أنا والحزب الشيوعي السوداني: من التأثر إلى الثورة
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
د. عبد المنعم مختار
أستاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية
ما صدقت الخبر الفاجع
فدخلت عليه الراقد
صرخت في كلتا أذنيه:
ايليتش أعداء الثورة قادمون
فلما لم يهب واقفاً
أدركت أنه قد مات
***
الفارس معلق ولا الموت معلق
حيرنا البطل
يا ناس الحصل
طار من سجنه حلق
فج الموت وفات
خلى الموت معلق
في عيننا بات
وسط الناس نزل
من كل الزوايا
ممدود الايادي بالخير والتحايا
والحزب الشيوعي
***
في انتظارك وفي انتظارك
وفي شراييني بيدمدم حس قطارك
لو افوت السجن واسكن في جوارك
وامسح برموش العين غبارك
أعلاه ما علق في الذاكرة من شعر لكتّاب شيوعيين لأكثر من أربعين عاماً دون أدنى تصحيح أو مراجعة.
مشهد أول
كان اسمي الحركي الوحيد هو "محمد الأول"، وقد أطلقه عليّ الخال الحبيب دكتور كمال محمد عطية والخالة العزيزة أسماء، أخته الأصغر المحامية، عندما شرعوا في تسجيل قصائد ثورية بصوتي عندما كنت في حدود الثامنة من العمر. قاموا بتحفيظي عدداً من القصائد الثورية لكتّاب شيوعيين مثل محجوب شريف، وساعد في التحفيظ تلحين القصائد على إيقاع "المفراكة" وهي تهوي على قاعدة الحلة المحترقة. كان هذا مثيراً لي كطفل، كما كان مثيراً تغيير السيارات وصولاً إلى منزل "جالوص" مؤمن حيث قمنا بالتسجيل. حسب علمي اللاحق، تم توزيع التسجيل الصوتي على المعتقلين السياسيين في شتى سجون السودان.
مشهد ثانٍ
البروف، كما يحلو لنا أن نطلق على الخال عبد المنعم محمد عطية، صديق وجار الوالد، كان يختلي بمحمد إبراهيم نقد، إن لم تخني الذاكرة، في حوش دارنا المستأجر في باطنية امتداد ناصر، عقب إحدى الليالي السياسية دعماً لترشيح فاطمة أحمد إبراهيم في دائرة البراري عشية انتخابات 1986 في السودان. سمعت نقاشات ونقداً خشناً لنقد من البروف، ولم أفهم الكثير لأنني كنت في الرابعة عشرة من عمري، ولكنني أعجبت بتهزئة رئيس الحزب الشيوعي العظيم من قبل خالي.
مشهد ثالث
الاغتيال السياسي لابن الدفعة طارق محمد إبراهيم خلال سنة الدراسة الجامعية الأولى، عقب إهانة التدريب العسكري الإجباري في معسكر القطينة، شكل صدمة كبيرة بالنسبة لي. كتبت قصيدتين هتافيتين ضد العسكر والجبهجية والترابي والتنقاري، بالأسماء، وبدأت أتجول في جميع مجمعات جامعة الخرطوم، في سنين بيوت الأشباح، لأزعق بهما في وجه القتلة. تم اعتقالي وتعذيبي، وأدخلت نتيجة لذلك إلى غرفة الإنعاش المكثف، وحييت الموت مثل لوركا، ولكنني نجوت.
مشهد رابع
سكنت معظم سنتي الدراسية الأولى في مكتبات جامعة الخرطوم في مجمع الوسط، حيث كنت أقرأ في الحب والكراهية، في الاحترام والإذلال، في الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا، الدين، السياسة، الاقتصاد، علم النفس، الاجتماع، وغيرهم. اكتشفت خليط الاجتماع بكل ما سبق وشغفت بفلسفة الاجتماع البشري وعلم النفس الاجتماعي واقتصاد السوق الاجتماعي. هنا كان كارل ماركس وفريدريك إنجلز، وغوستاف إدرينغ، وجورج لوكاتش، ومحمد عابد الجابري، وأنطونيو غرامشي، وعبد الله العروي وغيرهم من اليسار واليمين حاضرين. لكنني لم أصبح شيوعياً رغم النشأة، وذلك بفضل القراءة.
مشهد خامس
سبقتُ في نعيه بـ "حسن الكضاب"، ونعته آخرون لاحقاً بـ "حسن طرحة". كان هذا الكائن أداة الحزب الشيوعي السوداني عبر واجهة الجبهة الديمقراطية بالجامعات لاتهامي بالكوزنة والأمنجة أيضاً، والدليل فقط أن خاله الشيوعي قال، وهو لم يقل. بدأت الملهاة في أركان نقاش بجامعة أم درمان الأهلية، التي قمت بتدريس طلبة الطب بها بعد الثورة الأخيرة، وانتهت عبر أركان نقاش في جامعة الخرطوم ابتدرتها أنا للتصدي لجائحة الإفك التي، لو تعلمون، كانت مؤلمة الأثر على شاب مثالي لم يبلغ الرابعة والعشرين بعد، وكاد أن يتولى منصب السكرتير العام لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم لولا إلغاء الكيزان لنتيجة الانتخابات الواضحة.
خاتمة
هذه مشاهد من كل. وهي إشهار خلفية لمن يهمه الأمر. ومقالي القادم بعد حين سيكون دعوة مسببة لحل الحزب الشيوعي السوداني وحظر أنشطته كأحد وسائل تحصين الانتقال المدني والتحول الديمقراطي القادم في السودان.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جامعة الخرطوم
إقرأ أيضاً:
مشهد بائس يتطلب التدخل
مشهد بائس يتطلب التدخل _ #ماهر_أبوطير
قبل سنوات طويلة كتبت عن #تراجع #جودة #الحياة في #الأردن، وأرفقت أدلة على ذلك نعيشها بشكل يومي، فاحتج رئيس وزراء سابق، لم يكن في موقعه يومها، وقال في برقية عاجلة مع مشارف الفجر عبر واتس آب بما معناه أنك كاتب صحفي متخصص في الشأن السياسي، وهذه القصص دون مستواك، فما علاقتك بكل هذه القصص، وعليك أن تترفع عنها.
تبسمت يومها، لأن الرئيس السابق يجلس في بيت معزول الزجاج، ولا يسمع ولا يعرف عما يحدث خارج منزله من فوضى عارمة حولت عمان وكل مدن المملكة الى ساحة مفتوحة لمن هبّ ودبّ، دون تنظيم، أو تنبه إلى أين يتم اختطاف المدن الأردنية والحياة فيها.
الذي كتبته يومها يستحق الإعادة، فهذا البلد بدلا من أن تكون لديه شركة حكومية استثمارية بيئية تتولى إعادة تدوير النفايات، وهي مؤكدة الربح، يتم ترك آلاف البشر لنبش الحاويات في الأردن، وما من حي في عمان وشقيقاتها إلا وتهاجمه سيارات متتالية، لنبش ما فيها، والقفز داخل الحاويات، والكل يريد البلاستيك او الخشب او الملابس القديمة، وقد قرأنا في تقرير سابق ان عدد النباشين في إحدى المحافظات بات يزيد على الألف، في مظهر غريب وكأننا في بلد منهار، ومع هؤلاء مئات السيارات التي تجوب الأحياء كل يوم، وتستعمل المكبرات ويصرخ أصحابها لمن يريد بيع غسالته التالفة، والحي الواحد تتزاحم عليه البكبات وتتنافس، شعبيا كان أم حياً ثريا، ولو كنت عربيا أو أجنبيا لما اشتريت شقة في عمان، أمام هذه المشاهد، التي تلحقها مشاهد سيارات الغاز التي تبث الموسيقا وتهين مؤلفها وعازفها، وسط سباق كبير بين البكبات على ذات الحي، برغم أخطار بيع الغاز بهذه الوسيلة، بسيارات متهالكة قديمة قد تسبب الأذى، في الوقت الذي نرى فيه دولا عربية كان بعضنا يطيل اللسان عليها من فرط غرورنا، تبيع ذات الأسطوانات عبر شبكات الهاتف، واتصال المواطن بالموزع الذي يريده، لا تلويث البلد، وإزعاج الناس، دون أن ننسى هنا عواصف بكبات الخضار، والفواكه، والمواد الكيماوية، وأحيانا هناك بكب متخصص في الطماطم، وآخر في البيض، وثالث مؤمن يغير بضاعته يوم الجمعة، ليبيعها أمام المسجد تاركا كل نفاياته أمام المسجد.
مقالات ذات صلة بصراحة 2024/11/06القصة ليست شخصية، هنا، لكنك حين تقرأ عن خطط تحديث جودة الحياة، والكلام عن تحسين مستويات العيش والمدن الذكية، ومدن المستقبل، وما يتعلق بالمزايا التنافسية والسعادة والرضى ومستوى المعيشة وأنماط الحياة، وتحسين نوعية الحياة من خلال تحسين نوعية السكن، والبنى التحتية والمرافق، وخدمات التنقل، ونوعية التعليم، والمرافق العامة والخدمات، وتعزيز تطبيق سيادة القانون، ندرك أنها ما تزال بعيدة المنال، فالحياة في المدن الأردنية تتراجع، فلا قانون يطبّق، وهناك ظواهر جديدة تتعاظم من تسونامي المتسولين على أبواب البيوت والإشارات المرورية وأجهزة الصراف الآلي، مرورا بعمليات البناء في الأردن التي تتواصل في الإجازات الأسبوعية، وفي الليل قبل النهار، دون أي قانون أو رقابة، فوق حفلات الزواج والتخرج والطهور التي يتم استباحة الأحياء بصوت مكبراتها.
هذه فوضى عارمة، تؤدي إلى تدني مستويات جودة الحياة، ونحن بشكل متدرج نتحول إلى مدن يفعل من فيها ما يريدون، فلا رقابة ولا قوانين، ثم نتحدث عن جلب الاستثمارات، وعن هدفنا بجلب من يشتري العقارات في الأردن من العرب والأجانب، ونترك الحياة في الوقت ذاته دون معيار، وكأننا وسط سوق شعبي يغرق في الضجيج، بل ونمعن أكثر ونقول إن علينا أن ندع هؤلاء ليترزقوا، ويعيشوا، لأن هناك أزمة اقتصادية، فيما كل المشهد يحفل بالعيوب أصلا.
ما بين رأي رئيس يطالبني بالترفع عن هكذا قصص، ورئيس حالي نتوقع منه أن يتدخل ويجمع كل الجهات المختصة من أجل لملمة هذه الفوضى وتلطيف الحياة على الأردنيين، وتحسين مستوياتها، لا بد أن يقال إن هكذا مطالعة تعد سياسية تستحق المعالجة والإثارة.
نريد هدنة من أجل السكينة أو النوم فقط.
الغد