لو تعاملوا مع السودان مثل النيجر!
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
نصف دول العالم، فى الشمال والغرب، تمضى فى حالة قلق وانزعاج، مما قالت إنه انقلاب فى النيجر، فى حين لم تتحرك أى منها، فى اتجاه الضغط على أطراف الصراع فى السودان، أو حتى التقدم باقتراح أو مبادرة، قد تساعد على وقف الحرب، التى تواصل قتل آلاف المدنيين، ونزوح الملايين عبر الحدود، وطوال 118 يوماً، وهذه الدول لم تتحدث صراحة، عن انقلاب قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو «حميدتى» على سلطة المجلس الانتقالى، الذى توافق المكون المدنى، على أن يتولاه الفريق عبدالفتاح البرهان، لينتهى بانتخابات عامة فى السودان بعد عامين، لكن مطامع هذا الـ«دقلو» فى السلطة، سبقت إلى معارك مع الجيش.
** الشعب السودانى وحده، من يتحمل فاتورة هذه المعارك، ونعلم أنها فرضت على الدولة السودانيةـ بدعم من أطراف خارجية، مجاورة وإقليمية كذلك، فى سياق التآمر على الجمع العربى، وهو ما تنبهت إليه الإدارة المصرية، واحتاطت له جيداً.. أولاً: مع إجراءات تأمين الحدود، واستيعاب حركة النازحين.. وثانياً: عندما استضافت- يوم13 يوليو الماضى- مؤتمراً فى القاهرة، لدول جوار السودان السبع «ليبيا وأريتريا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان.. ثم مصر»، التى أجمعت فى بيان، على سيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه، وتشكيل آلية من وزراء الخارجية، لمتابعة تنفيذ بنود بيان المؤتمر العشرة.
** وما دون ما تبنته- وماتتبناه- مصر، من تنسيق وتشاور مع الشركاء الإفريقيين، لإيجاد مخرج للأزمة السودانية، تبقى التحركات الدولية والإقليمية متواضعة، ولا تقدم على عمل جاد، فى سبيل وقف الحرب هناك، إلا المبادرة السعودية، التى جمعت وفدين من الجيش والدعم السريع فى مدينة جدة، اتفقا على أكثر من هدنة بمساعدة أمريكية، فشلت كلها فى وضع مسار تفاوضى بين الطرفين، حتى المبادرة الإفريقية لمجموعة «إيقاد»، فشلت هى الأخرى، عندما رفض «البرهان» توسطها لدى السودان، لسبب أن رئيس كينيا، وليام روتو، كان من يتولى رئاسة المجموعة، والذى اتهمه بالتحيز لقوات الدعم السريع.
** لكن السؤال: ما الذى يمنع جيش السودان الوطنى، وهو يملك كل أنواع السلاح، الخفيف والثقيل والطيران، من إلحاق الهزيمة بقوات الدعم السريع، أو تحييد هذه الميليشيا المتمردة؟ وأظن أن القوات المسلحة السودانية، يمكنها محاصرة هؤلاء المرتزقة، داخل بيوت الخرطوم والولايات، وتخييرهم ما بين الاستسلام أو التصفية، ضمن تحرك مشروع فى قواعد الاشتباك، طالما كان الهدف حماية مقدرات الدولة، وسلامة شعب السودان، حتى لو كانت هناك اعتراضات، من أصحاب سيناريو إطالة أمد الحرب، أو من أولئك الذين يمدون قوات «حميدتى» بالمال والسلاح، لغرض أن تنهار الدولة السودانية، ومن بعدها دول عربية أخرى.
** لم يعد أحد ينتظر من جامعة الدول العربية، أكثر من الكلام، حتى دول أوروبا ومعها أمريكا، ليس عندها ما تقدمه للأزمة السودانية، وقد تملكها هاجس أن تكون السلطة الجديدة فى النيجر تواصل سياسة تطهير إفريقيا من الاستعمار الغربى، الذى استهلتها دول مالى وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى بطرد الفرنسيين، ما فتح باب الضغوط الغربية على دول «إيكواس» الـ15، حتى تعلن عن التهديد بتدخل عسكرى، أو إعادة سلطة الرئيس محمد بازوم، ومبعث قلق الغرب هنا، أن يخسر مصالحه ومناطق نفوذه، لصالح التمدد الروسى والصينى فى القارة.. هكذا تتعامل دول أوروبا وأمريكا بجدية مع تغيرات النيجر، فيما تتمايع مواقفها تجاه أحداث السودان.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصراع في السودان البرهان الشعب السوداني
إقرأ أيضاً:
رفعت عينى للسما
فى هذه الأيام الحالكة السواد، يتوق المرء إلى تلك اللحظات التى تحمله إلى الفرح والأمل والتوازن النفسى يصنع لنا مسارات التفاؤل بمستقبل، يعد بفيض ممتع من الفن الملهم الراقى. تملكتنى تلك اللحظات مع تتابع تترات النهاية للفيلم الوثائقى «رفعت عينى للسما» الذى يعرض الآن فى قاعات العرض، وقدم خلاله المخرجان «أيمن الأمير» و«ندى رياض» تجربة شديدة التفرد والخصوصية والإبداع، عملا من أجل إنجازها بلا كلل لأربعة أعوام، ليأتى فيلمهما حافلا بالصدق الفنى والرؤية الواعية التى تحملها رسائل تنطوى على الاحتفاء بمقاومة كافة عوامل التخلف الاجتماعى، الذى ترسخه تقاليد بالية تؤسس قواعد قهرها إلى الطرف الأضعف فى معادلة الهيئة الاجتماعية: المرأة.
ينطوى عنوان الفيلم على مضمونه: «رفعت عينى للسما» ليس استجداء أو ضعفا، كما هو المعنى المضمر الشائع لرفع العين إلى السماء، ولا قلة حيلة، بل أملا فى رحمة السماء الواسعة والممتدة، وشغفا بالأحلام والأخيلة التى تتشكل حين النظر إلى النجوم والكواكب فى أرجاء هذا الكون، وصولا لثقة بالنفس، تقود لرفع الرأس عاليا إلى السماء.
ويحكى الفيلم تجربة مجموعة فتيات موهوبات مفتونات بالفنون الإبداعية، ومسكونات بإيمان عميق بقدرة الفن على التأثير فى الواقع أو تغييره، من قرية البرشا - وهو اسم فرعونى للقرية ويعنى بالعربية مقاطعة الأرنب- إحدى قرى مركز ملوى بمحافظة المنيا، التى تقع شرق نهر النيل، حيث يجرى بجمال خلاب لا مثيل له، أحد أوسع فروع النهر، لتكوين «فرقة بانورما البرشا» لتقديم العروض المسرحية، فى شوارع القرية التى تعد نموذجا لكل قرى الصعيد. وبوعى تلقائى، أدركت فتيات البرشا أن الفن هو اللغة المشتركة التى يمكن للناس، أن يفهموا بها بعضهم البعض، برغم اختلاف ثقافتهم ومشاكلهم. فبدأن بتأسيس خشبة للمسرح للقيام بالتدريبات، وجلن شوارع القرية وهن يقرعن آلات إيقاعية، لتقديم مشاهد من عروضهن لأهلها.
أما المشاهد المسرحية، فهى تقدم نقدا لاذعا لما تتعرض له الفتيات من زواج قسرى، وتنمر تسلط ذكورى على مصائرها، داخل الأسرة والمجتمع. ولأنه نقد ينطوى على أهازيج غنائية، فهو يتحلى بالجاذبية والتسلية التى تنجح فى جذب انتباه أهالى القرية. ويعرج الفيلم لمصائر الفتيات أعضاء الفرقة حيث تتخلى إحداهن بالزواج عن حلمها أن تصبح مطربة مثل أصالة. وتستنيم أخرى لطلب خطيبها مغادرة الفرقة، برغم تشجيع أبيها لها على مواصلة حلمها كراقصة باليه وممثلة، وتتشبث ثالثة بحلمها وتقرر السفر للقاهرة لكى تلتحق بمعهد الفنون المسرحية، لكى تدرس فن التمثيل الذى عشقته.
ويأتى المشهد الختامى للفيلم مفعما بالإيحاءات البارعة. جيل جديد نشأ فى ظلال فرقة بانوراما البرشا، وتأثرا بها، متسلحا هذه المرة بما قد تعلمه من دروس نجاحها وإخفاقها، وشتاتها، يجوب أنحاء البرشا، وهو يقرع بشغف وهمة الطبول لإيقاظ الغافلين، ومواصلة الطريق الذى مهدته الفتيات، نحو الحرية والتحقق.
لم يكن غريبا أن يفوز الفيلم بجائزة العين الذهبية، للنقاد فى الأفلام التسجيلية فى مهرجان كان هذا العام، فقد مهد صدقه وتعبيره البسيط العفوى والمتقن عن واقع ريفى تقليدى، الطريق نحو هذا الفوز. فضلا عن التوظيف المتقن للغة والاستخدام الذكى للصورة، وللرموز الكنسية، والقرع المدوى للطبول، بما ينطوى عليه من معانى التحذير والتنبيه الإنذار، والسرد التلقائى والتجريبى لممثلين مبتدئين، وكلها أدوات تصوغ واقعا فنيا ينشد فيه الإنسان بالشجاعة والحرية مواجهة التهميش. ومثلما شيدت واقعية نجيب محفوظ الطريق نحو عالميته، فإن فيلم ندى رياض وأيمن الأمير «رفعت عينى للسما» يؤسس لسينما تسجيلية مصرية، تخطو بثبات نحو العالمية.