ارض غزة.. قصص الصبر والبحث عن شفاء في متاهة الحرب
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
غزة - «عُمان» - بهاء طباسي: في أرض غزة، حيث السماء تحكي قصص الصبر، والأرض تشهد على الألم، تعيش أم مكلومة تدعى أحلام عوض، وتحمل في قلبها هموماً لا تنتهي، وتروي لنا قصتها بنبرة تختلط فيها الأسى بالأمل، تقول: «في زاوية من زوايا الحياة، حيث الظروف قاسية والمعاناة يومية، يرقد طفلي الصغير، معاناته تفوق سنين عمره القليلة».
وتضيف الخمسينية خلال حديثها لـ«عُمان»: «ابني يصارع ضموراً في المخ، مرضاً لا يرحم، وجسده النحيل يحمل حرارة تفوق حرارة الشمس التي تحرق أرضنا، أقف عاجزة، لا أستطيع حتى أن ألبسه، فملابسه تزيد من ألمه».
وتتابع: «أتنقل بين النقاط الطبية والمستشفيات، أبحث عن شفاء لم أجده، والأطباء يتناوبون على إرسالي من واحد إلى آخر، وكأني أدور في حلقة مفرغة من اليأس».
وتكمل: «بعد أسبوع وأنا أسير على قدميّ إلى المجمع الطبي، ولكن لا شيء يتغير، العلاجات غائبة، والأمل يتلاشى». موضحة «عين إبني تحكي قصة أخرى من الألم، فالحساسية تجعله يخشى نسيم الهواء ودفء الشمس، وفي هذا الوضع الذي نحن فيه، حيث الرمال تغطي كل شيء والجراثيم تحاصرنا، حتى أدوات التنظيف أصبحت من الماضي، ماذا يمكن للمرء أن يفعل؟».
وتشير الأم بحسرة: «أتذكر يوم استيقظت ابنتي وقد امتلأ قلبها بالماء كالحروق، وكيف تقلصت وتمددت تلك الآثار على جسدها، تنتشر في كل مكان، لا يوجد جزء من جسمها لم يمسه الألم».
وتقول: «نعيش في خيم، وسط حرب ورمال وأمراض جلدية ومياه مالحة، من الطبيعي أن تحدث مثل هذه الأمور في ظروفنا، وقد وصلنا إلى درجة أن ابنتي أصبحت تقضي لياليها في المستشفى، والأوبئة تنتشر بيننا بسبب نقص المنظفات والتكدس»، مؤكدة أن الوضع صعب للغاية، والعيش في الخيام يحمل في طياته وباءً وهو وباء العلاج الغائب.
وتطالب أحلام علاج ابنتها في الخارج، إضافة إلى: «علاج لأطفالنا الأبرياء الذين يعانون من أوبئة منتشرة. نحن الكبار قد نتحمل، ولكن الأطفال لا يتحملون، ابنتي تعاني، لا تتحمل، لا تنام، تبكي طوال الليل والدم ينزل منها».
ويشارك مطلب أحلام، محمد عابد والد طفل مريض يعاني من مرض السرطان، مناشدا: «يا عالم نحن نحتاج إلى علاج لأبنائنا، نريد تحسين الوضع الصحي لهم، على الأقل نحتاج إلى علاج، إذا لم نحصل على علاج، ماذا يمكن أن نفعل؟ لم نرَ مثل هذا الوضع في حياتنا إلا في الحرب».
وعن سؤالنا حول أسباب تفشي امراض السكان في أطفال غزة، يجيب الأب المكلوم: «بالتأكيد العامل الرئيسي لهذه المعاناة هي الصواريخ والقنابل ومخلفات الحرب وكذلك ومن مكان إلى مكان وقلة وغياب النظافة».
وقال خلال حديثه لـ«عُمان»: «لا توجد بلديات تعمل كما ينبغي، ولا توجد معدات تعمل لإزالة مخلفات الحرب من الشوارع، وهذا هو العامل الرئيسي في انتشار الذباب والبعوض والأمراض والأوبئة».
وتابع: «نحن نعيش بين الخيام والأنقاض، وهذا الأمر لا يطاق بالنسبة للبشر، نطالب جميع الدول وجميع الأشخاص الذين ينظرون إلينا أن ينظروا إلينا بعين الرأفة وأن يوقفوا هذه الحرب والدمار الذي نحن فيه».
وبين أن قطاع غزة وصل إلى حالة لا يستطيع الغزاويون تحمل أي شيء، فهم متعبون من الوضع والحرب المستمرة لـ الشهر الحادي عشر على التوالي، وعددا الشهداء والاصابات يرتفع، النازحون من الصغار والكبار يصابون بالأوبئة القاتلة. والسبب الرئيسي في ذلك، هو إغلاق المعابر حيث يمنع دخول المواد الأساسية والأدوية.
ويستكمل الثلاثيني حديثه: «قالوا لنا اذهبوا إلى مناطق إنسانية، ولكن عندما جئنا إلى هذه المناطق، وجدنا أنه لا شيء متوفر، لا أمن، ولا علاج، ولا نظافة، هذا هو الواقع الذي نعيشه، منذ بداية الحرب على غزة».
وتروي علا كساب من غزة كيف استيقظت ابنتها ذات صباح لتجد جسدها مغطى ببثور مائية تشبه الحروق، والتي سرعان ما تفاقمت وانتشرت على نطاق واسع في جسدها.
وتعيش عائلة كساب النازحة في خيمة، حيث الحروب والرمال والأمراض الجلدية والمياه المالحة هي جزء من واقعهم اليومي، مما يجعلهم عرضة لمثل هذه الحالات الصحية.
تشير علا إلى أن الأوبئة تنتشر في خيام النازحين بسبب الاكتظاظ ونقص المنظفات، وهي مشكلة متفاقمة في ظل الظروف الحالية، إذ تعاني العائلات من صعوبة الحصول على الماء النظيف للشرب والاستحمام، ناهيك عن المواد النظافة.
وتصف السيدة الحياة في الخيام بأنها صعبة، وتزداد صعوبة عندما يتعلق الأمر بالعلاج، معبرة عن يأسها من شفاء أولادها المرضى، بسبب نقص الأدوية، وتناشد العالم ومنظمة الصحة العالمية بتوفير العلاج لأطفال غزة الذين يعانون من انتشار الأوبئة.
من جانبها، تقول شيرين عبدالعال، إحدى الغزاويات النازحات، إنها لم تشهد مثل هذه الظروف الصعبة إلا في أوقات الحرب. وتلقي باللوم على القصف والنزوح المستمر ونقص النظافة كعوامل رئيسية في انتشار الأمراض.
وناشدت شيرين المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالنظر إلى معاناة سكان غزة بعين الرأفة والعمل على إنهاء الحرب والدمار، وضرورة ادخال الأدوية والمستلزمات الطبية إلى مستشفيات القطاع التي تأن تحت وطأة الحصار والحرب.
ويرتفع القلق الصحي بقطاع غزة إلى مستويات جديدة مع تزايد حالات الأمراض الجلدية، ويصف خالد أبو قورة طبيب الأمراض الجلدية في مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس جنوبي القطاع، الوضع بأنه «مقلق للغاية»، مشيرًا إلى انتشار الالتهابات البكتيرية والقوباء المعدية، والتي تغذيها بكتيريا عنيدة.
ويقول: «لقد لاحظنا مؤخرًا تزايد ملحوظ في حالات الأمراض الجلدية بقطاع غزة»، مضيفًا أن «هذه الالتهابات قد تتطور في بعض الحالات إلى مراحل خطيرة تستدعي الدخول إلى المستشفى، وقد تصل إلى تقيحات شديدة في الجلد».
ويعبر خلال حديثه لـ«عُمان» عن مخاوفه من أن بعض الحالات قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل التهاب الكبيبات الكلوية، الذي يمكن أن ينتهي إلا بالفشل الكلوي.
ويعزو الطبيب الأسباب الرئيسية لهذه الالتهابات إلى الازدحام السكاني، واستخدام المراحيض المشتركة، إضافة إلى الارتفاع الشديد في درجات الحرارة داخل الخيام.
ويكمل: «إضافة إلى ما سبق فإن نقص المياه الصالحة للاستخدام، ونقص المواد المنظفة كالصابون، وعدم توفير مساحات الغسيل، والمواد المعقمة، والكحول، واليود، ومعقمات الأيدي، والحصار الطويل الأمد ومنع دخول هذه الموارد الأساسية قد أدى إلى تفاقم الوضع الصحي».
ويؤكد الطبيب أنه «منذ بداية انتشار الأمراض والاوبئة، كانت المشكلة تكمن في نقص المواد الخاصة بالتنظيف، ولذلك نقول لو توافرت هذه المواد، لكانت الحالات أقل بكثير مما وصلت إليه».
ويضيف: «في ظل الأعداد الكبيرة من الحالات، للأسف الشديد، فإن أغلب المضادات الحيوية الفموية غير موجودة، وأغلب المراهم المضادة للبكتيريا التي يتم وضعها على الجلد أيضًا غير متوفره».
ويختتم حديثه طبيب الأمراض الجلدية بالتأكيد على أن الكثير من الحالات تضطر إلى الدخول للمستشفيات بسبب غياب العلاجات اللازمة.
وفي ظل هذه الأزمة الصحية، يناشد الطبيب المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتدخل إلى تقديم الدعم اللازم لتحسين الأوضاع الصحية وتوفير الأدوية والمواد الضرورية للنظافة، في محاولة للحد من تفشي الأمراض وحماية الأرواح.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأمراض الجلدیة
إقرأ أيضاً:
هرب من سجون الاحتلال وحررته صفقة الأسرى.. الساعات الأولى لمحمد العارضة بين عائلته
جنين- "لقد أكلت ثمار الصبر يا أمي" كانت هذه الجملة جزءا من رسالة بعثها محمد العارضة، لوالدته حين أعيد اعتقاله بعد 5 أيام من نجاح فراره رفقة 5 أسرى آخرين من سجن جلبوع عام 2021.
في اللحظات التي سبقت وصوله إلى أمه في بلدة عرابة جنوب جنين، كانت والدته تعيد ذكرى حديثه عن أكل الصبر (التين الشوكي)، وقالت إنهم حرموا أكل الصبر وهو الفاكهة المحببة لمحمد طوال فترة سجنه.
وقالت "أنا وإخوته حرمنا على أنفسنا أكل الصبر، كان يحبه، وقال لي إنه استطاع تذوقه حين خرج من النفق قبل 4 سنوات".
العارضة بين أهله وأبناء بلدته عرابة بعد 23 عاما في الأسر (الجزيرة) لقاء بعد عقدينوتضيف الأم التي تحوّل حزنها الطويل والمستمر لـ23 عاما، على غياب محمد إلى فرحة عارمة، "زرعت الصبر في محيط المنزل، على أمل تحرير محمد، وزرعت نخلة أيضا، زرعتها وأنا أنتظر أن يأكل من ثمرها، تحقق الأمل أخيرا".
وتشير الأم إلى أنه "منذ جاء خبر اعتقال محمد بعد هروبه لم أتذوق طعم النوم، طوال 4 سنوات كنت أسهر طوال الليل أفكر في محمد، ومنذ ثلاثة أيام أنادي عليه رغم عدم معرفتي بورود اسمه في قوائم المفرج عنهم إلى أن جاءت البشارة عبر المحامي أمس".
وسط بلدة عرابة مسقط رأس العارضة، كانت شقيقته تحسب الدقائق لوصوله، وحين وصل الخبر باجتياز المركبة التي تقله حدود البلدة لم تستطع تمالك دموعها.
إعلانوقالت للجزيرة نت "من هذه اللحظة تبدأ الحياة بالنسبة لنا، قبل محمد لم تكن حياتنا حياة"، مضيفة "أنا شقيقة الحر الأبي أبو القاسم محمد العارضة، سعادتي لا توصف، سنين من الانتظار عشناها حتى لحظة وجود محمد بيننا".
وتكمل الأخت الملقبة بأم العز "بعد هروب محمد من النفق عشنا أياما صعبة، كنا نخشى عليه من الاستهداف والقتل، بالطبع لم يكن بالإمكان معرفة مكانه، ولا توقع إلى أين يتجه؟، كانت الأيام قاسية جدا على والدتي، كنت أحاول طمأنتها بأن محمد يعيش أياما تمناها وهي ستعوضه عن سنوات السجن الطويلة".
وتابعت "كنت أقول لها إنه يرى الشمس ويشعر بمعنى الحرية لكن ذلك لم يخفف من خوفها أبدا، وبعد العثور عليه واعتقاله بعث رسالة إلى والدتي لأنه كان يحس بخوفها عليه، بشرها أنه تجول في مرج بن عامر وشاهد سهول البلاد وتذوق من ثمرها، محمد قوي وعنيد وكان جديرا به أن يكون ضمن أسرى الصفقة".
لحظة لقاء العارضة بوالدته بعد اعتقال 23 عاما (الجزيرة) استقبال حاشدلقاء مؤثر جمع العارضة بوالدته، وسط حشود هتفت للمقاومة وكتائب الشهيد عز الدين القسام والشهيد يحيى السنوار، وأمام أبناء بلدته، قال العارضة إنه من الوفاء أن يستذكر أبناء عرابة المعتقلين في السجون، "ومن الوفاء أن أستذكر أصدقائي أبطال نفق الحرية وأن أنقل أمنياتهم بالتحرر".
وأضاف "لا أعرف وسائل التواصل الاجتماعي التي استُخدمت في نقل أخبارنا يوم الهروب من جلبوع، لكني أقول إن رفاقي ينتظرون الاجتماع معكم في ساحات الوطن كما اجتمعت معكم أنا".
ووجّه العارضة كلماته لغزة وقال "لن تلد الأرض منذ نشأتها وحتى يوم الدين بلدا أطهر ولا أعز ولا أشجع ولا أوفى من أهل غزة، الكل يريد منا الحديث عن غزة، والله لو جمعنا كل مقولات وأشعار ورثاء وكل حروف اللغة لن تصف غزة".
وكانت المحطة الثانية لمحمد في بلدته زيارة والدة الأسير محمود العارضة ابن عمه ورفيقة في الأسر والهروب، وبلهفة كبيرة استقبلته والدة محمود العارضة، وبسرعة نقل لها أخبار نجلها الأسير في سجون الاحتلال.
إعلانوقال محمد "كنت مع محمود في قسم واحد لكن لم نكن نرى بعضنا، كنا كل ليلة نعاقب لأننا نتواصل مع بعضنا من خلال الحديث من خلف الجدران، محمود بطل مثقف وقائد، علّم الكثير وأنا من بينهم علّمنا التحدي والصبر".
ويأتي تحرر أسرى جنين وعددهم 10، ضمن صفقة التبادل التي وقعتها حماس مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، في وقت تتعرض فيه مدينة ومخيم جنين لعملية إسرائيلية موسعة سميت "السور الحديدي" وتهدف للقضاء على المقاومة فيها.
أهالي بلدة عرابة والقرى المجاورة في اسقبال العارضة وهتاف للمقاومة وغزة (الجزيرة) اعتقال العارضةاعتقل محمد العارضة عام 2002، بعد حصاره في مدينة رام الله وحكم بالمؤبد 3 مرات و20 عاما إضافية، بتهم الانتماء لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، والمشاركة في عمليات للمقاومة ضد الاحتلال.
خلال سجنه حصل على البكالوريوس في علم التاريخ من جامعة الأقصى بغزة إضافة لدرجة ماجستير مهني في إدارة المؤسسات من جامعة القاهرة، كما أنهى دورات عدة في تخصصات ثقافية ودينية، بالإضافة لحفظه القرآن.
العارضة تمكن مع رفاقه من الهروب من سجن جلبوع عام 2021 (خرائط غوغل) هروبه من جلبوعفي فجر الثاني من سبتمبر/أيلول عام 2021، ضج العالم بخبر فرار 6 أسرى فلسطينيين من بينهم محمد العارضة من سجن جلبوع غرب مدينة بيسان، عبر نفق حفروه باستخدام ملعقة صغيرة طوال عام كامل في أحد حمامات غرف السجن، وأمضى محمد 5 أيام هاربا خارج السجن، ثم تمكن جيش الاحتلال من العثور عليه واعتقاله مرة أخرى.
وبعد إعادة اعتقاله، أضافت محكمة الاحتلال 5 سنوات إلى الأحكام الموجهة إليه، وفي المحكمة قال محمد إن هذه الأيام الخمسة التي عاشها في مرج بن عامر مسحت سنوات سجنه الـ20، واعتبرها الأيام الحقيقية من حياته.
وتحرر العارضة يوم أمس السبت ضمن الدفعة الثانية من صفقة الأسرى بين حماس وإسرائيل والتي ضمت 121 معتقلا من ذوي المؤبدات و79 معتقلا من أصحاب الأحكام العالية.
إعلان