكبر من مجموع منجز كل قوة منفردة. على سبيل المثال، عندما تستخدم قوات المشاة والمدرعات في بيئة حضرية، فإن كلًّا منهما يدعم الآخر، ولا يمكن للدبابات منفردة أو فرق المشاة منفردة أن تحقق الهدف النهائي المتمثل في الاستيلاء على نقطة ما على الأرض.

بالنسبة لكتائب القسام، لا يقف الأمر عند حدود عملية طوفان الأقصى، بل رأينا هذا النمط من التخطيط العسكري في بعض الكمائن المركبة التي تمكنت كتائب القسام من تنفيذها، وتشاركت فيها فرق من نوعيات مختلفة بأسلحة مختلفة، وهو ما كان السبب في تعظيم نتائج هذه الكمائن.

رحل الضيف إذن؛ وبقيت آثاره شاخصة ضاربة جذورها في أرض فلسطين، وفي حين تشير بعض الروايات المتاحة إلى أنه كان قد اكتسب لقب الضيف في سنوات مطاردته الطويلة، إذ لم يكن مكثه يطول في مكان واحد، بل يتنقل "ضيفا" على بيوت كثيرة؛ فإنه قد استقر أخيرا في مقامه الباقي، وبقيت بعده كتائب القسام، وبقيت سيرته حية، عنوانها ما شهد به عدوه "رجل أفعال لا أقوال" كما قالت عنه إسرائيل.

إن الضيف نمط من العسكرية الاحترافية العصامية، حيث سبقت فيه إرادة القتال قدرات التأهيل والتسليح، لكن الإرادة خلقت القدرة داخل أرض مستحيلة ان تكون جبهة أو مسرح عمليات، فكان النفق والظلمة، والحفر في باطن الأرض، والنقش على جدار التاريخ.

مقالات مشابهة

  • مشاهد تسليم الأسرى تهز كيان العدو الصهيوني وتُربك قادته وتفضح هزيمته
  • هكذا حارب محمد الضيف!
  • قائد كتائب القسام تلاعب باستخبارات إسرائيل قبل طوفان الأقصى.. وثيقة عملياتية تكشف مفاجأة.. عاجل
  • ‏وكالة الأنباء الفلسطينية: 25 قتيلا وهدم 100 منزل بشكل كامل في مخيم جنين بالضفة الغربية جراء العملية العسكرية الإسرائيلية
  • بالفيديو .. الأسير الإسرائيلي سيغال يشكر القسام
  • اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال في جنين.. وإصابات مؤكدة بالإسرائيليين
  • جيش الاحتلال يعترف بفشله في اغتيال قائد كتيبة الشاطىء بـ”كتائب القسام”
  • كتائب القسام تبدأ تسليم الأسير الإسرائيلي كيث شمونسل سيجال إلى الصليب الأحمر في ميناء غزة
  • بالصور: المقاومة الفلسطينية تنظم استعراضاً عسكرياً ضخماً في ميناء غزة وتسلم 2 من اسرى العدو
  • عناصر من كتائب القسام تنتشر في ميناء غزة قبيل تسليم أسير للاحتلال / صور