رائحة الموت في كل مكان.. انتشار الجثث في الخرطوم ينذر بكارثة بيئية وصحية
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
الخرطوم- بين نهش الكلاب، والتحلل تحت أشعة الشمس؛ تنتشر الجثث في الطرقات وأحياء العاصمة الخرطوم إثر الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، بلا أمل واضح في مواراتها الثرى في ظل انعدام الممرات الآمنة.
ويكشف حسن عبد الرؤوف (تاجر) عن توثيقه انتشار أعداد كبيرة من جثث المدنيين في السوق العربي (وسط الخرطوم) منذ بدء الحرب، مرورًا بعدد من أحياء العاصمة.
وقال عبد الرؤوف -في حديث للجزيرة نت- "قضيت نحو 25 يومًا في السوق العربي منذ اندلاع الأحداث، ومع انتشار الجثث قمت بوضع بعضها في مكانٍ آمن بعيدا عن أشعة الشمس والكلاب الضالة، وأخرى أسهمت في وصولها لذويها، وكانت الجثث المنتشرة لمدنيين من مختلف الأعمار، ومن النساء والرجال والأطفال، وتحلل بعضها وأخرى نهشتها الكلاب، ولم أر وقتها جثة لمنتسبين من الجيش أو الدعم السريع".
وعقب اعتقاله من قبل الدعم السريع في السوق العربي، كشف عبد الرؤوف عن رؤيته أعدادا من الجثث منتشرة جنوب كلية كمبوني وشروني (وسط الخرطوم)، وحيي الخرطوم 2 والرياض مع انبعاث رائحة الجثث المتحللة.
وحالت الاشتباكات دون الوصول لعشرات الجثث في مدينة أم درمان (غربي الخرطوم)، وبحري، والسوق الشعبي بالخرطوم، وفقا لحسن عبد الرؤوف.
صعوبة الإحصاءويقر عدد من المسؤولين بصعوبة إحصاء أعداد الجثث المنتشرة في طرقات الخرطوم منذ بدء الحرب في البلاد، ورغم ذلك يُقدّر الأمين العام لمجلس البيئة بشرى حامد في حديث للجزيرة نت عددها بنحو 2000 جثة، و5 آلاف أخرى دُفنت من دون اتباع الإجراءات.
وحذر بشرى من كارثة بيئية وصحية مع ارتفاع درجات الحرارة وموسم الأمطار، وفي ظل هشاشة النظام الصحي؛ مما يؤدي إلى فرص توالد نواقل الأمراض وانتشار السعر والطاعون والكوليرا، مضيفا "هذا وضع سيقود لكارثة بيئية، من لم يمت بالحرب سيموت بتداعيات الوضع الصحي والبيئي".
مدن العاصمةوفي مدينة بحري (شمالي الخرطوم) التي تشهد اشتباكات بين الجيش والدعم السريع، كشف مصعب كمال (أحد سكان حي كافوري) للجزيرة نت عن تحلل بعض الجثث في الشوارع منذ الأسابيع الأولى للحرب، مشيرًا إلى انتشار أخرى في مناطق شارع الصناعات وكوبر، والمنطقة حول كوبري شمبات.
وقال كمال إن تنسيقا تم مع الصليب الأحمر لدفن الجثث، ولكن عقب تعرض فرق الصليب الأحمر للاعتداء والنهب أصبح الأمر مستحيلًا.
أما في مدينة أم درمان، فتنتشر أيضا بعض الجثث في منطقة حي العرب أمام ملعب المسالمة للناشئين، حسب حديث المتطوع بمستشفى النو التعليمي سامي طلعت، في حين تواجدت أخرى منذ الأيام الأولى للحرب في حي المنارة بالمدينة نفسها.
في السياق ذاته، يؤكد المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم فضيل عمر للجزيرة نت أن عددا من الجثث ملقاة في الطرقات منذ نشوب الحرب، وبعضها تحلل لصعوبة الوصول إليها وأخرى دُفنت بواسطة سكان الأحياء، مشيرًا إلى أن خطورة الوضع الأمني واستهدافهم من قبل طرفي الحرب يحول دون الوصول إليها ودفنها.
مشارح الخرطومولا يبدو وضع الجثث في مشارح العاصمة أفضل من تلك المنتشرة على الطرقات، حيث يتكدس الكثير منها في مشارح مستشفى أم درمان، ومستشفى بشائر، والأكاديمي "التميز" (جنوبي الخرطوم).
وقال سكرتير نقابة أطباء السودان عطية عبد الله للجزيرة نت إن بعض الجثث تعود إلى فض اعتصام القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019، وأخرى منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مضيفا أن الجثث الموجودة الآن في المشارح وعلى الطرقات سواء.
بدوره، قال محجوب بابكر استشاري الطب الشرعي والسموم بهيئة الطب العدلي وعضو المجلس الاستشاري للأطباء الشرعيين بوزارة الصحة الاتحادية إن عدد الجثث المتكدسة بمشارح الخرطوم قبل الحرب تقدر بنحو 3 آلاف و17 جثة، وتتجاوز السعة الاستيعابية للمشارح، وتحللت بمرور الوقت وسوء الحفظ.
وأضاف بابكر في حديث للجزيرة نت أنه تم إغلاق مشارح ولاية الخرطوم بعد احتلال قوات الدعم السريع للمستشفيات التي توجد بها، قائلا "توجد نحو 133 جثة حديثة بمشرحة أمبدة، وتعرضت للتعفن والتحلل التام بعد احتلال الدعم السريع المستشفى وانقطاع التيار الكهربائي أكثر من شهرين".
تعامل عاجلفي المقابل، وصف مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم صديق حسن فريني الحديث عن انتشار الجثث بغير الدقيق، حيث يتم التعامل معها بصورة عاجلة من المتطوعين.
وقال فريني -في حديثه للجزيرة نت- إنه نسبة لاحتدام المعارك في بعض المناطق فإن الجثث تنتظر أياما ولا تحظى بالدفن، خاصة تلك المعزولة نسبيا عن حركة السكان، بينما تتولى منظمة "حسن الخاتمة" دفن الموتى في بعض محليات الولاية، إلا أنه تابع بأن الأوضاع الإنسانية في الخرطوم صعبة.
ممرات آمنةمن جانبه، يقر المتحدث باسم الصليب الأحمر عدنان حزام بصعوبة الوصول للخرطوم في ظل ورود أنباء عن انتشار الجثث، لافتا في حديث للجزيرة نت إلى أنه تم تدريب نحو 40 متطوعا من الهلال الأحمر السوداني على عملية إدارة الجثث للإسهام في الاستدلال عليها حتى يعلم أهلها مصيرها.
من جانبه، أكد سكرتير نقابة أطباء السودان عطية عبد الله صعوبة المساهمة في دفن الجثث في ظل انعدام الممرات الآمنة وصعوبة تحرك الفرق الطبية، محذرًا من كارثة بيئية وأخلاقية في المقام الأول.
وقال إن "أعدادا كبيرة من الجثث دُفنت من دون مراعاة القواعد الإنسانية والقانون الدولي، وهي تعدّ جريمة ضد الإنسانية، وكان يجب التعامل معها وفق البروتوكول العالمي الذي انتفت شروطه في ظل الحرب التي نشهدها الآن".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الدعم السریع انتشار الجثث الجثث فی
إقرأ أيضاً:
السودان: هل تنهي مكاسب الجيش في العاصمة الحرب؟
قبل معارك منطقة «جبل موية» بولاية سنار جنوب شرقي السودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تكن «قوات الدعم السريع» قد خسرت معركة كبيرة منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
اقرأ ايضاًلكن خسائرها توالت بعد استعادة الجيش تلك المنطقة الاستراتيجية، وتراجعت مناطق سيطرتها تدريجياً في وسط وشرق البلاد، كما أصبح وجودها في العاصمة الخرطوم مهدداً. فهل تعني انتصارات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتراجعات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن حرب «الجنرالَين» على وشك الانتهاء؟
يؤكد الجيش أنه حقق انتصارات كبيرة وألحق هزائم فادحة بـ«قوات الدعم السريع»، متوعداً باستمرار الحرب حتى القضاء عليها تماماً. من جانبها، تنفي «قوات الدعم السريع» تعرضها لهزائم، وتؤكد أنها انسحبت من المناطق التي دخلها الجيش من دون معارك، وذلك بسبب «تكتيكات قتالية جديدة»، مشيرة إلى عدم استطاعة الجيش توثيق الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي يتحدث عنها.
ولُحظ أن «قوات الدعم السريع» المنسحبة تتوجه إلى إقليمي دارفور وكردفان حيث الحاضنة الاجتماعية لتلك القوات، فيما يقول متحدثون باسمها إن «المناطق التي انسحبنا منها، انتزعناها من الجيش انتزاعاً في الأشهر الأولى من الحرب. احتفظنا بها لأكثر من عام ونصف العام، ثم تركناها برغبتنا، ونستطيع انتزاعها مرة أخرى متى ما أردنا ذلك». لكن مؤيدي الجيش يرون أن المعركة أوشكت على النهاية، بينما يؤكد مراقبون مستقلون أن «نهاية الحرب لا تزال بعيدة».
استراتيجية جديدة
ويقول المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إن تقدم الجيش ليس سوى «جولة من جولات الحرب التي لا تبدو لها نهاية قريبة»، موضحاً أنه «من المتوقع أن تتخذ الحرب طابعاً أكثر عنفاً ودموية، لكن ليس في المناطق التي استردها الجيش، بل في مناطق رخوة في خاصرة الحاضنة الشعبية للجيش».
وأشار الفاضل إلى التصريح الأخير من قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الذي طالب فيه قواته بعدم التأثر بفقدان بعض المناطق مؤخراً، وأنه ينبغي عليهم التركيز على مناطق جديدة سيسيطرون عليها. وأضاف الفاضل: «يبدو أن (قوات الدعم السريع) ستتبع استراتيجية جديدة، تتخلى فيها عن تكتيك الانتشار الواسع في البلاد. كما أن هجمات المسيّرات خلال الفترة السابقة تشير إلى مناطق المعارك المرتقبة، فبينما تتراجع في الخرطوم، نشهد تقدمها في مناطق أخرى غرب البلاد بالاشتراك مع (قوات عبد العزيز الحلو)».
وتوقع عدد من المحللين أن تنتقل الحرب من العاصمة إلى أقاليم غرب البلاد، وأن «تتخذ شكلاً أعنف إذا تم تشكيل حكومة موازية في تلك المناطق، وإدخال أسلحة نوعية وإضافة إمكانات حربية جديدة، مما سيغير من خريطة الحرب على الأرض».
معارك العاصمة
ميدانياً، تدور معارك «كسر عظم» في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وأم درمان وبحري - حيث يحقق الجيش تقدماً لافتاً، ففي منطقة شرق النيل بمدينة بحري، يقترب الجيش وحلفاؤه من جسر «المنشية» الرابط بين شرق النيل ووسط مدينة الخرطوم، بعد أن استعاد معظم منطقة «الحاج يوسف»؛ وهي من أهم معاقل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
غير أن حدة المواجهات انخفضت في الخرطوم وأم درمان مع بداية شهر رمضان المبارك، فقد تراجعت العمليات في معظم خطوط التماس بين الطرفين المتحاربين، وبقيت مناطق السيطرة كما هي دون تغيرات كبيرة. ويقول شهود إن الجيش ما زال يسيطر على أحياء في جنوب غربي الخرطوم حتى جسر «الحرية» والمنطقة الصناعية، بينما لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء أخرى في جنوب الخرطوم؛ بما فيها القصر الرئاسي ومنطقة «جنوب الحزام»، ومقر القيادة الاستراتيجية التابعة للجيش و«مطار الخرطوم»، والجزء الشرقي من مقر القيادة العامة للجيش.
وفي أم درمان، وسع الجيش من مناطق سيطرته لتشمل بعض الأحياء الجنوبية والغربية من المدينة، خصوصاً منطقتَي أم بدة والفتيحاب، لكن المعارك على حدود المنطقتين تحوّلت إلى كر وفر، من دون تقدم لمصلحة أحدهما.
معارك الغرب
اقرأ ايضاًأما في شمال إقليم كردفان بوسط غربي البلاد، فقد حقق الجيش انتصارات باستعادة السيطرة على مدينتَي أم روابة والرهد، وتمكن من الوصول إلى أطراف مدينة الأُبيّض؛ كبرى مدن الإقليم، وفتح الطريق البرية الرابطة بينها وبين وسط البلاد. إلا إن الجيش مُني بهزيمة كبيرة حين حاول التقدم شرقاً باتجاه مدينة بارا، وأعلنت «قوات الدعم السريع» أنها «دحرت القوات المهاجمة وألحقت بها هزائم كبيرة في الأرواح والعتاد»، ولم يصدر تعليق من جانب الجيش.
وتأثرت العمليات العسكرية في ولاية النيل الأزرق بالتحالف الذي نشأ بين «قوات الدعم السريع» وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو»، فقد استطاعت القوتان معاً السيطرة على عدد من مناطق الولاية المتاخمة لجمهورية جنوب السودان، وأصبحت القوات المشتركة بينهما تهدد حاضرة الولاية؛ مدينة الدمازين.
ووقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، على رأسها «حركة عبد العزيز الحلو»، مع «قوات الدعم السريع» في 22 فبراير (شباط) بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً يهدف إلى توحيد العمل السياسي والعسكري ضد الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ لمنافسة الحكومة التي يقودها الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.
Via SyndiGate.info
Copyright � Saudi Research and Publishing Co. All rights reserved.
محرر أخبار، كاتب وصانع محتوى عربي ومنتج فيديوهات ومواد إعلامية، انضممت للعمل في موقع أخبار "بوابة الشرق الأوسط" بعد خبرة 7 أعوام في فنونالكتابة الصحفية نشرت مقالاتي في العديد من المواقع الأردنية والعربية والقنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن