سودانايل:
2025-03-04@14:40:10 GMT

أنا والحزب الشيوعي السوداني: من التأثر إلى الثورة

تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT

د. عبد المنعم مختار

أستاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

ما صدقت الخبر الفاجع
فدخلت عليه الراقد
صرخت في كلتا أذنيه:
ايليتش أعداء الثورة قادمون
فلما لم يهب واقفاً
أدركت أنه قد مات

***
الفارس معلق ولا الموت معلق
حيرنا البطل
يا ناس الحصل
طار من سجنه حلق
فج الموت وفات
خلى الموت معلق
في عيننا بات
وسط الناس نزل
من كل الزوايا
ممدود الايادي بالخير والتحايا
والحزب الشيوعي

***
في انتظارك وفي انتظارك
وفي شراييني بيدمدم حس قطارك
لو افوت السجن واسكن في جوارك
وامسح برموش العين غبارك

أعلاه ما علق في الذاكرة من شعر لكتّاب شيوعيين لأكثر من أربعين عاماً دون أدنى تصحيح أو مراجعة.

وأنا الآن أحب شعرًا آخر.

مشهد أول

كان اسمي الحركي الوحيد هو "محمد الأول"، وقد أطلقه عليّ الخال الحبيب دكتور كمال محمد عطية والخالة العزيزة أسماء، أخته الأصغر المحامية، عندما شرعوا في تسجيل قصائد ثورية بصوتي عندما كنت في حدود الثامنة من العمر. قاموا بتحفيظي عدداً من القصائد الثورية لكتّاب شيوعيين مثل محجوب شريف، وساعد في التحفيظ تلحين القصائد على إيقاع "المفراكة" وهي تهوي على قاعدة الحلة المحترقة. كان هذا مثيراً لي كطفل، كما كان مثيراً تغيير السيارات وصولاً إلى منزل "جالوص" مؤمن حيث قمنا بالتسجيل. حسب علمي اللاحق، تم توزيع التسجيل الصوتي على المعتقلين السياسيين في شتى سجون السودان.

مشهد ثانٍ

البروف، كما يحلو لنا أن نطلق على الخال عبد المنعم محمد عطية، صديق وجار الوالد، كان يختلي بمحمد إبراهيم نقد، إن لم تخني الذاكرة، في حوش دارنا المستأجر في باطنية امتداد ناصر، عقب إحدى الليالي السياسية دعماً لترشيح فاطمة أحمد إبراهيم في دائرة البراري عشية انتخابات 1986 في السودان. سمعت نقاشات ونقداً خشناً لنقد من البروف، ولم أفهم الكثير لأنني كنت في الرابعة عشرة من عمري، ولكنني أعجبت بتهزئة رئيس الحزب الشيوعي العظيم من قبل خالي.

مشهد ثالث

الاغتيال السياسي لابن الدفعة طارق محمد إبراهيم خلال سنة الدراسة الجامعية الأولى، عقب إهانة التدريب العسكري الإجباري في معسكر القطينة، شكل صدمة كبيرة بالنسبة لي. كتبت قصيدتين هتافيتين ضد العسكر والجبهجية والترابي والتنقاري، بالأسماء، وبدأت أتجول في جميع مجمعات جامعة الخرطوم، في سنين بيوت الأشباح، لأزعق بهما في وجه القتلة. تم اعتقالي وتعذيبي، وأدخلت نتيجة لذلك إلى غرفة الإنعاش المكثف، وحييت الموت مثل لوركا، ولكنني نجوت.

مشهد رابع

سكنت معظم سنتي الدراسية الأولى في مكتبات جامعة الخرطوم في مجمع الوسط، حيث كنت أقرأ في الحب والكراهية، في الاحترام والإذلال، في الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا، الدين، السياسة، الاقتصاد، علم النفس، الاجتماع، وغيرهم. اكتشفت خليط الاجتماع بكل ما سبق وشغفت بفلسفة الاجتماع البشري وعلم النفس الاجتماعي واقتصاد السوق الاجتماعي. هنا كان كارل ماركس وفريدريك إنجلز، وغوستاف إدرينغ، وجورج لوكاتش، ومحمد عابد الجابري، وأنطونيو غرامشي، وعبد الله العروي وغيرهم من اليسار واليمين حاضرين. لكنني لم أصبح شيوعياً رغم النشأة، وذلك بفضل القراءة.

مشهد خامس

سبقتُ في نعيه بـ "حسن الكضاب"، ونعته آخرون لاحقاً بـ "حسن طرحة". كان هذا الكائن أداة الحزب الشيوعي السوداني عبر واجهة الجبهة الديمقراطية بالجامعات لاتهامي بالكوزنة والأمنجة أيضاً، والدليل فقط أن خاله الشيوعي قال، وهو لم يقل. بدأت الملهاة في أركان نقاش بجامعة أم درمان الأهلية، التي قمت بتدريس طلبة الطب بها بعد الثورة الأخيرة، وانتهت عبر أركان نقاش في جامعة الخرطوم ابتدرتها أنا للتصدي لجائحة الإفك التي، لو تعلمون، كانت مؤلمة الأثر على شاب مثالي لم يبلغ الرابعة والعشرين بعد، وكاد أن يتولى منصب السكرتير العام لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم لولا إلغاء الكيزان لنتيجة الانتخابات الواضحة.

خاتمة

هذه مشاهد من كل. وهي إشهار خلفية لمن يهمه الأمر. ومقالي القادم بعد حين سيكون دعوة مسببة لحل الحزب الشيوعي السوداني وحظر أنشطته كأحد وسائل تحصين الانتقال المدني والتحول الديمقراطي القادم في السودان.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جامعة الخرطوم

إقرأ أيضاً:

صراع على زعامة حزب «الأمة» السوداني يهدد بانشقاقه .. الخلاف حول «الحكومة الموازية» فجّر الأزمة وأخرجها إلى السطح

كمبالا: أحمد يونس/الشرق الأوسط: فجر توقيع «إعلان السودان التأسيسي» الذي يهدف إلى إنشاء «حكومة موازية» في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»، صراعات داخل حزب الأمة القومي، أكبر أحزاب السودان، وأدى إلى تبادل بيانات متضاربة من قيادات الحزب، تراوحت بين الفصل والتعيين والحل لقيادات ومؤسسات الحزب.

وأصدرت «مؤسسة الرئاسة» التي تتكون من نواب رئيس الحزب ومستشاريه، قراراً بعزل الرئيس، اللواء المتقاعد فضل الله برمة ناصر، وتسمية محمد عبد الله الدومة رئيساً مكلفاً جديداً. وأبرز أعضاء هذه المجموعة هم صديق إسماعيل، وإسماعيل كتر، ومريم الصادق المهدي.

من جانبه، فاجأ الرئيس المكلف، برمة ناصر، الجميع بإصدار قرار موازٍ حل بموجبه مؤسسة الرئاسة، وأعلن عزمه على تعيين هيئات ونواب ومساعدين جدد. وسانده في ذلك رئيس المكتب السياسي محمد الحسن المهدي، الذي عدّ قرار مؤسسة الرئاسة غير دستوري، وأن النواب والمستشارين يعينهم الرئيس ولا يملكون حق عزله.

وكانت قد بدأت بوادر هذا الخلاف حول زعامة الحزب مباشرة بعد رحيل الزعيم التاريخي الصادق المهدي، الذي كان آخر رئيس وزراء منتخب في العهد الديمقراطي. وبعد وفاته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، تم اختيار برمة ناصر رئيساً مكلفاً، مما أبقى الصراع على زعامة الحزب خفياً في ظل الصراعات الأخرى الأكبر حجماً والتي كانت تهدد مستقبل البلاد.

لكن عندما اندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في 15 أبريل (نيسان) 2023، تفاقم الخلاف داخل الحزب حول المواقف المختلفة، إلى أن وصل إلى الخلاف العلني الحالي، فيما يشبه الانشقاق.

تاريخياً ظل حزب الأمة يخضع لقيادة آل المهدي، ومع اندلاع الحرب اختار الجنرال المتقاعد برمة ناصر - مدعوماً بجناح من أسرة المهدي يقوده صديق ابن الصادق، الانحياز للقوى المدنية المناهضة للحرب والمنضوية تحت مظلة «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» المعروفة اختصاراً بـ«تقدم». وفي المقابل انحاز التيار الآخر من أسرة المهدي بقيادة الابن الأكبر عبد الرحمن، للجيش بتأييد بعض أفراد الأسرة الآخرين.

وللصراعات في حزب الأمة أبعاد سياسية ودينية وأسرية، برزت أول مرة في ستينات القرن الماضي، بين الصادق المهدي الطامح آنذاك في رئاسة الحزب، وعمه راعي الحزب الهادي المهدي. وأدى ذلك الصراع لانقسام إلى جناحين، أحدهما بقيادة الصادق، والآخر بقيادة الإمام الهادي.

لكن الحزب توحد لاحقاً تحت قيادة الصادق، بعد مقتل الإمام الهادي على أيدي السلطة العسكرية التي استولت على الحكم في انقلاب عسكري عام 1969. فجمع الصادق بين رئاسة الحزب وإمامة طائفة «الأنصار» التي تشكل الغالبية العظمى لأتباع الحزب، بعد أن كان المنصبان منفصلين، وهو ما عُرف بالجمع بين «القداسة والسياسة».

ويقول مقربون من الحزب إنه عندما تولى الجنرال المتقاعد فضل الله برمة ناصر رئاسة الحزب بعد رحيل زعيمه التاريخي الصادق المهدي، أصبح ناصر أول رئيس للحزب من خارج بيت المهدي، لذلك واجهت رئاسته تحديات عدة، على رأسها طموحات بعض أبناء المهدوي في المنصب.

وتأثر الحزب بتفاقم خلافات الأسرة المهدوية، خصوصاً بعد اندلاع الحرب وبروز تيارين داخل الأسرة، ثم تفجر الوضع مؤخراً بعد توقيع رئيس الحزب برمة ناصر على «إعلان السودان التأسيسي» الذي يطالب بدولة علمانية فيدرالية. وتاريخياً يستند حزب الأمة إلى إرث الثورة المهدية في منتصف القرن التاسع التي كانت دينية الطابع، لكن الحزب ساند الأنظمة الديمقراطية في معظم الأوقات الحديثة بعد الاستقلال.

تيارات ثلاثة
وقال القيادي في الحزب صلاح جلال، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القداسة انتهت بموت الصادق المهدي، ولا يوجد الآن شخص يحمل رمزية دينية لتقدسه جماهير طائفة الأنصار». وحسب جلال، تصطرع 3 تيارات داخل الحزب الآن: تيار مؤيد لحكومة بورتسودان التي يقودها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وتسانده الحركة الإسلامية، ويتكون هذا التيار من محمد عبد الله الدومة والفريق صديق إسماعيل وآخرين، ويقوده من خلف ستار عبد الرحمن الصادق المهدي. والتيار الثاني ينتمي إلى تحالف «تقدم»، ويقوده الأمين العام للحزب الواثق البرير وصديق الصادق المهدي. وتيار ثالث بقيادة رئيس الحزب برمة ناصر، وهو التيار الذي وقع على «الميثاق التأسيسي».

وتعليقاً على قرارات العزل والتجميد الصادرة من التيارات الحزبية، قال جلال: «رئيس الحزب هو المسؤول السياسي الأول، ويحاسبه المؤتمر العام، ويملك شرعية دستورية ومؤسسية في اتخاذ القرارات». وتابع: «المجموعة التي فصلته نواب ومستشارون يعينهم ويعزلهم الرئيس ولا يمكنهم فصله، ولا تؤيدهم تقاليد دستورية أو تنظيمية، ومن حق الرئيس إيقافهم بنص دستور الحزب، ولائحة الطوارئ الحزبية التي تكفل للرئيس تجميد كل الأجهزة وتشكيل أجهزة طوارئ».

وأضاف جلال أن أنصار الحزب في إقليمي كردفان ودافور في غرب السودان يمثلون 60 في المائة تقريباً من جماهير الحزب، وهم يؤيدون «ميثاق التأسيس»، وينظرون إلى اللواء برمة ناصر بوصفه بطلاً.

خلافات مكبوتة
وبحسب الصحافي محمد لطيف، تكمن مشكلة حزب الأمة في الإدارة المركزية التي كانت متبعة في عهد الزعيم الراحل الصادق المهدي، قائلاً: «ظلت الكلمة الأولى والأخيرة للإمام الصادق بغض النظر عن الخلافات والاختلافات... وبغيابه برزت الخلافات المكبوتة إلى السطح».

وأضاف: «في حياة الإمام الصادق كان هناك رأي سلبي من انخراط نجله عبد الرحمن في حكومة (الرئيس السابق) البشير، لكن بغياب الصادق انقسم الأشقاء إلى مجموعتين، لكل مجموعة موقفها من عبد الرحمن، وانعكس ذلك على الحزب فتعقدت أموره، لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم».

ولخص لطيف الخلافات بقوله إن «حزب الأمة في مفترق طرق، ويصعب الحديث عن تجاوز الأزمة أو رتق هذا الخلاف لأنه أصبح خلافاً مؤسسياً واستراتيجياً، ونتوقع حدوث الأسوأ».

   

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني: “الدعم السريع” هاجمت بمسيرات سد مروي شمال البلاد
  • الجيش السوداني يستعيد مواقع استراتيجية ويسيطر على جسر المنشية في الخرطوم
  • «شرق النيل» في قبضة الجيش السوداني
  • الجيش السوداني يعلن سيطرته على "مواقع استراتيجية" شرقي الخرطوم
  • الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
  • «الشيوعي السوداني» يحذر من تبعات محاولات طرفي الحرب لتشكيل حكومات
  • الجيش السوداني يتقدم شرقي الخرطوم
  • كيف صمدت مقار الجيش السوداني أمام حصار 21 شهرا؟
  • صراع على زعامة حزب «الأمة» السوداني يهدد بانشقاقه .. الخلاف حول «الحكومة الموازية» فجّر الأزمة وأخرجها إلى السطح
  • الجيش السوداني يتقدم أكثر باتجاه العاصمة و مقتل 10 من مليشيات الدعم السريع