مرت هذا الشهر الذكرى 33 لغزو «صدام حسين» للكويت. كان التبرير الذى ساقه صدام لغزوه أن الكويت أغرق سوق النفط العالمى بالإنتاج مستخدما حقول النفط المشتركة بينهما، مما ساهم فى خفض أسعاره، وتكبيد العراق خسائر مالية بالغة، فضلا عن رفض الكويت إلغاء الديون التى تراكمت عليه، بعد ثمانى سنوات من الحرب مع إيران، رغم أن الحرب وفقا لرؤيته دافعت عن دول الخليج وصدت عنها الأطماع الإيرانية، ورفض الإنصات لكل الوساطات الدولية والعربية، حتى تمكنت واشنطن من استصدار قرار من مجلس الأمن بشرعية استخدام القوة لإخراج القوات العراقية من الكويت.
بنى صدام حسين حساباته على تصورات خاطئة أن الإدارة الأمريكية لن تغامر بدخول حرب مع واحد من أقوى الجيوش العربية من حيث التسليح والتدريب، وأوهام كامنة روادته منذ غياب عبد الناصر، بقيادة العراق للعالم العربى، فكانت النتيجة أن تحطمت مؤسسات الدولة العراقية، وتحطم الجيش العراقى وتم فرض حصار اقتصادى صارم على العراق لمدة 12 عاما، نهب خلالها وسطاء دجالون أموال الشعب العراقى وموارده فيما سمى بنظام النفط مقابل الغذاء.
ومنذ ذلك التاريخ لم تقم للجامعة العربية قائمة بعد الانقسام فى مواقف الدول والشعوب والنخب العربية الذى أحدثه الغزو، والسياسات الدولية التى قضت بإنهائه. وتكدست مياه الخليج وأرضه بالبوارج الحربية والقواعد العسكرية الأمريكية بزعم حمايته، وقيدت الدول العربية بعد ذلك إلى مؤتمر السلام الدولى فى مدريد الذى مهد لاتفاقيات أوسلو، وفتح الطريق واسعا لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، لتختفى القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى من جدول الاهتمام الدولى!
وخرجت الخطط الأمريكية المعدة لغزو العراق واحتلاله إلى العلن وتم تنفيذها عام2003، وما تبع ذلك من حروب طائفية ومذهبية داخل العراق وخارجه، ومن ربيع عربى أشعل فتيل حروب أهلية فى دول المنطقة، لم تهدأ حتى اليوم، لكى ينصب جماعة الإخوان قادة لدولها!
والأهم أن توارى إلى غير رجعة حلم الوحدة العربية، والإيمان بفكرة القومية العربية، وتعثر العمل العربى المشترك.
فى أثناء الغزو وقع عدد من المثقفين المصريين على بيان يحذر من عواقبه الخطيرة على الأمن العربى، ومساعدته على صرف الأنظار عن الانتفاضة الفلسطينية، وعن مشكلة هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل، وطالب البيان العراق بسحب قواته دون شروط من الكويت، والبدء فى مفاوضات بين الطرفين لحل الخلافات الناشبة بينهما. ولفت النظر إلى أن الأنظمة الديكتاتورية تورط الشعوب، وهى نفسها ما صنعت هشاشة الأنظمة الخليجية، ودعا البيان الجميع إلى استخلاص الدروس وأهمها أن الاستقرار السياسى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يمران إلا عبر أنظمة حكم ديمقراطى، تحكمه أسس قانونية ودستورية وبرلمانية راسخة.
وكان من دواعى السخرية أن يصف أحد معارضى البيان الموقعين عليه بعملاء الإمبريالية، ويقول فى إحدى الندوات إن أصحاب البيان يستميتون فى الدفاع عن اتفاقيات سايكس –بيكو الاستعمارية التى رسمت الحدود القائمة بين الدول العربية.
ولو أن أحدا استمع لمطالب هؤلاء «العملاء»، ما كنا اليوم نتحسر على سايكس –بيكو!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على فكرة الإدارة الأمريكية الكويت
إقرأ أيضاً:
الخيارات العربية فى غزة ولبنان!
ما بين قمم جماعية وأخرى ثنائية، وما بين نداءات بوقف النار ومفاوضات متواصلة لا تنتهى تبدو الدول العربية فى حالة تثير التساؤل بشأن قدرتها على التأثير على مجريات الحرب الدائرة على غزة ومن بعدها لبنان منذ أكثر من عام. طبعا المسألة ليست بالبساطة التى قد يتصورها البعض ولكن الكثيرين كانوا ينتظرون أن يكون للثقل العربى دوره على الأقل فى التخفيف من حجم البربرية الإسرائيلية مقابل ما اعتبرته بعض الدول العربية بربرية فلسطينية عبرت عنها وفق هذه الدول عملية طوفان الأقصى.
غير أنه فى مواجهة حالة جلد الذات بشأن ما يجب أن يتم عربيا لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وما بين الشعور بغياب ضرورة القيام بأى فعل انطلاقا من منظور البعض بأن العرب لا ناقة لهم ولا جمل فى هذه الحرب، وبين التصور الأقرب للرسمى بالعجز عن الفعل يقرر الواقع أن هناك ما يمكن القيام به ولو من منطلق أضعف الإيمان.
فى هذا المجال يجب التمييز بين شقين هما: القدرة على الفعل، وإرادة الفعل. فغير صحيح أن الدول العربية لا تملك ما يمكن أن تقوم به للتأثير على مجريات الأوضاع فى غزة، ولكن من الصحيح أنها لا تود أن تستخدم ما تملكه على خلفية رؤية خاصة بكل دولة ما يعنى فى النهاية أن الأزمة ناتجة عن غياب إرادة الفعل وليس القدرة عليه.
والحقيقة دون تهور أو إغراق فى خيالات لا صلة لها بالواقع، فإن خيار المساندة العسكرية ربما يجب استبعاده تماما ليس لأنه الخيار الخاطئ وإنما لأنه الخيار غير المطروح على طاولة الجانب العربى.. وحين نتحدث عن الجانب العربى فإننا لا نفترض أنه كتلة واحدة وإنما دول متعددة ولكن كل دولة على حدة تكاد تكون استقرت على هذا الأمر لأسبابها الخاصة.
ربما يطفو على السطح هنا خيار آخر له وجاهته ومنطقة وهو تسليح المقاومة الفلسطينية باعتبارها تقاوم إحتلال وهى مقاومة مشروعة بمقتضى القانون الدولى، وهو أمر يجد نظيرا له فى السياسة الدولية الحالية ممثلة فى حالة مساندة الغرب لأوكرانيا بالسلاح فى مواجهة ما يراه الغرب من اعتداء روسى على سيادة أوكرانيا والعمل على احتلال أراضيها.
لكن هذا الخيار قد يدخل فى دائرة المحظورات أو يمكن اعتباره المحظور الثانى بعد المواجهة العسكرية فى ضوء تعقد المواقف من حركات المقاومة ودمغها دوليا بأنها إرهابية رغم زيف هذا الاتهام، على نحو قد يضع الدول العربية فى عداد مساندة الإرهاب فى منظور الغرب بشكل أساسى وبشكل قد يتم معه تكتيل موقف دولى مناهض يستدعى مشكلات لا ترغب الدول العربية فى الدخول فيها.
كل هذا بعيداً عن السبب الذى يلوح به البعض دون أن نجزم به أو نؤيده وإن كنا نعتبر أنه سبب قائم ألا وهو الموقف السلبى لبعض الأنظمة العربية من حركات المقاومة والتى تتخذ طابعا إسلاميا وهو أمر يبعد عن تناولنا فى هذه السطور.
يبدو فى حدود الرؤية العامة أن الخيارات تضيق بشكل قد تصبح معه ليس هناك خيارات، وهو أمر غير صحيح، حيث يبرز ما نسميه الخيارات السلمية التى لا تأخذ شكلا صداميا ويمكن أن تؤتى أكلها. وعلى ذلك قد تكون العودة بالعلاقات العربية مع إسرائيل إلى المربع صفر نقطة بداية لمجموعة من الإجراءات التى قد تجبر إسرائيل على وقف الحرب. ويشمل ذلك إحياء المقاطعة واتخاذ إجراءات نحو وقف مسيرة دمج أو إدماج إسرائيل فى المنطقة. مجرد أفكار لكن ينقصها الرغبة فى التنفيذ ليس إلا!
[email protected]