لماذا الآن.. سؤال رئيسي بعد الهجمات على اتصالات حزب الله
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، وفي ظل المساعي الأميركية الحثيثة لاحتواء الصراع في المنطقة، أثارت سلسلة الانفجارات الغامضة التي استهدفت منظومة اتصالات حزب الله في لبنان، خلال اليومين الماضيين، تساؤلات جوهرية بشأن توقيتها ودوافعها.
وذكرت صحيفة "واشطن بوست"، أن سؤالا حاسما برز إثر العمليات الأخيرة، وهو "لماذا الآن؟"، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية في حالة اضطراب وواشنطن تحاول بشدة منع نشوب صراع أوسع، مما جعل خبراء ومسؤولين يتساءلون عن توقيت الهجوم وما يشير إليه بخصوص نوايا إسرائيل في لبنان.
ولم تعلن إسرائيل، التي نادرا ما تعلق على عملياتها الاستخباراتية في الخارج، عن مسؤوليتها عن الهجوم أو تنفيها. ولم تبلغ إسرائيل الولايات المتحدة بتفاصيل العملية قبل حدوثها، لكنها أطلعتها بعد ذلك عبر قنوات استخباراتية، وفقاً لمسؤولَين أميركيَّين، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة مسائل حساسة.
"وقت محدود للتصرف"وظل من غير الواضح كيف تمكنت إسرائيل بالضبط من تنفيذ العملية - وما إذا كانت قد انتهت.
ويوضح عدم حدوث أي متابعة عسكرية كبيرة (تحرك عسكري موازي) من قبل إسرائيل في الساعات التي تلت الانفجارات الأولى إلى أن "التوقيت لم يكن الأمثل"، كما قال عوديد عيلام، وهو مسؤول سابق رفيع المستوى في الموساد.
وقدّر مستشار لمديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وقائد سابق رفيع المستوى في جهاز الأمن الداخلي للبلاد "الشين بيت"، أن عملاء ربما سيطروا على سلسلة توريد أجهزة النداء، وأفرغوا محتوياتها وملأوها بكميات صغيرة من المتفجرات.
وبمجرد اكتمال ذلك، يضيف في حديثه لواشنطن بوست، كان هناك وقت محدود للتصرف: "مستوى الشك مرتفع، ويكفي انفجار واحد [عن غير قصد] لنسف العملية كلها".
وردد مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون سابقون آخرون هذا الرأي، قائلين إن مثل هذه العمليات - التي تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات، في الإعداد - لها فترة صلاحية قصيرة بعد وضعها موضع التنفيذ.
وفي حالة أجهزة النداء المتفجرة، من المحتمل أن قرار حزب الله بالتحول إلى ما اعتقد أنها أجهزة أقل تقنية وأكثر أماناً بعد موجة من الاغتيالات الإسرائيلية "قد وفر فرصة" للعملية، كما أوضح عيلام.
وأضاف: "تحتاج إلى الحد الأدنى [من الوقت] بين التركيب والضغط على الزر".
انفجارات لبنان.. صور وفيديوهات توثق الهلع تنقل الصور ومقاطع الفيديو التي نشرتها وكالات الأنباء، ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من موقع الحدث بلبنان حيث انفجرت أجهزة الإرسال التي يحملها آلاف من عناصر حزب الله، الثلاثاء والأربعاء، حالة الذعر التي سادت وكيف أثرت قوافل الجرحى التي غزت المستشفيات على عملها، وسط الدماء وأطراف المصابين المبتورة.وقالت واشنطن بوست، إنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت العملية مقصودة كضربة أولى في صراع واسع النطاق أو تحذير لحزب الله بشأن التكاليف المحتملة لمثل هذه المواجهة.
واعتبر رئيس الموساد السابق، داني ياتوم، أن الأجهزة المتفجرة تهدف "إلى إثارة الذعر والتوتر والصدمة" داخل حزب الله، مما يظهر قدرة إسرائيل على اختراق حتى أكثر خطوط الاتصال أماناً للجماعة.
وأضاف: "إنها عملية سيكون لها ما بعدها وقد تبدأ حرباً أكثر حسما في لبنان".
"استفزاز آخر"ومن دون أن يعلّق على الانفجارات التي حصلت في لبنان، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الأربعاء أن "مركز ثقل" الحرب "ينتقل إلى الشمال"، في إشارة إلى الجبهة المفتوحة مع حزب الله اللبناني في موازاة الحرب المستمرة مع حركة حماس في قطاع غزة.
ومنذ بدء الحرب في قطاع غزة قبل نحو عام، تشهد المنطقة الحدودية بين إسرائيل ولبنان تبادلا يوميا للقصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، ما أدى إلى نزوح عشرات آلاف المدنيين في كلا الجانبين.
وفي الدول العربية المجاورة، تقول الصحيفة إن المسؤولين الاستخباراتيين والأمنيين شعروا بالقلق من "استفزاز آخر".
وصرح مسؤول إقليمي، لم تكشف الصحيفة هويته: "كنا بالفعل في مرحلة متقدمة من سلم التصعيد. كانت هذه مقامرة كبيرة من قبل إسرائيل".
واتهم وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إسرائيل بأنها تدفع "المنطقة برمتها إلى هاوية حرب إقليمية" من خلال مواصلة التصعيد الخطير على عدة جبهات.
تفجيرات استهدفت حزب الله وتصريحات إسرائيلية.. أبعاد "المرحلة الجديدة" قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الأربعاء، إن الحرب في المنطقة تدخل "مرحلة جديدة"، وذلك بعد ساعات من إعلان نقل القوات الإسرائيلية إلى شمال البلاد وحدوث موجة ثانية من الانفجارات في لبنان.وتكهن مسؤولون إسرائيليون بأن مسؤولين من حزب الله ربما اكتشفوا خللا في أجهزة النداء، مما وضع إسرائيل أمام خيار "الاستخدام أو الخسارة".
وأشار العديد من المسؤولين إلى أنه بخلاف ذلك، فإن توقيت الهجوم "يفتقر إلى المنطق".
وقال مسؤول أمني إقليمي ثان: "حتى لو كانوا يحاولون إرسال رسالة، فلماذا الآن؟ سيكون هناك رد فعل من حزب الله. لماذا تفعل هذا إذا كنت مهتما حقا بمنع حرب أوسع؟".
وتعهد رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، الأربعاء، بأن إسرائيل "ستعيد سكان الشمال إلى منازلهم بأمان"، بعد أن أدت صواريخ حزب الله إلى نزوح نحو 60 ألف شخص من المناطق الإسرائيلية في الشمال.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، جعل مجلس الوزراء الأمني للبلاد عودتهم هدفا رسمياً للحرب.
ووافق رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، على خطط "هجومية ودفاعية" ضد حزب الله، كما قال الجيش في بيان، الأربعاء.
وذكرت الإذاعة العسكرية الإسرائيلية أنه سيتم نقل الفرقة 98 للجيش من غزة إلى الشمال.
نفي أميركيونفت الولايات المتحدة أن يكون لها أي دور في الانفجارات، وقالت إنها تبذل جهودا دبلوماسية مكثفة لتجنب تصعيد الصراع.
وقال مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته لرويترز، إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة، الثلاثاء، بأنها ستفعل شيئا في لبنان.
وأضاف أن إسرائيل لم تقدم تفاصيل وأن العملية نفسها كانت مفاجأة لواشنطن.
ووصل عاموس هوكستين، المبعوث الأميركي الخاص، إلى إسرائيل، الاثنين، لإجراء محادثات مع نتانياهو بشأن خفض التصعيد مع حزب الله.
انفجارات أجهزة اللاسلكي والبيجر.. كيف حدثت؟ انفجرت أجهزة اتصال لاسلكية محمولة، تستخدمها جماعة حزب الله المسلحة، الأربعاء، في جنوب لبنان، وذلك غداة وقوع انفجارات مماثلة متزامنة، الثلاثاء، في أجهزة اتصال تعرف باسم (بيجر) خاصة بالجماعة أيضا.وقال نتانياهو لهوكستين، وفقاً لبيان من مكتب رئيس الوزراء: "بينما تقدر إسرائيل وتحترم دعم الولايات المتحدة، فإنها ستفعل - في النهاية - ما هو ضروري لحماية أمنها".
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت الحكومة الإسرائيلية اضطرابات مقلقة، حيث تزايدت التقارير التي تفيد بأن نتانياهو يسعى لاستبدال غالانت بعد أشهر من الخلافات بشأن استراتيجية الحرب.
كما يواجه نتانياهو، ضغوطًا محلية متزايدة لإبرام صفقة من شأنها أن تشهد إطلاق سراح رهائن في غزة مقابل سجناء فلسطينيين في السجون الاسرائيلية.
وأثار إعلان إسرائيل هذا الشهر استعادة جثث ستة رهائن من نفق في غزة واتهام حماس بإعدامهم، موجة من الحزن والغضب، ما أدى إلى إضراب عام قصير الأمد وتظاهرات واسعة النطاق.
لكن المفاوضات الرامية للتوصل إلى هدنة عبر وساطة الولايات المتحدة ومصر وقطر تراوح مكانها.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة حزب الله فی لبنان
إقرأ أيضاً:
كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان في 26 نوفمبر 2024، لم تهدأ جبهة المواجهة بين الطرفين، حيث تستمر الضربات المتبادلة بينهما دون أن تتسبب في انهيار الاتفاق، وإن كانت تشكل تهديداً له على المدى المنظور. وينبع هذا التهديد من عدة مصادر، منها بنود الاتفاق ذاته، والتي اتسم بعضها بعبارات فضفاضة يمكن تأويلها بشكل متناقض من الجانبين، كما أنها أوكلت مهام للدولة اللبنانية لا يمكنها عملياً تنفيذها. أيضاً كان هناك اتفاق موازٍ بين إسرائيل والولايات المتحدة يتعلق بضمانات من جانب واشنطن لحق إسرائيل في كسر الاتفاق في حالات معينة. وأخيراً، فإن الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا ربما تؤثر في تطبيق هذا الاتفاق؛ بسبب التداخل بين الجبهتين السورية واللبنانية بالنسبة لإسرائيل، التي تعتقد أن حزب الله وإيران يستخدمان الأراضي السورية لتصنيع السلاح وتخزينه في بعض المواقع التابعة لهما هناك.
وتؤدي كل هذه العناصر، بالإضافة إلى أن انتهاكات الجانبين للاتفاق التي تواصلت بعد توقيعه، دوراً كبيراً في إثارة الشكوك حول إمكانية صموده، وتطبيقه فعلياً قبل الموعد المحدد للانتهاء من تنفيذه يوم 26 يناير المقبل. ومع ذلك، هناك عوامل مضادة يمكن أن تسهم في بقاء الاتفاق وعدم انهياره.
ملاحظات على الاتفاق:
يتكون الاتفاق الموقع بين إسرائيل والحكومة اللبنانية (الجهة الشرعية في الاتفاق بالتفاهم مع حزب الله) من 13 بنداً تعكس أغلبها أسباب وصفه بالاتفاق الهش، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- بنود غامضة: من بين هذه البنود في الاتفاق ما يلي:
أ- البند الثالث الذي ينص على أن “تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن رقم 1701”. فلا تدل هذه الصياغة على معنى محدد لتعبير “أهمية القرار الأممي”، وهي جاءت على هذا النحو للتغلب على الخلاف الذي لم يتم حله بين الجانبين أثناء عملية التفاوض، حيث فسرت إسرائيل القرار بأنه يشمل منع سكان جنوب لبنان الذين نزحوا من ديارهم أثناء الحرب من العودة إليها بدعوى أن سكان المناطق الحدودية ينتمون لقوات حزب الله، بينما تمسك المفاوض اللبناني بأن القرار تحدث فقط عن الوجود العسكري لحزب الله؛ ومن ثم يجب حماية حق السكان المدنيين في العودة إلى أماكنهم السابقة على النزوح دون قيد أو شرط.
ب- البند الرابع الذي ينص على “احتفاظ الطرفين بحق الدفاع عن النفس وفقاً للمواثيق الدولية”. وجاءت تلك الصياغة، المتعارضة جوهرياً مع مفهوم اتفاقات وقف إطلاق النار بصفة عامة، للتغلب على إصرار إسرائيل بأن يكون من حقها، ومن دون الرجوع إلى أي طرف، شن الهجمات على المواقع التي يُشتبه في وجود تجمعات أو تحركات من جانب حزب الله بها، يمكن أن تشكل تهديداً لتل أبيب أثناء فترة تطبيق الهدنة. وبالرغم من حصول لبنان على نفس الحق؛ فإنه من الناحية العملية كان في صالح إسرائيل وحدها، حيث فقد حزب الله أعداداً كبيرة من قادته ومقاتليه أثناء الحرب؛ ما يعني أنه لم يعد قادراً من الناحية الفعلية على تشكيل خطر كبير على الداخل الإسرائيلي، بينما تبقى إسرائيل قادرة على شن عمليات عسكرية في كل الأراضي اللبنانية.
2- بنود تفتقر إلى آلية التنفيذ: افتقرت البنود من الخامس إلى الثامن، والتي تتعلق بعملية إخلاء الجنوب اللبناني من قوات حزب الله، ومن أي جماعات أخرى متحالفة معها، إلى آلية واقعية لتنفيذها، حيث أوكلت للدولة اللبنانية مهمة الإشراف على عمليات بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد الداخلة في تصنيعها، ومنع أي جهة أخرى داخل لبنان من المشاركة في مثل هذه الأنشطة. وغني عن القول إن الدولة اللبنانية، التي تعاني من أزمات متعددة اقتصادية وعسكرية وسياسية، قد لا يمكنها النهوض بمثل هذه المهمة؛ بسبب ضعف إمكاناتها من ناحية، وبسبب ما يشكله هذا الالتزام من تهديد للسلم الاجتماعي، بالدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله وحاضنته الاجتماعية الكبيرة من ناحية أخرى.
3- بنود تفتقر إلى الجدوى عملياً: يشير البندان التاسع والعاشر إلى تشكيل لجنة مراقبة للاتفاق، يقتصر دورها على تلقي شكاوى الجانبين عند حدوث انتهاكات للاتفاق من أي منهما، دون ذكر الإجراءات التي ستُتخذ بحق من يخل به، وهو ما لا يُعد رادعاً حقيقياً لأي من الطرفين للامتناع عن خرق الاتفاق، حيث برهنت اللجنة السابقة التي شُكلت بعد حرب عام 2006 بين الطرفين أن أنشطتها في تسجيل الانتهاكات لم تقلل من ارتكابها بواسطة الجانبين.
التعهدات الأمريكية لإسرائيل:
هناك سبب إضافي لوصف اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان بالهش، وهو التعهدات التي قطعتها الولايات المتحدة لإسرائيل، والتي تناقض التزامات الأخيرة في الاتفاق. فوفقاً للعديد من التقارير المتداولة في الإعلام الأمريكي، تنطوي هذه التعهدات على ما يلي:
1- ستتبادل الولايات المتحدة وإسرائيل معلومات استخباراتية حساسة حول الانتهاكات، بما في ذلك تلك المتعلقة بتسلل عناصر حزب الله لمواقع الجيش اللبناني.
2- قد تشارك الولايات المتحدة المعلومات التي تقدمها إسرائيل مع أطراف ثالثة، بما في ذلك لجنة المراقبة والحكومة اللبنانية، لحثهما على ضمان تنفيذ الاتفاق.
3- ستتعاون الولايات المتحدة لمنع نقل الأسلحة والأفراد من إيران إلى لبنان.
4- تعترف الولايات المتحدة بحق إسرائيل في الرد على التهديدات من لبنان.
5- يمكن لإسرائيل التصرف في أي وقت ضد الانتهاكات في جنوب لبنان.
6- يمكن لإسرائيل التصرف في أي مكان في لبنان؛ إذا كان لبنان غير راغب أو غير قادر على وقف الانتهاكات، بما في ذلك العبور غير القانوني من الأسلحة إلى لبنان.
7- سيكون لإسرائيل الحق في إجراء طلعات جوية استطلاعية في الأجواء اللبنانية.
وكما هو واضح، تُعد تلك الضمانات أو التعهدات بمثابة تفويض مطلق لإسرائيل لانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار؛ بل أيضاً يمكن اعتبارها تعهداً من جانب الولايات المتحدة بالمشاركة في العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية (مثل البند الثالث).
الضغوط الداخلية في إسرائيل:
على الرغم من حصول اتفاق وقف إطلاق النار على موافقة الأغلبية في مجلس الوزراء الإسرائيلي، فقد عارض وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، القرار، وطالب بالاستمرار في الحرب لتجريد حزب الله من سلاحه بالقوة، وعدم الاكتفاء بإبعاده حتى نهر الليطاني. وهدد بن غفير بانسحاب كتلته المشاركة في الائتلاف وإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، حال فشل الاتفاق في تحقيق الهدف الرئيسي منه، وهو تمكين سكان مدن شمال إسرائيل، الذين اضطرّوا لمغادرتها منذ اندلاع الحرب، من العودة لأماكنهم.
وفي نفس الاتجاه تسبب الاتفاق في أزمة اجتماعية، فالداخل الإسرائيلي يطالب بالمساواة في تعامل الحكومة مع سكان الجنوب (على الحدود مع غزة) وسكان الشمال (على الحدود مع لبنان) في إطار أن أهداف الحرب على الجبهتين تتضمن تمكين السكان الذين غادروا مدنهم أثناء الحرب من العودة الآمنة لها مجدداً. فبينما قاومت الحكومة الإسرائيلية ضغوط أهالي الرهائن ومؤيديهم، ورفضت إيقاف إطلاق النار مع حركة حماس مقابل الإفراج عن الرهائن، مفضلة تحقيق هدف استعادة الأمن وإعادة سكان الجنوب إلى مدنهم على هدف تحرير الرهائن؛ فإنها (أي الحكومة) سارعت بقبول اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله لا يضمن عودة سكان الشمال إلى مدنهم في ظل الانتهاكات المتواصلة من الجانبين للاتفاق، وهو ما اُعتبر تمييزاً واضحاً ضد سكان الشمال.
عوامل صمود الاتفاق:
على الرغم من العناصر التي تجعل اتفاق وقف إطلاق النار هشاً وقابلاً للانهيار، ثمة عوامل عكسية قد تدعم بقاءه، وتتمثل في الآتي:
1- حالة الضعف التي يمر بها حزب الله اللبناني، بعد فقدان أهم قادته الميدانيين وما يقرب من نصف مخزون أسلحته. فحسب التقديرات الإسرائيلية، فقد الحزب 2500 شخص من مقاتليه على أقل تقدير معظمهم من قوات النخبة؛ لذلك سيكون من مصلحته عدم تهديد الاتفاق.
2- محدودية قدرة إيران على تعويض حزب الله عن السلاح والرجال الذين فقدهم في الحرب، خاصةً بعد تدمير إسرائيل للمعابر الحدودية بين لبنان وسوريا التي كانت الممر الأهم لشحنات السلاح القادمة من طهران لتمر عبر الأراضي السورية إلى حزب الله.
3- الضغوط من جانب القوى المناوئة لحزب الله في لبنان، والتي تطالب بتجريده من أسلحته، حيث سبق أن استثنى اتفاق الطائف عام 1989 حزب الله من نزع سلاحه مثل باقي المليشيات بحجة أنه حركة مقاومة ضد إسرائيل. وقد تسببت الحرب الحالية مع إسرائيل في تدمير الشرعية السياسية لخطاب حزب الله في أوساط اللبنانيين، خاصةً بعد أن تسبب في كارثة التهجير الواسع لسكان الجنوب، والضغط على مناطق الوسط والشمال اللبناني التي اضطرت لاستيعاب هذا الكم الضخم من اللاجئين من أبناء البلاد في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة.
3- الانتقاد المتوقع شعبياً ضد حزب الله، بسبب فشل استراتيجية الردع الخاصة به والتي حاول ترويجها على النطاق الشعبي في لبنان، والتي تقوم على افتراضين ثبت خطؤهما وهما: عدم قدرة إسرائيل على تحمل حروب طويلة خاصةً لو كانت في مواجهة جبهات متعددة، والردع المتبادل الذي يحققه امتلاك الحزب لأسلحة قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي، وهو ما سيمنع إسرائيل بدورها من مهاجمة العمق اللبناني.
4- رحيل نظام بشار الأسد في سوريا، والذي استثمر حزب الله في حمايته موارد بشرية وتسليحية كبيرة منذ عام 2014، وهو ما يُعد خسارة كبيرة لما يُسمى بـ”محور المقاومة”. ويشير عدم تدخل إيران وحزب الله لإنقاذ نظام الأسد، ومن قبل ذلك تخلي الحزب عن شرطه لقبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل بوقف الحرب بشكل متزامن في غزة؛ إلى أن الحزب بات يركز على حماية نفسه في ظل مخاوف حقيقية من أن تتمكن إسرائيل من زيادة الضغط العسكري عليه عبر تقديم الدعم المادي السري للتنظيمات الجهادية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، وهي المعروفة بعدائها للشيعة عامةً ولأذرع إيران في المنطقة خاصةً. أو بمعني آخر، سيكون على حزب الله الحفاظ على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، تحسباً للمواجهة المحتملة بينه وبين التنظيمات الجهادية التي باتت منتشرة في الأراضي السورية بشكل واسع.
خلاصة القول إنه بين العناصر التي تهدد بقاء اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان (نيابةً عن حزب الله)، وبين العناصر المضادة التي يمكن أن تسهم في بقائه؛ من المُرجح أن يصمد الاتفاق خاصةً أن التقديرات الإسرائيلية تذهب في اتجاه أن أهداف الفصائل المسلحة في سوريا حالياً هي إحكام سيطرتها على الحكم هناك، وتصفية النظام السابق وكذلك الوجود العسكري لإيران وحزب الله. وفي هذا السياق، سيكون من مصلحة إسرائيل تخفيض الضغط المُحتمل على الاتفاق، بحصر الهجمات ضد حزب الله لغرض منع تهريب السلاح له، تاركة مهمة احتمالية تصفية الحزب وإزالة خطره على الأمن الإسرائيلي بصورة نهائية إلى خصومه في الداخل اللبناني وفي سوريا ما بعد الأسد.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”