الخُطوات القَادمة في طريق إيقاف الحرب في السُودان والموقف الأمريكي

نضال عبدالوهاب

طالعنا بيان صادر من الحكومة والإدارة الأمريكية الحالية ومن الرئيس جو بايدن أمس الأول بشأن السُودان ، مُلخص البيان هو مُحاولة الدفع بالجهود وحث الطرفين علي وقف العدائيات والعودة للمفاوضات ووقف إطلاق النار ، وإيقاف مُعاناة الشعب السُوداني جراء هذه الحرب ، وتأمين مسارات الإغاثة ، وعدم التصعيّد سواء بالقصف بالطيّران أو القصف المدفعي ، وفك الحصار علي مدينة الفاشر من قِبل قوات مليشيا الدعم السريع ، والتي يوجد بها مئيات الآلاف من النازحين من مواطني دارفور والفارين من الحرب ، والعمل علي الإلتزام بتقديم المُساعدات لهم وفتح مساراتها وإستمرار ذلك والإلتزام به ، وكذلك جاء بالبيان تذكير للطرفين بجرائم الحرب التي إرتكبوها ، إضافة للجرائم ضد الإنسانية والتطهير العِرقي من الأفراد داخل قوات مليشيا الدعم السريع ، والعقوبات السابقة التي تم توقيعها من وزارة الخزانة الأمريكية علي أفراد وكيانات من طرفي الحرب ، وأن أمريكا علي إستعداد لتوقيع عقوبات أخري مُحتملة وفقاً للتقارير عن ما تم من فظائع مؤخراً وفي حالة عدم الإلتزام بالتوقف عنها أو مُواصلة التعنت لأحد طرفيها ، مع التذكير بالجهود الأمريكية في محاولة إيقاف الحرب وآخرها تجميع شُركاء دوليين وإقليمين في سويسرا للدفع بجهود الوساطة وتقديم الإغاثة والمُساعدات وتأمينها ، مع التذكير بماتم تقديمه من مُساعدات مادية مُباشرة ودعم للسُودان كاكبر الداعميّن الدوليين في العامين الأخيرين ، وأختتم الرئيس جو بايدن بيانه بالموقف الداعم للشعب السُوداني وإلتزامه بذلك لتحقيق السلام والحرية والعدالة ( أهداف وشعارات الثورة ) ، تطابق بيان جو بايدن مع ما ذكره وصرّح به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في القاهرة بتاريخ ١٨ سبتمبر الحالي ، اي اليوم التالي لبيان الرئيس بايدن ، وزاد عليه بأنهم يسعون لجمع الشُركاء علي هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المُتحدة التي سيتم عقدها الأسبوع القادم بنيويورك بالولايات المُتحدة لحث الطرفين علي فتح مسارات الإغاثة وتأمينها والإتفاق علي وقف إطلاق النار وفقاً لما تم سابقاً بمدينة جدة.

وتلي بيان الرئيس الأمريكي جو بايدن بيان آخر بتاريخ ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤ من البرهان ، خاطب فيه الرئيس الأمريكي ورداً عليه ، وتم عنونة هذا البيان بأنه من ( فخامة الفريق ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي إلي فخامة الرئيس جو بايدن رئيس الولايات المُتحدة ) ونيابةً عن حكومة السُودان؟؟ ، وهو بهذا أراد أعطاء نفسه الشرعية (شرعية الأمر الواقع ) ، وكانت لغة بيان البرهان “مُهادنة” ودبلوماسية ، حاول فيها تفادي أي خشونة علي عكس ما كان يفعل سابقاً في العديد من تصرّيحاته ، بل ولم يقم في هذا البيان باي محاولة للدفاع عن إتهام بايدن للجيش وأفراد منه بإرتكاب جرائم حرب ، بل ركز في البيان علي تجريم الطرف الآخر من الحرب وهو مليشيا الدعم السريع ، إضافة لذكره أن علي الولايات المُتحدة مُعاقبة الدول التي ظلت تدعم مليشيا الدعم السريع بالسلاح دون أن يُسميها ، وكذلك جاء ببيان البرهان أنهم أيضاً يريدون إنهاء الحرب والعُنف ولكن بطريق “جذري” لأسبابها لضمان إستدامة السلام ، وأنهم ليسوا ضد الجهود الدولية والبلوماسية ومايقوم به الشُركاء الدوليين ومُستعدون للتعاون معها ، وختم بأنهم سيُناقشون كُل ذلك بمستوي رفيع خلال زيارة البرهان لنيويورك في الأسبوع القادم في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المُتحدة.

يبدو من الخطابين لجو بايدن ورد البرهان”الناعم” عليه ، إضافة لتصريحات بيلنكن بالقاهرة مقرونة بتصريحات وزير الخارجية المصري بعد لقائه ببلينكن ، وزيارة البرهان الأخيرة لجوبا وإلتقائه بسلفاكير وتعهده بالسماح لنقل الإغاثة لجنوب كردفان عن طريق جوبا ، أن هنالك خُطوات جادة ومرسومة يتم الترتيب لها فيما يخص وقف الحرب بالسُودان.

ولعل مايؤكد ذلك هو تسريع المساعِي والجهود الأمريكية لمحاولة النجاح لوقف إطلاق النار في السُودان ووقف الحرب به وطي هذا الملف ، مُتزامناً مع مايتم لذات المُحاولات الحثيثة لوقف لإطلاق النار بين  الفلسطيينين والإسرائليين ، لدعاوي إنتخابية بحتة وكسب مزيد من المؤيدين للديمُقراطين ، والإنتخابات علي الأبواب وتبقي لها شهر ونصف فقط ، ولعل الموقف الأمريكي الأخير في عدم التصعيد فيما يختص بتوصية البعثة الأممية لإرسال قوات وحظر للسلاح في جميع اجزاء السُودان وليس دارفور فقط كما ظل ثابتاً ، يُنبئ بأن أمريكا تحاول أن تكسب لصالحها دون الدخول في أي إلتزامات عسكرية قبل ضمان فوزهم مُجدداً في الإنتخابات القادمة ، وفي ذات الوقت لم تُغلق أمريكا ملف دارفور لشدة الصرّاع حوله مع بقية حُلفائها ، وكذلك تقوم بالتهدئة طمعاً في إستمرار تحالفها ومصالحها الإستراتيجية مع مصر التي ترفض أي إتجاه لتقسيّم السُودان أو المساس بجيشه الوطني ومساواته بمليشيا الدعم السريع الطرف الآخر في الحرب  ، خوفاً علي أمنها القومي ومصالحها في مياه النيل ، ولإحتياح الولايات المُتحدة والإدارة الحالية  تحديداً للجهود المصرية والدور المحوري الذي تلعبه في الملف الفلسطيني حالياً لإيقاف الحرب وفك إحتجاز الرهائن والأسري وتهدئية الداخل الإسرائيلي ، وهذا أيضاً إن نجح فبلا شك يُساهم في زيادة شعبية الديمُقراطيين لكسب الإنتخابات الأمريكية ، وهو هدف إستراتيجي ومصلحة مُقدمة وأولوية عند إدارة الرئيس جو بايدن ، وهذا ما كنت قد أشرت له شخصياً “باكراً” في بدايات الحرب بضرورة إعطاء مصر دور هام في الوساطة لوقف الحرب إنطلاقاً من مسألة تضاد المصالح وإستفادة السُودان من هذا التضاد والتضارب لمصلحته في وقف الحرب ودور مصر الإقليمي وإعتماد أمريكا عليها فيه وفي عدد من الملفات الهامة بمنطقتي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي.

و أن نزع أي توتر في هذه المنطقة الحساسة وبالطبع السُودان بموقعه جزء منها في حال أي صراع أو تصعيّد مُحتمل سيضر مؤكد بكل الإقليم والمنطقة ، ويجرها إلي حرب دولية واسعة النطاق ، وهذا ما يعمل الأمريكان لتفاديه حالياً.

نجد أن كُل هذا في صالح وقف الحرب بالسُودان وخطواتها ، ولكن ما لم يكن هنالك إرادة سياسية داخلية ووطنية فإن الحرب لن تتوقف ، أو سيتم فرض واقع سياسِي لايُريده السُودانيون وضد مصالحهم الوطنية ، لكي تتم من خلاله إستدامة مصالح خارجية في بلادنا؟؟.

وعليه فعلي كُل القوي السياسِية الوطنية الرافضة للحرب سُرعة إتخاذ قرار الوحدة والتنسيق فيما بينها وتعلية المصالح العُليا ليكون لنا صوتاً موحداً يتم ضمان وقف الحرب أولاً به ، ووقف إبادة الشعب السُوداني وتشريده ومُعاناته ، ثم عودته لمناطقه وإستقراره ، ومن ثم الإنتقال للمسار الديمُقراطي معاً وإستعادته وفق عملية سياسِية سُودانية شاملة وتأسيسية لاتُعيد أخطاء الماضي وتخلق السلام العادل الدائم وتُنهي الحروب وتُحافظ علي وحدة البلاد وسيادتها.

فغياب المدنيين عن المشهد أو الإكتفاء بجزء منهم ، لن يخدم غير مسألة السُلطة والصرّاع حولها ، ولن تكون فيه الحلول للبلد وضمان إيقاف الحرب بها والإستقرار؟؟ ، الإحتياج لوحدة جميّع القوي الرافضة للحرب والمؤمنة بالإنتقال الديمُقراطي ونبذ العُنف وأهداف الثورة والسُلطة المدنية وتوحيد الجيوش وتحقيق العدالة والتدوال السِلمي للسُلطة والحوار الشامل لتحقيق هذه الأهداف هو المطلوب الإلتفاف حوله ، دونما أي أجندة تُعيدنا لمربعات الحرب والصرّاع والتشاكس والتناحر والتي لم توصل بلادنا إلا لهذا المصير المأساوي والكارثي الحالي.

أخيراً علينا الإستفادة من كُل الأخطاء السابقة في إدارتنا لخلافاتنا السياسِية ، وتعلية الإرادة السياسِية الوطنية لأعلي سقفها وتحمّل مسؤلية ذلك تاريخياً ، والنظر لهذا الشعب الذي يستحق الأفضل علي الدوام.

 

الوسومالجيش الدعم السريع سلام السودان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع سلام السودان

إقرأ أيضاً:

أين تقف .. مع مليشيات الجيش أم مليشيا الدعم السريع؟

طلعت محمد الطيب

رأينا ومنذ بدء هذه الحرب القذرة كيف ظل إعلام الفلول يثابر في إلصاق تهمة إنحياز تنسيقية تقدم إلي قوات الدعم السريع وإتهامها بأنها جناح سياسي له، ولكن دون تقديم حجج مقنعة.
الواقع ان تقدم وغيرها من قوي سياسية ومدنية وافراد ومنظمات تبذل ما تستطيع من جهد لوقف العدائيات وعودة الفريقين إلي طاولة المفاوضات. هذا المقال لا يهدف إلى مناقشة هذا الأمر، بل هو محاولة لتقديم رؤية أقرب لواقع الوجدان السوداني تجاه الفريقين المتحاربين وهي حرب نعلم جميعا إن الوطن والمواطن هو من يدفع تكلفتها الباهظة جدا ويسعى كل العقلاء إلى إيقافها، بل يتوق الناس إلى العودة لحياتهم الطبيعية قبل الحرب رغم ما كان بها من معاناة وشقاء.
حتي نفهم مشاعر الناس تجاه الفريقين المتقاتلين لا بد من الاستعانة بنظرية التطور والحداثة الثانية (استخدمها في مقابل الحداثة الاولي)، لأنها تبنت موقف يرتكز علي حقيقة أن المعرفة ثنائية وهي معرفة العقل مقابل الفطرة. والاستعانة بالتطور لا علاقة له بالقضايا الوجودية الكبري مثل الإيمان والإلحاد بل إنها استعانة ذات طابع معرفي أو ابستمولوجي ودليلي علي ذلك هو وقوف العديد من الدعاة الإسلاميين بحماس شديد مع نظرية التطور بحكم ان العلم الحديث والحفريات ظلت تؤكد صحتها في مجملها. هناك مثلا الشيخ عدنان ابراهيم في أوروبا وهناك عبد الصبور شاهين في مصر وهو للمفارقة كان ممن قدموا دعوة ضد الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد يكفره فيها ويؤيد ضرورة التفريق بينه وبين زوجته!.
بل حتي رموز الإسلام السياسى من أمثال القرضاوي كان قد صرح في لقاء تلفزيوني شهير فيما يتعلق بنظرية التطور، أنه علي إستعداد لإعادة تأويل النصوص الدينية لتستوعب نظرية التطور. وقبل ذلك كان الشهيد محمود محمد طه له موقف واضح مؤيد لنظرية تشارلز داروين بمعني أن أبو البشرية آدم كان له اب وام.
التطور يعني أن اسلاف الإنسان عاشوا ملايين السنين قبل ان يظهر الإنسان بشكله الحديث قبل عشرات الالاف إلي مائة الف سنة تقريبا. ومن المعروف أن غرائز الإنسان تطورت لتعزيز تناسله وتطوره وانطبعت تلك الغرائز في تلافيف الدماغ وهي قوية جدا لأنها ارتبطت ببقاء الإنسان. ومن المعروف ايضا أن الإنسان كان قد عاش آلاف السنين في مجموعات صغيرة ومن الغرائز القوية لديه هي غريزة الانتماء لمجموعته وحمايتها لأن في ذلك حماية لنفسه ولذلك أصبحت غريزة ( نحن) ضد ( الآخرين ) لحماية أنفسنا منهم ، قوية جدا ، بحيث لا يقل تاثيرها علي سلوك الإنسان عن غرائزه الجنسية والبيولوجية الأخري.
تطور العقل بمعني السببية والمنطق كان تطورا لاحقا وبطيئا في مقابل الفطرة intuition حتي ان أحدهم قال أن نمو ريش الطيور بعد أن تطورت من الزواحف كان بغرض التدفئة وليس الطيران وإن الطيران جاء عرضا. عقل الإنسان لانه مازال ضعيفا واسيرا لفطرته الحيوانيه يحتاج إلي روافع مثل المؤسسات والقيم وكل ما شانه تعزيز وترقية التفكير الجماعي. وقد شبه عالم النفس الامريكي الشهير جوناثان هيدت العقل براكب الفيل، والفيل في هذه الحالة هي الفطرة، وإنت لا تملك سوي توجيه ذلك الفيل الضخم إلي الوجهات الصحيحة ولا يمكنك تجاهله لانه سيكون من يقودك في هذه الحالة. مشكلة الحداثة الاولي إنها اعتقدت بقدرة العقل علي السيادة بل تحول دعاتها حتي إلي شئ شبيه ب " عبادة السبب" وهذا ما فعله الناس اثناء الثورة الفرنسية حينما دخلوا إحدى كاتدرائيات باريس وقاموا بتكسير تصاوير العذراء والسيد المسيح وكل الرموز الدينية واستبدلوها بشعارات تمجد السبب reason والعقل.
مع أن الواقع يقول أن القيم الدينية وكل القيم الإنسانية هي ضالة المجتمعات الإنسانية التي تسعى إلي الإستقرار والاحساس بالأمان والسعادة.
غريزة ( نحن) و( هم) هي المتحكمة بقوة الآن في الشهد السوداني، فهناك من يميل وجدانه إلى تأييد مليشيات الجيش لانه ينتمى إلي مجموعات وسط وشمال السودان المهدد ب ( الآخر) او حتي وهم إفتراض قومية الجيش رغم ان كل الدلائل تشير وبقوة الي غير ذلك. هناك من يقف مع قوات الدعم السريع ايضا بحكم الانتماء الجغرافي لغرب السودان وهناك من ينطلق من الانتماء إلي( قبيلته الايديولوجية ) في انحيازه إلي هذا الفريق أو ذاك .
ولذلك علينا أن نساعد عقلنا علي التحكم في ( فيل المعرفة الفطرية ) وتوجيهها إلي الطريق الصحيح ، طريق التفاوض من اجل السلام والامن والتفاهم والاستقرار.

talaat1706@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • سودانيون يحتفون بسيطرة الجيش على مدينة سنجة
  • الجيش السوداني يكثف ضرباته على مواقع الدعم السريع في الخرطوم وبحري
  • البرهان يكشف عن المرحلة المقبلة في السودان
  • الجيش السوداني يستعيد سنجة.. البرهان يتعهد بتحرير المزيد (شاهد)
  • البرهان يصل إلى سنار للوقوف على سير العمليات العسكرية
  • لماذا توقفت أميركا عن تأييد الدعم السريع؟
  • أين تقف .. مع مليشيات الجيش أم مليشيا الدعم السريع؟
  • المتحدث باسم القوة المشتركة: نجحنا بقطع طريق إمدادات عسكرية ولوجستية ضخمة كانت متجهة إلى مليشيا الدعم السريع
  • «بداية حرب عالمية ثالثة».. بايدن يورط الرئيس الأمريكي الجديد في مواجهة مع روسيا
  • مشروع قرار في مجلس النواب الأمريكي لحظر بيع الأسلحة للإمارات بسبب الدعم السريع